مواكبة لمستجدات منظومة التربية و التكوين، نضع بين يدي الزائر الكريم الجزء الثاني والأخير لموضوع الدكتور محمد لمباشري حول الإطار العام لمشروع بيداغوجية الإدماج، الذي بهدف لتعميم الفائدة بالنسبة للموارد البشرية التي تنتمي لقطاع التربية و التكوين و من أجل آفاق النقاش و المطارحة لحيثيات هذا النموذج التربوي التكويني. ثانيا : الآباء لننتقل إلى مواقف الآباء ، محاولة منا الوقوف على الدوافع التي تدفع بهم إلى إرسال أبنائهم للمدرسة، مستعملين في هذا الإطار نظرية التحفيز الذاتي كدافع سلبي أو ايجابي لعملية تحقيق مبدأ تعميم التمدرس؛ و سنبدأ بإبراز ثلاثة عوامل لها علاقة بظاهرة تمدرس الأبناء بالنسبة لأولياء أمرهم: 1) تمثل الآباء لذواتهم في علاقة مع المؤسسة المدرسية كفضاء للإستقبال: إن الهاجس الأكبر لدى الآباء في إرسال أبنائهم للمدرسة هو سعيهم بشكل إرادي تجاوزا لعتبة الأمية المستدامة التي تشكل نسبة كبير في صفوف أولياء المتعلمين الذين ينحدرون من أوساط فقيرة ؛ و يدخل هذا العامل في إطار الحوافز النفسية الاجتماعية الموجودة لدى الآباء في أفق انزياح الأبناء من تجربة مبرمجة سابقة في عدم استفادتهم من تعليم إلزامي خلال مسارهم الاجتماعي؛ 2) تمثل الآباء لقيمة الأنشطة المدرسية: صحيح أن المدرسة تعطي صورة ايجابية بالنسبة للأوساط غير متميزة ثقافيا و اقتصاديا من خلال الأنشطة التي تبرمجها للمتعلمين داخل فضائها المؤسساتي، إلا أن هذه الصورة تصبح جد مستلبة و غير واضحة خصوصا بالنسبة للأوساط الفلاحية، لدرجة لم يعد يدرك الآباء الجدوى من إرسال الأبناء للمدرسة؟؛ نظرا لغياب برامج وظيفية تستحضر ضمن مقوماتها البيداغوجية و التكوينية البيئة المحلية للساكنة، و مقوماتها الثقافية و الاقتصادية كحاجات وجب على المؤسسة المدرسية أخذها بعين الاعتبار أثناء بناء البرامج و المناهج المقررة. اعتبارا بان المدرسة كمجال نفسي اجتماعي، يجب أن تعكس الواقع الاجتماعي و الثقافي بالمساهمة في التأثير على الواقع المحيط بها من خلال إكساب المتعلمين كفايات الحياة اليومية عوض ممارسة شكل من الاستلاب المعرفي الذي يجعل المتعلم يتجرد من لباس التلمذة بمجرد الخروج منها، و الشعور بالتالي بنوع من الاغتراب عندما تطرح عليه وضعيات مشكل مركبة في تفاعلاته النفسية الاجتماعية مع الواقع المعيشي و مع الإشكالات التي تطرح عليه من طرف الآباء.فما ينتظره الآباء من الأبناء المتمدرسين هو مساعدتهم على فهم لعبة الواقع و تشفير تضاريسه حتى يشعروا برضى اتجاه المدرسة كفضاء للتثقيف و ليس كمجال للتنجيح فقط كما هو الواقع الحالي للمؤسسة المدرسية المغربية. 3) تمثل الآباء لكفاءتهم في دعم الأنشطة المدرسية الموجهة لأبنائهم: بحكم الفقر الثقافي و المعرفي الذي يعاني منه الآباء فهم يشعرون بعجز في مساير الأنشطة التي تكسبها المدرسة للأبناء، الشيء الذي يجعلهم في الهامش، و شعورهم كمركب نقص بعدم امتلاك القدرة على تقديم المساعدة البيداغوجية المطلوبة بالنسبة لأبنائهم، كدعم خارجي تشترطه مدرسة اليوم؛ ناهيكم عن نوعية اللغة المستعلمة من طرف منظومة التربية و التكوين، و التي تشكل هي الأخرى عائقا ابستيمولوجيا في تحقيق التفهمات سواء بالنسبة لهم أو بالنسبة لأبنائهم؛ و هو ما يؤثر سلبا على حسن اندماجهم مع الوسط المدرسي، و بالتالي دخولهم في عتبة الفشل المدرسي. I. المقررون و السلطة السياسية: غالبا ما ينساب المقررون لاكراهات العالم الاقتصادي في ضغوطاته المباشرة أو غير المباشرة على السوق المحلي و الجهوي، و المتعلق خصوصا بكيفية تدبير الموارد البشرية الكفيلة بدعم الاقتصاد الوطني و المساهمة بالتالي في التنمية المستديمة بناء على الكفايات المهنية المحققة في بروفيلاتهم النهائية بعد عملية التخرج من احد المسالك المبرمجة في المشروع البيداغوجي؛ و إن كانت هذه الضغوطات قائمة على المستوى الرسمي في إطار العلاقات البيوحكومية المتخذة من اجل دعم المصالح الخاصة بالدول المتدخلة في الشأن المحلي، لاحتكار السوق و ضمان الربح السياسي و الاقتصادي، فإن السلطة السياسة على المستوى الفعلي مازالت متخلفة في نظم هذا الحقل الاستراتيجي المتعلق بمنظومة التربية و التكوين خصوصا من حيث تحديد القصد المرجو من وراء المدرسة العمومية، و الانصياع بشكل استلابي نحو دعم التعليم الخصوصي التي يتيح لهذه الدول فرض هيمنتها الاقتصادية على منظومة التربية و التكوين من خلال الكتب المدرسية المقررة داخل هذا النوع من التعليم الذي تستجيب مقوماته البيداغوجية و الكفاياتية للسوق العالمية المنظر لها من الناحية الإستراتيجية؛ ينجلي ذلك من خلال الإقبال المكتف على المدارس الخصوصية المتمثلة في نظر من يملكون الإمكانيات المادية و المشجعون لهذا النوع من التعليم و بشكل رسمي، بأنها الاختيار الأنسب لضمان تعليم جيد يليق بمستقبل أبنائهم مقارنة مع المدرسة العمومية التي جر البساط من تحت أقدامها، نظرا لتخلفها في تحقيق الجودة التعلمية بالنسبة للفئات المستهدفة بداخلها؛ و اعتبارا لهذا المعطي نكون في وضعية التخلي عن مبدأ أساسي ناضلت من اجله الفعاليات الوطنية منذ الخمسينات من القرن الماضي، و هو مبدأ التوحيد. v بعض من الاحتياطات البيداغوجية التي يجب أخذها بعين الاعتبار لتدبير الأزمة و التخفيف من حدتها مرحليا خصوصا بالنسبة للمدرسة العمومية حسب توجهات مكتب هندسة التربية و التكوين: إذا كنا نرغب فعلا في تجاوز الأزمة التي تعرفها منظومة التربية و التكوين داخل المدارس العمومية يجب علينا الاشتغال على مجموعة من الواجهات ذات المستوى البيداغوجي و الديداكتيكي:أولا يجب علينا تحديد مجموعة من الإجراءات الناجعة التي يمكنها أن تعود بالنفع على الساكنة التي تعاني من تدهور معرفي و اقتصادي و ثقافي و ذلك من خلال: 1. تعميم التعليم الأولي: عن طريق إنشاء أقسام داخل المناطق الأكثر فقرا ، خصوصا من طرف فعاليات تنتمي للمجتمع المدني، مع العمل على توزيع الكتب المدرسية مجانا، و توفير المطاعم المدرسية للناشئة في مختلف الأقاليم المغربية؛ و الاشتغال و بشكل مستمر من اجل دعم البنيات التربوية المناسبة للأمكنة المخصصة للتعليم الأولي، تجنبا للارتجالية ذات الصبغة المناسباتية. 2. التفكير و بشكل عقلاني في عمق لغات التعليم بالشكل الذي يجعلها أكثر استيعابا من طرف الأطفال من الناحية السيكولوجية و اللسنية، فالأمر لا يتعلق بتغيير جدري في جهازها المفاهيمي اعتمادا على قرار سياسي، و إنما القصد هو الاحتكام لنتائج البحث العلمي التربوي[1]، و العمل على تكييفها مع البيئة المحلية للمتعلمين و تبسيطها حتى تتيح للمتعلم استيعاب مضامينها و توظيفها مستقبلا أثناء مواجهة وضعيات مشكل معيشية؛ 3. أن تتوجه المدرسة نحو تهيئ المتعلمين للحياة الاجتماعية: صحيح أن هناك إجراءات أخرى ذات أهمية يمكن استحضارها في هذا الجانب، مثل الإطالة في مدة التعليم الأساسي؛ و لكن هذا الاختيار مشروط أساسا بالاعتناء بجودة التعلمات التي تخول للمتعلمين اكتساب كفايات تعلمية تجنبهم من سوء التعلمات، كما هو مسجل حاليا داخل مدارسنا، بالرغم من قضائهم تسع سنوات في التعليم الإلزامي. إن الرهان الأكبر في هذا الإجراء ليس إرسال المتعلمين للمدرسة لمدة أطول و إنما الدفع بهم إلى القيام بأشياء مهمة تعود عليهم بالنفع مستقبلا. 1. اعتماد المقاربة البيداغوجية للإدماج أو ما يعرف بالكفايات الأساسية. تقديم: قبل التفصيل في حيثيات و مقومات هذا الاختيار البيداغوجي من الناحية الإجرائية و دواعي اعتماده كإستراتيجية عمل كما هو منصوص عليه في التوجيهات الرسمية سواء التي أتى بها المخطط الاستعجالي لوزارة الوصية على التعليم ، أو بناء على ما هو وارد في منطوق المذكرة 112 الصادرة بتاريخ 10 شتنبر 2008 بقصد التجريب في بعض الأكاديميات الجهوية بالمملكة المغربية، سنحاول بداية الوقوف على دوافع الانتقال من بيداغوجية الكفايات الممتدة إلى بيداغوجية الكفايات الأساسية التي تسمى أيضا بيداغوجية الإدماج. v دوافع الانتقال: و نحن نتابع عن قرب مسار بيداغوجية الكفايات بواقعنا التربوي المغربي، سواء على مستوى الخطاب المنظم و المفسر لأبعادها و أهدافها القريبة المدى او المتوسطة المدى، أو على مستوى كيفية أجرأتها كإستراتيجية عمل داخل المدارس المغربية بمختلف أسلاكها التعليمية؛ فثمة ملاحظات لا بد لنا من إبدائها في هذه الورقة، استجلاء للوضوح و رغبة منا في إزالة اللبس الحاصل على مستوى تبنيها كاختيار بيداغوجي صالح للرفع من جودة التربية و التكوين داخل منظومتنا التعليمية. بداية لا نريد الدخول في سجالات و متاهات أيديولوجية ضيقة الأفق من الناحية المنهجية قد تصطبغ بشكل شعوري أو لاشعوري بمنمطات و أحكام قيمة متسرعة كما هو وراد في مواقف و تمثلات عدد كثير من النقاد؛ و إنما سنحاول إبراز أي نوع من أنواع الكفايات القابلة للتطبيق في مدارسنا المغربية سواء بالوسط الحضري أو القروي، انطلاقا بطبيعة الحال من خصوصية هذه الأخيرة و أهم المتغيرات المادية و البشرية المتحكمة فيها. و قبل القيام بإبراز مقومات و أهداف بيداغوجية الإدماج كإجراء تطبيقي لبيداغوجية الكفايات حسب منطوق المخطط الاستعجالي و المذكرة 112، سنحاول في هذه الورقة الوقوف على بعض الاصطلاحات من اجل التحديد و ضبط نسجها المفاهيمي من الناحية النظرية و التطبيقية: 1. مفهوم الكفايات وأنواعها: تحتوي المقاربة بواسطة الكفايات على دلالات متعددة حسب المنظرين لها؛ و يمكننا في هذه الورقة استجلاء مفهومين مركزين للمقاربة بواسطة الكفايات: v المفهوم الأول يخص المقاربة المتمركزة حول تطوير الكفايات الممتدة داخل المؤسسة المدرسية؛ و تهم هذه المقاربة المتعلمين الذين لا يعانون من صعوبات تعليمية تعلمية، خصوصا بالنسبة للمكتسبات الأولية الأساسية، مثل كفاية القراءة و الكتابة و الحساب. و تنص هذه المقاربة على اعتماد التوجيهات التالية:1. إعادة توجيه تعلمات المتعلمين حتى يتم تفعيلها بشكل إجرائي داخل الوضعية المشكلة، فعوض الانطلاق من التعلمات الماجيسترالية يجب دفع الفئات المستهدفة في منظومة التعليم إلى توظيف منابعهم المكتسبة من اجل إيجاد حلول لوضعيات المشاكل المعروضة عليهم. و حتى نضمن نجاعة هذه المقاربة على المدرس اعتماد الطرائق الفعالة في التدريس.2. الأخذ بعين الاعتبار أثناء عرض الوضعيات التعلمية، كفايات الحياة المعيشية للمتعلمين، و كفاية الحياة الخاصة بالقسم كمنطلقات أساسية من أجل إقحامهم في سيرورة الأنشطة و تشجيعهم على أخذ المبادرة في البحث عن الحلول الممكنة التي تطرحها مثل هذه الكفايات كمشكلات أو تساؤلات...3. الانطلاق من إلزامية تداخل الاختصاصات داخل بنية المنهاج الدراسي، احتراما لبعدها الاندماجي و لوضعيات المشكلة المركبة. إن هذا المفهوم المعطى للكفايات يبدو أكثر غنى و ذا طموح كبير من حيث التطبيق الفعلي لمقتضياته البيداغوجية في بنية المؤسسة المدرسية؛ إلا أن عملية أجرأته و بشكل فعال داخل القسم مشروط بتحضير أطر تعليمية مؤهلة بيداغوجيا و ديداكتيكيا، و لها من التكوين المهني الأساسي و المستمر ما يجعلها في مستوى تنفيذ هذا النوع من المقاربة. كما أن تبني مثل هذا الاختيار كإستراتيجية عمل– خصوصا بالنسبة للدول المتخلفة أو السائرة في طريق النمو- صعب التطبيق لأنه يشترط وجود بنيات تحتية مناسبة، و عدة ديداكتيكية متكاملة و داعمة لتوجهاته البعيدة أو القريبة المدى. لماذا هذا التحفظ؟، لأن نجاعة المقاربة المتمركزة حول الكفايات الممتدة تناسب فقط الدول المتقدمة، أو إذا شئتم المدارس المحظوظة اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا. 2. حدود الكفايات الممتدة كمشروع للتطبيق في واقع مدارسنا و رهانات الكفايات الأساسية:إن حدود إمكانية تطبيق هذا النموذج الديداكتيكي بواقع مدارسنا التربوية التكوينية مرده إلى العوامل التالية:1. أنها تتطلب درجة عالية من التأهيل المهني بالنسبة للمدرسين المنوط بهم تفعيلها داخل المؤسسة المدرسية؛2. تتطلب وسطا متميزا ، و شروطا بيداغوجية ملائمة و فعالة؛3. تحول التقويم إلى عملية صعبة و معقدة مقارنة مع مكتسبات المتعلمين المحدودة معرفيا و مهاريا؛كما أن انعكاساتها السلبية كمشروع بيداغوجي سيساهم لا محالة في تفاقم ظاهرة العزوف عن التمدرس لدى هؤلاء الأطفال الضعاف، و استمرارية مشكل التسرب من المدرسة ، بدعوى صعوبة مسايرتهم لنظامها التعليمي التعلمي، و عجزهم عن تطبيق ما اكتسبوه مدرسيا داخل النسيج السوسيو اقتصادي. v المفهوم الثاني يتعلق بالمقاربة البيداغوجية المتمحورة حول الكفايات الأساسية، و التي أصبحت تعرف لدى الخبراء البيداغوجيون ببيداغوجية الإدماج؛ و ترمي هذه البيداغوجية في بعدها الاستراتيجي إلى إعطاء المتعلمين و بشكل ملموس الكفايات الضرورية و الملحة التي تتيح لهم الانصهار و الاندماج في الجسم السوسيو اقتصادي المؤهلين له مستقبلا.و قبل التفصيل في هذا النوع من البيداغوجيات لا بد أولا من الوقوف على مفهوم الإدماج كما هو وارد في بعض الحقول المعرفية: 1. مفهوم الإدماج:تحتوي كلمة إدماج على تعاريف متعددة حسب السياق الذي أدرجت فيه:ففي مجال الرياضيات كلمة إدماج عملية ترمي إلى حساب تكامل الدالة.و في الإعلاميات تعني مرحلة من المشروع من خلالها نراقب النتائج بواسطة اختبارات إدماجية.في مجال العلوم الإنسانية: علم النفس ،/ علم الاجتماع، علم النفس الاجتماعي، الأنتروبولوجيا، الإدماج هو التماسك و التفاعل و الانصهار الايجابي في الأوساط السوسيو اقتصادية و الاجتماعية القائمة في صلب المجتمع تحقيقا للهوية النفسية الاجتماعية للفرد الاجتماعي.أما اصطلاح الإدماج في المجال البيداغوجي فنعني به منطلقا بيداغوجيا عبره يعمل المتعلمون على تحريك منابعهم المعرفية لإيجاد حلول أو لمعالجة وضعيات مشكل مركبة[ و هو ما يصطلح عليها [بيداغوجية الإدماج]. لنعمق النقاش في هذه النقطة؛ 2. بيداغوجية الإدماج: إن تعليما موجها نحو تطوير الكفايات الأساسية- و ليس نحو تطوير القدرات فقط و بشكل مبسط- هو اختيار أساسي لتبني ما يصطلح عليه ببيداغوجية الإدماج، بما هي مقاربة تسعى إلى تسليح المتعلمين بالمعارف و المهارات و التقنيات و الأداءات... من اجل التحكم في الوضعيات التي سيواجهونها في حياتهم المهنية و الشخصية و البين شخصية. 3. لماذا الكفايات الأساسية كمشروع بيداغوجي بالنسبة لمدارس دول العالم الثالث؟كون الكفاية كما سبق لنا الإشارة إلى ذلك، تحمل معان متعددة حسب الأطر المرجعية المستعملة لها كمفهوم؛ فالمعنى الأول المعطى لها كمعرفة للعمل، مثال: رسم مستطيل، أو تحرير قائمة من المراجع الخاصة بموضوع ما....، فمثل هذا العمل يدخل ضمن سياق الكفايات النوعية المتصلة باختصاص محدد، لأنها تحتوي على خاصية نوعية و ملموسة، و على منطق الخاص تفرضه طبيعة المادة؛ و غالبا ما نصنفها في خانة الأهداف النوعية؛المعنى الثاني الذي يمكن أن نعطيه للكفاية بما هي قدرة، مثل معالجة معلومة، فالأمر يتعلق بمستوى عال، و ذا صبغة عمومية، و يطغى عليه البعد النظري أكثر من البعد التطبيقي. و يسمى هدا النوع من الكفاية بالكفايات الممتدة.المعنى الثالث يندرج ضمن ما أسميناه بالكفايات الأساسية، بما هي كفايات ملموسة و ذات بعد شمولي، تستهدف عملية الدفع بالمتعلمين إلى تحريك منابعهم المعرفية و الفكرية من اجل إيجاد حلول لوضعيات مشكل مركبة، مثل قيادة سيارة داخل المدينة، و هي كفاية مدمجة و مركبة تتطلب من الفرد تشغيل عدد كبير من التعلمات المعرفية، و حسن الأداء، و المواقف و الاتجاهات و ردود الأفعال، و التقنيات و المهارات و غيرها..... بهدف تحيق الهدف النهائي للإدماج[ انظر كتابات غزافيي روجرز في هذا الإطار]. 4. أهداف بيداغوجية الإدماج: حسب "غزافيي روجرز " يمكننا استجلاء أربعة أهداف لهذه البيداغوجية:1. إعطاء معنى لتعلمات المتعلمين، حتى يتمكنوا من توظيفها و بشكل جيد أثناء معالجة وضعية مشكلة؛2. التمييز بين ما مهم و أقل أهمية في تعلمات المتعلمين، عن طريق الاهتمام بالتعلمات القابلة للتطبيق و الاستثمار في حياتهم المعيشية؛3. إكساب المتعلمين كيفية استعمال المعلومات و المعارف الأساسية داخل وضعية المشكل. 4. مساعدة المتعلمين من جهة على تحريك و تعبئة معارفهم و معلوماتهم لمعالجة وضعيات مشكل يفترض أن يواجهونها في حياتهم اليومية، و من جهة أخرى تتيح لهم فرصة المواجهة المباشرة لصعوبات غير مرتقبة داخل وضعية لم يسبق لهم مصادفتها في حياتهم العادية أو الدراسية؛ إن الأهم بالنسبة لهذه البيداغوجية الإدماجية ليس الاقتصار على ملء رأس الطفل بمجموعة من التراكمات المعرفية المختلفة و المتعددة المشارب، و إنما بالدفع به إلى بناء روابط بين معلوماته و معارفه و بين القيم المنشودة، كأن نحوله مثلا إلى مواطن مسؤول، أو إلى عامل كفء أو شخصية مستقلة قادرة على بناء مشروعها الذاتي المستقبلي؛ نخلص إذن بأن بيداغوجية الإدماج كاختيار ديداكتيكي يساهم في جعل المتعلمين يمتلكون خاصية و مهارة التدبير الذاتي للوضعيات المركبة التي يواجهونها سواء داخل جماعة الفصل أو خارج المؤسسة المدرسية؛ و تستثمر داخل هذه الوضعيات المنابع التالية: Ø المكتسبات التعلمية: أي المعارف، و معارف للعمل، و معارف للكينونة؛ Ø كفايات الحياة التي يعمل المتعلم على تعبئتها من اجل معالجة المشاكل المطروحة...و في هذا السياق يقترح المدرس على المتعلمين الوضعيات التالية: r وضعية التطبيق، بمعنى أجرأة المكتسبات؛ وضعية التقويم[ و يتم التركيز بشكل خاص على التقويم التكويني لمساعدة المتعلمين على تطوير تعلماتهم بشكل جيد]؛ وضعية علاجية او تصحيحية لدرك الصعوبات و التعثرات تحقيقا للأهداف النهائية للإدماج.و في نفس الإطار كذلك،- و دعما لمشروع بيداغوجية الإدماج و فعاليتها كاختيار- لا بد لنا من التأكيد على الحجة التالية كما يطرحها "غزافيي روجيرز": نحن لا ننتظر من المدرس أن يتغير كليا أثناء تطبيق أهدافها النهائية، بل بالعكس، يجب علينا احترام مستواه التكويني الآني، و اختياراته الديداكتيكية المنطلق منها، و لكننا في نفس الوقت نطالبه بتغيير و تطوير ممارسته الديداكتيكية و المهنية بشكل تدريجي لكي يكون مؤهلا من الناحية النظرية و التطبيقية لتفعيل هذه البيداغوجيا داخل جماعة الفصل التي يدرسها، اعتمادا بطبيعة الحال على تكوينه الذاتي و المستمر؛ و بواسطة هذا المسلك سنكون بالفعل قد أمناه و وضعنا ثقتنا الكلية في شخصه و في توجهاته . نشير في الأخير بان مصطلح الكفايات الأساسية التي سبق الإشارة إليها في هذه الورقة يختلف عن ما يسمى حاليا في موجهات الميثاق الوطني للتربية و التكوين بالكفايات الممتدة. إن الكفايات الأساسية هي من جهة كفايات ملموسة و كفايات مركبة، لأنها تفضي إلى تحريك منابع معرفية متعددة من اجل معالجة مشكلة مركبة، مثل قيادة سيارة داخل المدينة، أو تحرير فقرة مكونة من سطور محددة داخل وضعية تواصلية. إن هذا المعنى المعطى للكفاية هو الذي يندرج ضمن التجديد البيداغوجي المراهن عليه في منظومة التربية و التكوين كما هو وارد في المذكرة 112. إن هذا التجديد المراهن عليه يستمد مشروعيته البيداغوجية من محورية التعلمات على المهام المركبة و الملموسة التي يحتمل أن يواجهها المتعلم في واقعه السوسيو ثقافي و الاقتصادي؛ و بشكل دقيق نقول إن مثل هذا التوجه التجديدي يحث المدرسين على إكساب المتعلمين تعلمات أساسية[ معارف للعمل، تقنيات، قواعد، أساليب منهجية للمعالجة......] يتم توظيفها- أثناء التحكم في مقتضياتها – لحظة المطالبة بمعالجة المشاكل التعلمية أو الاجتماعية و الثقافية و البيئية......... v التوجيهات الديداكتيكية للمخطط الاستعجالي:تشير التوجيهات العامة للمخطط الاستعجالي بان مرحلة تعلم المنابع ترمي في مستواها العام إلى اقتراح وضعيات تعلمية على المتعلمين بهدف تنميتها كمعارف و كمعارف للعمل و بناء الذات، و ككفايات أساسية ضرورية مرتبطة بالتخصصات المقترحة في بنية المناهج الدراسية، و تحتل هذه المنابع التعلمية نسبة 80 من زمن التعليم؛ و خلال مصوغات الإدماج يقترح المدرس على المتعلمين وضعيات إدماجية في صيغة وضعيات مركبة عبرها يعمد المتعلمون على تعبئة تلك المنابع المكتسبة للإيجاد حلول لها؛و في الأخير يعمد المدرس باقتراح وضعيات تقويمية على المتعلمين سواء أكانت ذات طبيعة تكوينية أو اشهادية؛ و أيضا ذات طبيعة مشابهة لوضعيات الإدماج ، حيث في وضعية التقويم التكويني يروم المدرس من خلالها إلى مساعدة المتعلم على اكتساب صفة الكفاءة المرتقبة ؛ أما في وضعية التقويم الاشهادي فيتعلق الأمر بالحكم على المتعلم بأنه حصل على صفة الكفاءة في مجال تعلماته. خلاصة عامة: لقد حظيت هذه البيداغوجية الإدماجية بنجاح كبير في عدد كبير من الدول الإفريقية، و بالضبط في الأوساط الفقيرة؛ فالأطفال الذين استهدفتهم هذه البيداغوجية أصبحوا أكثر عطاء من الناحية المعرفية و المعلوماتية، و باتت لديهم رغبة كبيرة في التحصيل و إكساب التعلمات مقارنة مع الوضع السالف؛ خصوصا إذا علمنا أن التركيز في هذه البيداغوجية انصب أساسا على كفايات محدودة لا تتجاوز ثلاث كفايات في السنة الدراسية فقط. بمعنى أنها أعطت قيمة للكيف أكثر من الكم المعلوماتي الذي أبانت الدراسات المستخلصة من مجموعة من الأبحاث التي قام بها مكتب هندسة التربية و التكوين؛ بعدم جدواه بالنسبة للمتعلمين الضعاف.إلا أن الرهان على الكفايات الأساسية التي أصبحت تسمى حاليا ببيداغوجية الإدماج مشروط بتحويل المؤسسة المدرسية سواء من الناحية البيداغوجية أو من جانب الأهداف المناطة بها، و ذلك بالتنصيص على الكيف أكثر من الكم. إنها حقل واسع و اختيار واعد بالنسبة للدول الفقيرة حسب وجهة نطر مكتب هندسة التربية و التكوين، و لأن بعض مساراته تم التخطيط لها بلون من ذهب في تجارب عدد كثير من الدول السائرة في طريق النمو. و جدير بالمقررين و بالمسؤولين عن التربية و التكوين أن ينخرطوا و بشكل فعال في دعم هذا المشروع كما هو واضح في المخطط الاستعجالي لوزارة التربية و التكوين، و في منطوق المذكرة 112 [2].
المراجع و الهوامش:1. BIEF (Bureau d'ingénierie en Education et en Formation).المهام التي يقوم بها مكتب هندسة التربية و التكوين: v بناء المناهج الخاصة بديداكتيك الرياضيات؛ v تقويم و تحديد الكتب المدرسية؛ v منهجية البحث و التقويم؛ v تدبير الجماعات و العلاقات بين شخصية؛ v مصاحبة مشاريع التجديد؛ v التكوين الأساسي للمدرسين؛ v تقويم مكتسبات المتعلمين؛ v تكوين المكونين؛ v تنشيط و مصاحبة فرق المشاريع؛ v تحليل سوسيواقتصادي للأنظمة التربوية؛ v ........................................................................؛ 2. [1] Xavier Roegiers مهندس بولوتيكنيكي و دكتور في علوم التربية/ و يشتغل كأستاذ في شعبة علوم التربية بالجامعة الكاثوليكية لمدينة لوفان. Université catholique de Louvain.من أشهر كتبه:Xavier Roegiers:v Une pédagogie de l'intégration. Compétences et أv intégration des acquis dans l'enseignement Bruxelles, De Boeck, 2000. 1. أنظر في هذا السياق: Xavier ROEGIERS : Curriculums et réduction de la pauvreté. UNESCO, Genève, 10 nov. 2004. 1. أنظر مقالنا المنشور بالجريدة الالكترونية أسفي اليوم: طلبة الإجازة المهنية بالكلية المتعددة التخصصات بأسفي بين مخاض الإقرار و انتظارات التنصيب في سوق الشغل. 2. الإجراءات التي يزعم المغرب اتخاذها للرفع من فعالية و مردودية النظام التربوي تتمثل في السعي نحو التقليص من ظاهرة التكرار المدرسي في الأسلاك التعليمية التالية حسب التدرج التالي: v بالتعليم الابتدائي: من معدل 13,8% الملاحظ حاليا إلى %9 في أفق 2008-2007 ثم إلى%5 في أفق 2013-2012 وإلى%3 في أفق 2015-2014؛ v بالتعليم الثانوي الإعدادي: من معدل %18, 4 الملاحظ حاليا إلى %12 في أفق 2008-2007 ثم %6 في أفق 2013-2012 وإلى%4 في أفق 2015-2014؛v بالتعليم الثانوي التأهيلي : من معدل %19,9 الملاحظ حاليا إلى حوالي %15 ابتداء من 2009-2008. المصدر المخطط الاستعجالي للوزارة الوصية على التربية و التكوين. 1) لقد نظم المركز التربوي الجهوي محمد الخامس بأسفي تحت إشراف الوزارة الوصية على التربية و التكوين يوما دراسيا حول وضعية البحث التربوي بالمغرب، استمد منطلقاته الإجرائية من توجيهات المخطط الاستعجالي الذي يستهدف الارتكاز على نتائج البحث التربوي في تدبير المشكلات النفسية الاجتماعية و الديداكتيكية التي تعاني منها المدرسة المغربية. أنظر في هذا السياق ورقتنا المنشورة بموقع "أسفي اليوم" تحت عنوان: في شان اليوم الدراسي الوطني لوضعية البحث التربوي بالمغرب و رهانات المخطط الاستعجالي للوزارة الوصية على التربية و التكوين المنظم يوم 27 فبراير 2008 بالمركز التربوي الجهوي محمد الخامس بأسفي . 2) عملية موضعة بيداغوجية الإدماج في منظومة التربية و التكوين بالمغرب ستأخذ مسارين زمنيين حسب منطوق المخطط الاستعجالي: المسار الأول سيعرف انطلاقته ما بين سنة 2008 و 2011 و سيرمي إلى تجريب هذه البيداغوجية في بعض الأكاديميات المعينة حسب منطوق المذكرة 112؛ المسار الثاني سيبدأ من 2011 إلى 2016 و هو مسار يستهدف عملية التعميم لهذه البيداغوجيا في مختلف الجهات و الأقاليم المغربية؛ الشيء الذي سيتطلب إعادة النظر في المناهج و المحتويات الدراسية المقررة حاليا؛ و بذلك فالمسار الأول سيتحدد في مجموعة من المراحل: مرحلة التجريب المحدود و ستكون ذات مستوى تحضيري متمركز حول تحقيق العمليات التالية:v تعيين مواقع التجريب؛v تحديد الخبراء؛v تحديد العدة المفاهيمية؛v تحديد الكفايات الأساسية حسب المادة و حسب المستوى الدراسي؛ v /