مقدمة: المحرك الرئيسي الذي جعلنا ننخرط في تقييم اختبارات البكالوريا لمادة الرياضيات منذ سنة 2015، هو خطورة النمطية القاتلة التي كانت سائدة قبل ذلك التاريخ ولمدة طويلة تجاوزت العقد من الزمن مما جعلها تساهم بشكل كبير، إلى جانب أسباب أخرى، في تدني مستوى الرياضيات في بلادنا بسبب تكريسها لفهم مغلوط لدور مادة الرياضيات الحقيقي والمتمثل أساسا في تطوير مهارات التلاميذ وصقل مواهبهم وإعدادهم لمواجهة الصعاب المرتبطة بحل المسائل الرياضية، باستخدام الطرائق العلمية ومهارات البحث بما تتطلب من تحليل للوضعيات المطروحة وتركيب للأفكار المنبثقة عنها لصياغة براهين جيدة ومقنعة، الشيء الذي يساهم في بناء شخصية عقلانية مؤمنة بتحكيم العقل ومتشبعة بحس الخلق والإبداع وشغوفة بمتعة العمل الدؤوب المؤدي إلى الإحساس بالسعادة الداخلية الحقيقية... وقد ساهمت التطويرات المتتالية لاختبارات البكالوريا لمادة الرياضيات بعد سنة 2015 في تغييرات هامة على مستوى تطوير أداء الأساتذة وانعتاقهم التدريجي من رقابة النمطية المقيتة، ويظهر ذلك جليا من خلال محاولات التغيير والتطوير في التمارين والفروض المحروسة والمنزلية التي يقترحها الأساتذة المميزون والتي تحاكي كل الأفكار والمستجدات المقدمة خلال اختبارات البكالوريا في عهد التجديد، تنضاف إليها إبداعات ولمسات أخرى من ابتكارات هؤلاء الأساتذة الذين لا يبخلون ولا يترددون في تقاسمها مع الجميع عن طريق وسائل الاتصال الحديثة... هاته الوسائل التي صارت تلعب دورا هاما جدا في تبادل الخبرات والأفكار بين الأساتذة والتلاميذ على حد سواء خصوصا مع الظروف الصحية الاستثنائية التي تعيشها بلادنا والعالم منذ تفشي وباء كورونا... هذا الوباء الذي ألقى بظلاله على اختبارات البكالوريا لهذه السنة والسنة الفارطة وفرض أطرا مرجعية خاصة يقتصر فيه الاختبار على ما تم إنجازه بالفعل من دروس على امتداد التراب الوطني ... وهذا في حد ذاته يشكل تحديا كبيرا بالنسبة للجنة الوطنية الساهرة على وضع اختبارات البكالوريا بحيث يتحتم عليها وضع اختبار يقتصر على الدروس المنجزة دون تغيير المدة الزمنية المعتادة للإنجاز... وهذا أمر يتطلب اجتهادات وتطويرا للأسئلة وهذا ما سننكب على دراسته في ما يلي: التمرين الأول: (2 نقط) هو تمرين يحتوي على أربعة أسئلة، السؤالين الأول والثاني هما على التوالي عبارة عن حل معادلة ثم متراجحة تعتمد على صيغة تحتوي على المتغير Exp(x) لكن إنجازهما يؤول إلى دراسة إشارة حدودية من الدرجة الثانية، إما بواسطة الطريقة العامة المعروفة أو باستعمال التعميل بعد تغيير المتغير الأصلي. السؤال الثاني عبارة عن حساب نهاية نسبة (Rapport) بسطها هي الصيغة المستعملة في السؤالين السابقين، يمكن حساب هاته النهاية باستعمال التعميل والاختزال ثم التعويض، أما السؤال الأخير فيتطلب البرهنة على وجود حل لمعادلة باستعمال مبرهنة القيم الوسطية. تمرين بسيط وجيد، تم توظيفه لتجاوز تحديات الإطار المرجعي الجديد، ليس لمجرد ملء الفراغ، بل لتحقيق أهداف واضحة من خلال أسئلة هامة وهادفة وبأسلوب جديد. التمرين الثاني: (4 نقط) ما عدا السؤالين الأول والثاني فقد شهد هذا التمرين تطويرا رائعا في طريقة طرحه لجميع الأسئلة الباقية، نستعرضها كالتالي: مقارنة نسبة حدين عامين متتاليين مع عدد معلوم. استنتاج رتابة المتتالية اعتمادا على النسبة بدل الاعتماد على الفرق كما كان معتادا. استنتاج تأطير المتتالية بين متتاليتين الأولى منعدمة والثانية تؤول إلى الصفر. استنتاج نهاية المتتالية (Théorème des gendarmes). إدخال اللوغارتم النبيري على المتتالية، ثم حساب نهايتها. استخدام متتالية هندسية دون التنبيه إليها وترك الفرصة للتلميذ للتعرف عليها وتوظيفها من أجل حساب المتتالية المدروسة. عدم التصريح بالنتائج إلا عند الضرورة. التمرين الثالث: (5 نقط) ما عدا السؤال الأول الذي يطرح سؤالا تقليديا حول المعادلات من الدرجة الثانية، فقد شهد هذا التمرين بدوره تطويرا هاما في طريقة طرحه لجميع الأسئلة الباقية، نستعرضها كالتالي: المرور من الكتابة الأسية إلى الكتابة الجبرية في حين فإن المعتاد كان هو العكس. أول مرة يطرح سؤال حول التحاكي منذ ما قبل 2014. أول مرة يطرح سؤال حول المعين منذ ما قبل 2014. حساب قياس زاوية بطريقة مختلفة تماما. توظيف الأعداد العقدية وخصائصها بشكل ممتاز. المسألة: (9 نقط) هو تمرين حول الدوال، ويمكن القول إنه الأبسط منذ 2014 وبشهادة الكثير من التلاميذ، وهذا بحد ذاته جديد، من أجل تكسير الاعتقاد السائد بأن المسألة لا بد أن تكون صعبة وحتى يكون هناك اهتمام بجميع الدروس بنفس القدر من الأهمية. خلاصة: اختبار الرياضيات الدورة الأولى لهذه السنة كان مناسبا تماما ومواكبا للتطور التدريجي لاختبارات الرياضيات ببلادنا، والذي بدأ منذ 2015 لتجاوز النمطية القاتلة وهو بمثابة دعوة جديدة للأساتذة من أجل التجديد والقطع مع الممارسات البالية التي أنزلت مستوى التلاميذ إلى الحضيض في مادة الرياضيات. لكن مع ذلك فإن معظم التلاميذ يعتبرون أن هذا الاختبار كان صعبا ويعود ذلك إلى المستوى الضعيف جدا لهؤلاء. ويجب أن نعترف، كما سبق أن قلت في السنة الماضية، وبكل شجاعة وبغض النظر عن ردود الأفعال المحتملة أن معظم التلاميذ البكالوريا يعانون من ضعف شديد في الحساب، وبالخصوص لما يتعلق الأمر بالعمليات حول الكسور والجدور المربعة... أما الهندسة الكلاسيكية كمتوازيات الأضلاع فحدث ولا حرج... معظم التلاميذ يعتمدون على الحفظ أي حفظ بعض التمارين ومحاولة استنساخها... معظم التلاميذ فاقدون للقدرة على العمل والمثابرة والاعتماد على النفس... معظم التلاميذ فاقدون للنفس الطويل لمواجهة المسائل الرياضية والاستمتاع بالبحث وإيجاد الحلول. معظم التلاميذ يختار الحل "الأسهل" وهو الاعتماد على "وهم" بعض الحصص الإضافية القليلة والاستخفاف واللامبالاة بالحصص الرسمية المنظمة وخلق الضجيج والفوضى داخل القسم، بدعوى عدم الاستفادة وتوجيه التهم للأساتذة ظلما وعدوانا وبالخصوص في المدارس الخصوصية. معظم التلاميذ يبحث عن النجاح دون جهد ولا يحمل هم المستقبل تماما وبهذا ينضم الكثير منهم إلى صفوف المحتجين أمام الوزارات وأمام بناية البرلمان. لكن رغم ثورة الكسالى التي نعيشها فالتلاميذ الممتازون موجودون والحمد لله، رغم قلة عددهم.