أبدى الدكتور محمد الدريج في الجزء الأول من موضوعه القيم"بيداغوجيا الإدماج في سياق تطوير مناهج التعليم : قراءة نقدية " مجموعةالملاحظات والانتقادات اعتبرها خطوة أولية ، قبل اقتراح وفي دراسات مستقلة ، بعض البدائل الممكنة أو على الأقل بعض المراجعات ، إذ قدم الدكتور الفاضل ملاحظات تمهيدية تتجلى في كون وزارة التربية الوطنية وتحمست بشكل غير مسبوق لبيداغوجيا الإدماج وجندت لها عدة من البرامج والمشاريع والأطر والتدريب والوسائل والدلائل والمذكرات ، وقررت تعميمها على المدارس المغربية والابتدائية منها على وجه الخصوص دون فتح في شانها نقاش وطني ، وتطرق الكاتب لموقف النقابات التعليمي من المشروع، وكذا الخطوط العريضة لببيداغوجيا الإدماج بنوع من التفصيل والتحليل، ونضع بين يدي القارئ الجزء الثاني من البحث الجذير بالاطلاع والمناقشة من قبل الفاعلين التربويين. الجزء الأول عبر الرابط http://safitoday.com/index.php?op=suite&art=3023 ثالثا : بيداغوجيا الإدماج نموذج مبني على السوسيلوجيا الفرنكفونية. - تندرج قراءة كزافيي روجييرس لمدخل الكفايات ، فيما يعرف بالنموذج المبني على السوسيلوجيا الفرنكفونية والتي تؤكد على أهمية الجانب الاجتماعي في الكفايات .في مقابل النموذج الانجلوسكسوني وهو نموذج فرداني يركز في تعريفه للكفايات على الجوانب الفردية الداخلية والمعرفية المستبطنة.وجد هذا النموذج الفرداني مجالا خصبا في الأدبيات التربوية الانجلوسكسونية خلال التسعينات من القرن الماضي ، معززا ببعض النظريات السيكولوجية وخاصة السيكلوجية الفارقة و توأمها البيداغوجيا الفارقة والتي تنتظم استنادا إلى العناصر الأساسية الكامنة و راء عدم تجانس المتعلمين داخل القسم ، ومن أهم هذه العناصر: الفوارق المعرفية ( cognitifs ): وترتبط بسيرورات اكتساب المعارف ،و تشمل: الاشتغال الذهني و غنى العمليات المعرفية التي تتركب أساسا من التمثلات و الصور الذهنية وأنماط التفكير (مشخص /مجرد,تحليلي/تركيبي ، استنتاجي/استدلالي...) إستراتيجيات التعلم... درجة تحصيل التعلمات و تخزينها. الفوارق السيكولوجية-الوجدانية ( psychologiques-affectives ) : وترتبط بالمعيش على مستوى الشخصية (المعيش الخاص بكل متعلم) و تشمل بصفة خاصة :الدافعية – الإرادة -الانتباه - الإبداعية - الفضول - الطاقة - التوازن - الإيقاعات... الفوارق السوسيوثقافية ( Socioculturelles ) : و ترتبط بالسياق الثقافي و الاقتصادي العام الذي يتحرك داخله المتعلمون و يشمل على الخصوص : القيم والاتجاهات الضابطة للسلوك، المعتقدات السائدة ، التاريخ الثقافي للأسرة ،الرموز اللغوية المستعملة ،أنماط التنشئة الاجتماعية المتعبة ، الغنى الثقافي العام و مميزاته.... ومنذ تسعينيات القرن الماضي ، سيتعرض هذا النموذج الأنجلوسكسوني للعديد من الانتقادات .على أن أهم ما سيؤاخذ عليه هو تركيزه على الخصوصيات الفردية والابتعاد بالتالي عن الجوانب الاجتماعية والتاريخية في التعلم واكتساب الكفايات. فبرز انطلاقا من هذه الانتقادات النموذج الذي يمكن أن تندرج ضمنه بيداغوجيا الإدماج ،والذي يؤكد على الجوانب الاجتماعية .وهو وإن كان يقبل تعريف الكفايات الذي يقدمه النموذج الانكلوسكسوني من حيث أنها قدرات فردية مستدخلة (مستبطنة) وهي في نهاية التحليل تركيبة (كوكطيل) من عناصر متعددة (معلومات، مهارات ،اتجاهات...) ،إلا أنه يضيف على هذا التعريف عناصر متضمنة في الانتقادات المشار إليها ، كمحاولة منه لتوضيح وبشكل صريح ،كيف تشتغل الكفايات ، بمعنى كيف يتم اكتسابها وكيف يتم توظيفها ،بطبيعة الحال وكما هو معروف ، يتم اكتسابها وتوظيفها من خلال الممارسة والعمل في إطار الوضعيات ذات الطبيعة الاجتماعية.فيأتي هذا النموذج ( بيداغوجيا الإدماج ) ، كتركيب لتوجهين :الفردي والاجتماعي . إذن نحن أمام تصورين متعارضين ، تصور يتموضع على المستوى الفردي ويعمل على شحذ الاستعدادات الفردية للتفكير والعمل والتي تكتسب من خلال انجاز مهام في إطار وضعيات محددة ومشخصة وفي هذه الحالة يستحسن استعمال كلمة قدرة capacitéللدلالة على تلك الاستعدادات الداخلية التي يتم شحذها وتطويرها. وتصور ثاني يتموضع اجتماعيا ويتمثل في إكساب التلاميذ الكفاية compétence على انجاز مهام والقيام بادوار تلائم معايير متوقعة .وهكذا فإذا كانت القدرات ترتبط بعمليات معينة ومحددة ، فإن الكفايات لها مدلول أكثر اتساعا حيث يتعلق الأمر بالتحرك في وضعيات مركبة وأكثر تعقيدا. إن الكفايات بالنسبة لبيداغوجيا الإدماج عند كزافيي روجييرس والذي يتبنى النموذج الاجتماعي-البنائي (الفرنكفوني) كما قلنا، لا تعرف باعتبارها وضعيات محددة ومشخصة، بل تعرف حسب مجموعة أو فئة (عائلة) من الوضعيات الاجتماعية المهمة بالنسبة للمجتمع . لذا فإنه يعرف الكفاية ،نقلا عن فليب بيرنو Philippe Perrenoud ، "بأنها الإمكانية التي يكتسبها الفرد لتجنيد بكيفية باطنية (داخلية) مجموعة مندمجة من الموارد (معلومات، معارف،خطاطات ، آليات، عادات،قدرات ،مهارات اتجاهات...) لغاية مواجهة وحل فئة من الوضعيات – المشكلة". وقبله قدم كما هو معروف ، بيرنو (1997) تعريفا قريبا جدا من هذا المعنى بل وممهدا له،حيث عرف الكفاية بأنها "القدرة على تجنيد مجموعة من الموارد (معلومات ،قدرات، معارف...) لحل وبنجاح وفعالية ، فئة أو سلسلة من الوضعيات". وهكذا وحسب هذا التصور ،فإن الكفايات ترتبط بسياقات ثقافية ومهنية وبشروط اجتماعية (...)كما أن مصطلح الكفاية لا يرادف مصطلح القدرة أو مصطلح المهارة ، لأن المفهوم الاستكشافي للكفاية لا يقتصر على البعد المعرفي أو على البعد المهاري في النشاط الإنساني .فإذا كانت القدرة تشير إلى إمكانية إنجاز بسهولة ودقة ،عمليات عقلية و مهارية محددة، فعلى العكس من ذلك، فإن الكفاية تشير إلى مجموعة من الأنشطة التي تتضمن قدرا من التعقيد وتحتوي على مهارات عقلية واتجاهات وأمور أخرى غير معرفية. وبالتالي فإن للكفاية بنية داخلية تعمل وتنشط بتجنيد استعدادات و قدرات ومهارات وإجراءات ... للاستجابة للطلب الذي تمليه الوضعيات. لكن ذلك لا يعني أن الكفايات تشتغل في فراغ اجتماعي ، بل إنها مترابطة وغير مستقلة سياقيا. رابعا :بيداغوجيا الإدماج نظريات قديمة في حلة جديدة كما أسلفنا فإن القاعدة الذهبية التي ينبغي البحث فيها عن الإدماج ،تكمن في تثبيت مكتسبات التلميذ بواسطة مواجهة الوضعيات المشخصة وحل ما تتضمنه من مشكلات وليس بواسطة تجميع المعلومات وتكديس الإجراءات(العمليات) دون أن يعرف التلميذ كيفية توظيفها في حياته اليومية ، وسرعان ما ينساها . والحقيقة أن هذه القاعدة ليست جديدة ، بل تتقاسمها جميع البيداغوجيات (تقليدية و حديثة ) . فقد كان أبو حامد الغزالي قديما ، يرى على سبيل المثال أن الأخلاق الفاضلة لا تولد مع الإنسان، وإنما يكتسبها عن طريق التربية والتعليم من البيئة التي يعيش فيها، والتربية الأخلاقية السليمة في نظره تبدأ بتعويد الطفل على فضائل الأخلاق وممارستها .فالطريق إلى تربية الخلق عند الغزالي هو التخلق أي حمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب ، فمن أراد مثلا أن يحصل لنفسه خلق الجود فعليه أن يتكلف فعل الجود. كما جعل عبد الرحمن ابن خلدون الملكة (القدرة او الكفاية في تعبيرنا الراهن) جسمانية وعقلية معاً؛ فلم يفرق بين تعليم عقلي وآخر عملي؛ بل ربط القوى العقلية والجسمانية، وجعلها تتعاون في اكتساب الملكة. أما من الناحية العملية فقد وضع مبدأين صحيحين، هما مبدأ المباشرة ومبدأ المعاينة. ويعني بالمباشرة القيام بالفعالية العملية: فمن يريد تعلم فعالية عملية، يجب عليه أن يباشرها بنفسه، لا أن يكتفي بمعاينة من يقومون بها، أو الإصغاء إلى كلام من يتحدثون عنها. ولكن المعاينة ضرورية مع ذلك؛ لأنها الطريق إلى المباشرة. وتعني المعاينة أن يشاهد (يعاين) المتعلم المتمرسين بالفعالية العملية، وهم يقومون بها و يؤدونها. ولا شك أن من يريد مباشرة فعالية ما، هو بحاجة إلى معاينتها قبل مباشرتها. وإذا أخذنا البيداغوجيا التقدمية في إطار ما يسمى بالتربية الحديثة ،على سبيل المثال، لدى كل من بستالوتزي ( 1827) و منتسوري (1870) وخاصة لدى جون ديوي (1915)، فإنها تؤكد على:ضرورة تزويد التلاميذ باستراتيجيات حل المشكلات وليس بالمعرفة والحفظ.. و يجب ان يشتق المنهاج من اهتمامات التلاميذ وليس من المواضيع الأكاديمية ، وما يقتضي ذلك من عناية بحاجياتهم العقلية والانفعالية والنفسية الحركية ،و المدرسون الفعالون هم الذين يزودون التلاميذ بخبرات تمكنهم من التعلم عن طريق العمل . أما طرق التدريس التي ينبغي اعتمادها ، انسجاما مع مبادئ هذه التربية الحديثة ، فتنطلق من أهمية التعليم عن طريق مجموعة من الأنشطة المعدة بشكل منظم ، والتي تمكن كل تلميذ من المشاركة الايجابية ، التي تساعده في نموه الشخصي والاجتماعي ، و السماح له بالتجريب . ومن هنا تصبح المدرسة مضطرة لاستخدام مواقف الحياة الحقيقية في التعليم ولا تتركها إلى الدراسة النظرية- الأكاديمية ، فتتحول المدرسة إلى معمل اجتماعي يتم فيه التعلم عن طريق الخبرة بدلا من التعلم الشكلي . وحاليا في بلادنا وكدليل على ما نحن بصدده، هناك من يلاحظ أن العديد من الصياغات المتضمنة للكفايات والواردة في الكراسات و التي تدعي اندراجها ضمن بيداغوجيا الإدماج، ليست سوى نقل للصياغات التي كانت متداولة قبل تنزيل هذه البيداغوجيا . وعلى سبيل المثال ، يلاحظ مراد لخصيم "أن صياغة العديد من الكفايات في دليل الإدماج الصادر عن وزارة التربية الوطنية ، تحتفظ بنفس الصيغ المستعملة في السابق و منها على سبيل المثال: "في نهاية المرحلة الرابعة من السنة...وباعتماد أسناد مكتوبة أو مصورة أو وسائط متعددة،يكون التلميذ قادرا على حل وضعية مشكلة دالة ومركبة، وذالك بتوظيف بشكل مدمج، مجموعة من الموارد المتعلقة ب..." ويضيف مثالا آخر من مجال التقويم،"إذا تفحصنا مواضيع امتحانات نيل الشهادة الابتدائية المغربية، خلال فترة الستينات و السبعينات من الألفية الماضية، نجد أنها كانت تتمحور حول ما يلي: - وضع وانجاز عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة. - تحويل وحدات القياس. - الحساب الستيني. - مسائل ذات دلالة لتقييم إدماج المكتسبات . وبالرجوع إلى شكل هذا الامتحان ألإشهادي، يمكننا القول إن المغرب تعامل مع دمج المكتسبات منذ زمن بعيد ، في ظل إدماج يعتمد على طرائق غير نمطية ،تسمح للأستاذ بحق التصرف وفق ما تقتضيه المتغيرات ومستوى المتعلمين ، بعيدا كل البعد على ما تفرضه بيداغوجيا الإدماج من تقنين و ترتيبات تقيد مبادرة الأستاذ وتجعله يستجيب حرفيا لمتطلباتها".( مراد لخصيم ، تعلم الإدماج: هل هو مستجد في المناهج المغربية؟ ، عن موقع "وجدة البوابة" يونيو-2011).وبخصوص ترسيخ الكفايات من خلال مواجهة الوضعيات والمشكلات ، فهي كما أسلفنا ليست مسالة جديدة ، فهناك ما يعرف بالتعلم النشط والتعلم بالعمل وأسلوب حل المشكلات وغيرها...و كلها تؤكد على :- أن العمل أداة تربوية تساعد في إحداث تفاعل التلميذ مع عناصر البيئة لغرض التعلم وإنماء الشخصية .. .-يمثل العمل وسيلة تعليمية تقرب المفاهيم وتساعد في إدراك معاني الأشياء. -وأن التعلم بالعمل أداة فعالة في تفريد التعلم وتنظيمه لمواجهة الفروق الفردية وتعليم الأطفال وفقاً لإمكاناتهم وقدراتهم.-يعمل التعلم بالعمل على تنشيط القدرات العقلية وتحسين الموهبة الإبداعية لدى الأطفال. -ربط التعلم بالعمل يثير دافعية المتعلم ويحفزه على التعلم ما دام يشارك يدوياً وفعليا بالنشاطات التي تؤدي إلى التعلم. ويرى يوسف قطامي (2002) أن أهمية هذه الأساليب في التعليم تأتي من أنه : " يضع المتعلم أو الطفل في موقف حقيقي يعمل فيه ذهنه بهدف الوصول إلى حالة اتزان معرفي . وتعتبر حالة الاتزان المعرفي حالة دافعية يسعى الطفل إلى تحقيقها . وتتم هذه الحالة عند وصوله إلى حل أو إجابة أو اكتشاف ، وبالتالي فإن دافعية الطفل تعمل على استمرار نشاطه الذهني وصيانته حتى يصل إلى الهدف وهو : الفهم أو الحل أو الخلاص من التوتر ، وذلك بإكمال المعرفة الناقصة لديه فيما يتعلق بالمشكلة ." وهكذا كان من الواضح دائما، أن توظيف أسلوب حل المشكلات في التعليم يجعل التعلم مشوقا وفعالا ؛ لأنه يستدعي الخبرات السابقة لدى المتعلم فيربطها بالخبرات اللاحقة، إضافة إلى أنه يتم من خلال الممارسة العملية و المشاركة الفعلية.كما كان معروفا ،أن من أبرز مبررات توظيف أسلوب المشكلات في التعليم ما يلي:1- إثارة دافعية الطلبة للتعلم، حيث يولد لديهم الرغبة في التفكير من أجل التوصل إلى الحل السليم.:"إن أسلوب حل المشكلات يثير دافعية التلاميذ للتعلم و يمكن توظيفه في تدريس المفاهيم و القدرات التكنولوجية".2- تنمية المهارات والقدرات و المعلومات. فإذا أتقن المتعلمون أسلوب حل المشكلات ، و تدربوا على استخدامه في المدرسة ، فإنهم سيستفيدون منه في حياتهم العملية للتغلب على المشكلات التي تواجههم. ويدربهم على مهارات العمل الجماعي فينجزون أعمالهم بروح الفريق ، مما يحدث لديهم تغيرا اجتماعيا مرغوبا إضافة إلى تزويدهم بمهارات تطبيق النظريات ، ويقودهم الى الإبداع في العمل.كما تستند بيداغوجيا الإدماج على حقائق ونظريات معروفة في علم النفس التربوي ومنها على سبيل المثال قانون "انتقال أثر التعلم".والمقصود به هو أن يكون الفرد قادراً نتيجة لما يتعلمه في المدرسة ، على التصرف في مواقف أخرى في الحياة ذات صلة بمواقف سابقة . بحيث يكون قادراً على الإفادة من معلوماته ومهاراته واتجاهاته في حياته سواء داخل المدرسة ،عن طريق توظيف التعلم السابق في اكتساب تعلم جديد أو في حياته بعد المدرسة ، حيث أن التعليم المدرسي مازال قائماً على الافتراض بأن ما يتم تعلمه داخل القسم يمكن نقله للاستفادة منه في أمور الحياة اليومية. على أن هوس التركيز على تبعية الفكر للعمل و التعلق المفرط بمحراب الوضعيات (ربما إلى حد التقديس ) قد يشكل مدعاة نقد قاتل لبيداغوجيا الإدماج ، باعتبارها تنشط في المجال التطبيقي وتلح على الجانب الإجرائي-العملي ،على حساب الجانب العقلي والمعرفي لدى المتعلم .وكما هو معلوم فقد ثبت بطلان الفصل بين التفكير والعمل . لكن الحقيقة أن هذه البيداغوجيا والمقاربة بالكفايات بشكل عام ، لا تقول بضرورة وجود تعارض بين تنمية المحتويات المدرسية (والتي تعني أساسا حفظ المعلومات من طرف التلميذ) وبين اكتساب الكفايات . يقول روجييرس(2010) بهذا الخصوص :"المرتكز الأساسي في أنظمتنا التربوية (ويعني أنظمتنا التربوية التقليدية) هو تأزيم المواجهة بين تعليم عام ، ينبني أساسا على الاشتغال على المحتويات المعرفية وما يرتبط بها من قدرات ، تعليم يهدف إلى تزويد التلميذ بقدر كبير من المعلومات ليصبح "قادرا" و"متمكنا" مستقبلا ، لكنه يبقى ضعيفا من الناحية العملية و أقل إجرائية .وتعليم محدد ومضبوط وأكثر وظيفية ، يستند بالأساس على تطوير الكفايات والتي تقوم على جعل التلميذ قادرا على تحويل المعلومات إلى وضعيات ذات دلالة " . خامسا : بيداغوجيا الإدماج امتداد لبيداغوجيا الأهداف من الانتقادات الأساسية التي نلاحظها على بيداغوجيا الإدماج ، هي عدم قدرتها على التخلص من بيداغوجيا الأهداف ومن المدرسة السلوكية عموما، ولبيان ذلك نقدم التوضيحات التالية :مدخل الكفايات يندرج أساسا في المدرسة المعرفيةcognitivisme في حين تتأثر بيداغوجيا الأهداف بالمدرسة السلوكيةbehaviorisme والفرق بين المدرستين واضح ومعروف .لكننا نلاحظ أن بيداغوجيا الإدماج عندما تريد اختيار وصياغة الكفايات ومختلف الخطوات التي تروم بناءها في شخصية المتعلم ،فإنها تلجأ للاستعانة ببيداغوجيا الأهداف بالمعنى السلوكي ولبيان ذلك نقدم الحقائق التالية :كما هو الأمر بالنسبة للأهداف ، فإننا نقوم بتحديد ماذا ننتظر من التلميذ في نهاية الحصة أو في نهاية برنامج او في نهاية العملية التعليمية برمتها ،مع انشغال أساسي يلاحقنا باستمرار هو كيف نصوغ أهدافنا بوضوح وكيف نعبر عنها بالوجه الصحيح. و يعمد روجييرس إلى الاستنجاد بجدول التخصيص (table de spécification ) في التقويم والذي يقترحه أصلا بنيامين بلوم Bloom .B وهومن رواد بيداغوجيا الأهداف في الوقت الذي لا يتوقف فيه روجييرس عن انتقاد هذه البيداغوجيا .وكما هو معلوم فإن جدول التخصيص، هو أداة عملية لتحديد: - الأهداف(القدرات) المراد اكتسابها ونسبة أهميتها. - أهمية المادة بالنسبة للوحدة الدراسية. - ييسر عملية التقويم. - يساعد على تحديد عدد الأسئلة وعدد النقاط (الدرجات) وفق الأهمية النسبية. - يوجه إلى الجوانب المراد تكوينها لدى المتعلم.و يتكون جدول التخصيص من مدخلين : - مدخل القدرات الضرورية لتنمية الكفاية. ويتضمن الكتاب الأبيض (الجزء 1) القدرات الضرورية لتنمية مختلف الكفايات المستهدفة سواء ذات الطابع التواصلي أو المنهجي أو الاستراتيجي ...). - والثاني مدخل مضامين المادة الدراسية، والتي ستمارس عليها هذه القدرات.وبما أن الهدف التعلمي Objectif d'apprentissage حسب روجييرس يتمثل في تطبيق قدرة ما على محتوى معين، فإن خانات جدول التخصيص تتضمن مختلف الأهداف التي توجه الممارسات البيداغوجية، وتشكل الموارد الضرورية التي يتم إدماجها في إطار تنمية الكفاية أو تقويمها.الهدف التعلمي هو إذن ممارسة قدرة على محتوى معين، فقدرة الكتابة مثلا وكتابة رسالة ما كمحتوى (موضوع) للتعلم ، يمكنان من الحصول على الهدف التالي : كتابة رسالة... كذا. ويوافق هذا التعبير مرقى الهدف الخاص المعتمد في إطار التدريس بالأهداف. ويبقى من مهمة المدرس العمل على أجرأته، لضبط وتقويم وتوجيه أنشطته، باعتبار المدرس منشطا ووسيطا. وفي بيداغوجيا الإدماج فان الأجرأة تتم على مستوى أنشطة التلاميذ باعتبارهم فاعلين أساسيين في العملية التعليمة-التعلمية وعلى مستوى ما يقوم به المدرس من تقويم لمدى نجاحهم في ذلك النشاط بالرجوع إلى المعايير والمؤشرات الجزئية والقابلة للملاحظة والقياس ( وهذا بالضبط هو تعريف الهدف الإجرائي في بيداغوجيا الأهداف) . فتنحل الكفايات بجميع أنواعها ومستوياتها في نهاية المطاف، إلى أهداف إجرائية من خلال انحلالها إلى معايير حصول الأهداف التعلمية ومؤشراتها.إننا في الأسابيع الأولى ( الستة في الطبعة المغربية )التي نكسب فيها التلاميذ الموارد فإننا نعلمهم بشكل جزئي وتراكمي عن طريق تحقيق أهداف جزئية ( إجرائية ) وتأتي أسابيع الإدماج أو المراجعة أو حصص التطبيق ...( تغيير في المسميات ليس إلا) لإحداث التركيب والتراكم الضروريين لترسيخ التعلمات الجزئية وتركيبها وبالتالي لترسيخ الكفاية الأساسية او الهدف النهائي للإدماج والتي تسمى في بيداغوجيا الأهداف بالغايات او الأهداف العامة.كذلك تحافظ بيداغوجيا الإدماج وبشكل أمين ،على التقسيم الثلاثي الكلاسيكي لشخصية الإنسان الذي يتبناه التدريس بالأهداف ، إلى الجوانب المعرفية والحس- حركية والوجدانية ، حيث ينص جدول التخصيص على ضرورة تصنيف القدرات (الأهداف الخاصة )إلى معارف ومهارات ومواقف، تبعا لطبيعة القدرة :- المعارف(savoirs) : وتتمثل بالنسبة لمادة ما، في ممارسة القدرات المعرفية على موضوع ما للتعلم. - المهارات (savoir-faire): وتتمثل في تطبيق قدرة حس – حركية على موضوع للتعلم. ويتم تطويرها من خلال التمرن على تنمية مراحلها في مواضيع تعلم مختلفة. وتتمثل أهمية تنويع مواضيع التعلم في تمييز المهارة عن المعرفة. - المواقف والاتجاهات(معرفة الوجود أو حسن التواجد - savoir-être): ويمكن الحصول عليها بتطبيق قدرة سوسيووجدانية على موضوع تعلم، كالإنصات إلى اقتراحات الأقران، والتعود على تصفح القاموس للبحث عن معنى كلمة...وهكذا تفيد جداول التخصيص (أو ما قد يعوضها من شبكات ولوائح التقويم ) في استخراج مختلف السلوكات المؤشرة الدالة على وجود الكفاية وكذا المضامين التي تستدعيها ، وأيضا القدرات التي يتم السعي إلى تنميتها وتطويرها من خلال الكفاية ...ويتم الحصول عليه من خلال تقاطع محور المضامين التي تتطلبها الكفاية ومحور القدرات المراد تطويرها ، بحيث تشكل نقط تلاقي المضامين والقدرات في المستوى المحدد بالمحورين ، ونعبر عنها بالمؤشرات ويقصد بها السلوكات الملاحظة و التي يتم التعرف من خلالها على حصول الكفاية أو أحد مستوياتها وفق المعايير المحددة سلفا.وهكذا يبدو لنا كيف تنهل بيداغوجيا الإدماج من بيداغوجيا الأهداف بتوجهها التجزيئي وطابعها الإجرائي – السلوكي ، عند التعامل عمليا مع مراحل وخطوات اكتساب الكفايات وعند محاولة قياس وتقويم مدى تحققها لدى التلاميذ. سادسا : تطبيق بيداغوجيا الإدماج بشكل غير مندمجفي المنهاج الدراسي السائد ببلادنا إن معالجة أوجه الخلل في النظام التعليمي والرفع من فعاليته ، يقتضي بشكل أساسي استهداف المنهاج المدرسي في شموليته ،من حيث هندسته التنظيمية و التدبيرية ونماذجه وطرقه ومقارباته البيداغوجية... لكن وكما يعتقد الكثير من المشتغلين (نظريا وعمليا) بالموضوع ،" فإن مجرد اعتماد نموذج جديد (وغالبا بطريقة النقل الميكانيكي) غير كاف بحد ذاته لتحقيق فعالية وجودة "مدرسة النجاح"،لأن النموذج البيداغوجي هو عنصر واحد من عناصر أخرى، تشكل نظام التربية والتكوين،كنظام ترتبط متغيراته من خلال علاقات بنيوية ووظيفية ،تتفاعل ويؤثر بعضها في البعض الآخر،ولكل عنصر فعاليته الخاصة، وآثاره في إنجاح النظام ككل،.بمعنى أن نجاح مقاربة بيداغوجيا الإدماج وتحقيق أهدافها المنتظرة،يجب أن نوفر لها شروط أخرى وظروف موضوعية ، لها علاقة بنيوية ووظيفية لضمان نجاحها.. (عن محمد صدوقي بتصرف ، الاتحاد الاشتراكي ،عدد 11-11-2010 ).ما لاحظناه يؤيد هذا النقد الهام لتطبيق بيداغوجيا الإدماج في بلادنا ، من حيث علاقتها بالمنهاج السائد . فلم تواكب زرع هذه البيداغوجيا عملية التهيء الضرورية للتربة قبل زرع العشبة السحرية .فمثلا ما زلنا في الأسابيع الخاصة بالتعلمات ( الأسابيع الستة الأولى ) ندرس وفق المنهاج السابق-السائد ولا أقول القديم،حيث يعتمد المدرسون على الكتب المدرسية الموجودة ( للعلم فان الكثيرين يطلقون على الكتب المدرسة كلمة المقررات ) .قبل ان نركب عليها حصص الإدماج في الأسبوعين المخصصين لذلك .وكما هو معلوم فان هذه الكتب ليست مجرد نصوص محايدة بل إنها نصوص موجهة نحو خدمة أهداف و أغراض وفيها معلومات وأفكار وآراء و صور وجداول وبيانات وتمارين ومسائل ومشكلات ووضعيات وتطبيقات ... لا تواكب بالضرورة مقتضيات بيداغوجيا الإدماج ولا يكون بإمكان المدرس أن يركب عليها توجيهات الإدماج الواردة في دلائل الإدماج و شبكات التقويم وجداول التخصيص. مثال آخر يؤكد هذه الملاحظات المرتبطة بتطبيق هذه المقاربة دون تهيئ للمنهاج الملائم ، أوما أسميه بتطبيق بيداغوجيا الإدماج بشكل غير مندمج ، نجده عند عبد العزيز قريش في دراسته النقدية المتميزة،"قضايا وإشكالات تنزيل بيداغوجيا الإدماج"، والتي تنطلق من السؤال الجوهري التالي : هل يمكن الحديث عن بيداغوجيا الإدماج خارج الوضعيات؟ وإلى أي درجة يمكن الاشتغال على الكفايات خارج الوضعيات؟ ينبه قريش إلى القطيعة التي تحدث على مستوى التفكير بالنسبة لسيرورة بناء الكفايات بسبب الانتقال المفاجئ من مرحلة إرساء الموارد( والتي تدوم 6أسابيع ) إلى مرحلة الإدماج ( التي تليها وتدوم أسبوعين ) لقد أثبتت المعطيات الميدانية في مدارس التجريب وجود انتقال مفاجئ لدى المتعلم( عند انتقاله من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية ) الأمر الذي يربك تعاطيه مع الوضعية الإدماجية وينعكس سلبا على أدائه. وذلك ناتج عن وجود سياقين للتعليم والتعلم (منهاجين أو مقاربتين )مختلفين تمام الاختلاف! سياق إرساء الموارد ويتم عبر الهدف التعلمي بالمعنى السلوكي ،على اعتباره يشكل ممارسة قدرة على محتوى. وهو سياق يختلف عن سياق الوضعيات، وبالتالي تقدم الموارد بالطريقة العادية عمليا في القسم، ولا يتعاطى المتعلم في هذا السياق مع الوضعيات. وإنما يتعاطى مع مادة مدرسية منفصلة في سياق تعليم تقليدي ( أي في إطار المنهاج السائد )يرتكز على المحتوى دون القدرة، مما يسبب إرباكا كبيرا خاصة انه يكون قد تعود لمدة شهر ونصف على التعلم (اكتساب الموارد) بالطريقة السائدة قبل" النزول" ، وسياق آخر هو سياق الإدماج سواء في شقه الأول: " تعلم الإدماج " أو في شقه الثاني " تقويم الإدماج " والذي يمتد أسبوعين و يتطلب عمليات تركيبية معقدة (على الأقل بالنسبة للتلميذ في الابتدائي )تحتاج إلى توظيف الموارد التي اكتسبها في المرحلة السابقة (وربما طول حياته السابقة منذ ان كان في بطن أمه)، لمواجهة الوضعيات وحل ما تتضمنه من مشكلات ، وهو سياق يختلف عن الأول من حيث طبيعة وظيفته وغايته. فانتقال المتعلم من سياق يتعاطى فيه مع التعلمات خارج إطار الوضعيات ، إلى سياق يتعاطى فيه مع استثمار تلك التعلمات في الوضعيات يؤثر سلبا في العملية برمتها. وهو ما أكدته حسب عبد العزيز قريش ،نتائج الأسبوع الثاني من الإدماج في المرحلة الأولى من السنة الدراسية 2009/2010 في مدارس التجريب . (عن موقع منتدى الجمعية الوطنية لمديرات و مديري التعليم الابتدائي بالمغرب ، 5 يناير 2011). ونحن نعتقد أن طرح هذا الإشكال له ما يبرره ويكمن بالضبط في انعدام الانسجام والتلاؤم والتكامل بل وانعدام الاندماج بالمفهوم الشمولي ، بين تطبيق بيداغوجيا الإدماج والمنهاج الموجود أصلا قبل "النزول " . أي هناك وضعيات تستوجب موارد لم يتم إرساؤها بعد (وضعيات مظلمة سوداء) وهناك موارد لا تجد ما يلائمها من وضعيات (موارد عمياء) فضلا عن عدم وجود ، كما أسلفنا ، تلاميذ يسمح لهم نموهم العقلي الطبيعي بتوظيف ما ينبغي أن يكونوا قد اكتسبوه من موارد لفك ألغاز الكثير من الوضعيات، بسبب ضعف التكوين في علم نفس النمو لدى واضعي الوضعيات الذين لم ينتبهوا في نظرنا ، إلى القطيعة بين طريقة تدريس واكتساب التعلمات (الموارد) وطريقة إدماجها و توظيفها في مواجهة المشكلات خلال فترة الإدماج . إننا إذن كالأعمى الذي يبحث في الليل داخل غرفة مظلمة عن قبعة سوداء لا وجود لها . الأمر الذي نرجو تجاوزه قريبا ،خاصة عندما ستتوفر مقررات وكتب دراسية جديدة ملائمة (بدل كراسات الإدماج الحالية الحافلة بالأخطاء وبالصور الغريبة والمنفرة )،قد يتم تحديد وترتيب موادها و ملاءمة أساليبها انطلاقا من الوضعيات الإدماجية وانطلاقا من انسجام المقررات ككل ( أي انسجام المنهاج بالمعنى الشمولي وبفهمنا النسقي المتكامل لمصطلح الاندماج ، انظر العنوان الأخير في هذه الدراسة والذي نقارن فيه بين بيداغوجيا الإدماج والمنهاج المندمج للمؤسسة)، وجعلها أكثر اندماجا وأكثر استحضارا للفروق الفردية بين التلاميذ ، ذلك أن الاقتصار على الوضعيات الإدماجية الواردة في دليل بيداغوجيا الإدماج، من شأنه أن يقحم الفاعلين التربويين في بيداغوجيا تنميطية اختزالية لا تراعي خصوصيات التلاميذ السيكولوجية (وتيرة وأسلوب التعلم ...) والثقافية وطبيعة الفوارق الموجودة بينهم، مما يتطلب الحذر من تعميم الوضعيات على جميع المدارس المغربية (نذكر هنا على سبيل المثال ، الوضعية المقترحة على التلاميذ-الأطفال في إحدى الكراسات ، حيث يطلب منهم فيها ، أن يكلموا أباءهم على هواتفهم المحمولة ،ويطلبون منهم أن يحضروا لهم ساندويشا من أحد المطاعم، قد يكون ماكدونالد، وبطبيعة الحال يمكن أن نتصور صعوبة إدراك مثل هذه الوضعية "الإشكالية"التعجيزية ، بالنسبة لتلاميذ البوادي البعيدة والفقيرة والذين تعاني مدارسهم من وضعية التهميش والهشاشة ، دون الحديث عن الأطفال في وضعية صعبة...) . وفي هذا السياق ، سياق الخوف من القطيعة بين المراحل (مرحلة تعلم الموارد ومرحلة إدماجها في وضعيات ) والانتقال المفاجئ للتلميذ من مرحلة إلى أخرى ،يلاحظ مراد لخصيم أن القول بان التلميذ كفؤ في لحظة زمنية معينة ليس له أية ضمانة فعلية، ذالك أن المتعلم يتعلم إدماج مكتسباته باستمرار و على مدى مساره الدراسي.كما أن الكفاية تنمو لدى المتعلم عبر الزمان و من خلال التمرن و التمرس المستمرين. فلا يكفي أن يتمرس المتعلم على وضعية أو وضعيتين ليصبح كفؤا، حيث أن تجنيد المكتسبات في مادة الرياضيات مثلا، يتم عبر التعلم المستمر و المتدرج لاستراتيجيات حل المسائل و النمذجة و ترييض الوضعيات و الاستدلال الرياضي ."إن اعتماد بيداغوجيا الإدماج كإطار منهجي لإرساء المقاربة بالكفايات يفرض قبل كل شيء، تحسين التعلمات الأساسية ( أي ترسيخ الموارد على أسس متينة ، أولا وقبل كل شيء) و التي بدونها يصبح من العبث دفع المتعلم إلى إدماج ما يفتقده و فاقد الشيء لا يعطيه.فكان من الأجدر أن يعزز تعلمه الذاتي عن طريق بناء تعلماته حتى ينتقل تدريجيا إلى ممارسة الإدماج". إن التدريس بشكل نمطي لمجموعة غير متجانسة من المتعلمين و الذي تكرسه حاليا منهجية تمرير بيداغوجيا الإدماج بمؤسساتنا التعليمية ، يحد من مبادرات الأستاذ من جهة ويحد من تدرج المتعلم في بناء تعلماته من السهل إلى الصعب و من البسيط إلى المعقد و من المعلوم إلى المجهول، من جهة ثانية".( مراد لخصيم ،تعلم الإدماج: هل هو مستجد في المناهج المغربية؟، موقع وجدة البوابة على النت-2011).والحقيقة أن هذا الإشكال قد يجد حلا له في التطبيقات والمراجعات الجزئية والمستمرة منذ الأسبوع الأول من التدريس ، والتي كنا ننجزها في العادة بعد كل حصة او لربط الدرس السابق باللاحق والتي عادة ما يقوم بها المدرسون باعتماد حدسهم وحسهم السليم والذي ينبع من احتكاكهم اليومي بتلاميذهم ومعرفتهم بحاجياتهم وفروقهم في تتبع كل حصة وكل درس ومدى جودة مكتسباتهم. ويمكن إنجاز تلك التمارين والتطبيقات من خلال وضعيات بسيطة يتدرب التلميذ من خلالها على الإدماج وبشكل جزئي . لكن وفي هذه الحالة سيواجهنا السؤال التالي: هل سنكون في هذه التطبيقات الجزئية نستهدف حفظ معارف ومعلومات والتعود على مهارات (كما في البيداغوجيا التقليدية) ام نستهدف أهدافا خاصة – إجرائية (كما في بيداغوجيا الأهداف) تتجمع لتشكل في النهاية الهدف العام ؟ ام سنستهدف تحقيق كفايات (قدرات ومهارات) جزئية – مرحلية (أي نمر من برشيد - سطات - مراكش - امنتانوت... قبل ان نصل إلى أكادير) كما في مدخل الكفايات قبل "النزول" ، قدرات تتجمع في ذهن التلميذ بقدرة قادر، لتشكل في نهاية المطاف الكفاية الأساسية الموعودة (أو الهدف النهائي للإدماجOTI ).وما يثبت كذلك قولنا بان تطبيق بيداغوجيا الإدماج لا يتم بشكل مندمج مع المنهاج الدراسي السائد ،الأمرالذي يشتكي منه كثير من التربويين والممارسين منهم على وجه الخصوص،هو انعدام التوفيق في اختيار التنظيم البيداغوجي الملائم للتعلمات.التنظيم البيداغوجي المغربي الحالي للتعلمات اختار في تطبيقه لبيداغوجيا الإدماج :6أسابيع لتعلم الموارد،و أسبوعين لتعلم الإدماج وتقويم ومعالجة الكفاية ، وذلك في كل مرحلة من المراحل الأربع المخصصة في السنة الدراسية (34 أسبوعا).لذلك يجد المتعلم نفسه أمام ثلاث فرص فقط لتعلم الإدماج، و3 فرص على الأقل لدعم ومعالجة تعثراته . ويتساءل المدرسون ،هل هذا كاف لتعلم الإدماج المستهدف الأساسي من عملية التقويم؟ ويضيفون "لماذا لم يتم اختيار التنظيم البيداغوجي التدريجي للتعلمات،والذي اقترحه روجييرس نفسه: ثلاثة أسابيع لتعلم الموارد،ثم أسبوع الدمج الجزئي،حيث سنتيح للمتعلم أكثر من 12 فرصة في السنة لتعلم الإدماج(8 جزئية،و4 كلية)،وأكثر من 12 فرصة في السنة لدعم ومعالجة التعثرات".والحقيقة أن ما ينبغي أن نطالب به ،هو تغيير المنهاج برمته (برامج ، مواد وكتب مدرسية ، التنظيمات البيداغوجية للسنة ، الطرق، الإيقاعات والأغلفة الزمنية ، الاختبارات وأساليب القياس والتقويم ومعاييره....) مع إحداث التعديلات الضرورية في هذا النموذج المتمحور على الكفايات ، بما سيشكل نموذجا منهاجيا أصيلا نابعا من خصوصيتنا ومن حاجياتنا، عوض الاستمرار في التركيز على المحتويات والمواد والتنظيمات السائدة ،كما هو الشأن في المنهاج "القديم" ومحاولة تطبيق (فوطوكوبي )مقتضيات بيداغوجيا جاهزة "جديدة ". ولنا مثال آخر على تطبيق بيداغوجيا الإدماج بشكل غير مندمج وغير ملائم ، يكمن في عدم مواءمة ما تسعى اليه بيداغوجيا الإدماج من إخضاع كل المستويات التعليمية لنفس التقويم، أي التقويم انطلاقا من الوضعيات المركبة؛حيث أن عملية التركيب التي يجب أن يقوم بها كل المتعلمين على حد سواء ومهما كان مستواهم وبغض النظر عن سنهم لمواجهة هذه الوضعيات ،تنتمي إلى العمليات العقلية العليا(حسب كل الصنافات)،وهذه العملية العقلية المجردة والعليا تتطلب عمليات ذهنية أخرى سابقة ( حفظ ،إدراك وفهم، ربط،انتقاء،استنتاج....).وبما أن معظم المتعلمين في التعليم الابتدائي، وحسب القوانين المرتبطة بمراحل نمو ذكاء الإنسان ،كما اكتشفها جان بياجي ،هم إما في مرحلة الذكاء المشخص أو مرحلة الذكاء ما قبل العملياتي،أو مرحلة الذكاء العملياتي الحسي،فلا يجوز تقويم تلاميذ كل المستويات الدراسية(وخصوصا الدنيا منها) من خلال وضعيات مركبة،والتي تستند على معطيات رمزية و مجردة . ذلك أن التركيب كعملية عقلية عليا لا يكتمل نموه إلا خلال المرحلة الأخيرة أي مرحلة الذكاء العملياتي الصوري/المجرد،حولي 11/12 سنة وما فوق). وهذا ما لمسه المدرسون والباحثون على حد سواء."الكل يعرف أن المتعلمين يجدون صعوبات كبيرة فقط في تذكر الموارد(المعرفة أي الحفظ والاسترجاع حسب صنافة بلوم) ، فما بالك أن المتعلم سيجد نفسه أمام مهمة مزدوجة ومعقدة: تذكر الموارد وتركيبها لحل وضعية معينة"(انظر محمد صدوقي، 2011).بطبيعة الحال لسنا مطالبين ان ننتظر اكتمال نمو عملية عقلية عليا حتى نطبقها ،بل بإمكاننا المساعدة على نموها في الاتجاه الصحيح وبشكل تدريجي كما كنا نفعل دائما في تدريسنا، وفي هذه الحالة يختار المدرس بكل حرية وبناء على معرفته المباشرة واليومية لتلاميذه، تمارين و تطبيقات ووضعيات سهلة وبسيطة تكون في مستوى النمو العقلي للتلميذ وتسايره وتقويه، ثم ينتقل شيئا فشيئا نحو ما هو اقل بساطة و أكثر تعقيدا. سابعا : بين بيداغوجا الإدماج والمنهاج المندمج للمؤسسة "تتبنى" بيداغوجيا الإدماج مفهوم الإدماج الذي وضعه المجلس الأعلى للتربية في كيبك بكندا ، والذي يعرفه بكونه "السيرورة التي يربط بها التلميذ معارفه السابقة بمعارف جديدة، فيعيد بالتالي بناء عالمه الداخلي، ويطبق المعارف التي اكتسبها في وضعيات جديدة ملموسة". نستشف من هذا التعريف الضيق الذي اقتبسه روجييرس،ما يأتي: -الإدماج هو ربط المعارف السابقة بالمعارف الجديدة، وتركيبها، ثم توظيفها لحل وضعيات-مشكلات جديدة.-إن إدماج المكتسبات عملية شخصية وفردية بالأساس، لا يمكن أن يقوم بها متعلم مقام آخر.لكننا نقترح في تصورنا للمنهاج الدراسي، أن يتسع مفهوم الاندماج حتى لا يبقى محصورا في جانب واحد من النشاط الذهني للمتعلم وهو إدماج الموارد والمكتسبات .لأن ذلك في نظرنا هو العيب الأساسي لبيداغوجيا الإدماج، إنها بيداغوجيا تقنية تجزيئية وسلوكية في العمق رغم ادعائها بالاشتغال في إطار مدخل الكفايات وهو مدخل معرفي - ذهني، فلا تختلف كثيرا عن بيداغوجيا الأهداف السلوكية بل تختلف عنها كما أثبتنا ،شكلا وليس في المضمون. بطبيعة الحال فإن الحديث عن الوضعيات وتعويد التلاميذ على مواجهة المشكلات ،في هذه البيداغوجيا خاصة في حمولتها الاجتماعية ، فيه إلى حد ما ، سعي نحو الاندماج . لكنه اندماج ضمني ويركز على دمج التعلمات فلا تتضح أبعاده الاجتماعية وغاياته الشمولية التي ينبغي إظهارها وتوظيفها منذ البداية ، سواء في محتويات البرامج او في أساليب أدائها و في طبيعة الأنشطة الموازية او في مشاريع المؤسسة وغيرها والتي ينبغي ان تعزز ما تستهدفه المدرسة من اندماج حقيقي في المجتمع بشكل شمولي . لذلك فإننا قدمنا منذ سنوات ، تصورا أكثر شمولية ،أسميناه "المنهاج المندمج للمؤسسة" (م 3) والذي يتسع فيه مفهوم الاندماج (نظريا وعمليا) ليشكل نسقا متكاملا . من بعض مميزاته أنه يمنح على سبيل المثال، المناطق والمؤسسات والجهات، سلطة ( حرية) تعديل ومواءمة المقررات الدراسية، للاحتياجات والخصوصيات المحلية مع احتفاظها بالأسس المشتركة في المنهاج الوطني العام أي نسمح للمدرسين والقائمين على التعليم عموما بنوع من المرونة بدل النمطية والأحادية اللتان تميزان كلا من بيداغوجيا الأهداف و بيداغوجيا الاندماج، شريطة خلق نوع من التوازن بين المستوى الوطني والمستوى الجهوي . ويمكن أن يتشخص هذا النوع من المناهج في مشاريع الشراكة التربوية ، حيث تترك للمؤسسات حرية المبادرة وعقد اتفاقيات تعاون و شراكة مع القطاع الخاص وفعاليات المجتمع المحلي،وتعديل مناهجها الدراسية بشكل مندمج ، بما يساير خصوصياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويلبي في نفس الآن احتياجات التلاميذ ومتطلبات أسرهم.كما يساير مختلف المستجدات في مجال بناء وتطوير المناهج التعليمية وما ظهر حديثا في مجال إدارة الجودة الشاملة واعتماد معايير الجودة في التعليم (انظر محمد الدريج " المعايير في التعليم ،نماذج وتجارب لضمان جودة التعليم " ،2008).هذا وقد وجدنا لهذا النموذج بعض الآثار في نظامنا التعليمي، فمثلا تحدد نسبة حرية التصرف في المنهاج الوطني بالتعديل وإضافة مواضيع جديدة، و المتروكة جهويا للمؤسسات ، في 15 بالمئة. .( محمد الدريج،1996 و 2002).ونحن بصدد تطوير وتحديث هذا النموذج والذي سنخصه قريبا بدراسات مستقلة،لكن يمكننا أن نشير الآن إلى أن الاندماج المنشود ينبغي أن يسير بشكل متواز ومتكامل في أربعة اتجاهات : 1- اندماج على مستوى المنهاج بمختلف مقرراته وهو اندماج أفقي (مستعرض) بين المواد الدراسية. 2- اندماج منهاجي على مستوى الأهداف العامة أو الكفايات الأساسية ، (المعارف ، المهارات ، منظومة القيم /الأخلاق ،الهوية ، مشاعر المواطنة...).3- واندماج على مستوى المؤسسة. سواء داخل المؤسسة (بين أطرها وتنظيماتها وروادها من التلاميذ) وبينها وبين البيئة المحلية ( الطبيعية والمجتمعية والثقافية).4- واندماج على مستوى المنطقة ( الجهة) والوطن أي على مستوى المجتمع ككل.