يسود مناخ من التوتر والريبة سماء بريطانيا٬ منذ مقتل جندي ٬ الأسبوع الماضي ٬ على يدي بريطانيين اثنين من أصول افريقية اعتنقا الإسلام مؤخرا٬ ولاسيما في ظل تعالي عدة أصوات تطالب بإعادة النظر في نموذج الاندماج بالمملكة المتحدة. وشهدت بريطانيا٬ منذ هذا الحادث٬ الذي سارعت جميع الجمعيات والمنظمات الإسلامية بالمملكة المتحدة إلى إدانته٬ ارتفاعا في وتيرة الاعتداءات الجسدية واللفظية والمعنوية ضد المسلمين مع محاولة تصنيفهم جميعا ٬ وبشكل غير عادل ومنصف٬ في خانة المجموعات المتطرفة. وساهمت بعض الصحف٬ من خلال عناوينها المثيرة٬ والتحريضية أحيانا٬ في إذكاء مشاعر الكراهية ضد المسلمين٬ وذلك عبر نشر صور مرتكبي الاعتداء وأيديهم ملطخة بدماء الضحية حاملين سكاكين وسواطير ومفتخرين بما اقترفت أيديهم. وأثارت عناوين عريضة وضعتها الصحف من قبيل "لن تكونو بأمان بعد الآن" و"عودة الرعب إلى المملكة المتحدة" و"تمزيق جثة في الشارع العام بلندن"٬ في معرض تغطيتها لجريمة وولويتش٬ الانتباه إلى حجم التوتر الذي يسود البلاد أكثر من اي وقت مضى بسبب ما تواجهه من مشاكل حقيقية مرتبطة بقيم التعايش والتي شكلت طيلة سنوات عديدة عنوانا للاستثناء البريطاني. واعتبر بينوا غوميز الباحث في شؤون الأمن الدولي بالمعهد الملكي للشؤون الدولي (تشاتام هاوس)٬ أن الأمر "يتعلق بعناوين ذات حمولات قوية كفيلة بإثارة الغضب ضد المسلمين". ووعيا منه بخطورة الحادث ولاسيما تداعياته على النسيج الاجتماعي للبلاد وتماسكه٬ وبالرغم من وصفه الاعتداء بالعمل الإرهابي٬ فقد حرص رئيس الوزراء ديفيد كاميرون على الفصل بينه وبين الإسلام كدين للسلام والتسامح. وقال ديفيد كاميرون "إنه ليس اعتداء على بريطانيا ونمط العيش البريطاني٬ وإنما ايضا هو خيانة للإسلام والمسلمين الذين يقدمون الكثير لبلدنا" مشيرا إلى أنه "لاشيء في الإسلام يبرر هذا العمل المروع". كما سعى إلى تحميل المسؤولية عن ذلك إلى من سمم عقول وأذهان مرتكبي الحادث. وحرص نيك كليغ نائب رئيس الوزراء وزعيم حزب الليبراليين الديمقراطيين٬ من جانبه على التأكيد على انخراط الحكومة في عمل مشترك يجمع ممثلي الديانات التوحيدية الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية) من أجل تشكيل جبهة ضد تنامي الإرهاب الذي لم يستثن أي بلد أو طائفة. وحذر المسؤول البريطاني٬ الذي استشهد بآيات من القرآن الكريم تدعو إلى السلم وحماية النفس البشرية٬ من المحاولات الرامية إلى استغلال اعتداء وولويتش من أجل تشويه صورة الإسلام والمسلمين. واعتبر نيك كليغ أنه من المهم جدا النهوض برسالة الأمل في مواجهة الخوف٬ والوحدة في مواجهة التفرقة. وبالرغم من تنويه المحللين والمراقبين السياسيين٬ بالحكمة والرصانة التي طبعت تصريحات المسؤولين البريطانيين٬ فقد شددوا على أن تصريحات هؤلاء تظهر بوضوح أهمية الإشكال الذي تواجهه المملكة المتحدة والمتمثل في فشل نموذجها للإندماج. وتواجه سياسة الاندماج في هذا البلد الذي يمثل المسلمون نحو خمسة بالمائة من مجموع سكانه٬ انتقادات شديدة٬ ولاسيما بعد هجمات يوليوز 2005 التي استهدفت شبكة النقل العام في لندن. وتستهدف الانتقادات بشكل خاص٬ الطبقة السياسية ٬ حيث يتهم المسؤولون البريطانيون بفشلهم في وضع سياسة ناجعة للاندماج قادرة على استقبال جميع الأقليات العرقية والدينية في ظل مناخ متعدد الثقافات يحترم خصوصيات بعضه البعض. وكان ديفيد كاميرون قد اعترف في وقت سابق بفشل هذه السياسة٬ حيث دعا سنة 2010 إلى اعتماد "ليبرالية أكثر فاعلية٬ أكثر قوة" للدفاع بشكل كبير عن حق الأقليات في المساواة. وقال حينها " إن انتصارنا على التطرف٬ رهين بطينا لصفحة سياسات الماضي الفاشلة". والواقع٬ أنه من خلال النهوض بعقيدة "تعدد ثقافات الدولة"٬ والتي لقيت معارضة وانتقادات شديدة وخاصة من طرف زعماء الطائفة الإسلامية٬ فإن السلطات البريطانية عملت على تشجيع ممثلي مختلف الثقافات والأقليات على العيش بمعزل عن الآخرين في مناطق معزولة ومغلقة ٬ يصفها بعض المحللين بأنها أشبه ب"الغيتوهات". وقد اعترف رئيس الوزراء البريطاني بأن هذه الوضعية قد أدت إلى تفاقم حدة العجز على مستوى الهوية الوطنية مما نجم عنه تحول بعض الشباب المسلم٬ الذين ولدوا وتعلموا في بريطانيا٬ نحو الإيديولوجيات المتطرفة. ومن جهة أخرى٬ فإن جريمة "وولويتش" قد ساهمت في زيادة حجم ووتيرة الضغوطات على ديفيد كاميرون الذي يعاني أصلا من مشاكل عديدة بسبب الارتفاع المتنامي في قوة وشعبية اليمين المتطرف ممثلا في حزب استقلال المملكة المتحدة(يمين متشدد معادي للهجرة). وإذا كان نايجل فاراغ زعيم الحزب ٬ الذي ما فتئت شعبيته تتزايد بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية٬ قد أبان عن كثير من الرصانة من خلال تأكيده على أن الاعتداء مجرد حادث معزول داعيا جميع مكونات المجتمع إلى التهدئة وضبط النفس٬ فإن أنصاره نظموا حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى إقصاء واستئصال المسلمين. وكان أعضاء من جماعة رابطة الدفاع الانجليزية (مجموعة يمينية متشددة)٬ قد نظموا مسيرات رفعوا خلالها شعارات مناهضة للمسلمين متهمين الحكومة ب"توفير الحماية" لهذه الطائفة. وحذرت حركة (تيل ماما) ٬ وهي منظمة معنية بقياس ورصد الهجمات المناهضة للمسلمين في بريطانيا٬ من تنامي وتيرة الاعتداءات التي تستهدف هذه الطائفة وذلك كنوع من رد الفعل على هجوم وولويتش. ووثقت الحركة أكثر من أربعين تقريرا عن هجمات استهدفت المسلمين في مواقع اجتماعية أو في الشارع٬ مشيرة في هذا السياق إلى تسجيل حالات عنف وتهديدات بالقتل واعتداءات على مساجد. وقال فياض موغال٬ مدير مؤسسة الدراسات والأبحاث (فيث ماترز) ٬ والذي يتولى قيادة حركة (تيل ماما) في هذا السياق "نعتقد أننا قد نشهد ارتفاعا في هذه الهجمات خلال الايام القادمة". ❊ و.م.ع