كثير من الناس ينافقون الفلسطينيين وينافقون الكتاب الفلسطينيين،وقد تلقى محمود درويش النصيب الأكبر من بين كل الكتاب الفلسطينيينمن هذا النفاق، فباسم القضية الفلسطينية والتضامن وروابط العروبة والدم والدين وغيره تعمد القراء والنقاد الضرب باليقين أن الشعر الفلسطيني مقدس من قداسة وعدالة القضية، وضاع صوت هذا الشاعر الكبير في زحمة المديح أو الصمت أو الجهل، وكان شعره يقرأ بآهات كما تقرأ نغمات أم كلثوم، دون تبصر أو نقد موضوعي. في النهاية قرر الشاعر أن يكتب ويترك الكلاب تلحس، إلى اليوم، يوم وفاته. "" والآن وبعد أن غيبه الموت(أحد أهم أبطال شخوصه الشعرية) فهو سينال كما أكبر من القصائد المادحة، كل الناس ستدعي علمها بشعره أو بشخصه، أو تدعي رفقته وصحبته، كان رحمه الله كذا وكان كذا... دون أن يستطيع أحدهم ترك هذا الحب المتباهي وقول الحقيقة أخيرا، قولوا عن محمود درويش ما شئتم لكن إقرأوا شعره بقتل ذواتكم وذوات الشاعر وذوات الفلسطينيين كلهم، فلم يكن درويش شاعرا ملتزما بالمعنى المنحط، أي كان يلتزم من الساعة العاشرة ليلا إلى الصباح، أو كان يلتزم بعد الجلوس أمام مكتبه، لم يكن الشاعر يحمل قضية ما ولم يكن يدافع عن فلسطين والفلسطينيين، لم يكن يحرض على المقاومة وغير ذلك من التفاهات الانطباعية، ماذا كان محمود درويش؟ لقد كان يتنفس فلسطين، بتاريخها وأحداثها، برجالها ونسائها، كان قلبا بنبض ودقاته تاريخ لفلسطين القديمة والحديثة، كان شاهدا على حقارة العالم وبشاعته، كان صوتا يشير لعالم غير عالمنا المدمن على الكذب والنفاق، نفاق وصل ببعض العرب أن أصبحوا يفهمون في العلم الفلسطيني أكثر من الفلسطينيين أنفسهم. بينما شعر الرجل لا يقصد تحريرا ولا عدالة ولا انتقاما من العدو بالمعنى البسيط للكلمة، كان صوتا آتيا من أعماق الحيرة الفلسطينية، في عالم لا أخلاق ولا مبادئ فيه ولا حق ولا قانون، عالم القوة، بكل أصنافها، ومن عرف كيف يتقوى منذ القرن الثامن عشر هو من يحكم العالم ويصنع مبادئه وأعرافه وأحكامه. كان صوت الشاعر يدعو إلى شيء آخر، يدعو إلى رؤية الكون بشكلمختلف لا يزال العرب والمسلمون عاجزين عن إدراكه وتمثله، . وهم بأسلحتم الإيديولوجية الصدئة لا يستطيعون أبدا فهم ما كان يقوله صوت محمود درويش. صوت لم يكن ملائما للغناء والطرب أو مصاحبته بطلقات الكلاشنكوف، صوت لم يجد صدى في أعماق الناس، خاصة هؤلاء الذين يدعون إلى تحرير فلسطين عن طريق رحلة جماعية إلى الجنة. http://el-ouakili.maktoobblog.com