تم تعيين سوزان رايس من طرف باراك أوباما مستشارة للأمن القومي ، وهي التي كان يريد تعيينها وزيرة للخارجية لولا اعتراض الجمهوريين عن هذا التعيين ، وعين سامنتا باور مندوبة في الولاياتالمتحدة .ويذكر أن السيدتان كانتا من فريق أوباما عند ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية سنة 2008. وهما مقربتان إليه ، ومدافعتان شرستان عن مبادئ الحزب الديمقراطي والقيم اليسارية. والسؤال هل تخوفات المغرب من آثار تعين رايس وباور على سياسته الداخلية مبررة؟ فالسيدتان رايس وباور مهتمتان بحقوق الإنسان وبحقوق الشعوب ، ولهما تجربة فيما يخص هذا الموضوع في رواندا سنة 1994 متعلقة بالإبادة الجماعية ، وأخرى في حرب يوغسلافيا 1999 ، ولا ريب أنهما مهتمتان كذلك بملف حقوق الإنسان بالمغرب لارتباطه بالقرار2099 . ومعروف أن سوزان رايس سبق أن قدمت إلى أعضاء مجلس الأمن المسودة(المعلومة) التي تنص على ضرورة (تحتها سطرين) قيام قوات المينورسو بمراقبة حقوق الإنسان بالصحراء المغربية وبتند وف والتي أعطت القرار الأممي 2099 بعد تعديله. أما سامنتا باور فلها حكاية من نوع آخر مع إسرائيل ، حيث تعتبر الصحافة الإسرائيلية أن سامنتا باور ضد التعاون الأمريكي- الإسرائيلي اعتمادا على تصريحات لها في سنة 2002: "أن على الولاياتالمتحدة ألا تهدر بلايين الدولارات لدعم الجيش الإسرائيلي ، بل عليها توظيف هذه البلايين لإقامة الدولة الفلسطينية" . كما صرحت سنة 2004 أنه على الولاياتالمتحدة" أن تمارس ضغطا على إسرائيل للتوصل إلى حل مع الفلسطينيين". أما سنة 2006 فقال " أنه ربما تضطر الولاياتالمتحدة إلى اجتياح إسرائيل لتجريدها من سلاحها لإرغامها على التوصل لسلام مع الفلسطينيين " . والسؤال هل من الممكن أن تؤخذ تصريحات سامنتا على محمل الجد ؟ فتصريحاتها تتسم بالحدة والتركيز ، تعبر من خلالها أنها مؤمنة بحقوق الإنسان ومستعدة لمواجهة حتى حلفاء الولاياتالمتحدة بها. ومن دون شك أن قيام الرئيس الأميركي بتعيين كل من سوزان رايس وسامنتا باور له دلالة خاصة . إذ يريد إنهاء ولايته الثانية بالتركيز على حقوق الإنسان بمساعدة سوزان رايس المعروفة بدينامكيتها وصراحتها ، وبمساعدة سامنتا باور زميلته في الدراسة في جامعة هارفارد للحقوقHarvard . فسوزان رايس المنحدرة من أصول جامايكية ، أبوها "جون إميت" متوفى ، كان يشغل محافظا سابقا للبنك الاحتياطي الفدرالي ، وهو صديق سابق لمادلين أولبرايت ، وكان له دور في إنشاء النظام المصرفي النيجيري . كما أن رايس أم لطفلين من منتج في محطة ABC الأمريكية . وهي صديقة قريبة من أوباما قال عنها بعد إعادة انتخابه للولاية الثانية:" سوزان امرأة استثنائية والذين سيبحثون عن إثارتها عليهم قبل ذلك البدء بي " . فمن مميزاتها أنها مثقفة وحائزة على شواهد عديدة، وهي مهتمة كثيرا بجانب حقوق الإنسان ، وتربطها على أساس هذا المجال ،علاقة برئيس الجمهورية روندا (عضو في الكومنولث)، بول كاكامي Paul kagame الثوري . وسَتُنسِّقُ رايس مع سامنتا باور (في حالة قبول هذه الأخيرة من طرف الجمهوريين ) حين معالجة الملفات الكبرى وعلى رأسها ملفات حقوق الإنسان كونيا . فالسيدتان تتقاسمان نفس التوجهات، ولهما نفس العزم لتأدية دورهما في تثبيت قيم حقوق الإنسان . فسامنتا باور الإيرلندية الأصول ، والأم لطفلين من كاس سونسفغاين cass sunstein ، فيلسوف أمريكي، ورجل قانون متخصص في القانون الدستوري والقانون الإداري والقانون البيئي والاقتصاد ،و عمل كأستاذ في جامعة هارفارد .كما عمل في إدارة أوباما أثناء الولاية الأولى. ففي سنة 2002 وفي ذروة الجدل حول حق جورج بوش في خلق لجان عسكرية دون موافقة الكنجرس، قال سونستاين بأن لبوش الحق في خلق تلك اللجان . لكن بعد أربع سنوات أكدت المحكمة العليا بأن ليس لبوش الحق في في إنشاء لجانا عسكرية دون موافقة الكونجرس.وسونسفغاين هو من المدافعين عن الحيوانات وهو كذلك ضد الزواج التقليدي ومع الزواج المدني على أساس اتفاق تشاركي بين شخصين. في ضوء هذا ، هل من حق المغاربة أن ينزعجوا من تعيين سوزان رايس وسامنتا باور ؟ ففي محاولة لجمع كل الخيوط من أجل نسج تكهنات حول الأفكار التي يمكن للسيدتين استثمارهما مع أو ضد مصالح المغرب ،يمكن القول بأن تجربة رايس كسكرتيرة مساعدة للشؤون الإفريقية خلال الفترة الثانية للرئيس بيل كلينتون ، وكمندوبة سابقة للولايات المتحدة لدى الأممالمتحدة يعطيها بعض التميز على سامنتا باور فيما يخص المعرفة باهتمامات المغرب ، وإن كانت هذه المعرفة تصطدم بتعاطف رايس مع الأقليات.و يظهر هذا التعاطف جليا في صداقتها مع رئيس روندا ، الدولة التي تعترف بالبوليساريو منذ1 أبريل 1976. إلا أن هناك مدخل آخر لرايس يتجلى في تعاطفها مع إسرائيل . كما يمكن قراءة علاقة تعاطف بين رايس ونيجيريا على خلفية إنشاء النظام المصرفي النيجيري من طرف ولدها واعتراف نيجيريا بالبولساريو في 12نونبر1980، وموافقة رايس تقديم مسودة القرار2099 الذي تم تعديله والذي كانت تدفع به الجزائر مدعومة بالدول التي تدور في فلكها . أما فيما يخص سامنتا باور فدون شك ستكون مثاثرة بفلسفة زوجها سونستاين المؤمن بالحرية والتحلل من العقود التقليدية ،والمُطالِب باحترام حقوق الحيوانات . كما أن تغطيتها كصحافية لحرب يوغسلافيا واطلاعها على ما حدث في الإبادة الجماعية في رواندا جعلت منها مدافعة شرسة عن حقوق الإنسان . ولا شك أن سامنتا أرون مازالت تحتفظ بذكريات كفاح المواطنين الايرلنديين ضد انجلترا من أجل استرجاع أرضهم (ايرلندا الشمالية اليوم) وضمها للجنوب (ايرلندا الجنوبية حاليا) . ويقينا أنها تعيش مرارة تقسيم وطنها ، وتتذكر أرواح المواطنين المدنيين الذين سقطوا أو جنود الجيش الأيرلندي الذين دهستهم الآلة العسكرية البريطانية . وهي نقط تجمع ولا تفرق بين المغرب و ايرلندا .فكل منهما ناضل من أجل استكمال وحدته الترابية . ولولا الطائفية وانقسام الوطن الايرلندي بين بروتستانت والكاثوليك لكانت ايرلندا اليوم دولة واحدة. وتبقى سامنتا باور شخصية ذات قناعات خاصة يصعب التحكم في توجهاتها الصارمة ، فهي تعمل إلى جانب أوباما وفي نفس الوقت تلعب دور المتمردة ، حيث وصفت إبان الانتخابات الرئاسية 1988 هيلاري كلينتون بالوحش monstre في حوار صحفي، و طالبت الولاياتالأمريكية بتجريد إسرائيل من السلاح من أجل خلق دولة فلسطين . وهي مطالب غير واقعية ولا تتماشى والعلاقة الإستراتيجية المتينة التي تجمع بين إسرائيل من جهة والولاياتالمتحدة من جهة أخرى . أي من المنتظر جدا أن نسمع عن تخريجات جديدة على هذا النحو ، واتهامات لدول، صك اتهامها جاهز وإن كانت حليفة. ورغم كل هذا، لا يجب أن ينزعج المغاربة من تعيين سوزان رايس أو سامنتا باور ، لأن تعينهما حقيقةولا يجب التخوف من الحقيقة، التي لا يستطيع تغير مكوناتها نحو حقيقة أخرى إلا من يتحكم في مفاصل وتفاصيل تلك الحقيقة . ولكن مقابل ذلك يجب على المغاربة ألا يتأثروا بتغييرات طواقم البيت الأبيض، مؤمنين بأن لا قوة فوق الأرض تستطيع اقتطاع شبر من أرضهم إلا استعمارا . كما أن عليهم مقابل ذلك ، العمل على دعم مواقفهم الثابتة بإنجازات على الأرض فيما يخص حقوق الإنسان ، وتطوير آليات التواصل من أجل تعميم وتعميق فهم الخلفيات التاريخية والثقافية والإنسانية للقضية الأولى ، مع الارتقاء بوسائل الاتصال وبكافة اللغات . فسامنتا باور صحافية متمرسة تعرف جيدا قراءة الصورة والمشهد ، وتشعر بعمق الكلمة حينما تكون لها حمولة إنسانية. وقد لا يكون أمرا مفاجئا تعاطف رايس وسامتنا ورئيس رواندا والنيجر والجزائر مع البوليساريو ، فالكومنولث الذي يجمع بين ايرلندا وجامايكا ورواندا قد تستغله الجزائر للرفع من مطالب احترام حقوق الإنسان . في وقت لا تُحْتَرم هذه الحقوق فوق ايرلندا حيث الأيرلنديون منقسمون ولا في روندا حيث تحكم أقلية توتسي في أغلبية الهوتو ، ولا في الجزائر حيث يفعل الحكم العسكري ما يريد بالشعب الجزائري. وإذا كانت هناك أخبار تتحدث عن زيارة زعيم البوليساريو لواشنطن ونيويورك للقاء مسئولين في الكونجرس والأممالمتحدة ومنظمات حقوق الإنسان . فإن مسئولي المغرب مازالوا متعثرين وكأنهم أمام لوحة تؤدي لجميع الاتجاهات جعلتهم غير قادرين على اختيار الوجهة الصحيحة والتركيز على ملف الصحراء المغربية " لتدقيقه وسد ثغراته " . فاختيار زعيم البوليساريو واشنطن في هذا التوقيت دون شك لم يقصد به التواصل فقط وإنما طريقة جديدة في التعامل مباشرة مع أصحاب القرار الأمريكيين . ترى هل باستطاعة المغرب مواجهته بزعيم مغربي صحراوي وحدوي نقي من خلال وزارة الخارجية ؟