وزارة التعليم تكشف تقدم حوارها مع النقابات في القطاع    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    وضعية السوق العشوائي لبيع السمك بالجملة بالجديدة: تحديات صحية وبيئية تهدد المستهلك    منتدى الصحافيين والإعلاميين الشباب يجتمع بمندوب الصحة بإقليم الجديدة    تلميذ يرسل مدير مؤسسة تعليمية إلى المستشفى بأولاد افرج    معرض القاهرة الدولي للكتاب .. حضور وازن للشاعر والإعلامي المغربي سعيد كوبريت في أمسية شعرية دولية    لقاء ينبش في ذاكرة ابن الموقت    الولايات المتحدة.. طائرات عسكرية لنقل المهاجرين المرحلين    الخارجية الأمريكية تقرر حظر رفع علم المثليين في السفارات والمباني الحكومية    طنجة.. حفل توزيع الشواهد التقديرية بثانوية طارق بن زياد    إسرائيل تفرج عن محمد الطوس أقدم معتقل فلسطيني في سجونها ضمن صفقة التبادل مع حماس    بطولة إيطاليا لكرة القدم .. نابولي يفوز على ضيفه يوفنتوس (2-1)    تدشين وإطلاق عدة مشاريع للتنمية الفلاحية والقروية بإقليمي تطوان وشفشاون    الكشف عن شعار "كان المغرب 2025"    تفكيك شبكة تزوير.. توقيف شخصين وحجز أختام ووثائق مزورة بطنجة    الدفاع الحسني الجديدي يتعاقد مع المدرب البرتغالي روي ألميدا    ملفات التعليم العالقة.. لقاءات مكثفة بين النقابات ووزارة التربية الوطنية    أغنية "Mani Ngwa" للرابور الناظوري A-JEY تسلط الضوء على معاناة الشباب في ظل الأزمات المعاصرة    "الحُلم صار حقيقة".. هتافات وزغاريد وألعاب نارية تستقبل أسرى فلسطينيين    أوروبا تأمل اتفاقا جديدا مع المغرب    استمرار الأجواء الباردة واحتمال عودة الأمطار للمملكة الأسبوع المقبل    القنصلية العامة للمملكة بمدريد تحتفل برأس السنة الامازيغية    هوية بصرية جديدة و برنامج ثقافي و فني لشهر فبراير 2025    حصار بوحمرون: هذه حصيلة حملة مواجهة تفشي الوباء بإقليم الناظور    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء المغربية    هذه خلاصات لقاء النقابات مع وزارة التربية الوطنية    ملتقى الدراسة في إسبانيا 2025: وجهة تعليمية جديدة للطلبة المغاربة    الجمعية المغربية للإغاثة المدنية تزور قنصليتي السنغال وغينيا بيساو في الداخلة لتعزيز التعاون    إفران: استفادة أزيد من 4000 أسرة من عملية واسعة النطاق لمواجهة آثار موجة البرد    جبهة "لاسامير" تنتقد فشل مجلس المنافسة في ضبط سوق المحروقات وتجدد المطالبة بإلغاء التحرير    أداء الأسبوع سلبي ببورصة البيضاء    فريدجي: الجهود الملكية تخدم إفريقيا    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    كيف كان ملك المغرب الوحيد من بين القادة العالميين الذي قرر تكريم ترامب بأرفع وسام قبل مغادرته البيت الأبيض بيوم واحد    من العروي إلى مصر :كتاب "العناد" في معرض القاهرة الدولي    "مرض غامض" يثير القلق في الهند    الأميرة للا حسناء تترأس حفل عشاء خيري لدعم العمل الإنساني والتعاون الدبلوماسي    فعاليات فنية وثقافية في بني عمارت تحتفل بمناسبة السنة الأمازيغية 2975    وزارة الصحة تعلن أمرا هاما للراغبين في أداء مناسك العمرة    إطلاق أول مدرسة لكرة السلة (إن بي أي) في المغرب    السياحة الصينية المغربية على موعد مع دينامية غير مسبوقة    إس.رائ..يل تطلق سراح أقدم أسير فل.سط..يني    حماس تسلم الصليب الأحمر 4 محتجزات إسرائيليات    المغرب يفرض تلقيحاً إلزاميًا للمسافرين إلى السعودية لأداء العمرة    مونديال 2026: ملاعب المملكة تفتح أبوابها أمام منتخبات إفريقيا لإجراء لقاءات التصفيات    لقجع.. استيراد اللحوم غير كافي ولولا هذا الأمر لكانت الأسعار أغلى بكثير    تيرغالين: الوداد وبركان لم يفاوضاني    الربط المائي بين "وادي المخازن ودار خروفة" يصل إلى مرحلة التجريب    "حادث خلال تدريب" يسلب حياة رياضية شابة في إيطاليا    ريال مدريد أكثر فريق تم إلغاء أهدافه في الليغا بتقنية "الفار"    اثنان بجهة طنجة.. وزارة السياحة تُخصص 188 مليون درهم لتثمين قرى سياحية    أرقام فظيعة .. لا تخيف أحدا!    بالصدى .. بايتاس .. وزارة الصحة .. والحصبة    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وطن تحت الاغتصاب
نشر في هسبريس يوم 03 - 08 - 2013

أصاب قرار الملك العفو عن الاسباني مغتصب أطفال القنيطرة شرف المغاربة في مقتل، ومرّغ كرامتهم في التراب.
داس القرار آدمية الصبية، وهاض نفوسهم ونفوس عوائلهم، وجعلهم مثار سخرية المرضى والشواذ من كل صنف، ووأد طمأنينتهم وطمأنينة سائر الأطفال إلى الأبد. فكيف لأطفال هذا المغرب الاطمئنان والسكينة بعد اليوم، وسيف العفو مشهور أمام أعينهم. وأنّى لمدرس أو واعظ أو والد إقناعهم بأن الوطن وطنهم، وبأنهم يعيشون في بلد يدين بالإسلام مكتوب ذلك في الدستور،وأنهم في كنف الشريعة وأحكامها، وبأنهم في حضن الوطن وفي حماية الوطن، وأنه منبت الأحرار، مشرق الأنوار.
إلى عقدة الآباء والأمهات النفسية أضاف العفو عقدة ثانية كونهم مواطنين من الدرجة الأخيرة. ترى لو كان المجرم لامست يده فقط جسد أمير أو ولد من علية القوم، هل كان سيظل حيا يرزق وإن كان من فرنسا أو أمريكا ؟
جاء في الدستور الممنوح سنة 2011 أن "المملكة المغربية، العضو النشيط في المنظمات الدولية، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها، من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبتها بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا"، وبأنه "لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة" ... فأين المغاربة من هذا أيها الدستوريون ؟ وعلى من تضحكون ؟
تصكّ أسماع المغاربة كان الله لهم تلفزة المخزن في أي مناسبة بأن "الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين"، ويقرأ العبارة المهتمون على صفحات الدستور، فيتساءلون عن معاني الملة والدين، ويستغربون لما يرونه في الواقع من تنكر للدين وإعراض عن أحكام الدين بالعفو عن المغتصبين، بينما يسجن الأحرار فقط لأنهم ينتقدون النظام، وفي بعض الأحيان لأتفه الأسباب، أو ظلما وعدوانا. وإذا كان من عادة النظام المغربي التستر على الجناة والمجرمين وأصحاب الفواحش من الأقارب والبطانة "الصالحة" والحلفاء من النصارى واليهود حفاظا على مصالحه ومقايضة يما يحقق من "مكاسب" على الصعيد الديبلوماسي، فإنه هذه المرة تجاوز التستر إلى العفو، وإبطال حكم قضائي نهائي صادر عن هيئة قضائية محترمة.
وللتذكير،ألقت الشرطة المغربية منذ سنتين فقط بمدينة مراكش القبض على شخصيات فرنسية ضمنهم وزير سابق تمارس شذوذها الجنسي على أطفال المغاربة المسلمين، مثلما أكد ذلك الوزير الفرنسي السابق لوك فيري خلال حوار تلفزي مع قناة كنال بلوس، لكنه أطلق سراحهم بأوامر هاتفية من جهات عليا.
دوّت صدمة القرار في أرجاء محاكم المملكة الشريفة والمؤسسات القضائية، وفي أروقة الجمعيات النزيهة التي تنافح عن الطفل،وتدافع عن الجسد البريء، وعن حق الولد في العيش مكرّمامصونا من وحوش الجنس الشيطاني لأن الفعل من أفظع ما يكون.إذ ليست الجريمة من صنف اختلاس الأموال، أو التعنيف، أو القذف، أو تدخل في نطاق الخطأ الشخصي وإن كان جسيما كما يُعبَّر عن ذلك في علم الإدارة، بل تتعلق بآدمية الإنسان، وبكرامته وعرضه.ويزيد الجريمة قبحا وخسة ووضاعة كونها ارتكبت في حق أطفال لا حول لهم ولا قوة.
أذهل القرار القضاة والنشطاء في ميدان الطفولة لأنهم كانوا يتحركون لتصير الأحكام القضائية المتعلقة بالاغتصاب أكثر قسوة، رجاء أن ينزجر وحوش الجسد الغض عن اقتراف الفاحشة. لكن، بالنسبة لمن يعرف المغرب، القرارُ من طبيعة نظامنا ، ومن صميم تقاليدنا السياسية، ومن ديموقراطيتنا المتميزة.منعرف المغرب وخبر سياسة نظامنا الفريد لا يذهل لقرار مخزني ولا ينزعج لتصريح رسمي، لأنه يعلم علم اليقين أن في المغرب الاستثنائي يوجد قضاء استثنائي، وتعليم استثنائي، وتطبيب استثنائي، وأحكام استثنائية، وسياسة استثنائية، وابن آدم استثنائي.
شكل العفو الملكي سابقة في تاريخ القضاء العالمي لأن المجرم ذا الوجه الجهم الشتيم هتك عرض أطفال، ولم يختف بجريمته النكراء من على الأرض، بل أشهرها أمام الخلائق، ووثقها بالصوت والصورة الملونة لتبقى شاهدة في مواقع الرذيلة بالشبكة العنكبوتية وقنوات إبليس على مذلتنا وحقارتنا وفساد حكمنا إلى الأبد.
في معظم أقطار الأرض، المغتصب يذهب إلى المشنقة أو بيت الغاز أو يردى قتيلا بطلقة، أو يُغيّب في السجنعقودا أو طول حياته، إلا في نظامنا، فإنه يُحبس بضع سنين، أو يُزوّج ، أو يُعفى عنه(!). ولهذا السبب صار المغرب قبلة كل شاذ، ومقصد كل داعر، ومحج كل ذي بلية وفاحشة. ولهذا السبب أيضا الذي يعتبر رئيسيا إلى جانب أسباب أخرى لا داعي لذكرها، انتشرت جرائم الاغتصاب في المغرب انتشارا مهولا. إذ لا يكاد يمر يوم دون أن يهتك عرض هنا، أو يمزق شرف هناك.ولقد جعل انتشار هذا الداء الوبيل قسما من الآباء والأمهات يتجشمون مشقة مرافقة أبنائهم وبناتهم ليل نهار وإلى كل مكان، وجعلهم يحجمون عن إرسالهم إلى المخيمات الصيفية وفي رحلات جماعية مدرسية رغم فائدتها التربوية.كما حمل فئة أخرىعلى أن تستخبر أياما عن هذا المدرس، أو ذاك المدرب في النادي الرياضي، وعن سائق حافلة النقل المدرسي، قبل أن تقدم على تسجيل أطفالها هنا أو هناك. ونفس "مسطرة التحقيق" بالنسبة للجار، وحارس العمارة، وبائع الحلوى، وكل من يمكنه الاقتراب من الطفل. ودونك إحصائيات الجمعيات المختصة التي لا تتاجر بالقضية، ومعلومات رجال الأمن والقضاء.
صار المغرب مفسقة عالمية يقصده المخنثون والشواذ والسحاقيات والزناة والفجار من كل مصر، تقدم إليهم السلطة الغطاء اللازم، وتوفر لهم الجو الآمن الملائم ...جريا وراء السراب.
لا يعرف الكثير من الناس أن مقترف جريمة الاغتصاب، كما يؤكد الأطباء المختصون،يكون في عدة أحيان قد "انتقم" لنفسه من الذين اغتصبوه في صباه. هذاالإصرار على "الانتقام"يدل على حجم الضرر النفسي الذي يلحق الضحية في الصبا، ومقدار التدمير الذي يتعرض له، ومدى العذاب الذي يظل يعانيه حتى يكبر.
إذا كان العفو المشؤوم فجع الشعب المغربي برمته، فإنه فجعكذلك غالبية الشعب الإسباني لارتباط الأمر بأطفال أبرياء ما زالوا على الفطرة، ولا يقررونلأنفسهم.إذ لا يمكن في ثقافة الغربيين في أي ظرف اجتماعي وتحت أي ضغط سياسي قبول إخلاء سبيل مغتصب مُصِرّ مُترصّد لبراءة أطفال كالزهور. فلا غرو أن لا يقيم العالم لأقطاب نظامنا السياسيالقائمين على سياسة المخزن الخارجية وزنا على طاولة التفاوض لأنهم ضعفاء، قبلوا أن تنتهك أعراض مواطنيهم.
ساقت وزارة العدل لتبرير القرار عذرا أكبر من الزلة، إذ قالت بأن العفو يدخل "في إطار العلاقة الرابطة بين دولتين صديقتين تربطهما مصالح استراتيجية"!وإن هذا التبرير الأخرق ليمثل قمة الاستخفاف بعائلات الضحايا وبجميع المواطنين. لنقارن وضعنا مع وضع حركة حماس في فلسطين التي تشترط لإطلاق سراح إسرائيلي واحد إخلاء سبيل كافة معتقليها في السجون الإسرائيلية، وتنجح في ذلك!
جاءت صدمة العفو بعد صدمة تهنئة الانقلابيين في مصر وهم لمّا يُسْخِنوا مقاعدهم، وبعد صدمات ولكمات لا تعد ولا تحصى، وكأننا شعب قُدر له أن يعيش مصدوما. معاذ الله، وإنما هو هواننا، وقعودنا، وتفرقنا، وضعف إيماننا، وتبعيتنا لشرق العالم وغربه، ودروشتنا جهلا بالإسلام، ونفاقنا رؤساءَنا في الإدارات والمؤسسات والمصالح، وولوجنا برلمان الزور... في كلمة : فتنتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.