صدرت مؤخرا عن القسم العربي للجريدة الإسرائيلية "معاريف"، دراسة ميدانية عن الشعوب التي تتميز بكثرة أداء اليمين والكذب ،حيث توصلت الدراسة أن الإنسان العربي يقسم بالله 50 مرة في اليوم سواء عن طيب خاطره أو مجبرا وبالتالي فهو أكثر البشر كذبا . وبغض النظر عن جنسية وأهداف هذه اليومية ،فان موضوع هذه الدراسة يبقى مطروحا للنقاش ونلمس بين ثناياه نوعا من الجدية وذلك لثقافتنا وتربيتنا التي بنيت على الكذب داخل الأسرة والمدرسة وفي الشارع . وإذا عدنا لهذا الموضوع من زاوية المقارنة، نجد أن الغربيين يؤدون اليمين ثلاث مرات في حياتهم: المثول أمام المحكمة، الزواج وتقلد مهمة انتخابية أو إدارية. وبالتالي ،فهم لم يتعودوا على الكذب لان الكذب يؤدي بالشخص الغربي إلى المساءلة القانونية ولنا خير مثال على ذلك وزير المالية الفرنسي الأسبق حينما كذب وتملص من أداء ما بذمته من ضرائب ،مما جعل هذه الفضيحة الأخلاقية تهز الفرنسيين وأثرت بالتالي على مسار حزبه الانتخابي. ومثوله أمام قاضي التحقيق بتهمتين :التملص من دفع الضريبة والكذب. وكلنا على علم لما وقع للرئيس الأمريكي الأسبق(( بيل كلينتون)) حينما كذب على المحققين أثناء البحث حول تقبيل موظفة البيت الأبيض(( لوينسكي)) ،وقد كانت لهذه القضية أثرا بليغا لدى أسرته ومواطنيه وحزبه الذي خسر الانتخابات الرئاسية ورفض المواطن الأمريكي التصويت للحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه من كذب عليهم . وخسر حزب العمال البريطاني أمام المحافظين لان(( طوني بلير)) رئيس الوزراء الأسبق كذب عليهم بخصوص وجود أسلحة الدمار الشامل لدى صدام حسين ،والأمثلة كثيرة ولا مقارنة مع وجود الفارق. وإذا حاولنا النبش في أخلاقنا نحن المغاربة الذين نعتبر جزءا من العالم العربي ، سنتلقى صدمة قوية ،بدءا من الخضار الذي يقسم بالله كذبا حتى يبيع خضره ورجل التعليم الذي يتغيب مدعيا مرضه أو عدم وجود وسيلة للنقل ،والتلميذ الذي لم يراجع دروسه زاعما أن التيار الكهربائي انقطع ولم يتمكن من ذلك، ورئيس الحكومة الذي كذب على المغاربة قصد التصويت على برنامجه الانتخابي ولم يتحقق منه ولو جزءا يسيرا مختبئا وراء الأزمة العالمية ، والمنتخبون الذين يختلقون الأكاذيب قصد نيل أصوات الناخبين مرورا بالعدد المزيف للعاطلين عن العمل الذي يصرح به المسؤولون .وأخيرا وليس أخيرا ،الطبيب الذي يسلم شهادة طبية بعيدة كل البعد عن الحقيقة مقابل تعويض مادي .أما خير مثال على جدية هذه الدراسة هو الوثائقي الذي بثته قناة(( ناشيونال جيوغرافي)) الإماراتية بعنوان :مدينة الاحتيال والذي خصصت الحلقة لمدينة مراكش حيث يتعرض الكثير من السياح لعملية الاحتيال والكذب حيث زعم احد التجار لأحد الصحافيين الانجليز الذي كان مسلحا بكاميرا خفية أن هذه الزربية مصنوعة من طرف الطوارق وعمرها أكثر من 50 عاما ولما استفسر الصحافي احد الخبراء نفى هذا الأخير ذلك مؤكدا أنها صنعت منذ 3 أشهر بمدينة تيفلت إن الإنسان العربي تربى في بيئة تعتمد على الكذب وأصبح من المألوف عندنا أن نحلف كذبا بل أصبح الكذاب له مكانة في المجتمع وبالتالي ،تضيع الحقوق . مع الأسف ،نحن قوم لا نأخذ من الغرب علومه وسلوكه بل نقلده في ارتداء سراويل الجينز والأكل والتكلم بلغاتهم والاحتفال برأس السنة الميلادية. نتمنى من المسؤولين ،أن يعيدوا النظر في هذا السلوك الذي يعتبر عائقا أمام تطور المجتمعات لان الله سبحانه وتعالى يقول: إن اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.