يعد كتاب "آيات شيطانية" لصاحبه سلمان رشدي ذي الأصول الهندية من أكثر الكتب إثارة للجدل في العصر الحديث، وأكثرها صخباً..، فبالرغم من أن الكتاب لا قيمة أدبية له وأن صاحبه لا كفاءة إبداعية له، إلا أنه أثار ضجة عالمية كبيرة، تفجرت في الدول الغربية عقب فتوى الإمام الخميني (التي أوجبت هدر دم الكاتب باعتباره "مرتداً" عن الدين، وعليه يسري عليه حكم "المرتد" في الشريعة الإسلاميّة بإجماع فقهاء الإسلام، وهو "القتل". هذه الفتوى كانت كافية لأن تصطف كل الأصوات الغربية في سياق دفاعها عن ما أسمته حينها ب"حرية الرأي والتعبير"، بل بادرت المجموعة الأوروبية إلى سحب سفرائها من طهران، احتجاجاً على ما أعلنه الإمام آية الله الخميني بإهدار دم الكاتب "المرتد حسب الفتوى الإيرانية". ومن بين ما جاء في نص فتوى الإمام الخميني جاء فيها: "إنني أبلغ جميع المسلمين في العالم بأن مؤلف الكتاب المعنون "الآيات الشيطانية" الذي ألف وطبع ونشر ضد الإسلام والنبي والقرآن، وكذلك ناشري الكتاب الواعين بمحتوياته قد حكموا بالموت، وعلى جميع المسلمين تنفيذ ذلك أينما وجدوهم؛ كي لا يجرؤ أحد بعد ذلك على إهانة الإسلام، ومن يقتل في هذا الطريق فهو شهيد". ولقد كانت هذه الفتوى بمثابة زلزال سياسي، إذ اعتبرتها الخارجية البريطانية على لسان "جيفري هاو" في (16/2/1989م)، بأنها تدخل في الشؤون الداخلية لبريطانيا. وعمت ردود الفعل في العالم كله بعد صدور هذه الفتوى، ورافقتها ضجة إعلامية استحوذت على الدوائر السياسية، وحشد لها القرار السياسي للدول الغربية كلّ أجهزته الدعائية والمخابراتية..، وارتفعت الأصوات في كل بقعة من بقاع العالم بين مؤيدة أو منددة أو متحفظة... بحيث لم تبق مؤسسة أو صحيفة أو جمعية أو حاكم دولة أو اتحاد إلاّ وقال قولته في الفتوى أو في كتاب الأزمة، فضلاً عن المظاهرات والمسيرات، والاشتباكات التي عمت العالم كله وسقط فيها العشرات من القتلى والجرحى!. شكلت رواية "آيات شيطانية" فتيلا لصدام الثقافات، بتأييد الموقف الغربية لحرية الإبداع والتعبير، بينما رأى في جزء من العالم الإسلامي أن الموقف الغربي يراد به التفاف على جرم الكاتب الذي لم يحترم مشاعر مليار مسلم بالتغطية على جريمة الكاتب النكراء في حق حضارة إنسانية، أعادت إلى الأذهان الهجمة الصليبية على الإسلام، وفكرة الصراع الحضاري،وأن الغرب أيد تأييدا مطلقا لتهجم سلمان رشدي على الإسلام ورسوله تحت يافطة "حرية التعبير"، التي تحاول عدد من التيارات اليمينية إلى إحياء الصراع مع الشرق الإسلامي. وفي هذا السياق يرد قول الدكتور إدوارد سعيد: "فلا يمكن القول عن أي دين أو تجمعات ثقافية أنها تمثل تهديداً حقيقياً للحضارة الغربية بمثل التوكيد الشديد نفسه الذي يعتمد الآن عند الحديث عن الإسلام. وليس من قبيل الصدفة أن الاضطرابات التي تحدث الآن في العالم الإسلامي، والتي تتصل بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية أكثر مما تتصل اتصالاً أحادياً بالإسلام قد عرت الحدود الضيقة الاستشراقية الساذجة المتعلقة بالإسلاميين القدريين دون أن تولد بديلاً يحل محلها في الوقت نفسه..."؟ ولم تكن حلقة كتاب "آيات شيطانية" لسلمان رشدي سوى أنموذجا من نماذج الإساءة إلى الإسلام وتشويه قيمه ومقدساته..، في سياق حاجة ما يروج له ب"النظام العالمي الجديد". إن ما أنتجه سلمان رشدي من تشويه مقصود وإساءة متعسفة في حق الإسلام والرسول شبيه بتلك القصص التي نسجت عن "ريتشارد قلب الأسد" والتي نظمت على شكل قصائد وملحمة أو "منظومة" تحكي جميع أحداث الحملة الصليبية الثالثة، وتفتعل بأسلوب شعري الكثير من القصص والحكايات التي تسيء للمسلمين، وتجحف بحقهم. وتواصلت تلك الحملة شبه الأدبية مع أبرز الكتاب والأدباء المشهورين في فترة (1694- 1778م) "فولتير" الذي هاجم النبي ووصفه في مسرحيته "محمّد" بأنه رجل فض ووحشي، وعديم الضمير، ومجرد من المبادئ الأخلاقية، وأنه دجال وأفاك ومحتال. واستمر هذا الحقد بتهجم الأديب الفرنسي هيجو (1802 - 1885م) الذي تناول حياة المسلمين والعرب بالتعريض، واتهمهم بالوهن والخمول والهمجية والتخلف، وسار على شاكلة الكاتب الألماني "جوته" (1749- 1832م) الذي اتهم الإسلام بالرهبانية والتصوف المريض. ولم يكن هجوم لويس عوض أقل حدة حين تطاول على أحد رموز الإصلاح الديني السيد جمال الدين الأفغاني واتهمه بالجاسوسية والغموض والتقية. في أكثر من (547) صفحة أطلق الكاتب أبشع أنواع القدح والتجريح والهزء بالإسلام ومقدساته وبرسوله، حتى أن الذين كانوا يناصرونه اعترفوا بجرمه في حق المسلمين. ذلك أن رشدي لم يترك رمزاً من رموز الإسلام إلاّ سبه وهتك حرمته بأبذأ الألفاظ، من النبي -صلى الله عليه وآله-، إلى القرآن، إلى الملائكة، إلى زوجات الرسول وصحابته، كل باسمه؛ فأشار إلى النبي -صلى الله عليه وآله- بكلمة "ماهوند"، ومعناها: الشرير، أو النبي المزيف، وهو في الكتاب مصاب بالصرع والهلوسة، ولا يتورع عن فعل أي شيءٍ يحقق به غرضه... ولم تكن رواية "آيات شيطانية" عملا إبداعيا ولا بحثاً فكرياً، ولا دراسة علمية، ولا اجتهاداً دينياً يستحق التقييم والنقد والمراجعة، بل بقدر ما هو شتائم وسباب أطلقها سلمان رشدي على عواهنها في حق النبي محمد صلى الله عليه وسلم وفي حق الدين الإسلامي وصحابته، سباب يخرج عن كلّ الضوابط الأخلاقية والأدبية... ولم تكن "آيات شيطانية" سوى صيغة لأسلوب روائي لهلوسات فعلتها شخصيات جبريل فريشتا وصلاح الدين شمشا ويهوندا...، رواية قصصية، لا تنضبط لإطار فني واضح، وإنّما هي: هلوسة عقلية وتاريخية، تبدأ بتخيل طائرة تنفجر بفعل إرهابي فوق الجزر البريطانية، فيموت ركابها وينجو اثنان أحدهما: "جبريل" رمز للخير، والآخر الشيطان رمز للشر. سباب طال زوجات النبي -صلى الله عليه وآله- أيضا توزعت أسماؤهن على عاهرات وكر للدعارة...، وإن جبريل مخلوق بذيء تجري على لسانه شتائم الآخرين، وإنهم جميعاً أولاد....