بالنظر إلى طبيعة ترسانة القوانين المؤطرة للانتخابات التشريعية المقبلة، ماهي في نظركم طبيعة الخريطة الحزبية الممكن أن تفرزها انتخابات 25 نونبر، وهل يستقيم حديث البعض عن معطى الاكتساح الإسلامي وفق معطى تلك القوانين والتقطيع الانتخابي المعتمد؟ ❖❖ لقد دأبت وزارة الداخلية في المغرب على تدبير العمليات الانتخابية باحترافية (سلبية) قل نظيرها، بحيث لا تترك أي فسحة للمفاجئات، وتعمل على الضبط القبلي لهذه العملية من خلال القوانين المؤطرة للانتخابات، ولكن تعمل أيضا بالضبط الموازي للعملية، من خلال دفع بعض الوجوه للترشح للانتخابات، ومنع شخصيات أخرى للترشح حتى لا تزعجها أو تعقد مأموريتها، ويبدو لي أن هذا التدبير لم يتغير إلا قليلا، و لازالت وزارة الداخلية هي التي تقرر ما تشاء في هذا الموضوع، بتواطؤ كبير ومكشوف من الأحزاب «الإدارية» التي أفرزت نفسها في المشهد السياسي والحزبي الحالي بتحالفها في إطار مايسمى تحالف «الثمانية». وبالتالي من خلال الهندسة الانتخابية، يتضح أنه سيكون هناك تكتلان كبيران، تكتل «الثمانية» الذي قد يحصل على حوالي 160 مقعدا، وتكتل «الكتلة الديمقلراطية + حزب العدالة والتنمية» الذي قد يحصل على حوالي 170-180 مقعدا، وستبقى هناك حوالي 60 مقعدا موزعة بين الأحزاب السياسية الصغيرة العشرين الأخرى نظرا لكون العتبة الوطنية في حدود 3 في المائة. معطيات تؤكد على أن الساحة الانتخابية المغربية مضبوطة، ولكن بالرغم من هذا الضبط القبلي سيتمكن حزب العدالة والتنمية من إحراز تقدم واضح على باقي الأحزاب السياسية المكونة لمجموعة «الثمانية»، -كل على حدة- لكن دون أن يحرز اكتساحا بالمفهوم الذي يروج له بعض الأوساط لأهداف معلومة ومكشوفة، أو كالذي حصل مع تجربة حزب «النهضة» بتونس التي اشتغلت في سياق جو أكثر ديمقراطي ومنفتح. من خلال قرائتكم للوضع المغربي الداخلي ولمعطيات المحيط العربي، هل هناك حظوظ أمام حزب العدالة والتنمية لقيادة حكومة مابعد 25 نونبر.و ماهي في نظركم القيمة المضافة لأية إمكانية لقيادة حزب العدالة والتنمية الحكومة المقبلة؟ وامهي أهم الأطراف الممكن أن يتحالف معها؟ ❖❖ من الواضح أن الثورات والشعوب العربية تريد التغيير نحو تكريس الديمقراطية الحقة، وقد أطاحت بديكتاتوريات استعصت على السقوط لعقود من الزمن، وسيسقط في القريب العاجل إن شاء الله ( مع إمعان تلك الأنظمة في مزيد من إراقة الدماء وللأسف) بشار الأسد بسوريا وصالح باليمن...وستبقى عيون الشعوب العربية الأخرى راصدة للحكام العرب الذين لم يقوموا بتغيير بنية الفساد ولوبيات الإفساد وإن أجريت انتخابات، وبالتالي فإنه ما لم تتغير بنية الحكومة الحالية بعد الانتخابات، وما لم يحتل «العدالة والتنمية» لمقعد متميز خلال التركيبة الحكومية المقبلة، فإن التغيير الشعبي المنشود بالمغرب لن يتحقق، وهو الأمر الذي سيعقد الحياة السياسية والحقوقية ما بعد انتخابات 25 نونبر 2011. فالقراءة الموضوعية في مسار الحراك الشعبي، تشير إلى كون حزب العدالة والتنمية هو القوة السياسية الأولى حاليا بالبلد، وستمكن المشاركة المكثفة للناخبين في تعزيز هذه المرتبة، أما ضعف المشاركة يوم الاقتراع فيسهل عمليات الإفساد الانتخابي وشراء الذمم والسمسرة في أصوات الناخبين، وسيمكن للوبيات الفساد الجاثمة على قلوب المغاربة منذ عقود من العودة إلى مراكز القرار بأقل الخسائر...أما القيمة المضافة المنتظرة من العدالة والتنمية، فهي: • أولا: نظافة اليد، فكل خيرات البلاد ستبقى داخله وستستعمل وتستثمر للمصلحة العامة، ولن تكون هناك سرقة ولا اختلاسات ولا تبذير ولا نهب لثروات البلاد وميزانياته وخيراته، • ثانيا، الحكامة الجيدة، بوضع الرجل/المرأة المناسب(ة) في المكان المناسب، وبلورة تصور استراتيجي تنموي، بتشارك مع جميع الفاعلين، • ثالثا: إيلاء الأهمية القصوى لإعادة توزيع ثروة البلد وخيراته توزيعا عادلا بين جميع المغاربة ومختلف الجهات... • رابعا: فتح آفاق جديدة لتحالفات دولية مع العمق المغاربي والعربي والأفريقي والإسلامي، من موقع الريادة والقيادة، وليس التبعية والاستجداء... • خامسا: جعل «المواطن» محور التنمية، وبلورة الحس الوطني الذي افتقده جل المغاربة. وهو في نفس الآن فتح ل»الأمل» المنتظر في التغيير من الداخل. أما فيما يخص التحالفات لتشكيل الحكومة المقبلة، فالحزب منفتح على كل النوايا الحسنة، وإن كانت له تحالفات اضطرارية مع بعض الأحزاب السياسية «الإدارية»، فستكون بشروطه هو وليس بشروطها هي، ولعل أحزاب الكتلة الديمقراطية في الفترة الحالية هي الأقرب لأي تحالف مستقبلي عاجل. ما هي أهم الأوراش التي يستهدفها حزب العدالة والتنمية في حالة قيادته لدفة الحكومة المقبلة، وماهي الأولويات التي سيناضل لتجسيدها على أرض الواقع، سواء في الجانب الاقتصادي أو السياسات العمومية المتعلقة بالواجهة السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية؟ ❖❖ لعل الورش الأول والرئيس هو إعادة الثقة للمواطن المغربي في السياسة وفي الإدارة وفي شخصه وفي مغربه...وبهذه الثقة فقط يمكن أن نبني مغرب الغد، مغرب يكون فيه الجميع سواسية أمام القانون ولا أحد فيه له الكلمة الفصل في كل شيء، مغرب يسير بالمؤسسات وليس بالأشخاص، مغرب يكون فيه للمواطن كرامة، ومورد عيش لا يجعله يمد يده للآخرين، ويتطلب ذلك العمل على عدة واجهات: واجهة الحكامة الجيدة الضابطة لكل عمل حكومي وإداري. وواجهة التربية والتكوين حيث يجب أن نكون ونربي مواطن المغرب الجديد ونخلصه من جميع الشوائب السيئة، وواجهة التنمية البشرية، حيث وجب تحديد الأولويات الكبرى المتعلقة باقتصاد قوي تنافسي، يمكن من توزيع الثروات بعدالة على جميع المواطنين، ويقضي على بؤر الفقر والتهميش ويحسن من مؤشرات التنمية البشرية. ثم واجهة الهوية والبعد القيمي، حيث وجب العودة للأصول والاستمداد من منابع الهوية الدينية والوطنية للمغاربة، مع الانفتاح المتميز والمدروس على مختلف الحضارات في بعدها الإنساني. وبالتالي فهذا العمل ليس عمل حكومة لخمس سنوات بقدر ما هو عمل إصلاحي طويل الأمد، يحتاج لمشروع مجتمعي، وكذا لرجال/نساء أقوياء يمتلكون من القوة والعزيمة والأمانة ما يمكنهم من التضحية الحقيقية في سبيل هذا الوطن، فبالسياسة والمناصب الحكومية سنخدم بلدنا، ولن تكون هذه المناصب غنيمة توزع ويلهث وراءها اللاهثون.