تصرف غير مسؤول إجهاض دعوى ضد البوليساريو ودعم أخرى لفائدتها في الوقت الذي ظلت فيه جبهة البوليساريو تعمل جاهدة على تجميع الشروط المواتية لربح الدعوى التي حركتها ضد مسؤولين عسكريين وأمنيين مغاربة كبار ووازنين لاحتلالهم مواقع حساسة على امتداد سنوات، كشفت جهات عليمة أن جهات مغربية عملت على إجهاض دعوى قدّمها صحراويون ضد قادة جبهة البوليساريو بسبب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان لحقتهم بمخيمات لحمادة (بتندوف)، وهو أمر بدا مستعصي الفهم لا يقبل به عقل سليم، ونعته البعض بالتصرف غير المسؤول. "" لقد سقط خبر تشويه سمعة مقدمي الشكاية والترويج لها لكونهم تلقوا أموال من القصر ومحاولة تضييق الخناق عليهم لثنيهم عن الاستمرار في الدعوى، في وقت عرفت قضية الصحراء حضورا ملحوظا بباريس غير بعيد عن مدريد، تألق فيه المدافعون على الأطروحات الانفصالية، في حين اكتفى القائمون على دبلوماسيتنا بتنظيم وقفات محتشمة لم يكد صداها يسمع ولم يلتفت لها أحد بالداخل ولا بالخارج. هم يتحركون ونحن في سبات نتفرج في الوقت الذي تدخلت فيه جهات لإجهاض دعوى جارية ضد البوليساريو بالمحكمة الإسبانية، شكلت شهادة خليهن ولد الرشيد، الرئيس الحالي للكوركاس، أمام هيأة الإنصاف والمصالحة قرينة إضافية تخدم في الصميم دعوى البوليساريو ضد المسؤولين المغاربة، والتي قدمها صحراويون موالون للبوليساريو ضد النظام المغربي ومجموعة من رجالاته الوازنين، عسكريين ومدنيين، علما أن خليهن ولد الرشيد في شهادته – التي كان من المفروض أن تظل سرية – تحدث بوضوح وبشيء من التفصيل عن ارتكاب عسكريين مغاربة لفظاعات وجرائم حرب ضد سكان المناطق الصحراوية ووصف بالتفصيل "الممل" بعضها. بمجرد نشرها انقض القاضي الإسباني، غارسون بالتزار، على ما ورد في تصريحات رئيس الكوركاس، واعتبرها بمثابة حجة وقرينة قوية تدعم صك اتهامه لأكثر من مسؤول عسكري وأمني مغربي. وبمجرد أن وضع محامو جبهة البوليساريو يدهم على نص الشهادة أضافوها إلى ملف النازلة كشهادة لأحد العالمين بالأمور من عقر دار المغرب، علاوة على احتلال صاحبها موقعا وازنا. ألهذا حوكمت "الجريدة الأولى"؟ ربما، اعتبارا لخطورة ما جاء في بعض الشهادات، فضلت هيأة الإنصاف والمصالحة، وبضغط من جهات عليا، على الإقرار المسبق بجعل شهادات بعض المسؤولين الكبار سرية ولم تعمل على نشرها كما فعلت بباقي الشهادات، وذلك لأنها تحرج أصحابها أولا، وتحرج ثانيا شخصيات وازنة أخرى مازال النظام يحتفظ بها، إلى حد الآن، في مواقع حساسة جدا، وهذا ما وقع لحسني بنسليمان وحميدو لعنيكري في مجرى التحقيق الذي يقوم به القاضي الإسباني، بالتزار. ولربما كان هذا من بين الأسباب التي تبين متابعة "الجريدة الأولى"، لتوقيف نشرها للشهادات التي أرادت هيأة الإنصاف والمصالحة التستر عليها وحرص أحمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، على السير على نفس الدرب بخصوصها. الدعوى ضد البوليساريو تم رفع دعوى قضائية ضد قيادة البوليساريو لدى المحكمة الوطنية الإسبانية بخصوص تهم تتعلق بالتعذيب والإبادة الجماعية لعدد من الناشطين الصحراويين داخل مخيمات تندوف. وقد قام بذلك مجموعة من الصحراويين ضحيا التعذيب والاعتقال التعسفي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مخيمات تندوف، متهمين قادة البوليساريو وبعض كبار القيادات الجزائرية، وفعلا نصبت الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان نفسها كطرف مدني لدى المحكمة الإسبانية ذات الاختصاص، سيما وأن أغلب الضحايا يحملون جنسية مزدوجة، مغربية وإسبانية، وطالبت متابعة كل من إبراهيم غالي وسيدي أحمد بطل وبشير مصطفى سيد وخليل سيدي محمد ومحمد خداد (المنسق الحالي للمينورسو والمدير السابق للأمن العسكري) ومحفوط بيبا وآخرين بتهمة جرائم حرب والاختفاء القسري والتعذيب، وعدد من الضباط السامين في الجيش الجزائري بتهمة التواطؤ والتستر على تلك الجرائم والانتهاكات المرتكبة فوق التراب الجزائري. وقبل تقديم الدعوى سبق للجمعية الصحراوية لحقوق الإنسان – عندما تبين لها أن القاضي الإسباني تحكمه ضغوط سياسية – أن نبهته إلى ضرورة البحث عن انتهاكات حقوق الإنسان بمخيمات تندوف وكذلك التساؤل بخصوص عناصر جبهة البوليساريو المتواجدين آنذاك (2007) بالديار الإسبانية، والذين اقترفوا جرائم حرب، وصاروا مسؤولين عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. هذا ما فعلناه نحن، فماذا فعلوا هم؟ الدعوى ضد المغرب أولا، حالما أودعت شكاية ضد بعض قاداتها قامت جبهة البوليساريو بتنقيلهم من إسبانيا، إذ عينت ممثلها لدى مدريد، إبراهيم غالي، سفيرا لها بالعاصمة الجزائرية، وكان على رأس قائمة المتهمين، وكذلك الأمر بالنسبة لمحفوظ علي بيبا وسيدي أحمد بطل والطالب حيضار (منسق الأركان العسكرية ومدير سجن الرشيد) والشاعة محمد، ممثلها السابق بلاس بالماس والذي نقل إلى أنغولا، وكل هذا مخافة متابعة محتملة من طرف القضاء الإسباني على خلفية شكاية الضحايا. أما بخصوص الشكاية ضد المغرب، فقد سبق لنشطاء في جبهة البوليساريو تقديم شكاية لدى المحكمة الوطنية العليا في مدريد ضد 32 مسؤول مغربي كبير، ثم خفض العدد إلى ثلاثة عشر (13)، اتهموهم بالتورط في عمليات اعتقال واختطاف صحراويين في الفترة ما بين 1976 و1987، وتكلف القاضي غارسون بالتزار بالقيام بالتحقيق في النازلة، وقد نصبت جمعية عائلات المفقودين في الصحراء نفسها كطرف مدني. ومنذ ربيع 2007 طالبت النيابة الإسبانية القاضي المذكور بالشروع في التحقيق في النازلة، وذلك بعد أن صرح النائب العام، بيدرو روبيرا، بأن الشكاية التي أودعها موطنون إسبان (الضحايا كانوا يحملون الجنسية الإسبانية وقت وقوع الجرائم في حقهم)، اتهمت عدة شخصيات مغربية، منهم إدريس البصري وحميدو لعنيكري والجنرال القادري والجنرال بناني وحسني بنسليمان وبنهيمة وعبد الحفيظ بنهاشم والكولونيل الحمداوي وآخرين. وماذا بعد؟ في الوقت الذي تقوم به جبهة البوليساريو بتعبئة كل طاقاتها لإحراج المغرب والقائمين عليه، يتم التشويش على الدعوى المقدمة ضدها من طرف جهات مغربية. وفي اللحظة التي كانت فيها هذه الجهات تحاول النيل من سمعة مقدمي الدعوى المذكورة، كانت عناصر البوليساريو تعمل أكثر للمزيد من إحراج بلادنا في مجال حقوق الإنسان، وذلك باستغلال تنظيم أنشطة حقوقية بباريس شارك فيها برلمانيون أوروبيون حول قضية تصفية الاستعمار، وتفعيل الدعاية لشخصيات حقوقية فرنسية وأوروبية مساندة للأطروحة الإنفصالية، مثل "كلود مونغان – أسفاري"، ضمن اللجنة من أجل احترام حريات وحقوق الإنسان في الصحراء، وكذلك تعيين محامين أجانب للدفاع عن الصحراويين المعتقلين بالسجون المغربية، إذ تنقل إلى المغرب، بهذا الخصوص، محاميان منتدبان من الجمعية الدولية للمحامين الديمقراطيين والجمعية الأمريكية للمحامين وجمعية "حق – تضامن"، هذا إضافة إلى "أندراس مارين" و"جوزي ألفريدو بيريرا"، وهما محاميان إسبانيان، يأتيان بانتظام إلى بلادنا لمتابعة محاكمات المغاربة المنحدرين من الصحراء. كما استغلت جبهة البوليساريو عرض الكاتب الصحفي الأمريكي "جون لامور" حول قضية الصحراء أمام نواب حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" للدعاية لأطروحاتهم. في حين اكتفينا نحن بتعبئة عشرات من الأشخاص عبر جمعيات صغيرة غير ذات تأثير ووزن كبيرين، للتجمهر دقائق معدودات أمام بعض المؤسسات وانتهى الأمر. ويستمر سباتنا في وقت انتبهت فيه جبهة البوليساريو إلى ضعف اهتمام الفرنسيين بأطروحاتها، فخططت لتغيير الوضع عبر التكثيف من تنظيم الندوات والتظاهرات والمظاهرات والوقفات أمام المؤسسات الرسمية ونشر الكثير من البيانات المنددة والمناهضة لانتهاكات حقوق الإنسان بالأقاليم الصحراوية، كما عملت على الانقضاض على أي حدث يقع بالمغرب قد يساهم، بشكل أو بآخر، في خدمتها، وفي هذا المنطلق تعاملت مع أحداث جامعة مراكش وسيدي إفني وإمطار الهراوات على المعطلات والمعطلين، وقامت كذلك بتوأمة مدن فرنسية بأماكن صحراوية للتمكن من تنظيم زيارات متبادلة تلفها بإشعاع إعلامي كبير. فأين المغرب من كل هذه الأنشطة المكثفة، وما هذا سوى جزء منها وليس كلها؟ عبد الرحمان مكاوي /أستاذ العلاقات الدولية وخبير في الشؤون العسكرية والأمنية حل يضع حدا للسيف الذي رفعه علينا القاضي بالتزار غارسون سألنا عبد الرحمان مكاوي حول استغلال الإشكالية الحقوقية في تدبير ملف الصحراء الذي عمر طويلا ورهن مستقبل بلدان وشعوب منطقة المغرب العربي أكثر من ثلاثة عقود خلت، ومن موقع التعالي عن المزايدات والمزايدات المضادة التي ظلت تطبع التعاطي لهدا الشق من مشكل الصحراء، جاء رده كالتالي: النزاهة العلمية تفرض على الجميع الموضوعية الكاملة في تحليل هذا الإشكال القانوني والتاريخي والسياسي والعسكري والأمني، فقبل أن نعرف لماذا لم يتخذ المغرب مبادرة لإثارة موضوع خرق حقوق الإنسان من طرف البوليساريو في تندوف خلال الفترة الممتدة من 1976 إلى 1991، تاريخ وقف إطلاق النار بين المتحاربين، ينبغي أن نشير إلى تجارب بعض الشعوب التي عرفت نزاعات مماثلة كالانفصال، والمصنفة حاليا بالديمقراطية النموذجية كبريطانيا وفرنسا وايطاليا... فبريطانيا لم تصل إلى ما وصلت إليه من تحقيق دولة الحق والقانون، إلا بعد تفعيل آليات الاعتذار والمصالحة والوئام بين كل الأطراف المتنازعة، فبعدما عرفت حربا أهلية وانقسامات دامت مائة سنة سميت ب "حرب الوردتين"، مرحلة انتقل فيها بعض المتخاصمين من جهة إلى جهة أخرى ، فتم اعتبارهم خونة من طرف الجهة التي هربوا منها ومواطنين صالحين من طرف الجهة التي استقبلتهم وعفت عما اقترفوه من جرائم أثناء الحرب، حدث هذا في الولاياتالمتحدة خلال الحرب الأهلية، وعرفته فرنسا أثناء الثورة، وحتى بعض الدول الشرقية مؤخرا كروسيا وألمانيا : إنه منطق الحرب الذي يخضع لضوابط سياسية وعسكرية وليس إلى قواعد قانونية، طبقا للمقولة الشهيرة "لا توجد صداقة دائمة ولا عداوة أبدية". بناءا على هذا، فالمغرب الذي يمر بمرحلة انتقالية صعبة، تتمثل في عملية تحول الدولة المخزينة العتيقة إلى الدولة العصرية الحديثة، عملية عسيرة وصعبة بايجابياتها وسلبياتها، وقد عرفتها كل الشعوب الديمقراطية، طويت خلالها العديد من الملفات الحقوقية الشائكة، فتم الاعتراف رسميا بهذه الخروقات وعلى أعلى المستويات، كما تم تعويض كافة المتضررين من كل التجاوزات السابقة. لقد اعتبرت هذه التجربة رائدة في مجال المصالحة وإنصاف الضحايا. فقادة البوليساريو السابقين مثلا، الذين عادوا إلى وطنهم في إطار قانوني وسياسي، سمي بإطار "الوطن غفور رحيم"، استفادوا من إجراءات التحول الديمقراطي، وهذا يعني أن الدولة المغربية، غفرت لهؤلاء المسؤولين أخطاءهم وتجاوزاتهم المرتكبة في مخيمات تندوف، وهذه السابقة تبقى صالحة وقابلة للتطبيق على الباقين من مسؤولي البوليساريو حتى عبد العزيز الركيبي، فالمغرب بما له من نفوذ وسلطان ومصداقية، وانطلاقا من قرار سيادي، التزم بحماية العائدين والعفو عنهم من كل ما اقترفوه من جرائم ضد الإنسانية كالتعذيب وما شابه ذلك (la raison d’Etat)، فهروب هؤلاء المسؤولين ورجوعهم إلى بلدهم الأصلي تم أثناء الحرب . هذا السلوك المسؤول كان بالنسبة إليهم عملية خطيرة ومغامرة شخصية قد تؤدي إلى الإعدام المؤكد، فهذا الالتحاق الطوعي بالوطن الأصلي هو تضحية كبيرة قد تشفع للمعنيين بالأمر عن عدم المساءلة القانونية. إن جرائم الحرب كما هو ثابت في معاهدة جنيف لا تسقط بالتقادم، ولكن يمكن للشعوب تجاوز هذه القواعد (ليست في كتاب مقدس) من خلال حلول وطنية توافقية بين طرفي النزاع (المغرب والبوليساريو) .في هذا الإطار، وحتى يبقى الحل وطنيا وأخويا وضمانا للمستقبل، يمكن إحداث لجنة قضائية أو سياسية مشتركة بين المغرب والبوليساريو ينبغي تقنينها في إطار مشروع الحكم الذاتي، واعتبارها ضمانة لكل الأطراف المعنية بالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، حيث يتم من خلال هذا القانون المتفق عليه الاعتذار للضحايا وتعويضهم في عمليات متبادلة ومتزامنة. إن احترام كرامة الطرفين هو حل من شأنه أن يقبل به الجميع، حل يضع حدا للسيف الذي رفعه علينا القاضي بالتزار غارسون الذي يحاول من جهته، استغلال هذا النزاع بين أبناء الشعب الواحد وابتزاز الجميع لتحقيق أهداف سياسية لإسبانيا، إنها عرقلة للمسار الديمقراطي ولمشروع الحكم الذاتي اللذان هما في مرحلة الإقلاع والاقتناع المتبادلين. فعوض هذا الملف، ننصح القاضي الإسباني الاهتمام بالجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بلده في الريف وفي سيدي إفني وضحايا الحرب الأهلية الإسبانية وضحايا العنصرية في سبتة ومليلية والجزر الجعفرية ومناطق أخرى من العالم، وان يهتم كذلك بجرائم استغلال الأطفال المغاربة في شبه الجزيرة الإيبيرية. إن عدم إثارة المغرب لموضوع خرق حقوق الإنسان في تندوف هو إجراء عقلاني في نظري، يبقي الباب مفتوحا بخصوص العودة المضمونة والكريمة لقادة البوليساريو الذين لازالوا يترددون في اتخاذ القرار الشجاع، في إطار سلم الشجعان، وهذا اكبر ضمان يؤكده المغرب لأبنائه، الذين اختاروا مسارا آخر باقتناع أو غير اقتناع. فالقلب مازال مفتوحا والصراع سوف ينتهي إن عاجلا أو آجلا.