خلال ندوة صحافية أقيمت بمدريد قدّم سلمان رشدي أثناءها كتابه الأخير "جوزيف أنطون" الذي جاء على شكل مذكّرات مرويّة من وراء قناع مستعارعن السّنوات الإثنتي عشرة العجاف التي قضاّها هذا المارق، هاربا، فارّا، ومتخفّيا ، ذليلا ، زعم أنّ كلّ ماجاء في هذا المؤلّف هو واقعي، وأنّ الإسم المستعار الذي وضعه عنوانا له هو حقيقي كذلك، إذ هو الإسم الذي إستعمله خلال تسع سنوات وهو يرمز به إلى إسمي "جوزيف كونراد" و" أنطون تشيخوف". وأنّ الجانب الظاهر من قصّته قد تعرّضت له الصّحف والجرائد إلاّ أنه لا أحد يعرف الجانب الشخصي لهذه القصّة- حسب إدّعائه- ، أي كيف أمكنه أن يعيش هذه المرحلة الصّعبة من عمره..؟ يزعم رشدي أنّ الكتاب ينطلق من معايشاته الحميمية،إنه يحكي فيه عن صحّته، وحياته، وعلاقته بأسرته ،ثم ينتقل فيما بعد إلى فضاء سردي أوسع عندما تطلب منه وزارة الخارجية البريطانية تقديم إعتذار عمّا يسمّى ب "آيات شيطانية "، وتبلغه الشرطة أنّه الّرجل الأكثر تعرّضا للخطر في البلاد بعد الملكة. الكاتب الإسباني " طوماسّو كوش'' يشير إنه بعد الحكم على رشدي بالإعدام من طرف الخميني تغيّرت حياته رأسا على عقب ،وهي نقطة إنطلاق كتابه الذي يحكي فيه كابوس حياته في المملكة المتّحدة، حيث كان يعيش تحت عيون حراسة مشدّدة، ومتنقلا من منزل إلى آخر. لقد عانى العديد من المشاكل مع إسم "جوزيف أنطون"، وإنتظر كثيرا حتى يكتب هذا الكتاب، إذ تفادى أن يتمّ ذلك في وقت كانت فيه الإنفعالات لمّا تزل في أوجها وقمّة غليانها . سيف ديموقليس يحكي الكتاب مأساة سيف ديموقليس العائدة لرشدي ،إنّه يتذكّربعض الفصول الأكثر سوريالية لتلك السنوات التسع بعد محاولة فاشلة لإغتياله، كما يتطرّق للتهديدات التي تلقتها دارالنشر "بينغوين" عندما نشرت كتابه المأسوف عليه "آيات شيطانية". وقال إنّ مدير هذه الدارأطلق عليه في البداية لأسباب أمنية عنوانا غريبا ومتداخلا من أسماء بعض الطيورالقطبية والحمام والزقزاق المذهّب. يشير الكاتب الإسباني "أنّ رشدي عندما بدأ الكتابة لم يتمالك نفسه، ولم يتردّد من إستعمال ضمير الغائب ، فالإنسان في منظوره يمكنه أن يكون منتقدا لذاته حتى ولو إستعمل صيغة الغائب (هو) بدلا من أن يستعمل صيغة المتكلم (أنا). فالشخصية التي تقمّصت دوره أو سكنته عمرها ربع قرن وهي حديثة العهد بإستشعار العاصفة الهوجاء التي كانت تعصف به. إدّعى رشدي أنّ هذا المؤلّف هوآخر كتاب يتحدّث فيه عن نفسه، فهو لا تروقه السّير الذاتية، كما زعم أنه بشكل مباغت أصبحت حياته ذات أهمية ، وهو يومئ بذلك إلى ملايين الدولارات التي قد تعود لمن يقتله ،وبسبب هذا التهديد فقد هلك كثيرون، منهم مترجمه الياباني الذي تمّ إغتياله، ومترجمه الإيطالي الذي تعرض لضرب مبرح،وناشره النرويجي الذي إستقرّت في جسده ثلاث رصاصات. الإسلام والغرب يقول رشدي: إنّه رأى مؤخّرا بعض الفيديوهات الركيكة حول الإسلام التي أفضت كذلك إلى القتل والهجوم على سفارات الولاياتالمتحدةالامريكية في عشرين بلدا. و- في محاولة منه على ما يبدو - لمحو عقدة الذنب التي يشعر بها التي تؤرق حياته، أو إستذرارا لعطف المسلمين الذي تطاول على دينهم الحنيف بدون وجه حقّ إنتقد رشدي الفيلم المسيء للإسلام ، وقال: "إن الفيديو الذي كان قد قدّم في " يوتوب " سيّئ للغاية ورديء، فهو يتضمّن العديد من الأشياء التي من شأنها أن تجعل أيّا كان يشعر أنّ السبّاب موجّه إليه، وأنّ القيام بمثل هذا هو أمر خاطئ وسخيف". كما زعم: " أنّ العالم الإسلامي يبدو وكأنّه أصبح مقتنعا بأن هناك مؤامرة تحاك ضدّه من طرف قادة الغرب لتدميره، وهو يرى هذا الغرب وكأنّه عدوّ له. و زعم رشدي أنّ قضيته قد أصبحت تنتمي للماضي، وهو الآن لم يعد قلقا كما كان عليه من قبل". جحيم رشدي ونوجز فيما يلي فى نفس السياق إستجوابا أجراه معه الصّحافي الإسباني "أنطونيو أستورغا " نشرته مؤخّرا جريدة (أ. ب. ث) الإسبانية ،وهو إستجواب لم يخل من المبالغات،والترّهات، والمزاعم، والأباطيل ، والتهويل،من طرف رشدي، جاء فيه : - هل تشعر أنك تعيش حياة عادية ،كيف عوملت خلال 11 سنة في ملجئك تحت حماية الإسكوتلانديار..؟ .ج: كان هناك حارس خاص، وسائق مغضوب عليه طرد من سلك الشرطة بتهمة الإختلاس. وكانت علاقتي بالشرطة حسنة جدا. - كيف كانت علاقتك مع ضبّاط الشرطة..؟ . ج: كانوا يرونني كعنصر مزعج، وكانوا يقولون إنّ جميع الأشخاص الذين تولّوا حراستهم من قبل قدّموا خدمات للدّولة الأمر الذي لا ينطبق عليّ. - ألا تشعر بالمرارة، ما هي المشاعر السلبية الناتجة عن كتابتك "جوزيف انطون"..؟. ج : كثيرون أرادوا قتلي ولم يمسكوا بأحد ممّن كانوا يهدّدونني، كان الناس يقولون إنّهم لو ظفروا بي لقتلوني، إنهم يقولون ذلك في كلّ مكان في المساجد أيام الجمع، وخلال مظاهرات رفعت فيها لافتات نظمت ضدّي، لو كان هذا قد حدث ضدّ ملكة إنكلترا (كذا) لألقي القبض على هؤلاء واقتيدوا إلى المحاكم، كنت أشعر بنوع من الغيظ ،ولكنّني اليوم أوثر حياة هادئة. - كيف ترى التطرّف الإسلامي اليوم ..؟ . ج: التطرّف الإسلامي الحالي يمكن مقارنته بالكاثوليكية المتطرّفة التي كانت منذ مائتين أو ثلاثمائة سنة، قد تكون هناك صلة لذلك بمحاكم التفتيش الإسبانية. - هل أراد أصدقاؤك حقا تكوين خاتم من حديد حولك للدّفاع عنك بعد تهديدك بالقتل..؟. ج: إذا حلّلنا التاريخ لوجدنا أنّ الكتب التي توبعت لم تكن دفاعا عن الحرية فى حدّ ذاتها ، بقدر ما كانت دفاعا عن نصوص تلك الحريّة. - وماذا عن تشيخوف وكونراد..؟. ج:عندما وضعت هذا الكتاب كنت من جهة جوزيف (كونراد) ، ومن جهة أخرى كنت أنطون (تشيخوف). ككاتب أنا لا أشبه أحدا منهما، أنا معجب بهما، إلاّ أنني لست مثلهما، لقد أصبحت حياتي تشبه كتبهما، إنني أبدو كما لو كنت خرجت من أعمال العملاء السريّين ل (كونراد) والأخوات الثلاث ل (تشيخوف)، هذان العالمان المتباينان قد إنصهرا فيما بينهما وتفتّق عنهما هذا العالم الذي أصبحت أعيش فيه اليوم. - ما تحكيه هو نوع من جحيم الظّلمات،هل عشت ذلك حقا ..؟.ج: لقد عشت 11 سنة في جحيم من الظلمات الذي أنقذني منها كوني "كاتبا " لأنّ الكتّاب معتادون على العزلة، معتادون على الجلوس طويلا، ولهذا فقد أمكنني كتابة 6 كتب خلال هذه المدّة. العيش وسط الكابوس جاء فى هذا الإستجواب كذلك: - هل كرهت" آيات شيطانية " ؟. ج : لا بل إنّني فخور بهذا المؤلّف، فلو قرأ الناس الكتاب بحياد، فإنّه لا يبدو كتابا ينتقد الإسلام (وهنا يتناقض رشدي حيث يقول من جهة إنّ الكتاب لا يتعرّض للإسلام، ثم يعود فيقول إنّ الجزء الذي يتعرّض للإسلام ليس فيه إيذاء ولا ضرر). - لماذا إذن يكره المسلمون كتابك هذا ..؟ . ج : إنهم لم يقرأوه، أو ربّما أساؤوا فهمه. - تقول في كتابك إنّ والديك لم يلقّناك التديّن، و لم يعيراك أيّ إهتمام بالدّين..؟ .ج: أجل وهذا ما أفعله مع نفسي ونقلت ذلك إلى أولادي كذلك ، بل إنّهم أكثر نأيا منّي عن الدّين. - كيف كانت حياتك منذ أن حكم الخميني عليك..؟.ج : كانت مصيبة عظمى، ولقد أّثّر ذلك علي مسار حياتي اليومية، وعلى طريقة ونمط تربية أولادي، هكذا عشت وسط هذا الكابوس في حالة من الإستثناء . - خلال هذه المدّة ربحت صداقات وكسبت أخرى..؟ .ج: لقد إنتقدتني صحافة الإثارة، ولكنّ كثيرا من الكتّاب تعاطفوا معي حتى في العالم الإسلامي . - إبتداء من الآن هل ولد رشدي من جديد..؟ . ج : إبتداء من الآن أصبح لديّ حياة عادية .