في ظل الثورة التكنولوجية الهائلة وتطور وسائل الإتصالات السمعية والبصرية يكون الحديث عن تعتيم المعلومات وحجب الحقائق بمثابة لغو فارغ لا قيمة له ، والضجة أو الخلاف المثار بين قناة الجزيرة وبين السلطات المغربية حول حقيقة أحداث العنف الأخيرة في مدينة وميناء ( سيدي إيفني ) المتاخمة لحدود الصحراء و المشهورة بإنتفاضاتها التاريخية ضد المستعمرين الأسبان والفرنسيين هي من طراز الضجيج المبالغ به! لأن الجميع في داخل المغرب و خارجه يعلم بأن هنالك إضطرابات شعبية وصلت لحد الصدام بين السلطة و المتظاهرين مما أوقع العديد من الخسائر في الطرفين وهي مسألة معروفة ومعلومة وتحدث في جميع دول العالم . ولكن التعتيم و إسدال الستار على الحقائق يظل حالة طوباوية و غريبة لا تتناسب أبدا مع حالة الشفافية والمكاشفة ، فقد توتر الوضع المتوتر أصلا على خلفية أزمات حادة في مجال التشغيل و تزايد الأعداد الهائلة من البطالة في صفوف الشباب خصوصا وهي حالة ليست جديدة و تزامن كل ذلك مع ما يشهده العالم أجمع من غلاء في المعيشة و من إرتفاع جنوني في أسعار المحروقات والمواد الغذائية هذا الإرتفاع المهول الذي حذرت من نتائجه العديد من دوائر الرصد الدولية كونه سيطيح بحكومات وأنظمة عديدة في العالم الثالث . و لكن الغريب ليس الإحتجاجات بل لجوء الحكومة التي غالبيتها من أحزاب المعارضة السابقة التي دفعت غاليا ثمن سنوات الرصاص المغربية الطويلة و القاسية التي إمتدت منذ أوائل الستينيات وحتى مطالع التسعينيات لنفس أساليب النظام السابق ( المخزنية ) العنيفة من ضرب بالهراوات و تجريد الحملات الأمنية المسلحة والإستعانة بجنرالات الماضي الرهيب الباقين من أتباع المدرسة ( الأوفقيرية / الدليمية ) نسبة للجنرالين الراحلين محمد أوفقير وأحمد الدليمي اللذان تخصصا في مهاجمة المتظاهرين بالطائرات و لدبابات كما فعل الأول أو التفنن في إنشاء و بناء المعتقلات السرية الرهيبة الشبيهة بالقبور كما كان الحال في معتقل تازمامرت الرهيب وهو من إختصاص الجنرال الثاني ؟ ، فمن الواضح أن المغرب وهو يعيش مرحلة التغيير يعاني من إشكاليات مشاكل عديدة بعضها ذات جذور تاريخية و إمتدادات بنيوية ، وهنالك نطاقات هائلة من الأزمات التي لم تجد لها حلا حتى اليوم لعل أهمها وأكثرها حساسية هو ملف التشغيل و البطالة المتزايدة وهو ملف أزمة دولية لا تقتصر نتائجه على المغرب وحده ، يضاف لذلك كله تمدد الإرهاب الأصولي لمساحات واسعة في ظل إتساع حالة البطالة و التهميش التي تخلق بدورها كل الظروف الموضوعية المؤدية لنمو التيارات المتطرفة المتسعة أفقيا و عموديا في الشارع المغربي يرافق ذلك كله حالات الفساد المكشوفة أو المخفية في دوائر و مؤسسات الدولة ذلك الفساد الذي يجتهد النظام المخزني المغربي في قمعه و تقليم أظافره و لو كان أهله من المقربين لأعلى هرم السلطة كما حصل مع العديد من القيادات الأمنية المغربية التي طالتها حملات التطهير المتواصلة . الضغوط شديدة جدا على السلطات المغربية وعلى حكومة عباس الفاسي الإستقلالية تحديدا التي يبدو أنها تائهة تماما و حائرة في كيفية التعامل مع الملفات المغربية الساخنة ، ولعل اللجوء للقوة و لجنرالات الماضي هو جزء من عملية مناورة لن تكون نتائجها سعيدة للتحالف الحزبي الحاكم ، فقيادات أمنية فاعلة من أمثال الجنرال حميدو العنيكري قائد القوات المساعدة ، و الجنرال حسني بن سليمان قائد الدرك الملكي قد إرتبط إسميهما بشكل وثيق لا إنفصام له بملفات سنوات الرصاص و بالأحداث الدموية العنيفة التي هزت المغرب بعد محاولتي إنقلاب الصخيرات ( 1971 ) و الطائرة الملكية ( 1972 )! و يتحمل كلاهما مسؤوليات تاريخية عما حصل من إنتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان و عن ملفات السجون السرية و مقرات التعذيب و غيرها من ألأمور المعروفة في أدبيات السياسة المغربية بسنوات الرصاص التي أضحت حاليا من آثار الماضي السحيق رغم أن العديد من التيارات السياسية ترى أن العودة لتلك الأساليب هي الخيار الأوحد للحكومة المغربية!! و هي توقعات و آراء مبالغ بها فلا عودة لممارسات الماضي لكون الظروف الداخلية و الدولية أساسا لم تعد تسمح بمثل تلك الأساليب ، فلكل مرحلة ظروفها و أدواتها و ضروراتها أيضا...!! واللبيب من الإشارة يفهم... ما حصل في ( سيدي إيفني ) من توتر ليس حالة عير مألوفة أبدا بل أن مسلسل الصراع الإجتماعي والسياسي في المجتمعات المفتوحة غالبا ما يؤدي للنتائج التي حدثت ، و لكن المشكلة الحقيقية تكمن في كيفية تمكن السلطة من إدارة الصراع و تحويله نحو نهايات تتسم بالحوار العقلاني و التفهم لمطالب الجماهير بعيدا عن التهميش و الإحتقار و الإزدراء ، و تجنبا لعصي السلطة و لرصاصها الحي ، فالعنف ذو طبيعة تراكمية وهو لا يؤدي سوى لمزيد من العنف!!.. نسأل الله العافية و السلامة للجميع...! "" [email protected]