لقد صار للإعلام في مجتمعاتنا المعاصرة حضور متزايد في حياتنا اليومية. فمنذ حوالي قرن التحق المذياع و التلفاز ثم الأنترنيت بالصحافة المكتوبة، لجعل الفرد قريبا من المعلومة. فأصبحت المجتمعات عبارة عن قرى صغيرة، لا تملك ضبط خبر يهُمها، بل لا تفتأ تعلم ما يقع فيها حتى يشيع خبرها عند كل الآخرين. فمنذ عقود و العلاقة بين أهل السياسة و الإعلام تتأرجح بين العلاقة العاطفية وتلك المثيرة للنفور و الإشمئزاز. السياسية، لغاية في نفسها، جعلت من الإعلام سلطة رابعة، و لكنها تكون أحيانا أول من يواجهها...والإعلامي لا يتوانى من اشهار سيف سلطته على السياسي وهو يعلم أنه لا سلطة له ... خصوصا إذا تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة له ... و لو ظاهريا. فلابد للسياسي من إيصال موقفه صوتا أو كتابة، و ما قد يرافقهما في الوقت الراهن من إمكانات تواصلية يتقنها الإعلاميون ... و لا بد للإعلامي من القيام بمهامه الإعلامية، ومن الأفضل قريبا من مصدر القرار... كل واحد منهما يحاول مرة التقرب من الآخر، و يحاول أخرى استعماله، فمرة يتقوى به، وأخرى يحاربه، ... فهي علاقة جدلية يصعب تحديد معالمها بسبب غياب المعايير العلمية والمنطقية التي قد تحكمها. كما أنه من الصعب أن نتصور حجم وتعقيد العلاقات بين السياسي والإعلامي هذه العلاقات تؤدي إلى طرح بعض الأسئلة: من الذي يعتمد على الآخر، السياسي أم الإعلامي؟ من الذي يؤثر على الآخر؟ و الأهم من ذلك، من الذي يستفيد من الآخر؟ فالسياسي يرى للإعلام بريق، له قوة يريد استعمالها كي يجعل من القلة كثرة، و من الضعف قوة، و من السخافة ذكاءا، ... و العكس صحيح. والإعلامي يرى في السياسة كذلك بريق، له قوة يسعى لإستحواذها من أجل تفسيرها و تأويلها ... و قد يظن أنه وحده الذي يملك مفاتيح ما أغلق على الناس فهمه... فكما هو متداول بين المتخصصين، لا توجد حياة سياسية بدون رأي عام، كما أنه لا يوجد رأي عام بدون إعلام. و الإعلامي يلعب دورا أساسيا و ذو حساسية في تكوين الرأي العام. و بالتالي فقد يؤثر بشكل مباشر و غير مباشر في تشكيل أو إعادة تشكيل العقول، و في اتخاذ بعض القرارات الحاسمة، .... و هذا هو الذي قد يزعج السياسي. فبعد أن كان السياسي يكتفي بالتواصل المباشر مع الناس من أجل عرض برنامجه أو سماع مطالب المواطن، صار الإعلام و وسائل التواصل تلعبان دورا أساسيا في عطائه السياسي. كما أنه من المعلوم أيضا، أن الإعلامي يحب و يستمتع بالقضايا السياسية، و خصوصا عندما يعيش السياسي أزمات و يكون في مآزق مع العدالة مثلا. فالسياسي يتهم الإعلامي باستغلال بعض القضايا من أجل زيادة مبيعاته، و ينسى أنه لا يتوانى لحظة في استعمال نفوذه من أجل استعمال الإعلامي لخدمة مصالحه السياسية. فمهما حاول الإعلامي احترام بنود "ميثاق ميونيخ"، و الذي يعتبر ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة، فقد لا يستطيع أن يملك نفسه في نشر خبر، جرياً وراء السبق في نشر المعلومة، دون التأكد من مصادره أو التحقق من خبره. ففي وسط نشوة الحصول على الخبر لا يتذكر الإعلامي إلا حقوقه المسطرة في هذا الميثاق. والسياسي عموما يظن، بحكم امتلاكه للسلطة، أنه ليس للإعلامي مصلحة في ذكر كل ما يمكن أن يصطلح عليه بأنه حقيقة أو معلومة، للمواطن الحق في معرفتها. فليس كل حقيقة تقال، و ليس بالضرورة دائما لكل سؤال جواب. السؤال الذي نطرحه ختاما لهذا المقال هو: أية مكانة للمصلحة العامة في هذا الصراع المحتدم بين السياسي و الإعلامي؟ أي مكانة تبقى للديمقراطية عندما تصبح هي الضحية الأولى في هذا الصراع؟ فإذا اعتبرنا أن الدور الأساسي للإعلامي هو إيصال المعلومة للمواطن دون طمس حقيقة أو إفتراء معلومة، و أن الدور الأساسي للسياسي هو التفكير في مصلحة المواطن و البحث عن أنجع السبل لتنفيذها، فما الذي يضيرهما في التعامل بينهما على أسس متينة و شريفة؟ و ما الذي يمنعهما من السير قدما دون أن يتهم أحدهما الآخر؟