اختبار مادة الرياضيات في البكالوريا الدورة الأولى 2018 علوم تجريبية: السهل الممتنع مقدمة: عندما تسأل أي تلميذ هذه السنة عن اختبار مادة الرياضيات في البكالوريا علوم تجريبية فإنك تتلقى تقريبا الجواب نفسه: "الاختبار كان سهلا لكن الوقت لم يكن كافيا. وقد كانت هناك أسئلة نسبيا صعبة، وبالخصوص عند حساب بعض النهايات"؛ وهي الأجوبة التي قدمها معظم التلاميذ خلال طرح السؤال حول طبيعة اختبار مادة الرياضيات من طرف بعض الجرائد الإلكترونية، وكذلك من خلال ما تم تداوله بصفة عامة بين التلاميذ والأساتذة والآباء. وفي ما يلي سنحاول تحليل هذا الاختبار واستنباط أهم الخلاصات والنتائج. التمرين الأول: هو تمرين حول الهندسة الفضائية، ويطرح أسئلة أساسية تتلخص في تحديد معادلة مستوى معرف بثلاث نقط بعد تحديد مُتَّجِهَة منظمية له بحساب جداء متجهي، تحديد مركز وشعاع فلكة، وتحديد تمثيل برامتري لمستقيم يمر من مركز الفلكة، وعمودي على المستوى السابق، وتحديد نقطة تقاطع المستوى والفلكة، وتحديد المسافة بين مركز فلكة والمستوى؛ وذلك من أجل تحديد وضعهما النسبي، واستغلال الأسئلة السابقة من أجل تحديد شعاع ومركز الدائرة محل تقاطع المستوى والفلكة. كانت الأسئلة ذات صياغة بسيطة ومفهومة ولم تكن موضوع صعوبات أو تعقيدات بخصوص العمليات الحسابية؛ إخراجها كان جيدا وهادفا وتتطلب توظيف معارف ومهارات منصوص عليها في الإطار المرجعي. عموما فإن التلميذ المتوسط لن يجد مشاكل تذكر في هذا التمرين. التمرين الثاني: موضوع هذا التمرين هو الأعداد العقدية.. طبعا هو تمرين جيد وبسيط لكنه غير معتاد من عدة جوانب؛ الجانب الأول هو أنه وظف الدوران بزاوية 2π/3 rad، وهو الأمر الذي لم يحدث إلا نادرا، إذ دأبت معظم الاختبارات السابقة على توظيفπ/2 rad± كزاوية للدوران منذ 2008 الى الآن، نظرا لبساطة الحساب الذي يمنحه هذا التوظيف. ولم يتم استعمال نوع مختلف من الزوايا إلا ثلاث مرات طوال هذه المدة، إذ تم استعمال π/3 rad سنة 2014 الدورة الأولى، و4π/3 rad سنة 2010 الدورة الثانية، و5π/6 rad سنة 2009 الدورة الأولى. من جهة أخرى تمت إعادة الاعتبار إلى خاصيات معيار وعمدة جداء ونسبة عددين عقديين وتوظيفها بشكل يُمَكن من تقديم تأويلات هندسية ذات أهمية؛ وهذا في حد ذاته إعادة اعتبار للهندسة الكلاسيكية والحساب المثلثي البسيط؛ وهو توجه جديد ومُحَبذ بدأ يشق طريقه في الاختبارات الأخيرة، إذ تم طرح الرؤية نفسها في السنة الماضية 2017 الدورة الأولى. ولم يسبق توظيف هذه الخاصيات بالرؤية نفسها إلا في مناسبات قليلة وبشكل محدود في 2011 و2009 و2008. بقي أن نشير إلى طريقة الإخراج والتنسيق بين الأسئلة والأدوات الموظفة (الدوران والإزاحة)، لتلعب دورا متكاملا في تقديم مخرجات ذات أهمية؛ كما تم تلافي الأسئلة المجانية وذات الصياغة الركيكة من صنف "بين أن لحق النقطة كذا، صورة النقطة كذا، بالتحويل كذا هو كذا". التمرين الثالث: هو تمرين حول حساب الاحتمالات من خلال تجربة تتعلق بسحب ثلاث كرات، مرة واحدة، من صندوق يحتوي على تسع كرات، تتميز كل واحدة بلون معين ورقم معين. وكان المطلوب من التلاميذ الإجابة عن سؤالين، يتعلق السؤال الأول بحساب احتمال ثلاثة أحداث "نفس اللون" و"نفس الرقم" و"نفس اللون ونفس الرقم"؛ فيما يتوخى السؤال الثاني تحديد وسيطي متغير حداني وحساب احتمالات تتعلق ببعض قيمه. كانت الأسئلة عادية إلا أن الجديد بالضبط هو أن الكرات تتميز بلون معين ورقم معين بدل تميزها باللون فقط كما هي العادة بالنسبة لمعظم الاختبارات السابقة أو بالرقم فقط كما هو الحال بالنسبة لعدد محدود من الاختبارات السابقة. وهكذا يمكن أن نلاحظ أن هذا النوع من التمارين لم يطرح إلا مرتين فقط منذ 2003 وبالضبط في اختباري البكالوريا لسنتي 2003 و2004 الدورة الأولى؛ ولم يطرح بعد ذلك أبدا حتى هذه السنة. وهذا لا يعني أن التمارين التي تزاوج بين اللون والرقم مفقودة، بل هي موجودة في الكتب والمواقع الإلكترونية، إلا أن تواجدها في اختبارات البكالوريا يكون شبه منعدم، ما يجعل الأساتذة لا يقبلون عليها بشكل كبير. لكن الاهتمام بهذا النوع من هنا فصاعدا سيكون مؤكدا بعد هذا الاختبار. التمرين الرابع: مسألة في التحليل خضعت المسألة المطروحة هذه السنة لنفس المنهجية ولنفس نمط المسألة المطروحة في اختبار البكالوريا للدورة الأولى للسنة الماضية، وهذه بعض الملاحظات حول المسألة: طرحت في ثلاثة أجزاء، خصص الجزء الأول لدراسة إشارة الدالة المساعدة، والجزء الثاني لدراسة الدالة الأساسية؛ فيما خصص الجزء الثالث لدراسة متتالية على شكل Un+1=f(Un). تم الاعتماد على جدول تغيرات الدالة المساعدة لتحديد إشارتها، ما مكن من تقليص مدة الإنجاز وتمكين التلاميذ المتمرسين من المرور الى الجزء الثاني بسهولة. وللتذكير فقد تم توظيف جدول تغيرات الدالة المساعدة لأول مرة خلال امتحان البكالوريا لسنة 2016 (الدورة الثانية). القضية التي طرحت مشكلا بالنسبة لمعظم التلاميذ هي حساب النهايات، لكن التلاميذ النبهاء استطاعوا تجاوز هذه المشكلة بشكل أو بآخر. تخصيص الجزء الثالث لدراسة المتتالية من النوع المذكور سابقا، وبهذا تكون اختبارات البكالوريا قد تجاوزت الشكل الكلاسيكي لتمارين المتتاليات النمطية، إذ شُرِعَ في تقديم هذا النوع من المتتاليات سنة 2015 في الدورة الأولى مرتين (في الاختبار الملغى وفي الاختبار الرسمي). ونتمنى أن يتم تطوير هذا المسار ليشمل متتاليات من نوع آخر، كالمتتاليات المعرفة بواسطة التكامل مثلا. ملاحظات عامة: التمارين المطروحة كانت متدرجة الصعوبة والإجابات عنها لم تكن تتطلب حسابات معقدة، بل بسيطة وميسرة. كما كانت صياغة الأسئلة مبسطة وخالية من التعقيد. كانت الأسئلة مرتبطة دون أن تؤثر على بعضها، لأن النتائج التي ينبغي التوصل إليها تكون إما معلومة بشكل مباشر عند الضرورة أو معلومة بشكل ضمني، إذ يكون على التلميذ النبيه أن يتنبأ بها ثم يبرهن عليها باستعمال المعارف والمهارات التي تدخل ضمن المقرر والأطر المرجعية. هناك اجتهادات في الأسئلة تعطي مجالا للتلاميذ النجباء لتوظيف ذكائهم وخبراتهم الدراسية من أجل الإجابة على بعض الأسئلة التي تهدف الى التمييز بين التلاميذ وإبراز المستوي الحقيقي لكل واحد منهم (النهايات كمثال). يشكل كل تمرين عملا متكاملا له هدف معين في النهاية. رغم بساطة التمارين فإنها تتطلب تفكيرا ونباهة وذكاء. التمارين تحيط بأهم مكونات البرنامج الدراسي، إذ تشكل كلا متكاملا يترك الانطباع عن نوع من الشمولية. في النهاية أقول إن اختبارات الرياضيات منذ 2015 أصبحت تتطلب مجهودا من طرف التلاميذ للتمكن من اجتيازها بشكل جيد، وهذا ما يفسر قول التلاميذ: "الاختبار كان في المتناول لكن الوقت لم يكن كافيا".. كونه في المتناول يعني أن الاختبار يحترم الإطار المرجعي والبرنامج المقرر في الرياضيات، أما أن الوقت غير كاف فلا يمكن تفسيره إلا بكون عدد هام من التلاميذ لم يكونوا مدربين بما فيه الكفاية للتمكن من الإنجاز بالسرعة المطلوبة، إذ إن اختبارات البكالوريا لا تقدم هكذا في آخر لحظة وكيفما اتفق، بل إن هناك لجانا وطنية مختصة تسهر على العملية وتأخذ في اعتبارها كل صغيرة وكبيرة لتقديم اختبار في المستوى، بما في ذلك الوقت المخصص للإنجاز. نتوقع أن معظم التلاميذ سيحصلون على المعدل، لكن النقط لن تكون عالية جدا هذه السنة. غير أن المؤكد أن اختبارات الرياضيات بدأت تتجاوز الركود المتراكم وستنطلق مرحلة جديدة إنشاء الله لتستعيد الرياضيات المغربية مكانتها المرموقة كما كانت عليه إبان السبعينيات وبداية الثمانينيات. *مفتش ممتاز لمادة الرياضيات سابقا [email protected] www.maths-inter.ma