صدق ونستون تشرشل عندما قال: "الناس لا تكذب أبدا بقدر ما تكذب بعد عملية مطاردة أو أثناء الحرب أو قبل الانتخابات" هذه المقولة المأثورة تنطبق بالكمال والتمام على مدبج افتتاحية في الموقع الرسمي لحزب العدالة التنمية، تكيل الهجوم على اختيارات سياسية وتنظيمية داخلية لا تهم إلا حزب التجمع الوطني للأحرار بالدرجة الأولى، ولكن يبدو أن هذا الأخير عبر اشتغاله الميداني وجاذبيته السياسية واستقطابه لنخب وفاعليين أقوياء في الميدان الانتخابي قد أوجع الحزب المريض وزاد من جراحه وهو يرى مكاسب السلطة تسحب من تحت أقدامه. والمثير للشفقة في هذه الافتتاحية الركيكة أنها تجاهلت كل أعراف الكتابة السياسية الرصينة التي تناقش الأفكار والبرامج والمبادرات، وراحت تمتح من قاموس "زنقوي" لا يليق بحزب يقود الحكومة ويدعي الأخلاق والمرجعية الإسلامية والعمق الفكري والكدح الإصلاحي، وباقي المقولات الاستهلاكية التي تنهار أمام شمس الحقيقة. مُدبج الافتتاحية أنهك نفسه وهو يحاول أن يقول إن حزب التجمع الوطني للأحرار لم يقم بشيء سوى بفتح الحزب لمنتخبين قادمين من أحزاب أخرى، وبالتالي فهو بدون كفاءات وبدون نخب قادرة على أن تنزل إلى ميدان التباري الانتخابي وبالتالي هو حزب لا علاقة له بالتنظيم ولا بالسياسة. على العموم تجربة الفاعلين مع حزب العدالة والتنمية في هذا المجال معروفة فالحزب مند زمن، مع الأسف، يؤسس دعايته الانتخابية على أساس الهجوم وشيطنة الفاعليين الحزبيين الآخرين حتى يقول للمغاربة "أنا بوحدي مضوي لبلاد". هذه الممارسة الخبيثة كنا ننتقدها ونحن أعضاء في الحزب، فقد استعملت بطريقة مقيتة مع الاتحاد الاشتراكي، وأتذكر في انتخابات 2002 كيف كان مرشحو الحزب يكذبون على مرشحي الاتحاد الاشتراكي ويقولون إنهم كفرة يتبولون على القرآن الكريم... الممارسة نفسها، استعملت مع حزب الأصالة والمعاصرة وجميع المغاربة يعرفون حرب البسوس التي خاضها البيجيدي ضد البام، مستعملا فيها كل الأسلحة الفتاكة من اتهام أعضاء الحزب بالتجارة في المخدرات وتلقي أموال من جهات أجنبية، وفجأة اختفت هذه الاتهامات وظهر سعد الدين العثماني وهو يرفع وثيقة زواج متعة سياسي مع البام شهرا قبل الانتخابات المقبلة وعلى محياه علامات الإيجاب والقبول. واليوم، ودون مقدمات تحولت مدفعية القصف إلى حزب التجمع الوطني للأحرار وسوف يقال فيه في الأيام المقبلة ما لم يقله مالك في الخمر، وبالأمس القريب كان يقول الأمين العام السابق للحزب أن لا حكومة دون وجود عزيز أخنوش لأنه رجل عملي وكفؤ ذو مصداقية... فعجبا لهؤلاء الذين يتقنون لعبة تغيير الأقنعة دون حياء.. لكن الملاحظ اللبيب يدرك أن البيجيدي يحارب مسبقا أي فاعل يرى فيه فرصة للمنافسة السياسية أو التناوب السياسي الذي يعد ركنا من أركان الاختيار الديموقراطي الذي ارتضاه المغاربة بعد المصادقة على دستور 2011، وروح هذا الاختيار هو التعددية السياسية ومبدأ التداول على السلطة. والآن نعود إلى أراجيف وأكاذيب كاتب الافتتاحية المغوار، الذي عاب على الحزب استقطابه لفاعليين سياسيين من أحزاب أخرى ومنها البيجيدي الذي كان يفاخر أن لا أحد يغادره واليوم بات المغادرون أكثر من الوالجين، ونتحدى قيادة الحزب وكتاب افتتاحيات الموقع الإلكتروني أن يفصحوا عن الكم الهائل من الاستقالات التي يعرفها الحزب على الصعيد الوطني... عموما النزيف الداخلي للحزب الأغلبي لا يهمنا، لكن يهمنا ألا يصدّر حزب رئيس الحكومة مشاكله الداخلية نحو الأحزاب الأخرى ومنها التجمع، كممارسة للتهرب من تقديم حصيلة 10 سنوات تدبير الشأن العام للمغاربة ومن الفشل البيّن في تنزيل الشعارات الرنّانة على أرض الواقع. وبخصوص الاستقطابات السياسية فنقول لكم إنها تهافت التهافت كما قال ابن رشد في رده الشهير على الغزالي. فالحزب عندما تحمل رئاسته عزيز أخنوش كان حزبا متوسطا، نوابه في البرلمان لا يتجاوزون 37 ومع ذلك هزموا 125، وهذه حكاية أخرى سنعود لها في موعد لاحق ... وقد كانت رغبة القيادة الجديدة واضحة في تحول الحزب إلى حزب كبير يقوم بتغطية شاملة لكل الدوائر الانتخابية والتي تفوق 90 دائرة، وبالتالي فتح الباب لكل المغاربة سواء كانوا منتخبين أو سيخضون تجربة الانتخابات لأول مرة. وطبيعي أن نجد وكلاء لوائح جدد في المناطق التي لم يفز بها الحزب في الانتخابات السابقة. ولكي نريكم من البيت شعر، نقول لكم إن الحزب حرص على ترشيح أغلب نوابه السابقين في دوائرهم التي فازوا بها في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة ليس كحال قيادة البيجيدي التي تتنقل على الدوائر في إطار الزواج المسيار... فتارة يترشح العثماني في إنزكان ثم يقفز بلا مقدمات إلى المحمدية واليوم يريد أن يترشح في سلا. والحال نفسه ينطبق على يتيم الذي تنقل ما بين بني ملال والدار البيضاء وأبوزيد ما بين سيدي عثمان والجديدة والعمراني ما بين خريبكة والرباط والداودي ما بين فاسوبني ملال... وعشرات الحالات والتي آخرها الشوباني الذي يقيم في الهرهورة وغدا سوف يترشح في ميدلت بعد إزاحة البرلماني السابق. والمثير للشقفة السياسية ما قام به العضوان في مجلس المستشارين عبد العلى حامي الدين ونبيل الشيخي اللذين فضلا القفز قبل نهاية الولاية لضمان مقعد في مجلس النواب، في ممارسة سياسية معيبة وسادة على الأحزاب الجادة... فهل هذا هو التنزيل الديموقراطي للدستور... وهل هاته هي الأخلاق السياسية والممارسات الفضلى التي تزين البرنامج الانتخابي للحزب؟؟؟ كما أن كاتب الافتتاحية يتحدث عن استقبال الأحرار لملتحقين من أحزاب أخرى وقد نسي كيف احتفى البيجيدي باستقطاب سمير عبد المولى ونجيب الوزاني من البام وكيف رشح الممثل ياسين أحجام سنة 2011، والغريب أن كل هؤلاء لم تعد لهم علاقة مع الحزب وبالتالي حق فيه قول الشاعر: "نعيب زمانا والعيب فينا *** وليس لزماننا عيب سوانا".. وختاما، وبكل تجرد، نقول بكلمة، إنه عندما قرر رئيس الحزب عزيز أخنوش الترشح في الانتخابات المحلية بمدينة أكادير، وما أدراك ما الانتخابات المحلية فقد دشن ممارسة سياسية غير مسبوقة من قيادة سياسية من وزنه، وهي الخطوة التي لم يجرؤ عليها كل قادة البيجيدي الذين يتبجحون بالشعبية. كلمة أخيرة إلى شباب الحزب الذي مع الأسف ليسوا إلا وقودا لكي تبقى القيادة وشيوخ الحزب مٌترفة ومتنعمة في المناصب دون عائد أو محاسبة أو حصيلة، أخبركم أن قيادة الأحرار زكت ثلاثة من قيادة شبيبة الحزب، وهم شباب أقل من 40 سنة بقيادة لوائح محلية في البرلمان، في كل من ورزازات والناضور وبن سليمان... و"مازال العاطي يعطي"... فهل يا ترى سوف نرى قادة شبيبة البيجيدي أقل من 40 سنة وكلاء لوائح محلية في الانتخابات التشريعية المقبلة؟؟ نتمنى أن يجيبنا كاتب الافتتاحية المتهللة...