ثمة مفارقة كبيرة بين التقديرات التي صدرت حول نسبة النمو المتوقعة للاقتصاد الوطني بين العديد من المؤسسات والجهات، إذ تأرجحت هده التوقعات بين التشاؤم المطلق الذي عبرت عنه المندوبية السامية للتخطيط (2.5 في المائة) وبين التفاؤل الكبير الذي عبر عنه البنك العالمي (4.8)، فيما تأرجحت التقديرات المتوسطة بين 3.7 في المائة (المركز المغربي للظرفية) و 3.8 في المائة ( صندوق النقد الدولي) و 4.2 في المائة (تقديرات الحكومة). والواقع، أن المشكلة تطرح بشكل خاص على تقديرات المندوبية السامية للتخطيط التي تطرفت في تقديراتها، بين لا توجد مسافة كبيرة بين بقية التوقعات التي تفصل بينها جميعا نقطة نمو واحدة تقريبا. يمكن أن نفهم الأسس العلمية التي جعلت المندوبية السامية للتخطيط تأخذ طريقا شاذا في التوقع، وتخفض توقعها إلى 2.5 في المائة، إذ بنت ذلك على بعض الفرضيات، منها على سبيل المثال، توقع تراجع القيمة المضافة للقطاع الفلاحي بنسبة 3,8 في المائة عوض ارتفاع بنسبة 14,7 في المائة المرتقبة في سنة 2013، وكذلك توقع ارتفاع المستوى العام للأسعار بنسبة 1,7 في المائة مما سينتج عنه انخفاض مستوى الطلب الداخلي ب 2.2 مقارنة مع 2013، مما سيضيع حسب تقديرات المندوبية 2.6 نقطة من مساهمته في النمو هذا بالإضافة إلى مؤشرات الموازنة المالية، والمؤشرات المبادلات الخارجية (تحسن كل من تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج والمداخيل السياحية، وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة). لكن في المقابل، ينبغي أن نتفهم أيضا القلق الذي يساور من يطرح سؤال الشذوذ في تقديرات المندوبية السامية للتخطيط، والسبب الذي يجعلها دائما تجنح إلى الفرضيات المتطرفة لتبني عليها توقع نسبة نمو تقف على النقيض من توقعات الحكومة، بل تكون أكثر تشاؤما حتى من تقديرات المعارضة السياسية نفسها، هذا في الوقت الذي يتطلب فيه الأمر أن يحصل التقارب في التقديرات بين الحكومة وبين مؤسسة عمومية تعتبر دستوريا وإداريا ضمن في دائرة التبعية لرئاسة الحكومة. في مثل هذه الحالات التي يعتبر فيها البعد العلمي هو المحدد الحاسم في الحكم على اشتغال هذه المؤسسة أو تلك، فإن الاختلاف في التقدير لا يبرر المسارعة في اتهام الخلفيات غير العلمية إلا إذا اطرد مخالفة توقعات المندوبية السامية للتخطيط، للواقع، وثبت عكس نتائجها التي تحرص على نشرها بتزامن مع إعلان الحكومة لمؤشراتها الرقمية. وفي هذه الحالات أيضا ينبغي استدعاء السوابق لأنها تعين على التمييز بين ما يدور في خانة الخطأ العلمي، وبين ما يمكن أن ينتمي إلى دائرة غير العلم، أي إلى السياسة. لقد أبان تخبط توقعاتها لنسب النمو في جميع مراحل سنة 2013 إلى أن أقرت بحر هذا الأسبوع بنسبة 5.3 في المائة للفصل الرابع من 2013، وكذا تسرعها في الحكم على أثر نظام المقايسة على انخفاض الطلب الداخلي وفرص الشغل ونسب النمو، عن الحاجة إلى تعديل وجهتها البحثية حتى تكون مؤسسة محايدة تقدم الخدمة للدولة المغربية وليس للحكومة أو المعارضة. لقد سبق للمندوب السامي للتخطيط السيد أحمد لحليمي، أن صرح بأن دراساته المتفائلة تزعج المعارضة، بينما تجلب له دراساته المتشائمة غضب الحكومة، غير أن هذه الكلمة قد يكون لها مضمونها إن كانت الممارسة "البحثية" التوقعية للمندوبية السامية للتخطيط مطابقة للواقع أو قريبة منه ولو كانت على غير هوى الطرفين، أما إن كانت بعيدة عن الواقع، بل موجبة للارتباك في التقديرات، فإن سؤال الخلفية غير العلمية يبقى في جميع الأحوال واردا. هناك خيارات تنتهجها بعض المؤسسات العلمية التي تحرص على تحصين مصداقيتها العلمية، وهي أن تلجأ إلى طرح السيناريوهات المتعددة بحسب تعدد الافتراضات، وذلك حتى تعفي نفسها من الوقوع تحت طائلة الانتقاد لاسيما إن كانت مخرجاتها العلمية جزءا أساسيا من لعبة التدافع السياسي الموجود في الواقع، فبدل أن تطرح المندوبية السامية للتخطيط توقعا واحدا، تلجأ إلى نسبة كل تقدير لفرضياته المتوقعة، وتخرج بذلك من "لعبة" أو "تهمة" التوظيف أو الاصطفاف السياسي..