إذا كان حزب العدالة والتنمية، كما يشي بذلك اسمه، قد أعطى حين تأسيسه أولوية للعدالة على التنمية، أي أولوية لبناء دولة الحق والقانون والمؤسسات... على المسألة الاقتصادية والاجتماعية التي جعلها في مرتبة ثانية بعد «الحكامة»، فإنه تدارك ذلك الآن وجعل شعاره لانتخابات 25 نونبر هو: «من أجل مغرب الحرية والكرامة والتنمية والعدالة»، كما أن مفردة التنمية قد سبقت العدالة في عدد من فقرات البرنامج الانتخابي ثمة مؤشرات كبرى على اقتراب حزب العدالة والتنمية من الوصول إلى الحكومة المقبلة، أولها أن هذا الحزب الإسلامي يبقى الحزب الوحيد من مجموع الأحزاب «الكبرى» الذي لم يسبق له أن تحمل مسؤولية السلطة التنفيذية بل بقي يراوح، منذ تأسيسه الثاني سنة 1998، بين موقع المعارضة النقدية والمعارضة الكلية. ثاني المؤشرات على أن العدالة والتنمية في طريقه إلى رئاسة الحكومة هو ديناميته النوعية في الشارع وفي المؤسسات المنتخبة وتحركه الحذر كمعارضة تعرف خصوصيتها الإديولوجية وبالتالي لا تحرق الخطوات تجنبا لإحراج الدولة تجاه شركائها الغربيين، ما يجعل أغلب المراقبين المحايدين يترقبون وصوله إلى الحكومة المقبلة ما لم يقع أي تدخل. ثالث مؤشر على قرب و«إمكانية» قيادة العدالة والتنمية الحكومة المقبلة هو بداية تبدد الإسلاموفوبيا، مع أولى أزهار الربيع العربي الذي أبان عن تطور أفق الأحزاب الإسلامية ومرونتها في التعامل مع شركاء من هويات سياسية وإيديولوجية مختلفة، مثلما حدث في تونس، ومن المتوقع أن يحدث في غيرها من البلدان العربية. فهل حزب العدالة والتنمية مستعد لقيادة الحكومة، وهو الذي لم يسبق لأي من أعضائه أن تحمل أي مسؤولية وزارية؟ وهل يتوفر الحزب الإسلامي على بروفايل رئيس الحكومة؟ عن هذا السؤال سبق لعبد الإله بنكيران أن أجاب أحد الصحفيين بانفعال: «مالك حكرتيني»، وهي دلالة على أن بنكيران يتوفر على الأقل على الكفاءة النفسية المتمثلة في الثقة في النفس. فهل تثق الدولة وشركاؤها، الغربيون بالخصوص، في أن عبد الإله بنكيران أو غيره من وجوه العدالة والتنمية سيكون مخاطبا ثقة؟ هذه كلها أسئلة سابقة لأوانها. لكن المهم الآن بالنسبة للعدالة والتنمية هو كسب ثقة المواطنين لاحتلال المرتبة الأولى في انتخابات 25 نونبر، وذلك بتقديم برنامج منسجم، قوي، وواقعي. التنمية قبل العدالة إذا كان حزب العدالة والتنمية، كما يشي بذلك اسمه، قد أعطى حين تأسيسه أولوية للعدالة على التنمية، أي أولوية لبناء دولة الحق والقانون والمؤسسات... على المسألة الاقتصادية والاجتماعية التي جعلها في مرتبة ثانية بعد «الحكامة»، فإنه تدارك ذلك الآن وجعل شعاره لانتخابات 25 نونبر هو: «من أجل مغرب الحرية والكرامة والتنمية والعدالة»، كما أن مفردة التنمية قد سبقت العدالة في عدد من فقرات البرنامج الانتخابي للحزب. عن ذلك يقول الباحث أحمد الشقيري الديني في مقدمة مقال له بعنوان «ماذا يميز برنامج العدالة والتنمية الانتخابي» نشر مؤخرا (يقول) «كان همّ الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، بعد توليه الخلافة، أن يعيد للسنّة النبوية مكانتها في حياة الناس، بعد أن اندرست بعض معالمها بفعل التوسع الذي عرفه الفتح الإسلامي واعتناق أجناس مختلفة المشارب والثقافات الدين الجديد، لذا أولى قضية التعليم أهمية كبيرة، خصوصا في البوادي التي كان يرسل إليها من يفقه الناس ويعلمهم أمور دينهم ودنياهم، لكنه في نفس الوقت اعتنى بالجانب الاقتصادي والمالي اعتناء شديدا، واستطاع في ظرف وجيز أن يعالج مشكلة الفقر ويقلص الفوارق الطبقية التي استفحلت في زمانه بسبب تراكم الثروة التي جاءت بفعل التوسع الإسلامي الكبير، ويؤكد المؤرخون أن الرجل في عصر عمر بن عبد العزيز كان يمرّ بالصدفة ويبحث عمّن يأخذ منه الزكاة فلا يجد فقيرا! حتى قيل «إن عمر أغنى الناس»! الذي يعنيني في إيراد هذا الفصل المشرق من حضارتنا مقولة للخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز كان يقرّ بها في آخر حياته حقيقة يلخصها بقوله: «إن الناس لم يستقيموا لي حتى بسطت لهم شيئا من الدنيا»، وهو من دون شك كان يستحضر قول الله عز وجل: «فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف»، فالذي حقق لهم الأمن الغذائي والأمن الاجتماعي حري بأن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر. الحركة الإسلامية لم تستوعب هذه الحقيقة إلا منذ عقدين، حيث بدأت تولي اهتماما خاصا للمسألة الاقتصادية كمدخل لتعزيز مرجعيتها الدينية في مجتمع تغيرت أولوياته واهتماماته بفعل التواصل الكوني المتسارع والتلاقح الثقافي والسياسي بين الشعوب والمجتمعات، حيث أضحت الأفكار تمر عبر الإنترنيت والقنوات الفضائية بكل يسر وسلاسة». يتمحور البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية حول خمسة أهداف كبرى هي: أولا: مواصلة بناء دولة المؤسسات والديمقراطية ومكافحة الفساد. ثانيا: بناء اقتصاد وطني قوي وتنافسي ومنتج وضامن للعدالة الاجتماعية. ثالثا: بناء مجتمع متماسك ومتضامن ومزدهر، قوامه أسرة قوية وشباب رائد، وأساسه مدرسة التميز ومقوماته الكرامة. رابعا: إحياء وتجديد نظام القيم المغربية الأصيلة على أساس من المرجعية الإسلامية والهوية المغربية. خامسا: صيانة السيادة وتعزيز الإشعاع المغربي والريادة الخارجية. ويؤكد برنامج الحزب على أن هذه الأهداف الخمسة الكبرى أرستها قناعة العدالة والتنمية بأن «المغرب بإمكاناته البشرية ورصيده الحضاري وقدراته الطبيعية وموقعه الجغرافي مؤهل لضمان الكرامة لأبنائه وتحقيق التنمية واكتساب موقع متميز ضمن الدول الصاعدة»، وإذا كانت هذه هي قناعة الحزب الإسلامي، فإن غايته ليست غير «بناء مغرب جديد مغرب الحرية والكرامة والتنمية والعدالة». هذه القناعة لم تتحقق لدى العدالة والتنمية بشكل تلقائي، بل بناء على تشخيص توصل عبره إلى أنه «رغم ما توفر للحكومة من إمكانيات استثنائية فقد أخفقت في تحقيق التنمية الموعودة وفرطت في التوازنات الاقتصادية التي كلفت الشعب المغربي تضحيات كبيرة. هذا الإخفاق هو نتيجة طبيعية للاختلالات الحادة في مقاربة تدبير الشأن العام والقائمة على التحكم والريع والفساد». بعد أن سطر الحزب قناعته وغاياته وتشخيصه للحالة الحكومية وصل إلى محور برنامجه الذي يقوم على «الحكامة الجيدة على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والخارجية، والقائمة على الديمقراطية الحقيقية والمسؤولية والمنافسة الشريفة والشفافية والنزاهة المنطلقة من قراءة متجددة لمرجعيتنا الإسلامية وهويتنا المغربية متعددة المكونات من أجل استثمار أمثل للإمكانيات والفرص». التعاقد الرقمي بالإضافة إلى المحددات الكبرى التي طبعت برنامج العدالة والتنمية، فإن هذا البرنامج الذي يعتبره الحزب بمثابة «عقد اجتماعي وسياسي» مع المواطن المغربي تميز بكونه مفصلا بالأرقام، أي أنه لا يترك المجال كثيرا للتأويل، مثلما درجت عليه برامج العديد من الأحزاب المغربية في ما مضى، فبرنامج العدالة والتنمية سيكون، بعد انتهاء المدة الانتدابية للبرلمان، إما حبلا يمتن أواصر الحزب بالمواطن في حالة وفاء الحزب ببرنامجه، وإما حبلا يلتف على أعناق إخوة بنكيران في حال فشلهم في ترجمة أرقامهم في مجال التنمية والتشغيل... لقد أفرد برنامج الحزب 1500 إجراء يشمل مجالات الصحة والتعليم والاقتصاد والتنمية البشرية والبيئة. والتزام الحزب، في حال تحمله المسؤولية الحكومية، بتحسين مؤشر التنمية إلى ما دون المرتبة 90، وتقليص نسبة الأمية إلى 20 بالمائة في أفق 2015 و10 بالمائة في أفق 2020، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى ثلاثة آلاف درهم والحد الأدنى للمعاشات إلى 1500 درهم، علاوة على مضاعفة الرعاية الصحية للطفل والأم. وبخصوص استقلالية الحكومة عن ما يسمى بحكومات الظل، قال الأمين العام للحزب في تجمع انتخابي «إننا نريد تحرير الحكومة من قبضة بعض الجهات، نريد حكومة من الشعب وإليه، حكومة تتعامل مع الملك مباشرة، وليس مع القراقيش».
محطات في مسار الحزب أواسط التسعينيات، وعلى ضوء الانفراج السياسي الذي بدأ يلوح في المغرب،على إثر إطلاق سراح عدد من المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين، بدأ جزء من الحركة الإسلامية المغربية في التفكير في دخول العمل السياسي الحزبي. وبعد محاولات فاشلة لتأسيس حزب مستقل، فكرت حركة التوحيد والإصلاح، التي جاءت بعد اندماج بين مجموعتي الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي، في الاقتراب من حزب الحركة الشعبية الدستورية، الذي كان يعيش حالة سُبات سياسي، إذا ما استثنينا بعض المبادرات، هنا وهناك لأمينه العام الدكتور عبد الكريم الخطيب، والتي تقاطعت مع أنشطة حركة الإصلاح والتوحيد الداعمة ل»قضايا الشعوب الإسلامية». هذا الأمر، «سيكون مناسبة حقيقية لدعم أواصر التفاعل والتعاون بين الحزب وجزء من الحركة الإسلامية، ومناسبة للاكتشاف المتبادل بين الطرفين، خاصة بعد أن رفضت الإدارة القبول بحزب الوحدة والتنمية وبحزب التجديد الوطني.. فتم تأسيس ثلاث جمعيات لمساندة قضايا المسلمين في العالم، وهي: جمعية مساندة الجهاد الأفغاني، والجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، وجمعية مساندة مسلمي البوسنة والهرسك. كما أقيمت مهرجانات وأنشطة متعددة، مكنت الطرفين من إزالة الالتباس الحاصل في موقفهما. وفي سنة 1992 بدا واضحا مدى التقارب الشديد الحاصل في المواقف المبدئية والسياسية، كما تأكد الطرفان أن هذا القدر من التقارب يؤهلهما للعمل المشترك في إطار جسم سياسي واحد». في سنة 1996 نظم حزب الحركة الشعبية الدستورية، الذي كان يرأسه الدكتور الخطيب مؤتمرا استثنائيا لإدماج عدد كبير من أطر وقواعد الحركة الإسلامية ممثلة حينها في حركة التوحيد والإصلاح في هياكل الحزب. وكان الاتفاق يقضي بأن يبقى الخطيب أمينا عاما للحزب على أن تسند مهمة النائب العام إلى عضو من الحركة الملتحق، وهكذا أصبح الدكتور سعد الدين العثماني نائبا للأمين العام. سنة بعد ذلك ستدخل أغلب أحزاب الكتلة الديمقراطية إلى حكومة التناوب بقيادة «الاتحادي» عبد الرحمان اليوسفي، وستكون الفرصة متاحة أمام الحزب الإسلامي الفتي للعب دور «المساندة النقدية» بعدما كان الحزب قد حصل خلال الانتخابات التشريعية لسنة 1997 على14 مقعدا، ومقعد واحد بالغرفة الثانية. «وتعبيرا على التفاعل الجديد للحزب مع المعطيات السياسية، فقد قرر مجلسه الوطني سنة 1998 تغيير اسمه ليصبح: حزب العدالة و التنمية».
قد تتشابه البرامج لدى الأحزاب لكن فراسة وذكاء الناخب تبقى الفيصل - أنت كفنان، ما الذي أغراك للانضمام إلى حزب إسلامي كالعدالة والتنمية؟ العدالة والتنمية حزب سياسي وسطي إصلاحي معتدل... وأنا ضد تسميته بالحزب الإسلامي... فهذه الصفة الأخيرة توحي بأن الأحزاب الأخرى لا تعترف بالمرجعية الإسلامية وهذه مغالطة كبيرة، لأن أغلب الأحزاب السياسية الأخرى دافعت بشدة عن الدستور الأخير الذي ينص على إسلامية الدولة المغربية... إذن فمرجعية العدالة والتنمية هي مرجعية مدسترة... أما مسألة انضمامي إلى البيجيدي فهي كما قلت سابقا نابعة من قناعتي بضرورة مشاركة الفنان المغربي ضمن التوازنات السياسية المحددة لمستقبل الوطن... وكذلك بالنسبة إلي كشاب مغربي يطمح إلى التغيير من داخل المؤسسة الحزبية... فالديمقراطية الحقيقية هي التي تنشد إقحام كافة مكونات المجتمع للمشاركة في تسيير الشأن العام من مهندسين وسائقين وأطباء وأساتذة وممثلين، علما أنني لست فقط ممثلا، فشهادتي العليا في التكوين الفني تنص على كوني إطار عال سوسيوثقافيا.
- تحدثت عن كونك ستكون حداثيا داخل العدالة والتنمية، ألا ترى تعارضا بين الحداثة والإسلام السياسي؟ استغرب في سؤالك مصطلح الإسلام السياسي، فهذا المصطلح حسب علمي بعيد عن نوع الممارسة السياسية التي يمارسها حزب العدالة والتنمية، فهو حزب يؤمن بالاختلاف ويمارس ديمقراطية داخلية متميزة، وتناوله للإسلام هو تناول مغربي محض له خصوصيته الثقافية التراثية المرتبطة بالهوية المغربية بعيدا عن بعض مظاهر إسلام الشرق، الذي ينزلق، في بعض الأحيان، إلى الطائفية أو التشدد أو المغالاة. وأنا مع اعتبار العدالة والتنمية حزبا ينشد إسلاما حديثا متجاوبا مع روح العصر مواكبا لتطور المجتمع ومؤمنا بروح الاختلاف والتعدد الفكري... هذا مع اقتناعنا بان الملك في المغرب هو من يراقب التوجه الديني العام للمملكة ويمثل وحدتها واستقرارها.. إذن، مرحبا بالحداثة التي تحترم الهوية المغربية المتميزة بتعدد روافدها الثقافية والفكرية والتاريخية. - يلاحظ المتتبعون تشابها في البرامج الانتخابية للأحزاب، ما هو المتميز بالنسبة إليك في برنامج حزب العدالة والتنمية؟ أهم ما أثارني في برنامج العدالة والتنمية هو الجانب المرتبط ببناء اقتصاد وطني تنافسي ومنتج وضامن للعدالة الاجتماعية... وما أحوجنا إلى هذا التوجه الذي يشجع المبادرة الفردية دون أن يمس بكرامة المواطن المحدود الدخل وذلك بإنهاء الاحتكار في النظام الاقتصادي في إطار فعال لتوزيع ثمار النمو ومكافحة الفقر وتقوية الطبقة الوسطى. وأثار اهتمامي كذلك الشق المتعلق بتأطير سياسة ثقافية وفنية تعيد الاعتبار لهوية الإنسان المغربي، قائمة على الحرية والمسؤولية والإبداع.. وقد تتشابه البرامج لدى الأحزاب لكن فراسة وذكاء الناخب تبقى الفيصل الأخير لأن عنصر المصداقية والثقة يظل، في النهاية، محددا لاختيارات المواطنين يوم 25 نونبر.... يجب أن نجرب البيجيدي ونمنحه الفرصة قبل أن نحكم عليه وهذا هو منطق التناوب والديمقراطية.. أليس كذلك؟ ياسين أحجام -ممثل