تأتي الرّغبة في عرض صيغة للتّعامل المنهجيّ مع وثيقة تربويّة تعتبر من أهمّ الوثائق التي تؤرّخ لتعلّمات التّلاميذ بالفصل الدّراسيّ في سياق تبادل التّجربة وإثراء الخبرة والأخذ بالأساليب النّوعيّة المنفتحة على جديد الحقل التّربويّ، والتّطلّع إلى مسايرة حركة الإصلاح وتفعيل أطر التّصحيح البيداغوجيّ المقرّرة في المدرسة الابتدائيّة المغربيّة ضمن البرنامج الاستعجاليّ، وبالله التّوفيق تأطير نظريّ مقدّمة عامّة: تُدْرِج التّصوّرات البيداغوجيّة الحديثة كلّ الأنشطة التي يقوم بها التّلميذ داخل فضاء المؤسّسة التّعليميّة سواء تعلّق الأمر بقراءة نصّ وكتابته، أو بحلّ مسألة رياضيّة وتعلّم تقنيّة، أو تعلّق بتركيب قطع لبناء آلة أو بحركة رياضيّة ضمن فعل مقصود وهادف يعتبر العقل التّواصليّ مادّته وعدّته، لذلك فهي تقبل من منطلق نفعيّ التّنظيم التّعدّديّ للنّظريّة، وترى في تنوّع الأفكار والمواقف تغذيّة راجعة تحقّق الثّراء اللاّزم لتعزيز أو تعديل أو إعادة صياغة وبناء الفعل التّربويّ الذي تقترح أن يتمحور حول المتعلّم من أجل مساعدته على اكتساب (ACQUERIR) أنماط مختلفة من القدرات (CAPACITES) التي تشكّل في المحصّلة مفرشة (SOCLE) أي رأسمال أدنى أو ذخيرة دنيا تقبل التّنميّة على مدى زمنيّ معيّن، فتحقّق تراكما منظّما يضمن الاستمراريّة المثلى للتّعلّم بالنّسبة للتّلميذ، وأساسا تقوم عليه مجمل الكفايات (COMPETENCES) التي يستهدفها المنهاج الدّراسيّ في إطار عنايته بترقيّة مهارات (HABILETES) المتعلّمين لإحداث تغيير أو تعديل مقصود في سلوكهم المعرفيّ أو الحركيّ أو الوجدانيّ عبر وضعيّة عفويّة أو مبرمجة تثير ذلك التّفاعل المرغوب بين قدراتهم كأشخاص مختلفين عن بعضهم، وبين أسلوب المدرّس وموضوع التّعلّم والمحيط السّوسيوثقافيّ للوصول في النّهاية إلى إنجاز (PERFORMANCE) يقبل الملاحظة والتّمحيص والقياس. مراجعات تحت ضغط الضّرورة: لقد أبانت الممارسة البيداغوجيّة التي كانت سائدة في المدرسة المغربيّة لفترة من الزّمن عن الافتقار لشروط التّقويم التّربويّ البنّاء ومتطلّبات التّفاعل العلائقيّ الإيجابيّ، حيث إنّ ما اعتمد في سياقها من أنشطة تقويميّة غالبا ما كان ذا بعد معرفيّ يركّز على المراقي العقليّة خاصّة منها الحفظ والاسترجاع ما دفع التّلميذ إلى تعلّم الإجابة عن السّؤال \"بجميع الوسائل الممكنة\" للحصول على نقطة عدديّة تمكّنه من النّجاح بأقلّ كلفة وجهد ودون الوقوع في الخطأ أو التّعرّض للعقاب، لكن وفي سياق المراجعات التي عرفها النّظام التّربويّ تمّ إقرار العمل بنموذج المدرسة السّلوكيّة وجيلها الأوّل المتمثّل في طريقة التّدريس بالأهداف وفي مرحلة لاحقة بالنّموذج الكفائيّ استدراكا على ذلك الجيل الذي اعتمد بيداغوجيا المحتويات والذي وجّهت له انتقادات من أهمّها: التّذريّة أو التّفتيت (L ATOMISATION) لما كانت تعمد إليه من تجزئة تفتّت التّكوين لتحيله إلى تعلّمات متجاورة وخطّيّة (VERTICALE). الآليّة (L AUTOMATISME) بالتّركيز على الأهداف السّلوكيّة بشكل يرمي إلى قيادة السّلوك عبر تثبيت الاستجابة الشّرطيّة بدل تنميّة الذّكاء وبناء القدرة على الاكتشاف والإبداع وتكوين المواقف الشّخصيّة المستقلّة، ثمّ بتركيزها أيضا على التّعلّمات المعرفيّة والحركيّة على حساب التّعلّمات السّوسيو وجدانيّة. لذلك جاء العمل بالجيل الثّاني للمدرسة السّلوكيّة المتمثّل في النّموذج الكفائيّ عموما كتعبير عن حركة تصحيحيّة تركّز على القدرة باعتبارها سمة ثابتة ودائمة للشّخصيّة، واستعدادا كامنا في الفرد يؤهّله للقيام بإنجاز معيّن يقاس النّجاح فيه استنادا إلى معايير دقيقة وموضوعيّة فيعتبر مؤشّرا على تحقّقها، فهو أي النّموذج الكفائيّ من هذه النّاحية نموذج من أبرز سماته التّكامل والاندماج، وبتناوله الأنماط العليا والدّنيا للتّعلّم يمزج بين أطروحتي النّظريّة السّلوكيّة والنّظريّة المعرفيّة والإدراكيّة، لأنّ الأنماط الدّنيا للتّعلّم كالحركات يتم اكتسابها وفق آليّات التّعلّم عند السّلوكيّين، أي وفق المثير والاستجابة والتّعزيز، في حين يخضع تعلّم الأنماط العليا كحلّ المشكلات وبناء المفاهيم وتحليل النّصوص لنظريّة معرفيّة تأخذ بعين الاعتبار مفهوم المعنى ومفهوم السّيرورة الذّهنيّة الدّاخليّة لدى المتعلّم، كما أتى استجابة لمطلب إصلاح قطاع التّربيّة والتّكوين الذي أجمعت عليه كلّ القوى الحيّة بالبلاد دولة وشعبا ومؤسّسات دستوريّة سياسيّة ومدنيّة، ومواكبة لما تراكم من تجربة لدى العديد من الدّول في هذا المجال، حيث وجّه النّداء لجميع الفاعلين التّربويّين لإنجاح الأهداف المرصودة لعشريّة الإصلاح، علما أنّ إنجاحها يتوقّف على مدى الانسجام الحاصل بين عناصر النّظام التّربويّ من جهة، ومن جهة أخرى على امتلاك القائمين على التّنفيذ لرؤية مستقبليّة تلتزم التّخطيط والمرونة في تدبير الإنجاز من أجل تحسين كفاءة ذلك النّظام سواء الدّاخلية منها أو الخارجية، ثمّ على إدراكهم لأهمّيّة ما يبذل من جهد في التّأصيل النّظريّ لما تمّ اقتباسه وتوظيفه في الحفاظ على مقوّمات الهوّيّة المغربيّة الإسلاميّة. خصائص النّموذج الكفائيّ: ومن الملاحظات التي يجدر التّوقّف عندها في هذا الإطار اعتماد منهجيّة التّدريس بالكفايات كسابقتها لمبدأ المنفعة الذي تأخذ به الفلسفة البراغماتيّة وانتماء كلّ منهما للمدرسة السّلوكيّة ممّا يجعل الطّريقتين لا تختلفان جوهريّا من النّاحية التّقنيّة، غير أنّ ما يميّز النّموذج الكفائيّ عن سابقه أساسا اهتمامه بالأنواع المتعدّدة للذّكاء، واستثماره بشكل أفضل للبيداغوجيات المختلفة مثل بيداغوجيا الفوارق، وبيداغوجيا المشروع، وبيداغوجيا الخطأ، وبيداغوجيا الغلط، وبيداغوجيا الملاءمة، وعنايته بجوانب التّربيّة على القيم، وتركيزه على الخاصّيّة التّجميعيّة للكفايات الإدماجيّة والنّوعيّة التي تمثّل تقاطع مختلف الموادّ الدّراسيّة وتشكّل مراقي الفكر التّأسيسيّة فتقبل النّقل والتّحويل (LE TRANSFERT) من مجال إلى آخر ومن حالة إلى أخرى، وتنطوي تبعا لذلك على مجمل التّفاعلات الاجتماعيّة والمعرفيّة والوجدانيّة والثّقافيّة والنّفس/حركيّة بين التّلميذ والواقع المحيط به أنواع الكفايات: يميّز برينار رايّ (Brinard Ray) وآخرون بين ثلاثة درجات من الكفاية وهي: (1 الكفايات الأوّليّة (Les Competences de premier degrés): وهي عبارة عن سلوك آليّ يكتسب عن طريق التّعزيز (Le Renforcement) مثل الحفظ والاسترجاع (2 الكفايات التّفسيريّة (Competences avec interpretation) وهي التي تأتي في الدّرجة الثّانيّة من حيث التّعقيد: (Les Competences de segond degrés) وتعبّر عن امتلاك الحذق المناسب لمواجهة مشكلة مستجدّة أو لتفسير وضعيّة وتأطيرها (Competences élémentaires avec cadrage) (3 الكفايات المعقّدة (Competences complexes) أو (Competences de troisième degrés):وهي عبارة عن مهارة التّوليف بين مجموعة من الكفايات المكتسبة لمواجهة وضعيّة معقّدة وامتلاك القدرة على الإبداع عدّة إكساب الكفايات: تقترح التّصوّرات البيداغوجيّة الحديثة في سياق العمليّة التّربويّة لمساعدة التّلاميذ على بناء التّعلّمات وربط مكتسباتهم بالوضعيّة التّعليميّة الجديدة أو ما يسمّيه روجيرس (Rogers) وبيكرس (Pechers) بعشيرة الوضعيّات وهي مجموع الوضعيّات التي تبني كفاية واحدة، لذلك فإنّنا نجد أنّ: * كانيي (GAGNE) يشير إلى خمس قدرات تأسيسيّة ينبغي التّركيز عليها وهي: الإخبار اللّفظيّ (L INFORMATION VERBALE). المهارات العقليّة (HABILETES INTELLECTUELLES). الاستراتيجيّات (STRATEGIES COGNETIVES). المواقف (ATTITUDES). المهارات الحركيّة (HABILETES MOTRICES). * ونجد الأستاذ ناعوم تشومسكي رائد اللّسانيّات التّوليديّة يبني نموذجا للتّعلّم يأخذ بالاعتبار مجمل السّيرورات الذّهنيّة المعقّدة للطّفل التي تعمل عمل الحاسوب فتحوّل المدخلات من المعلومات إلى مخرجات مخالفة تمكّن اعتمادا على اللّغة المتداولة في المحيط من الأداء اللّغويّ، قوامه القدرات الثّلاثة التّالية: الكفاية اللّغويّة (COMPETENCES LINGUISTIQUES) وهي الملكة اللّغويّة حسب التّعبير الخلدونيّ أو القدرة على فهم وإنتاج جمل غير مسبوقة ومهارة التّمييز بين اللاّحنة منها والمستقيمة نحويّا. الإنجاز (PERFORMANCE) وهو الأداء المتمثّل في إنتاج الكلام. الإبداعيّة (LA CREATIVITE) وهي القدرة العقليّة على إنتاج متتاليّات (Suites) غير متناهية من الجمل انطلاقا من معطيات صوتيّة متناهية. * كما نجد جان بياجيه JEAN PIAJET رائد الاتّجاه الإبستيمولوجيّ في المدرسة البنائيّة يقترح استثمار الأطوار الثّلاثة الكبرى للنّموّ الأخلاقيّ في بناء القدرات الشّخصيّة للفرد وهي: طور الواقعيّة الأخلاقيّة أو الخضوع لقواعد موضوعة. طور المعنى التّعاونيّ للعدالة أو قَبُول ما تواضعت عليه الجماعة. وطور الوعي بمفهوم العدالة أو تكوين الإرادة المستقلّة. وهي أطوار لنموّ الشّخصيّة يميّز فيها كوهلبيرج KOHLBERG بين الأطوار التّالية: * الطّور ما قبل أخلاقيّ وفيه يقدّر الفعل بالجمال والقبح، بالخطأ والصّواب بحسب ما يترتّب عنه من جزاء أو عقاب. * الطّور التّواضعيّ ويسعى فيه الطّفل إلى أن ينال إعجاب المحيط واستحسانه فيحترم القواعد والتّراتب الاجتماعيّ. * الطّور الذّاتيّ (L AUTONOMIE) أو طور التّبنيّ الحرّ للقيم، وفيه يتصرّف الشّخص حسب حقوقه والمعايير التي قبلها عن اقتناع مؤمنا بأنّ الأحكام الأخلاقيّة مؤسّسة على مبادئ كونيّة للعدل. مفاهيم لا بدّ من التّعريف بها: وتأسيسا على ما ذكر يجدر التّعريف بالمفاهيم التّالية: (1 الهدف البيداغوجيّ: هو إعلان بعبارة دقيقة عن القدرة المراد إكسابها للمتعلّم بشكل يساعد على التّخطيط المحكم للعمليّة التّربويّة خلال فترة محدّدة بوسائل تتوفّر على شرطيّ الوضوح والملائمة لكي لا تخلق مشاكل أثناء التّنفيذ. (2 الهدف البيداغوجيّ العامّ: هو وصف بعبارة دقيقة لما يرجى من مجموع المتعلّمين القيام به عند نهاية العمل التّعليميّ التّعلّميّ، يتّخذ كمعيار لتحديد نسبة التّمكّن وأساسا لبناء استراتيجيّة الدّعم وتحديد المستهدفين به. (3 الهدف البيداغوجيّ الخاصّ: هو المعبّر عنه بالهدف الإجرائيّ تارة وبالهدف المعياريّ تارة أخرى، وهو إعلان بعبارة دقيقة تصف بفعل سلوكيّ أو مصدر حركيّ السّلوك المطلوب من المتعلّم عند نهاية كلّ خطوة من خطوات العمليّة التّعليميّة التّعلّميّة. الظّروف التي يظهر فيها السّلوك المطلوب. معيار المهارة. أمثلة على ذلك: أ) أن يقطع التّلميذ مسافة مئة متر في الهواء الطّلق خلال دقيقة وثلاثين ثانيّة. فالسّلوك المطلوب هو القدرة على قطع مئة متر. والظّروف التي يظهر فيها السّلوك المطلوب هي في ملعب السّاحة. ومعيار المهارة هو دقيقة وثلاثين ثانيّة. ب) رسم مثلّث قائم الزّاويّة بقاعدة 3 سنتم وارتفاع 5 سنتم على ورقة بيضاء، بالأدوات الهندسيّة المناسبة في ثلاث دقائق. ج) تمييز نوع البدل الوارد في الجمل كتابة على الكرّاسة في خمس دقائق. د) وضع سطر تحت اللّفظ المرادف لكلمة \"يَمٌّ\" على الكرّاسة في دقيقة. والهدف البيداغوجيّ الخاصّ أو الهدف الإجرائيّ شديد الارتباط بعمليّة التّقويم التّكوينيّ، وبطريقة صياغة معايير القياس أي بالسّؤال أو عنصر الاختبار نظرا لطبيعة المطابقة في العلاقة القائمة بين المهارة المتوقّعة عند بناء العمل التّعليميّ التّعلّميّ، وبين المضمون أو المحتوى المقدّم والوسائل المستعملة للتّنفيذ، ثمّ بين المعايير المعدّة لتقدير الحصيلة ودرجة التّمكّن والإتقان. لذلك فإنّ الاعتناء بصياغة الهدف المعياريّ لكلّ خطوة بدقّة، وإثباته بوضوح في خانة الأنشطة المقترحة لها على الجذاذة من المؤشّرات الهامّة التي تساعد على التّعرّف إلى تصوّر الأستاذ عن المادّة الدّراسيّة والمنهجيّة المقرّرة عند تنفيذه لمكوّنات المنهاج، وعلى أسلوبه الشّخصيّ في استثمارها تكييفا وملاءمة وترتيبا للأوّليّات بالاستناد إلى حاجيات المستهدفين بالعمل التّربويّ. (4 الكفاية: يقترح الأستاذ فيليب بيرونو (PHILIPPE PERRENOUD) عند مقاربة هذا المفهوم الْمَعْلَمِ تعريفا يبرز ما يطرأ على شخصيّة الفرد من تحوّل ملموس ينجم في جوهره عن تفاعل المدخلات المكتسبة بطريق التّعلّم مع طاقة الفعل النّاجح، تفاعلا يظهرها على شكل إنجاز متقن، فبطبيعة الحال، لن تصير تلك المدخلات من وجهة نظره مخرجات إلاّ إذا أصبحت طاقة مفعّلة واستحالت إلى شيمات (SCHEMES)، والحقيقة أنّ كلّ كفاية هدف وليس كلّ هدف كفاية ومع ذلك يمكن التّعرّف إلى الكفاية من خصائصها المميّزة وهي: الحربائيّة: إذ يعتبر هذا المفهوم جدّ ملتبس وغامض خارج النّسق الذي تقترحه منهجيّة التّدريس بالكفايات. الافتراضيّة: وهي صفة الاستعداد الفطريّ التي يضفيها العقلانيّون على الكفاية لدحض حجج التّجريبيّين الذين يعتبرونها إنجازا قابلا للملاحظة والقياس. البنائيّة: التي تصبح معها الكفاية صفة مكتسبة تبنى عن طريق التّعلّم. وعموما فإنّ الكفاية هي عبارة عن نسق منسجم من المفاهيم والمعارف والمهارات، ومن الإجراءات المنظّمة في خطاطة عملانيّة (OPERATIONNELLE) تمكّن الشّخص من تحديد مهمّة أو اتّخاذ قرار لمواجهة مشكلة أو اقتحام عقبة وتحقيق إنجاز ناجح ومثمر، فهي الملكة بتعبير العلاّمة ابن خلدون الذي يشير في \"المقدّمة\" إلى حصولها بالدُّرْبَةِ والإحاطة بالمبادئ والقواعد والوقوف على المسائل لاستنباط الفروع من الأصول، وما لم تحصل هذه الملكة لم يكن الحذق في الفنّ المتناول حاصلا، وهي حذق الفعل أو (SAVOIR-FAIRE) بتعبير هاملين HAMELINE، الذي يمكّن من التّصرّف الفوريّ إزاء وضعيّة معيّنة انطلاقا من رصيد معرفيّ أو مهارة حركيّة متاحة. و الكفاية عند بيرونو (PERRENOUD) هي استعداد كامن لا يتحوّل إلى سلوك فعليّ إلاّ بالتّعلّم الذي لا يتمّ بنفس الدّرجة عند جميع النّاس، والذي يكسب الشّخص موارد ومؤهّلات يكون قادرا على تفعيلها عند مواجهة وضعيّة أو عشيرة وضعيّات. واعتبارا لما يرسم المخطّط الاستعجاليّ من أهداف تراهن على تعميم النّجاح الدّراسيّ بالتّركيز على الجودة بمفهومها الشّامل والمندمج، وعلى محاربة الهذر والفشل الدّراسيين بالتّأكيد على البيداغوجيا التّصحيحيّة وبيداغوجيا الإتقان إذ أنّ المناهج المقرّرة في سلكيّ التّعليم الابتدائيّ تعتمد على الدّعم الذي يغطيّ فترة تستغرق ثلث المدّة الزّمنيّة المقرّرة للتنفيذ، وبالنظر إلى ما يقترح هذا المخطّط من إجراءات تصحيحيّة تسعى إلى استدراك ما تمّ تسجيله عبر تقارير وطنيّة ودوليّة من نتائج لم تكن لترقى إلى المستوى المرغوب، وما يؤكّد عليه في المشروع الثّامن من ضرورة التّركيز على المكوّنات الرّئيسة والاهتمام بالمعارف والكفايات التّأسيسيّة، ومن إرساء لبيداغوجيا الإدماج (Integration) والملاءمة (Accommodation) باعتبارها امتدادا لتفعيل مقاربة التّدريس بالكفايات، وهي بيداغوجيا تهتمّ حسب روجيرس (Rogers) بجميع مظاهر الإدماج التي تدفع التّلميذ إلى استثمار وتفعيل مكتسباته الدراسيّة في وضعيّة دالّة سواء داخل المدرسة أو خارجها، بقدر ما تهتمّ بحلّ مشكل طارئ حلاّ قد يساعد المدرّس على إعداد وضعيّة إدماج من مكوّناتها الأساس العناصر الثّلاثة التّالية: التّرابط (Interdépendance) بين العناصر التي نتوخّى إدماجها والتي تشكّل نسقا يساعد المتعلّم على نسج شبكة من المعارف والمهارات والقدرات البانية للكفايات المستهدفة مفصلة العناصر التي ينبغي تحريكها بالتّنسيق بين سلسلة من الموادّ والمكوّنات المختلفة لإعادة استثمار المكتسبات الاستقطاب (Polarisation) ويقتضي أنّ يتمّ التّحريك المذكور لتحقيق هدف يمنحه معنى فإنّ تحديد بيداغوجيا الإدماج والملاءمة يرسي المفاهيم التّالية: أ) مفهوم الملاءمة: تحيل فكرة الملاءمة إلى المنفعة العمليّة والواقعيّة لمختلف الأنشطة المدرسيّة عند مقارنتها بحاجيات المتعلّم الحياتيّة وبوضعيّة التّعلّم، فهي بهذا المعنى نظرة تجعل التّربيّة فعلا يهدف إلى إعداد التّلميذ لمواجهة مختلف الوضعيّات التي يتقلّب فيها يوميّا، حيث ينطوي مفهوم الملاءمة على الأبعاد التّالية: * استثمار المكتسبات المدرسيّة في الحياة * اكتساب معرفة وكفاية قابلة للتّكييف والنّقل مثل مهارة الاستدلال والتّواصل وحلّ المشكلات * تنميّة الاتّجاهات والسّلوك الإيجابيّين المفيدين في الحياة الاجتماعيّة والعمليّة * تنمية مهارة التّعلّم الذّاتيّ عبر استثمار استراتيجيّات تعلّم متنوّعة مثل الملاحظة والتّجريب والاكتشاف والقراءة والإنصات ب) بيداغوجيا الملاءمة: يعكس مفهوم الملاءمة تصوّرا يمكن استثماره ضمن مقاربة بيداغوجيّة تستجيب لمبدأ يخضع كلّ فعل بيداغوجيّ للسّؤال النّقديّ لماذا تدريس هذا الأمر أو ذاك، ويمكن تعرّف خصائص بيداغوجيا الملاءمة من الأبعاد التّالية: * البعد الوظيفيّ بالسّعي إلى تمكين المتعلّم من توظيف مكتسباته المدرسيّة في الحياة العمليّة * تعزيز جودة التّعلّم بالتّحكّم في ثلاث عناصر تأسيسيّة هي: تمثّل التّعلّم واستيعابه بعمق عبر ربطه بمظاهر الحياة الواقعيّة إضفاء الدّلالة على التّعلّمات بإفساح المجال لتطبيقها بشكل عمليّ وملموس بدل الاقتصار على التّعلّم القائم على الاستظهار الانشغال بجميع ما يفيد المتعلّم في حياته بأبعادها العقليّة والمعرفيّة والصّحّيّة والنّفسيّة والدّينيّة والخلقيّة * تعزيز الكفايات المكتسبة بدمج الفعل البيداغوجيّ ضمن وضعيّة حياتيّة حقيقيّة لبلورة معرفة مندمجة قابلة للتّنميّة والنّقل والتّرجمة إلى سلوك ملموس * تفعيل القيم الإيجابيّة بوصفها ممارسة حضاريّة ينبغي أن تنبثق بفعل التّطبّع والقدوة الحسنة من وجدان المتعلّم وأن تنعكس بوضوح على سلوكه اليوميّ داخل المدرسة وخارجها * الارتكاز على التّلميذة وعلى التّلميذ بجعله محور الفعل التّربويّ وبمراعاة ميوله وحاجاته واستعداداته وقابليّته المتنوّعة لتحسين النّتائج وتحقيق تكافؤ الفرص وبناء مجتمع مصغّر يقوم على الاحترام والعدل والسّلوك المدنيّ (5 خطّة لتيسير الاشتغال على بيداغوجيا الملاءمة: أ) تحديد أنشطة التّعلّم الملائم انطلاقا من تحليل البرامج الدّراسيّة بالبحث عن فقراتها المساعدة على استخراج المحاور التي يمكن أن تكون منطلقا للتّعلّم الملائم مثل: الكفايات القابلة للتّكييف والنّقل الانفتاح على المهن التّطبيق العمليّ للتّعلّمات الأكاديميّة في الحياة العمليّة قيم المواطنة والسّلوك المدنيّ ب) استكشاف موارد المحيط البيئيّ والاجتماعيّ وما يزخر به من معطيات وخصائص ومهن ومن أشخاص لهم خبرة وفرص قصد توظيفها في تقديم وبناء العمليّة التربويّة مع اعتماد التّقنيّة المناسبة كالاستضافة والخرجة الدّراسيّة والمقابلة وغيرها ج) تخطيط أنشطة التّعلّم وتنفيذها بطرق منفتحة على محيط المتعلّمين وخبراتهم وذلك بإعداد ذهنيّ جيّد ثمّ بتهيئة بطاقة تصف النّشاط المزمع القيام به بشكل يرتكز على معرفة كيّسة بالتّلاميذ من حيث ميولهم ومستواهم التّحصيليّ وحاجاتهم وتعثّراتهم ودون إغفال معطيات البيئة الخاصّة المتعلّقة بالملامح الطّبيعيّة والاجتماعيّة والجغرافيّة والتّاريخيّة والثّقافيّة والرّياضيّة وغيرها، قصد مأسسة الرّوابط بين المدرسة والمحيط وتعزيز ثقافة المشاركة والمسئوليّة من أجل تقوية الدّافعيّة لديهم، واستثمار المداخل المتعدّدة لتدبير الفروق الفرديّة والقيام بالمبادرات المجدِّدَة التي من شأنها مساعدة التّلاميذ على التّرقيّ الذّاتيّ ودعم التّعلّمات التّأسيسيّة، واكتساب القدرة على الاستقصاء والملاحظة وحلّ المشكلات لاتّخاذ المواقف الإيجابيّة والمساهمة بفعّاليّة في المجهود التّنمويّ المحلّّّّّّّّيّ د) تقويم الأنشطة التّربويّة مع المتعلّمين ومع الشّركاء بهدف تطويرها وتوحيد الجهود لتجاوز ما تطرحه من مشاكل ومعضلات (6 منهجيّة الاشتغال: أ) المدخل إلى الدّرس: * اختيار أنشطة تضفي الدّلالة على محتوى الدّرس وتساعد المتعلّمين على إدراك جدواه * استحضار إنجازات تتّصل باستقصاء ضمن ملفّ أو بمعاينة ميدانيّة أو خبرة مكتسبة قصد توظيفها في تقديم المحتوى * إجراء مناولة أو القيام بملاحظة ظاهرة تتعلّق بالموضوع قيد الدّرس * الرّبط بين محتوى الدّرس وبين دروس أو موادّ دراسيّة أخرى لمساعدة التّلاميذ على إدراك الجدوى من التّعلّمات المقترحة ب) في صلب الدّرس: * القيام بتجربة علميّة تمكّن التّلاميذ من اكتساب التّقنيّات المنهجيّة لمباشرة موضوع ومناقشته أو لملاحظة وتحليل ظاهرة معيّنة * استخدام مكثّف للأمثلة العمليّة المستمدّة من الواقع المعيش والحياة اليوميّة والمرتبطة بالبيئة الطّبيعيّة والمحيط الاجتماعيّ والثّقافيّ * الرّبط بين التّعلّمات المقترحة من خلال المقرّر الدّراسيّ وبين مجالات الأعمال والمهن لمساعدة التّلاميذ على تعرّف المواقف التي يحتاجون فيها إلى توظيف مكتسباتهم * استثمار الدّرس لتنميّة كفاية قابلة للتّكييف والنّقل لدى التّلميذ كالقدرة على التّواصل والقدرة على التّعلّم الذّاتيّ والقدرة على العمل ضمن فريق والقدرة على الاستعانة بخبرة أشخاص أو مصادر لتنميّة المكتسبات من الدّرس وإثرائها * استخدام أنشطة المحاكاة وتشخيص أدوار مماثلة لتلك التي توجد في الحياة الواقعيّة * التّشجيع على أنشطة البحث والتّعلّم الذّاتيّ وذلك بالتّركيز بشكل أفضل على أنشطة الأنديّة والأعمال الفرديّة والجماعيّة ج) عند نهاية الدّرس: * القيام بتطبيقات عمليّة تنصبّ على المحتويات الأكاديميّة لتثبيتها وتعميق فهمها وإدراكها * القيام بأبحاث واستطلاعات للاستيعاب وتعميق الفهم * القيام بخرجة دراسيّة لربط التّعلّمات الأكاديميّة بأنشطة وأعمال من صميم الحياة الاجتماعيّة * تكليف التّلاميذ بإنجاز مشاريع فرديّة تمكّنهم من ربط التّعلّمات المكتسبة بمجالات الحياة من حولهم * إعطاء امتداد للدّرس من خلال أنشطة الاستثمار وأنشطة الأنديّة والأعمال الفرديّة * ربط التّعلّمات بالكتابة والتّوثيق كتشجيع التّلاميذ على كتابة تقرير أو تحرير موضوع أو ابتكار عمل فنّيّ (7 الطّريقة المقترحة للتّعامل مع المذكّرة اليوميّة : أ) المبرّرات الموضوعيّة لهذا التّعامل: لا شكّ أنّ الواجب المهنيّ يقتضي إعداد الوثائق والوسائل الضّروريّة على نحو يحقّق الأهداف المرصودة للعمل التّربويّ ومن ذلك المذكّرة اليوميّة التي يقترح تنظيمها على الشّكل التّالي نظرا لموقعها بين الوثائق التّربويّة الخاصّة بعد التّوزيع السّنويّ والتّقسيط الشّهريّ من حيث الإجمال والتّفصيل، ومن حيث التّوثيق الدّقيق لما تلقّاه الفصل الدّراسيّ من تعلّمات أثناء حصّة دراسيّة معيّنة، بغية الإعداد الجيّد من النّاحيتين العلميّة والعمليّة لقرار الدّعم بشكل يمكّن بالدّقّة المطلوبة من تحديد الموادّ التي ينبغي دعمها وعدد المستهدفين بعمليّة الدّعم خلال الأسبوع المخصّص له في المقرّر الدّراسيّ. وهذا سبب من الوجاهة بمكان، حيث إنّ الدّروس المقرّرة للدّعم هي كباقي الدّروس تحتاج إلى الوسائل التّربويّة الضّروريّة لتحقيق الهدف، وإلى التّوجيه المحكم والدّقيق حتى لا تصبح مضيعة للوقت وعبثا لا طائل يرجى منه، لذلك فإنّ التّنظيم المقترح يمكّن الأستاذ من البيانات اللاّزمة سواء على مستوى الموادّ أو الوسائل أو على مستوى المستهدفين بهذه الحصص الخاصّة التي تعتبر تكوينيّة بالنّسبة لبعض التّلاميذ ومناسبة لتعزيز المكتسبات من الدّروس بالنّسبة للآخرين منهم، بقدر ما يمكّن أيّ زائر عند الإطّلاع عليها من التّعرّف على مدى ملائمة الوسائل والمحتويات وأسلوب الأستاذ في التّدريس للمستوى التّحصيليّ للتّلاميذ فيتعرّف بذلك على مستواهم الحقيقيّ، وعلى مشاركتهم الفعليّة في بناء العمل التّربويّ، ويأخذ فكرة واضحة عن تعامل المدرّس مع الطّريقة والمنهاج الدّراسيّ تساعده على تقديم التّوجيهات والنّصائح الضّروريين. ب) إجراءات مصاحبة: ولتفعيل الطّريقة المقترحة على نحو يحقّق الهدف منها لابدّ من القيام بالتّقويم التّشخيصيّ للتّعرّف على تعثّرات التّلاميذ في المكوّنات التّأسيسيّة والموادّ الرّئيسة لتصنيفهم تبعا لذلك إلى مجموعات، ثمّ إطلاعهم بعده على نتائج التّشخيص لحفز قدراتهم التّنافسيّة وإذكائها على نحو إيجابيّ يساعدهم على تجاوز تلك التّعثّرات وتصحيحها، وعمل الأستاذ هنا كعمل الطّبيب الذي يطلع المريض بعد عمليّة التّشخيص على مشاكله الصّحّيّة ويوجّهه إلى الحمية أو العلاجات المطلوب إتباعها لاستعادة عافيته وللعلم فإنّ المجموعات التي يتمّ تشكيلها على ضوء التّقويم التّشخيصيّ عند بداية السّنة أو الدّورة الدّراسيّة هي من جهة بحسب كلّ مادّة، وهي من جهة ثانية مجموعات متحرّكة لا تصدر حكما نهائيّا على التّلميذ، وحركيّتها هذه تعطي صورة مطابقة عن مدى التّجاوب الذي تحقّقه العناصر مع التّصحيحات المقترحة، وتحيل بذلك إلى ما يحرزونه من مكتسبات بفضل الدّعم الذي يقدّم لهم في تلك الموادّ أو المكوّنات التي يعانون فيها من التّعثّر، فعمليّة التّصحيح والدّعم تبقى مستمرّة تستهدف أولئك المتعثّرين في المادّة المحدّدة أو المكوّن المعيّن إلى أن يتحقّق الارتقاء بمستواهم التّحصيليّ (La mise en niveau)، وعلى هذا النّحو وبالتّركيز على أنشطة الدّعم المختلفة يتمّ تفعيل بيداغوجيا الإتقان أو بيداغوجيا النّجاح ج) نموذج للطّريقة المقترحة: (المستوى الثّاني) مج التّلاميذ 40 الأسبوع الأوّل التّاريخ: الاثنين 25 شعبان 1427 الموافق 18 شتمبر 2006 الفترة الصّباحيّة ملاحظات: التّلاميذ الذين لم تتحقّق لديهم الكفاية المرجوّة من الدّروس المبيّنة أعلاه بالإضافة إلى الغائبين هم: الرّياضيّات: فاضمة عسّو، ليلى النّجّار، أحمد الرّيح، وسعيد كبّة. التّعبير: فاضمة عسّو، أحمد الرّيح، وعليّ بلمفضّل. القراءة: ليلى النّجّار، بشرى السّوسيّ، حياة الجيلالي، سعيد كبّة، وعبد الله الرّيحانيّ. القرءان: بشرى السّوسيّ، حياة الجيلاليّ، عبد الله الرّيحانيّ، طارق الفلانيّ، وأنس بلعربيّ. الغائبون في الفترة الصّباحيّة هم: نعيمة النتيفيّ، جلال التّادلاويّ، وعليّ أبخّان. (8 خاتمة: هكذا يلاحظ أنّ من أهمّ الأسباب الموجبة للتّعامل مع المذكّرة اليوميّة بهذه الصّيغة وعلى هذا النّحو هي السّعي إلى مواكبة الإصلاحات في شموليّتها بما يحقّق الجودة المطلوبة ويرتقي بالمستوى التّحصيليّ لعموم التّلاميذ لإنجاز تنميّة بشريّة مندمجة والله من وراء القصد وهو يهدي السّبيل. التّوقيع: محمّد بن محمّد بن عليّ بن الحسن محيب المراجع المعتمدة: * معجم علوم التّربيّة * التّصوّرات البيداغوجيّة الحديثة: أسسها، اتّجاهاتها ومناهجها لمؤلّفه محمّد أولحاج منشورات صدى التّضامن * بناء الكفايات وتقويمها لمؤلّفه محمّد حمّود منشورات صدى التّضامن * من تألية السّلوكات وتعويدها إلى إكساب الكفايات وتقويمها لمؤلّفه ميلود التّوريّ مطبعة آنفو برينت * في تدريس وتعلّم الكفايات: مقاربات ديداكتيكيّة ونماذج تطبيقيّة الأستاذ التّوفيق التّضمين منشورات المعارف * بيداغوجيا الإدماج: الإطار النّظريّ، الوضعيّات والأنشطة من إعداد وترجمة لحسن بوتكلاّويّ منشورات علوم التّربيّة * مجلّة علوم التّربيّة العدد الواحد والأربعون سبتمبر 2009