شكلت القضية الفلسطينية أحد انشغالات الفنانين المغاربة ورافقت إبداعاتهم وإنتاجاتهم الفنية. اكتشف سعيد المغربي القضية الفلسطينية في بداية السبعينيات ووصله صداها في فضاء مراكش عندما كان يشارك في مسرح الهواة. «كل المضامين التي غنيتها كانت دعما للثورة الفلسطينية وعذاباتها سواء مع الأنظمة العربية أو الاسرائيلية على السواء من أيلول الأسود، مرورا بتل الزعتر حتى حصار بيروت» يحكي سعيد المغربي ل«المساء». غنى سعيد المغربي لصخر الفلسطيني ومحمود درويش ومعين ابسيسو وتعرف على المغني الفلسطيني مصطفى الكرد في فرنسا وأقاما معا مجموعة من الحفلات في بداية الثمانينات قبل رجوعه إلى فلسطين. وغنت مجموعة جيل جيلالة ومجموعة ناس الغيوان ثلاثية فلسطينية ما بين سنتي 1973 1974 اتسمت بالطابع الرومانسي، ذات حس ديني وتحمل التعاطف الصوفي مع القضية وتضم «مزين امديحك» و«يا صاح» و«غير خدوني»... يتذكر عمر السيد أولى السهرات سنة 1963 التي أحيتها فرقة «رواد الخشبة» في الحي المحمدي بحضور العربي باطما وبوجميع وامتاز عرض أولى مسرحيات الفرقة مسرحية بمعالجة القضية الفلسطينية في قالب درامي.. «القضية الفلسطينية قضية المغاربة، وحاضرة في أغاني ناس الغيوان كقضية انسانية»، يؤكد السيد ل«المساء» ويتابع قائلا: «تغني المجموعة بدارجة بها إبداع وحضور الصورة التي تحمل معان عميقة، وظهر في معالجة القضية الفلسطينية ما يسمى الشجية أي الزجل المغنى وهو ما جعل حفظها سهلا لدى المغاربة». اعتبر السيد أن لناس الغيوان ثلاثية يطلق عليها الثلاثية القومية، وهي مشتملة على الأغاني التالية: «ضايعين» و«الشمس الطالعة». و«نرجاكانا» صدرت عام 1979. بعد مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، أصدرت ناس الغيوان أغنية كشفت فيها الصمت العربي تجاه المجازر التي اقترفت في حق المدنيين: صبرا وشاتيلا المجزره الكبيره أطفال انذبحت شيوخ وعيالات صبرا وشاتيلا كثرة القتيلا كما حضر الأمل واليأس ونبرة التحدي في أغاني ناس الغيوان: والله إلا بغا ينطق لكون الحجار الصامتة تتكلم. والله إلا بغا يصدق لكون العبد في صدفة يغنيه. بكاو حتى عياو بالدمع نجالي حالي تبدل حالو هذا حوال والعديان فجنابي وفي أغنية “غير خودوني”، تجعل ناس الغيوان الجميع مسؤولا عن مصير القضية الفلسطنية: غير خدوني لله خدوني قلبي جابين يد الحداد ينزل الضربة على الضربة ويلا برد زاد النار عليه أنا ماندوزو يا طاعني من الخلف موت واحدة هي غير خدوني سنة 1967 كان عمر عبد المجيد مشفق عضو مجموعة السهام 9 سنوات. “كنا نعتبر مايحدث في فلسطين القضية العربية الأولى وعشنا تداعيات الحرب وما وقع آنذاك..” يحكي مشفق عن تلك المرحلة. تعرفت مجموعة السهام على القضية الفلسطينية من خلال أغاني مارسيل خليفة وفيروز، اللذين تغنيا بالأغنية الفلسطينية. يقول مشفق إن مجموعة السهام حرصت منذ نشأتها على أن تحضر القضية الفلسطينية في أغانيها واعتبرتها المجموعة قضية محورية فيها. يرى مشفق أن ريبيرتوار الأغنية المغربية يضم عددا قليلا من الأغاني التي تغنت بفلسطين خصوصا المجموعات التي اهتمت بالقضية الفلسطينية، فيما ظلت هناك أعمال متناثرة في ميدان الأغنية العصرية. “انفتح الفنانون المغاربة بشكل متأخر على هذا المجال، وكنا دائما عندما نريد الاستشهاد بالقضية الفلسطينية نلتجئ إلى ريبيرتوارات مشرقية”، يعترف مشفق ويتابع قائلا: “لقد تمت محاصرة أغاني القضية الفلسطينية في مرحلة معينة ومنع بثها على الإذاعة أو التلفزيون، وكنا نتابع الاتجاهات الغنائية اللبنانية والفلسطينية كمجموعة صوت العروبة ونضال”. وأصدرت السهام شريطا يضم أغنية عنوانها “عار يا أمة” أثناء بدء الحصار على غزة، وتؤنب، حسب مشفق، الضمير العربي على ما يقع في غزة: “عار يا أمة عار، غزة تحت النار”.. وتناولت مجموعة “ازنزارن” الأمازيغية القضية الفلسطنية في عدد من أغانيها وقصائدها. وحضر وصف الجرائم التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي في حق الفلسطينيين في أغنية “توزالت” (الخنجر) وفق تعريب محمد ابزيكا: صهيون يا ممتشقاً الخنجر ذابحاً إيانا نكسر سيفك إن اجتمعت قوانا هذا خنجرك يثلم مذ أطلقت ذئبك على القطيع حتى ثلم الخنجر من الدم النجيع وكبلت الأسد لتسكت الزئير وأطلقت يد رعاتك تسلخ ما ذبح الذئب من القطيع، أيها الذئب يوم تسقط في الكمين لن ينجدك الكذب لن تجد مفراً من غضبنا الدرهم: فلسطين هي أم القضايا بالنسبة إلى جميع المغاربة < كيف تعرفتم في مجموعة جيل جيلالة على القضية الفلسطينية؟ - نحن من الجيل الذي فتح عينيه على القضية الفلسطينية، وقد كانت ولا تزال تشكل محور القضايا المصيرية بالنسبة إلى الأمة العربية والإسلامية، وأم القضايا بالنسبة إلى المغاربة عامة، والمثقفين والمبدعين بصفة خاصة منذ 1949. حيث تناولتها أقلام الكتاب والمبدعين من جميع الأجيال عبر كل أشكال التعبير الفني والأدبي والسياسي بدون انقطاع. إلى جانب الدعم المادي الذي دأب المغاربة على تقديمه بشتى الوسائل المتاحة. فلا تحتاج القضية الفلسطينية للتعرف عليها أكثر من أن يكون الإنسان حيا يرزق. < تحدث لنا عن مضامين الأغاني التي رددتها المجموعة حول القضية الفلسطينية.. - بصفة عامة هي مضامين تؤكد عروبة الأرض الفلسطينية وعدالة القضية، وتفضح أساليب الكيان المحتل في التقتيل والإبادة والغدر وكل أنواع الفساد الذي أبدع فيه الصهاينة. في محاولة لإيقاظ همم العرب والمسلمين لنجدة الفلسطينيين وفضح بعض الممارسات والتواطؤات عند بعض الحكام المستسلمين. < هل كانت لكم علاقات مع فرق غنائية فلسطينية ؟ - بالفعل، كانت لنا لقاءات كثيرة مع مجموعات غنائية وفنانين مسرحيين عبر الكثير من المهرجانات التي شاركت فيها المجموعة، بل كانت أغنية القدس التي غنتها المجموعة، عبر جولتها في دول الشرق الأوسط، معروفة وكانت تغنيها بعض المجموعات والأجواق الموسيقية في فلسطين. كما استقبلنا فرقا غنائية في عدة مناسبات بالمغرب. < ما الذي أضافته القضية الفلسطينية لريبيرتوار الأغنية المغربية ؟ - إن تناول القضايا الوطنية والقومية، خصوصا القضية الفلسطينية، لا ينتظر منه أن يضيف شيئا إلى الأغنية بقدر ما يراد منه إضافة للقضية نفسها. بل وجب القول ما الذي أضافته الأغنية المغربية للقضية الفلسطينية، وفي هذا الصدد لا يخفى دور الأغنية في التوعية والدفاع عن الهوية وحشد العزائم وتأكيد الحضور وما إلى ذلك...