تخفَّفَ الدكتور سعد الدِين العثمانِي من بروتوكول المنصبِ، فبدَا أكثرَ إقبالًا على الخوض فِي النقاش العمومِي دون قيود، فعقد خلال اليومين الماضيين لقَاءين بسطَ فيهمَا التطورات الراهنَة للمشهد السياسِي بالمغرب، مع العودة إلى جذور التحوُّلات التِي عرفتها المنطقة، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بعد هبُوب رياح "الربِيع العربي". "العدالة والتنميَة حزبٌ لهُ تشخيصٌ بيِّنٌ، لا لبس فيه، لما حصل فِي السنوات الأخيرة، لكونه مؤمنًا بقدرة التشخيص الدقيق للأحداث الإقليميَّة والوطنيَّة على تحقيق نظرة موضوعيَّة إلى الحاضر، ونحنُ نعتبرُ الفسَاد والاستبداد سببين رئيسيين فِيما حصل" يقول رئيس المجلس الوطنِي ل "حزب المصباح" فِي لقاءٍ نظمهُ منتدى "كفاءات المغرب" بكليَّة الحقوق السويسي بالرباط. بيدَ أنَّ الثورات أنتجتْ واقعًا معقدًا، حسب العثمانِي، بعدما كانَ الفساد والاستبدادُ متحكمَين لمدة غير قصيرة، حتى لم تعد تطيف الإذعان، لأنَّ الانفجار فِي المجتمع عبارة عن نتيجة، محِيلًا إلى الآيَة القائلة " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا". ومن بين عدَّة سبلٍ فِي الإصلاح، شدد العثمانِي على أنَّ الإصلاح فِي ظلِّ الاستقرارِ هو الأفضل، عبر المبادرة الاستباقيَّة لمعالجة الفساد، وهو ما قام المغرب، حسب المتحدث، بالمسار الذِي تلَا الخطاب الملكِي في التاسع من مارس، "هذا العرض لا ينبني على مقولة "العام زين"، فصحيحٌ أنَّ هناك استجابة، لكنَّها ظلتْ استجابة جزئيَّة بكل تأكيد، ولا زالَ الباب مفتوحٍ أمام النضال، للاستمرار فِي التطور الديمقراطِي" يستطردُ وزير الخارجيَّة السابقْ. القيادِي في حزب بنكيران زاد أنَّ الإصلاح عمليَّة طويلة ومعقدة، لا تتمُّ فِي سنواتٍ قصيرة، ولا حتَّى عقود، وإنما تجري مع التطور المؤسساتِي، والإدارِي، والثقافِي، والأخير هو أصعب التطورات وأكثرها بطءً، لأنهُ يرتهنُ بجعلِ المجتمع يتكيَّفُ ويستعد للانتقَال، "مخطئٌ من كان ينتظرُ تحقيق الإصلاح، في فترةٍ وجيزة، أوْ أنَّ حزب العدالة والتنميَة سيصلحُ كلَّ شيءٍ لوحده". ومن الأشيَاء التِي حققها التغيير فِي المغرب، حسب العثماني، أنَّ تزوير الانتخابات ما عاد ممكنًا اليوم، بخلافِ ما كانَ سائدًا فِي السابق، حيث كان المواطنُ يصوتُ لحزبٍ من الأحزاب، فإذَا بجهاتٍ تتدخلُ كيْ يذهبَ صوتهُ إلى وجهة أخرى، دون أنْ يعنِي ذلك انتهاء الفساد، لأنَّ لهُ لوبياته، ومن يمارسون السلطة من خارج دوائر السياسة، لتأبيده، "السُّلطَة لم تعد اليوم، محصورة في يد السياسي، وأضحتْ هناك أطراف، تمارسها، كرجال الأعمال وحتَّى القبليَّة". وعن المشروع المجتمعِي لحزبه، قال العثمانِي، إنَّ العدالة والتنمية حزبٌ سياسيٌّ مدنِيٌّ بمرجعيَّة إسلاميَّة، أيْ أنه ليسَ حزبًا إسلاميًّا، لأنَّ موقفه منبنٍ على بناءِ مجتمعٍ أصيلٍ وحديث، فِي الآن ذاته، عبر رؤية تجديديَّة تزاوجُ بين المرجعيَّة الإسلاميَّة والحداثة، قطعًا للطريق على المتطرفِين". إلى ذلك، رأى العثمانِي أنَّ هناك حاجةً ماسَّة إلَى خلخلة المفاهِيم، وإعادة تمييزهَا، لأنَّ مفهوم الحزب الإسلامِي، تم استيرادهُ من بحوث غربيَّة جرت ترجمتها، فجعلتْ من (Islamiste) مرادفًا لإسلامِي، فِي حين أنَّ حزب العدالة والتنمية يعملُ على تطبيق برنامجه وفقَ القواعد الديمقراطية، كما هو منصوص عليه في الأدبيات المكتوبة". أمَّا مَا يثارُ حول خلافاتٍ له مع بنكيران، فأجابَ العثمانِي "من الطبيعِيِّ جدًّا أنْ يكون هناك اختلافٌ في الآراء، بين المنتمِين إلى الحزب الواحد، كيْ لا يكون السقوط فِي النموذح الستاليني، الذِي يفرض لزوم الصوت الواحد، أمَّا أنَا فلا حزازةَ لِي مع بنكيران، وإنْ كان فعْلًا اختلاف على مستوى بعض النقاط، وبالنسبة إلى تأثرِي لمغادرة الوزارة، أقول نعم، تأثرت بعدما غادرت وسطًا اشتغلت فيه إلى جانب أشخاص كانُوا قمة في الاجتهاد والعمل في صمتٍ لأجل مصلحة البلاد، وفارقتهم بعد عامين" يقول العثمانِي.