على امتداد أكثر من عشر سنوات مضت أصبحت النمطية سمة الاختبارات الوطنية المتتالية لمادة الرياضيات ... ونظرا لكونها مرجعا لا محيد عنه لكل من التلاميذ و الأساتذة على حد سواء ... فإن هذه الأختبارات أمست هي البوصلة الرئيسية التي توجه مسارات سير برنامج مادة الرياضيات داخل الأقسام وتحدد المهم والأهم من التطبيقات والتمارين ... ولم تعد فقط انعكاسا للأطار المرجعي بل صارت هي الإطار المرجعي نفسه . ونتيجة لذلك فقد كان هذا الاختبار مفاجئا لمعظم التلاميذ والأساتذة ... خصوص اولائك الذين فعلت فيهم النمطية فعل التنويم المغناطيسي وتكرست في أذهانهم مقولة أن اختبار الرياضيات هو اختبار نمطي ويكفي أن ينجز التلميذ بعض الاختبارات السابقة لإدراك كل شيء والخطير في الأمر أنهم أكدوا هذه القناعة ومنحوها الشرعية لدى معظم التلاميذ وصارت هي الحقيقة المطلقة ... سنعمل فيما يلي على تحليل الأختبار الوطني للدورة الأولى 2015 والذي تم إلغاؤه لأسباب أخرى لن نتطرق لها في هذا المجال ...
التمرين الأول: رغم أن موضوع التمرين مشابه الى حدما للاختبار الوطني للدورة الآولى 2009 أو أنهما اعتمدا نفس الفكرة الأساسية ، إلا أنه يتضمن تنويعا وإضافة وتوجه جديد . حيث أن تقديم الفلكة على أساس أنها مجموعة النقط M التي تحقق العلاقة هو من جهة تعريف غير مألوف أو لنقل غير معروف بالمرة لدى التلاميذ لأنه لا يحضى بأي اهتمام تقريبا من طرف معظم الأساتذة وخصوصا في التمارين ، وذلك بحجة أن هذا النوع من الأسئلة نادر جدا في الاختبارات الوطنية ونفس الشيء يمكن قوله عن حساب مساحة المثلث OHB بواسطة الجداء المتجهي الذي لم يطرح ولو مرة واحدة منذ 2003 . هذا من ناحية الإضافة والتنويع أما من ناحية التوجه الجديد فإن طرح هذه الأسئلة الآن يمكن فهمه وكأنه دعوة لرد الاعتبار للهندسة الكلاسيكية ، دون فرض هذا التوجه بالقوة حيث يمكن تحديد مركز وشعاع الفلكة باستعمال الخاصية مباشرة ( المجموعة هي الفلكة التي قطرها [AB] ومنه نستنتج المركز والشعاع ) كما يمكن، من أجل ذلك، استعمال الهندسة التحليلية المألوفة .
التمرين الثاني: هو تمرين حول الأعداد العقدية، لكن معظم أسئلته تدور حول الحساب المثلثي البسيط ، الإجابات كانت تتطلب من التلاميذ معارف أساسية وتتجلى بالضبط في التعرف على cos(π/4) و sin(π/4) و cos(2Θ) مع بعض المهارات البسيطة في تحويل الصيغ الجبرية بالشكل الذي يؤدي الى النتائج المطلوبة، أما قضية الإخطاط التي تم حشرها تعتبر بدون معنى وكان من الأجدر تفاديها لآنها خلقت نوعا من البلبلة بشكل مجاني حيث كان من الممكن طرح السؤال على الشكل التالي :أكتب cos(2Θ) بدلالة cosΘ واستنتج أن: Θ1+ cos(2Θ)=2cos2، هذا لا يعني أن هناك خطأ في طرح السؤال ، لكن بعد الرجة التي خلقتها هاته الكلمة ، فإن معظم التلاميذ ألقوا باللوم على مدرسيهم الذين لم يعطوا لمسألة الإخطاط ما تستحقه من اهتمام اعتبارا منهم أن الاخطاط لا يتم إلا باستعمال الأعداد العقدية (formules d'Euler) ، وهذا طبعا غير صحيح لأن الإخطاط يمكن أن يتم بواسطة الصيغ المثلثية خصوصا في الحالات البسيطة مثل ما جاء في السؤال المطروح ... قلت أن كلمة الإخطاط تم حشرها وكان من الفضل تفاديها، غير أنه من السداجة الاعتقاد أن أفراد اللجنة الوطنية لم يكونوا على وعي بما يفعلون ... بل أعتقد أن توظيف الكلمة كان مقصودا تماما ورد فعل التلاميذ والأساتذة كان منتظرا ... لكن ما الهدف من هذا الاستفزاز المقصود وهذه القسوة غير المعهودة ... ؟ بكل بساطة وكما قلت في المقال السابق فإن اللجنة كانت مصرة على تدشين مرحلة جديدة لتخرج الاختبارات الوطنية في مادة الرياضيات من بوثقة الجمود وهكذا فإنها بعثت بإشارات للسادة الأساتذة وللتلاميذ وكل الفاعلين الذين لهم علاقة بمجال تدريس الرياضيات ... ليركزوا اهتمامهم على البرنامج المقرر بكامله والتخلي عن فكرة المقامرة بما يمكن أن يكون موضوع امتحان ... من جهة أخرى لم يتم استغلال السؤال 3) ج) كما ينبغي حيث كان من الآجدر أن نطلب من التلميذ استنتاج cos(π/8) و sin(π/8) و tan(π/8) بدل حساب a4 الذي يبدو حسابا مجانيا ونهاية غير هادفة . كذلك كان من الممكن استعمال π/8 كزاوية للدوران عوض π/8 مع اختيار نقط لا تجعل من الحساب شيئا عسيرا وهذا من أجل أن يكون التمرين متكاملا وذا أهمية وهدف . أما السؤال الأخير فهو مهم ويسير في اتجاه إعادة الاعتبار للهندسة الكلاسيكية ... التمرين الثالث: كان تمرينا عاديا ربما تكون اللجنة قد وضعته في منتصف الطريق كمحطة للإستراحة ليعمل كملطف للأجواء قبل تناول المسألة وهذا شيء محمود يؤكد على الاهتمام بالجانب السيكلوجي للتلميذ ( تطور ملموس)
التمرين الرابع ( المسألة ): يتضمن التمرين الرابع ثلاثة أجزاء : الجزء الأول : يتضمن عددا من الأسئلة بداية بمجموعة التعريف وانتهاء بجدول التغيرات . يهدف السؤال الأول الى التحقق أن مجموعة تعريف الدالة هي : ، سؤال يبدو عاديا تماما ، لكن يجب أن نوضح هنا كذلك أن مجموعة التعريف كانت تطرح إشكالا كبيرا قبل 2003 لأنها توجد في مستهل المشوار بالنسبة لدراسة الدالة وأي خطأ في مجموعة التعريف يؤدي الى أخطاء أخرى ومشاكل ... حيث تختلط الأمور ويصبح كل شيء في خبر كان ... كثرة الضحايا من هذا النوع فرض على اللجنة الوطنية إعادة النظر في الموضوع ... ففي كل الا ختبارات منذ 2003 كانت مجموعة التعريف تحدد مسبقا في التمرين ، ماعدا في الدورة الاستدراكية لسنة 2005 و في الدورة العادية لسنة 2009 حيث تمت مساعدة التلميذ للتحقق من أن وفي جميع الأحوال تكون مجموعة التعريف على شكل مجال واحد وليس على شكل اتحاد مجالات . خلال هذه السنة فقط كانت مجموعة التعريف على شكل اتحاد مجالين. مما سيفرض حساب نهايتي الدالة على يمين وعلى يسارe ورغم بساطة النهايتين إلا أن تعود التلاميذعلى التعامل مع نمط واحد من النهايات يوظف النهايات الهامة أو في أسوأ الحالات التعميل أو ما شابه لإبراز النهاية الهامة ... جعل العديد منهم يواجه صعوبة في الآنجاز .
الجزء الثاني : الحمد لله أن اللجنة الوطنية انتبهت أخيرا لفراغ مهول كان يعتري الاختبار الوطني في الرياضيات وهو عدم الانتباه لتقديم الدالة بواسطة تمثيلها المبياني ثم طرح أسئلة تعتمد فقط على قراءة المعطيات من التمثيل المبياني ثم تأويلها الى نتائج أخرى كحساب بعض النهايات أو دراسة قابلية الاشتقاق أو تحديد إشارات بعض الصيغ أو دراسة التغيرات الخ ... ويعتبر الاختبار الوطني لهذه السنة رغم إلغاءه تدشينا لهذا الاختيار المحمود الذي سيحل إشكالا عظيما يمس جميع المفاهيم والمهارات المتعلقة بدراسة الدالة ... حيث أن الفهم الحقيقي للعلاقة الجدلية بين ماهو جبري وما هو هندسي لا يمكن أن يتم فعلا إلا من خلال إتقان السير في الاتجاهين: من الحساب الجبري الى التمثيل المبياني ومن التمثيل المبياني للحساب الجبري ... وهذا هو السبيل الوحيد والأمثل لكي يتمكن التلاميذ حقيقة من استيعاب المفاهيم المرتبطة بالتحليل بالدقة المطلوبة ...
الجزء الثالث : إذا نظرنا الى هذا الجزء نظرة عادية ، فسيبدو عاديا ... لكن القضية هنا كذلك جد هامة وتحتوي على جديد ... ويتجلى هذا الجديد في التخلي عن تقديم المتتاليات بشكل منفصل حيث في هذه الحالة سنعود الى الروتين مرة أخرى: متتالية ترجعية على شكل مع f دالة تآلفية أو متخاطة (الدالة تكون ضمنية) ... بأسئلتها الكلاسيكية المعروفة .... هذا بالإضافة الى عامل الوقت الذي جعل المتتالية تطرح مع الدالة مسألة محسومة و" تخريجة ذكية من طرف اللجنة " خلاصة :
يتبين من خلال اختبار هذه السنة (وأقصد النمودج الأول) أن اللجنة الوطنية صارت مقتنعة بضرورة التغيير وهذا شيء إيجابي ومن المفروض أن يكون مطلبا شعبيا ، وانا شخصيا كنت أنتظر أن يحدث هذا... فلاحظنا في مناسبات مختلفة إعداة الاعتبار للهندسة الكلاسيكية التي هي مصدر الأفكار والابداع ويبدو ذلك جليا من خلال العودة الى تعريف هندسي للفلكة وحساب مساحة المثلث باستعمال الجداء المتجهي وإعدادة الاعتبار للحساب المثلثي وبالنسبة للدالة تقديم معطيات من خلال التمثيل المبياني ... رغم إلغاء هذا الاختبار ، فإن المهم أنه كان يتضمن رسائل للأساتذة ترسم لهم مستقبل تدريس الرياضيات بشكل مختلف والقصد هو أن يدركوا أن النمطية القاتلة قد انتهت الى غير رجعة وأن الرياضيات هي علم الابداع والتجديد ... الاختبار الوطني ليس مجرد اختبار نمطي بل هو مناسبة لتجسيد مختلف الجوانب الذكية في برنامج مادة الرياضيات والإطار المرجحي وهو محرك رئيسي يدفع الأساتذة نحو إبداع أشياء جديدة لكن لا يمكنه أن يلعب هذا الدور إلا إذا حمل أفكارا جديدة ومطروحة بشكل بسيط وذكي ...