أثير جدل كبير في أوساط التلاميذ بشأن "صعوبة" اختبار مادة الرياضيات في الامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة الباكالوريا، لكن العماري سيموح، مفتش ممتاز لمادة الرياضيات سابقا، اعتبره، في مقالة بعث بها إلى هسبريس، مجرد "اختبار مناسب، ومواكب للتطور التدريجي لاختبارات الرياضيات ببلادنا الذي بدأ منذ 2015 لتجاوز النمطية القاتلة التي أنزلت مستوى التلاميذ إلى الحضيض". وقال سيموح، الذي أقدم على تحليل مختلف التمارين المضمنة في الاختبار، إن "معظم التلاميذ يعتمدون على الحفظ؛ أي حفظ بعض التمارين ومحاولة استنساخها، ويفتقدون القدرة على العمل والمثابرة والاعتماد على النفس"، وأضاف شارحا: "يعود سبب اعتبار هذا الاختبار صعبا من طرف العديد من التلاميذ إلى المستوى الضعيف جدا لهؤلاء". وإليكم المقالة: قبل سنة 2015، وهو تاريخ يعني الكثير بالنسبة لاختبارات البكالوريا في مادة الرياضيات، وعلى امتداد أكثر من عشر سنوات مضت، أضحت النمطية سمة الاختبارات الوطنية المتتالية لمادة الرياضيات. ونظرا لكون اختبارات البكالوريا مرجعا لا محيد عنه لكل من التلاميذ والأساتذة على حد سواء، فإن هذه الاختبارات أمست هي البوصلة الرئيسية التي توجه مسارات سير برنامج مادة الرياضيات داخل الأقسام، وتحدد المهم والأهم من التطبيقات والتمارين، ولم تعد فقط انعكاسا للإطار المرجعي، بل صارت هي الإطار المرجعي نفسه. نتيجة لذلك، فقد كان اختبار الدورة الأولى لمادة الرياضيات سنة 2015 مفاجئا لمعظم التلاميذ والأساتذة، خصوصا أولئك الذين فعلت فيهم النمطية فعل التنويم المغناطيسي، وتكرست في أذهانهم مقولة إن اختبار الرياضيات هو اختبار نمطي، ويكفي أن ينجز التلميذ بعض الاختبارات السابقة لإدراك كل شيء، والخطير في الأمر أنهم أكدوا هذه القناعة، ومنحوها الشرعية لدى معظم التلاميذ، وصارت هي الحقيقة المطلقة. سبق أن قدمنا تحليلا للاختبار الوطني للدورة الأولى 2015 الذي تم إلغاؤه لأسباب أخرى لا علاقة لها بمحتوى الاختبار، وقدمنا عدة ملاحظات؛ أهمها أن هذا الاختبار وضع قطيعة مع الماضي والنمطية، حيث إن اللجنة الوطنية صارت مقتنعة بضرورة التغيير، وهذا شيء إيجابي، ومن المفروض أن يكون مطلبا شعبيا، وأنا شخصيا كنت أنتظر أن يحدث. وعلى مدى خمس سنوات مضت، وانطلاقا من ذلك التاريخ، استمر التجديد في الاختبارات الوطنية ولو بشكل متأن، وفي مناسبات مختلفة تمت إعادة الاعتبار شيئا ما للهندسة الكلاسيكية التي هي مصدر الأفكار والإبداع. ويبدو ذلك جليا من خلال العودة الى تعريف هندسي للفلكة وحساب مساحة المثلث باستعمال الجداء المتجهي، وإعادة الاعتبار للحساب المثلثي، ومبيانيا تقديم معطيات من خلال التمثيل المبياني. لقد كان من الضروري الرجوع شيئا ما إلى الوراء لتحليل وضعية تطور الاختبارات الوطنية لمادة الرياضيات للعلوم التجريبية في بلادنا منذ سنة التجديد 2015، حتى نتمكن من تحليل الاختبار الوطني لهذه السنة، الذي جاء في ظروف خاصة يعلمها الجميع، واتخذت الوزارة الوصية إجراءات أملتها هذه الظروف من أجل إنقاذ السنة الدراسية وإنقاذ البكالوريا، لكن كما يعلم الجميع، فقد عبر معظم التلاميذ عن عدم قدرتهم عن الإجابة عن الكثير من أسئلة هذا الاختبار. السؤال المطروح الآن هو: ما هو السبب أو الأسباب التي جعلت معظم التلاميذ يجدون صعوبة في الإجابة رغم مرور خمس سنوات من الانطلاقة الجديدة أو انطلاقة التجديد؟ سنحاول في هذا المقال تقديم تحليل لاختبار الرياضيات الدورة الأولى 2020، وسنقتصر إذا تطلب الأمر ذلك على مقارنة هذا الاختبار مع الاختبارات السابقة، لكن فقط ابتداء من سنة الانطلاقة الجديدة 2015 وليس قبل ذلك. التمرين الأول: هو تمرين عادٍ في المتتاليات، لكن أسئلته لا تشبه النمط المعتاد من ناحية التسلسل التي دأبت عليه معظم التمارين المطروحة في الاختبارات السابقة، كما تم تجنب تقديم الإجابات إلا عند الضرورة القصوى. السؤال الذي يمكن اعتباره غير مألوف هو السؤال الثالث الذي يتطلب استعمال خاصيات التأطير العادية والبرهان بالتراجع واستعمال خاصية نهاية متتالية مِؤطرة (Théorème des gendarmes). ونشير هنا الى أن هذا النوع من الأسئلة مهم جدا، وتم إهماله لصالح النمطية، ولم يطرح إلا مرة واحدة في الاختبار الوطني لسنة 2010 الدورة الاستدراكية، وهذا سبب إهمال هذا النوع من الأسئلة من طرف الأساتذة والتلاميذ على حد سواء. التمرين الثاني: هو تمرين حول الأعداد العقدية، وسبق أن طرح شبيها له منذ الدورة الأولى لسنة 2015، وهو ما أثار زوبعة آنذاك، وقد تكرر هذا النمط في اختبار الدورة العادية لسنة 2017 والدورة الاستدراكية لسنة 2018، لكن احتجاج التلاميذ في هذه السنة ركز على السؤال الأول الذي لم يكن يتطلب أكثر من استعمال متطابقة هامة. وسبب هذا الاحتجاج هو أن التلاميذ قد ألفوا عند إنجازهم للمعادلات من الدرجة الثانية أن يجدوا دائما كقيمة للعدد (∆) عدد على شكل مربع كامل بسيط: 4، 9، 16، 25، 64، 81، 100 مسبوق بالإشارة السالبة، ولم يتخيلوا أبدا مثل ما جاء في التمرين. وهكذا يمكن اعتبار أن ما حدث لا يعكس إلا المستوى المتدني لتلاميذ البكالوريا في الحساب، وما يعانيه هؤلاء بصفة عامة من نقص يتعلق بمقررات الإعدادي. أما الأعداد العقدية فهي بريئة من هذا، وليست أبدا سبب الصعوبة بمفهوم التلميذ. التمرين الثالث: تمرين حول الدوال، وهو يزاوج بين أبسط دالة تمت دراستها في الدورة الأولى، وهي دالة الجدر المربع بنفسها دون تركيبها مع دالة أخرى، وبين دالة اللوغاريتم النبيري بنفسها، ودون تركيبها بدالة أخرى كذلك. ويحتوي التمرين على أسئلة في التأطير من أجل حساب النهاية، وهذا ما قد يكون مكمن الصعوبة حسب ما يعتقد التلاميذ. ونشير هنا مرة أخرى إلى أن هذا النوع من الأسئلة مهم جدا، وتم إهماله لصالح النمطية التي لا تكرس إلا مزيدا من التقهقر في المستوى بالنسبة للتلاميذ الذين من المفروض أن يصبحوا طلبة؛ ومن ثم وجب إعدادهم لمواجهة صعوبات أكبر بكثير في الدراسات الجامعية التي لا ترحم. ومع أن هذا النمط لم يسبق طرحه ولا مرة واحدة في الاختبارات الوطنية السابقة، فيمكن اعتبار هذا الاختبار بمثابة رسالة إلى الأساتذة من أجل عدم إهمال هذا النوع من الأسئلة مستقبلا، لسبب بسيط هو أنها أسئلة تدخل ضمن الإطار المرجعي لمادة الرياضيات. التمرين الرابع (المسألة): دون أن أطيل عليكم، فإن المسألة المطروحة في اختبار الرياضيات لهذه السنة منسوخة بشكل يكاد يكون كاملا من المسألة التي جاءت في اختبار الدورة الأولى لسنة 2016. كما أن جميع الإجابات كانت ممنوحة، فكان المطلوب هو تبريرها فقط. خلاصة: اختبار الرياضيات الدورة الأولى لهذه السنة (2020) كان مناسبا تماما ومواكبا للتطور التدريجي لاختبارات الرياضيات ببلادنا، الذي بدأ منذ 2015 لتجاوز النمطية القاتلة التي أنزلت مستوى التلاميذ إلى الحضيض. ويعود سبب اعتبار هذا الاختبار صعبا من طرف العديد من التلاميذ إلى المستوى الضعيف جدا لهؤلاء. ويجب أن نعترف، وبكل شجاعة وبغض النظر عن ردود الفعل المحتملة، بأن معظم تلاميذ البكالوريا يعانون من ضعف شديد في الحساب، وبالخصوص لما يتعلق الأمر بالعمليات حول الكسور والجذور المربعة. أما الهندسة الكلاسيكية كمتوازيات الأضلاع فحدث ولا حرج. معظم التلاميذ يعتمدون على الحفظ؛ أي حفظ بعض التمارين ومحاولة استنساخها. معظم التلاميذ فاقدون للقدرة على العمل والمثابرة والاعتماد على النفس. معظم التلاميذ فاقدون للنفس الطويل لمواجهة المسائل الرياضية والاستمتاع بالبحث وإيجاد الحلول. معظم التلاميذ يختارون الحل "الأسهل"، وهو الاعتماد على "وهم" بعض الحصص الإضافية القليلة، والاستخفاف واللامبالاة بالحصص الرسمية المنظمة، وخلق الضجيج والفوضى داخل القسم بدعوى عدم الاستفادة، وتوجيه التهم للأساتذة ظلما وعدوانا، وبالخصوص في المدارس الخصوصية. معظم التلاميذ يبحثون عن النجاح دون جهد "باش يفرح الوليدة". أما المستقبل هو الانضمام إلى صفوف المحتجين أمام الوزارات وأمام بناية البرلمان. رغم ثورة الكسالى، فالتلاميذ الممتازون موجودون.