أكد الدكتور الحسن بوقنطار، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن استدعاء السفير المغربي بالجزائر للتشاور، هو "تعبير عن تذمر المغرب من سلوكيات الجزائر التي تتعارض ومتطلبات حسن الجوار، والخطاب الجزائري نفسه الذي يعتبر أن قضية الصحراء بيد الأممالمتحدة، وأن الجزائر غير معنية بها". وأبرز بوقنطار، في مقال خص به هسبريس، أن الجزائر "فضلت معاكسة التيار، واختارت التصعيد لاعتبارات ذاتية قد تكون مرتبطة بسياق الانتقال السياسي في الجزائر"، مشيرا إلى "شعور حكام الجزائر بأن محاولات فرض معطيات جديدة في ملف الصحراء باءت بالفشل"، فضلا عن نجاح المغرب في تحقيق "اختراق واضح من خلال تبنيه لموقف مبدئي فيما يتعلق بالتعامل مع منطقة الساحل". وفي ما يلي نص مقال الدكتور بوقنطار الذي يبسط حيثيات وخلفيات التصعيد الجزائري ضد المغرب: أزمة أخرى في العلاقات المغربية الجزائرية قرار استدعاء السفير هو دائما إجراء صعب يؤشر لتوتر في العلاقة بين البلدين. وإقدام المغرب على هذا القرار لا يخرج عن هذا السياق. فهو رسالة واضحة إلى المسؤولين الجزائريين عن امتعاض المغرب من تصرفات الدبلوماسية الجزائرية فيما يتعلق بالوحدة الترابية. لكن ما هي الدوافع الجديدة التي تبرر مثل هذا القرار، علما منا أن الموقف الجزائري مافتئ يؤكد على خط مناهض لمصالح المغرب فيما يتعلق بقضية الصحراء؟ من المعروف أن العلاقات المغربية الجزائرية ظلت دائما خاضعة لحالة من المد والجزر. وشهدت منذ اندلاع قضية الصحراء فترة انقطعت فيها العلاقات الدبلوماسية بعد أحداث امغالة. لكن إعادة ربط هذه العلاقات كانت تؤشر للأمل في تجاوز تلك القطيعة اعتبارا للتحولات الإقليمية و الدولية التي كانت تدفع كلها نحو التكتلات لمواجهة التحديات. وفعلا مكنت تلك الروح من تحريك عجلة البناء المغاربي من خلال التوقيع على معاهدة مراكش في فبراير 1989 . بيد أن هذه الريح الجديدة لم تخلق حركية فعلية في تلك العلاقة. فقد شهدت من جديد لحظة فتور مع قرار المغرب فرض التأشيرة على الجزائريين في سياق أحداث فندق إسني بمراكش. وذلك ما ردت عليه الجزائر بقرار تصعيدي تمثل في إغلاق الحدود البرية . وبالرغم من الرسائل الإيجابية التي صدرت منذ تربع الملك محمد السادس على العرش خاصة ما يتعلق برفع التأشيرة ، وزيارة الملك محمد السادس للجزائر، والاستقبال الحار الذي خصص له ،ونهج ما وصف بسياسة اليد الممدودة، فإن كل ذلك لم يفض إلى تغيير جوهري في مقاربة الجزائر للعلاقة مع المغرب، فقد ظلت حذرة، ورفضت إعادة فتح الحدود كإجراء ضروري لتيسير التواصل بين الشعبين، وتفعيل شروط بناء المغرب الكبير. في ظل تداعيات ما سمي بالربيع العربي، ساد نوع من التفاؤل بأن التطورات التي وقعت ستفضي إلى تقارب أكبر في العلاقة بين لبلدين ، ومن خلالها المغرب الكبير. وكانت الزيارة التي قام بها السيد سعد الدين العثماني وزير الخارجية و التعاون بمجرد تعيينه في هذا المنصب إلى الجزائر، واستقباله من طرف الرئيس الجزائري توحي بأن الجزائر مقبلة على فتح صفحة جديدة في العلاقات مع المغرب من خلال إعادة فتح الحدود بين البلدين . لكن هذا الأمل سرعان ما تبخر، كما هو الشأن أيضا بالنسبة لرغبة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي في عقد قمة مغاربية، فقد ساد الجمود، واستمر موقف الجزائر مناهضا ومراوغا ومتشبثا بشروط تبدو تعجيزية فيما يخص إعادة فتح الحدود. لكن المغرب الذي تبنى دستورا جديدا، وأكد على خيار المغرب العربي كخيار استراتيجي ظل متسلحا بممارسة لا تلغي الحقائق الجيو سياسية. فالجزائر هي جزء من الجوار المباشر. والعلاقات بين الشعبين والبلدين هي متنوعة. والمستقبل لا يمكن أن يكون مصنوعا إلا في ظل التوافق بين البلدين . أكثر من ذلك لا إمكانية لإعادة تنشيط الاتحاد المغاربي دون القاطرة المغربية الجزائرية . لذلك اتسمت الدبلوماسية المغربية بالصبر والأناة وبمحاولة التجاوب مع كل المبادرات الهادفة إلى تحسين الأجواء بين البلدين، وكذا استثمار كل فرصة مهما كانت صغيرة لفتح أفق إيجابي يبقي على التفاعل بين البلدين. لكن في الأيام الماضية بدا واضحا أن الغيوم بدأت تتلبد في سماء العلاقات بين البلدين. ومرد ذلك بشكل أساسي إلى شعور الحكام في الجزائر بأن محاولات فرض معطيات جديدة في ملف الصحراء باءت بالفشل . فمبادرة توسيع صلاحية المينورسو لتشمل حقوق الإنسان ، حتى و لو جاءت من مبادرة أمريكية قد أخفقت كما يؤشر على ذلك القرار 2099 الذي أصدره مجلس الأمن في أبريل من السنة الحالية مخيبا بذلك انتظار الدبلوماسية الجزائرية المساندة لتقرير مصير الشعب الصحراوي. أكثر من ذلك ، فقد حقق المغرب اختراقا واضحا من خلال تبنيه لموقف مبدئي فيما يتعلق بالتعامل مع منطقة الساحل . فقد رفض المغرب الأمر الواقع الذي كانت تريد فرضه الجماعات القتالية المتطرفة في مالي . وساند بشكل واضح التدخل الفرنسي الذي كان ضروريا لوقف المد الظلامي في هذه المنطقة المهددة بكثير من المخاطر التي قد تزعزع الاستقرار في المنطقة برمتها ، بل أكثر من ذلك فإن حضور الملك محمد السادس حفل تنصيب السيد أبوبكر كيتا كأول رئيس منتخب بعد الأزمة المركبة التي كادت أن تعصف بمالي ، و الحفاوة التي استقبل بها من طرف المواطنين ، فضلا عن تدشين المستشفى العسكري الميداني المغربي في باماكو ، كلها معطيات كانت تؤشر لاختراق دبلوماسي مغربي واضح، في الوقت الذي كانت الجزائر تعيش على تداعيات الوضع الصحي القلق للرئيس بوتفليقة. في محاولة لمواجهة هذا الاختراق الدبلوماسي يمكن رصد هذه الحملة الشرسة الجزائرية ضد المغرب ، و هي تروم إلى إعادة تحريك حلفائها الإفريقيين، وخاصة منهم الانجلوفونيين لمحاولة تطويق الدبلوماسية المغربية. ويدخل في هذا السياق تعيين رمطان لعمامرة كوزير للخارجية. وه من الدبلوماسيين العارفين لخبايا الدبلوماسية الإفريقية والأممية، وكذلك تعبئة بعض الدول بقيادة جنوب إفريقيا داخل اللجنة الرابعة لإعادة ترديد اسطوانة تقرير المصير و حقوق الإنسان و الثروات الطبيعية . وأخيرا هذا النشاط الذي نظم في أبوجا عاصمة نيجيريا تحت شعار الصحراء كأخر مستعمرة في إفريقيا ، والذي اتسم بتوجيه الرئيس بوتفليقة لرسالة يدعو من خلالها من جديد إلى توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل حقوق الإنسان. فهناك توجه جزائري واضح استغلال الاتحاد الإفريقي، وغياب المغرب عنه، لإعادة البوليساريو إلى الواجهة وتأليب الرأي العام العالمي على المغرب من خلال العزف على أسطوانة حقوق الإنسان، ورفض كل مبادرة مغربية لتسوية نهائية لمشكلة الصحراء، كما أكد على ذلك الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الجزائرية في سياق زيارة كرستوفر روس إلى الجزائر في أفق تقديم الأمين العام لتقرير مرحلي إلى مجلس الأمن. صحيح أن الموقف الجزائري لم يتغير في العمق، ولكن الاسلوب و اللهجة تغيرتا . فنحن امام مشروع ممنهج ومنظم الهدف منه التصعيد ضد المغرب لمحاولة تقزيم المكتسبات الدبلوماسية التي حققها و الرجوع بالمنطقة إلى حالة من التوتر لنسف الدينامية التي يروم المغرب إقرارها ارتكازا على حكامة ترابية تكرس بشكل واضح خيار الجهوية . وقد كان الخطاب الملكي الافتتاحي للدورة البرلمانية الجدية متيقظا لهذه المناورات عندما تحدث عن ضرورة التعبئة لمواجهة الوضع الذي يبقى صعبا في الصحراء بسبب المناورات المستمرة لخصوم وحدتنا الترابية. لذلك ، فإن استدعاء السفير المغربي للتشاور هو تعبير عن تذمر المغرب من هذه السلوكات التي تتعارض و متطلبات حسن الجوار ، و الخطاب الجزائري نفسه الذي يعتبر أن قضية الصحراء بيد الأممالمتحدة ، وأن الجزائر غير معنية بها . فبدل أن تستثمر الجزائر الرغبة المغربية في تجاوز هذه العقدة من خلال مقترح الحكم الذاتي الذي لاقى ترحيبا دوليا ، وكذلك من خلال المخاطر الناجمة عن التحولات التي تعرفها المنطقة المغاربية و ما يرتبط بها من فضاء ساحلي صحراوي ، فإن الجزائر فضلت معاكسة التيار ، و التصعيد لاعتبارات ذاتية قد تكون مرتبطة بسياق الانتقال السياسي في الجزائر. وهي لا تخدم مصالح الشعوب في التنمية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية . إن هذا القرار الذي نتمنى أن لا يكون ذريعة لمزيد من التصعيد ينبغي أن يفهم على أنه رسالة واضحة على كون المغرب بكل مكوناته مستعد للتواصل و الاستمرار في بناء جسور التعاون مع الجزائر لإدراكه العميق أنه لا يمكن تغيير حقائق الجغرافيا و التاريخ و المصالح الأخوية المشتركة ، لكنه في نفس الوقت يرفض كل السلوكات المناهضة لوحدته الترابية و المعرقلة لبناء الاتحاد المغاربي . فعسى أن يتم إدراك هذا الإجراء كفرصة لإعادة ترميم هذه العلاقة الضرورية و الحيوية بالنسبة للبلدين على أسس من الثقة و احترام متطلبات حسن الجوار و الرغبة في بناء المستقبل المشترك لما يخدم مصالح الشعبين و شعوب المنطقة المغاربية برمتها .