شنّت فرنسا ضربات جوية في 11يناير2013 في عملية تحت اسم " القط المتوحش" لوقف تقدّم المتمردين بقيادة "أنصار الدين" المدعومة من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي القوي بعد أن سيطر بشكل كامل على شمال مالي في يونيو 2012 هذا التنظيم الذي يعد أفضل تنظيم من حيث التمويل بفضل عمليات تهريب المخدرات والسلاح والبشر عبر الحدود و اختطاف مواطنين غربيين من اجل الفديات التي يطالب بها الحكومات الغربية لإنقاذ حياة مواطنيها المخطوفين، ونعلم أن معظم قياداته من الجزائريين وسوف يتعزز هذا الطرح من خلال هجمات عين أميناس ضد منشئات النفط الجزائري ليضرب هذا التنظيم الأمن الاقتصادي للجزائر. إن الحرب العالمية ضد الإرهاب التي دشنتها الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 والتي كانت نتيجته احتلال أفغانستان ثم العراق بحجة القضاء على الإرهاب الدولي المضاد لمصالح أمريكا في العالم بدأت تأخذ أبعادا أخرى،فانسحابها من العراق و استعدادها للانسحاب من أفغانستان قبل نهاية 2014 هو تغيير في الإستراتيجية المناهضة للإرهاب و بالتالي لا يعني حتما هزيمتها بل عملها على تفادي الثمن الباهظ الذي ستتكبده نتيجة استمرارها في شن حروب مباشرة لا منفعة منها. ومن هنا ستدعم حلفاءها في جميع مناطق العالم ضد الحركات المتطرفة و ذلك بخلق فرص و تكتيكات أخرى منها الطائرات بدون طيار حسب مبدأ المشاركة والتنسيق مع الحلفاء" multilatéralisme"" و تأتي قاعدة الطائرات بدون طيار في النيجر لزيادة جمع المعلومات الإستخبارية على أساس ضرب مواقع مختارة للجماعات المسلحة على اعتبار طبيعة منطقة الساحل الأفريقي كمجال صحراوي واسع تصعب مراقبته و اعتراف المسؤولين الفرنسيين أنفسهم بصعوبة تعقب المقاتلين على أرض مالي المناطق المحيطة. كان الرئيس باراك أوباما قد أعلن في وقت سابق أن أربعين عسكريا أميركيا إضافيا أرسلوا إلى النيجر بهدف "تقديم دعم في مجال جمع المعلومات وتبادلها مع القوات الفرنسية التي تشن عمليات في مالي، إضافة إلى الشركاء الآخرين في المنطقة".حسب قوله،وانطلاقا من هذا المنحى سوف يصرح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بقوله: "نواجه تحديات أخرى، نرى أمننا يتعرض للخطر بين الفينة والأخرى جراء الوضع السائد في مالي على حدودنا الجنوبية، وبسبب إرهاب لا يؤمن شره ولا نتهاون لحظة في محاربته." وأضاف أن ما وقع مؤخرا في عين أميناس يلقي الضوء على قسوة ما سماها يالعصابات الإرهابية، في إشارة إلى الهجوم الذي تعرض له موقع النفط بجنوبالجزائر الشهر الماضي على يد مجموعة مسلحة قريبة من القاعدة و يتزعمها جزائري. في الجولة الاستطلاعية الأولى لوزير الخارجية الأميركي جون كيري والتي تشمل تسع دول أوروبية من ضمنها فرنسا التي يسعى فيها جون كيري إلى الاطلاع والتعارف والاستماع إلى وجهات نظر وآراء الزعماء الذين سيقابلهم،سوف يكون ملف مالي و دول الساحل و الصحراء حاضرا بقوة على طاولة نقاشات المتدخلين باعتبار المصالح المتبادلة و ما يمكن للولايات المتحدة أن تقدمه خصوصا في الدعم اللوجستي و الاستخباراتي، و تخوفات الجزائر لابد من وصولها إلى آذان كيري باعتبار دولته قد نشرت طائرات بدون طيار تجوب المنطقة و ما يمكن أن تقوم به من اختراق للأجواء و ربما قصف مواقع و أهداف تصنف تهديدية للأمن القومي الأمريكي باعتبار حربها على ما أسمته الإرهاب العالمي، و توجد فوق التراب الجزائري و منها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المتواجد بشمال مالي و أجزاء من الجزائر و معظم قياداته من الجزائريين. تصريحات بوتفليقة تأتي متزامنة مع اندلاع مواجهات جديدة في شمال مالي على الحدود مع الجزائر حيث دارات معارك بين القوات الفرنسية و المتحالفين معها وبين مسلحين في شمال مالي،و أيضا متزامنة مع قرار أمريكا بناء واحدة من أكبر القواعد للطائرات من دون طيار في النيجر حيث أشار المسؤولين الأمريكيين إلى أن مركز طائرات الاستطلاع سيكون بداية في العاصمة نيامي و ستنقل بعدها إلى مدينة أغاديز الشمالية القريبة من مالي من اجل تبادل المعلومات التي تجمعها هذا الطائرات مع الجيوش الفرنسية والإفريقية الموجودة شمال مالي حتى تتمكن من استهداف القاعدة بطائرات "بريداتور" و تنفذ ضربات جوية بدل طائرات الاستطلاع "بي سي 12" و هذا ما ينذر بطول أمد المواجهة. في بيئة كهذه و التي تتّسم بعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والجريمة المنظّمة والفساد و التهريب و الاختطاف وجب أن يكون موقف الجزائر أكثر تركيزا على مجالات التعاون البناء مع الجيران خصوصا مع المغرب، وعدم دعم أطروحات انفصالية وعنيفة تكون كارثية على المنطقة ككل بدل أن تتنازل أمام الضغوط الدولية للتفاوض أو المساومة. و لا يمكن أن ننسى ما تستقبله الجزائر منذ أشهر من اللاجئين الماليين على المناطق الحدودية حيث صرح رالف غرينارت، ممثل مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين بالجزائر نهاية سنة 2012 أن هناك "1500 مواطن مالي فروا من النزاع في الشمال ويتواجدون حاليا على حدود الجزائر".هذا التحدي كذلك يمكن أن يشكل هاجسا امنيا لها و لجيرانها فالتعاون هن مطلوب و استراتيجي زد على هذا هناك مسألة الأمن الديني المتمثل جمعيات التبشير جنوب البلاد. جلباب بوتفليقة وصلته آثار الحرائق في الجنوب على حدود بلاده مع مالي التي دخلت سياقات أخرى من حرب ليست نهايتها بادية في الأفق،وأفق الحل القريب والمباشر يبدو مسدودا في التعاطي مع هذه مشكل مالي و المنطقة، ولا بد من العمل السياسي و التعاون الأمني في التعاطي مع المشاكل القريبة بروح من الواقعية و الشفافية بعيدا عن عقيدة عفا عنها الزمن و عقده و بالخصوص مشكل الصحراء المغربية و علاقات سكان قصر المرادية بالانفصاليين. وقد أكد في وقت سابق الخبير الإستراتيجي ومدير المركز الأوروبي للاستخبارات الإستراتيجية والأمن "كلود مونيكي " أن أجهزة الأمن الجزائرية لم تقم بعملها كما يجب حيث سمحت لمئات الصحراويين بمغادرة مخيمات تندوف والتوجه نحو شمال مالي للانضمام إلى عناصر تنظيم القاعدة،و في السياق نفسه أكد وزير الشؤون الخارجية المالي "تيامان كوليبالي" عن وجود عناصر من البوليساريو ضمن الجماعات المسلحة المطاردة من قبل فرنسا و مالي و هذا ما ينذر بطول أمد المواجهة في شمال مالي و ربما انتقالها إلى مناطق أخرى و تفعيل طرق جديدة في الحرب في بيئة جغرافية مناسبة لحرب العصابات. سؤالنا عن مدى فعالية مفاوضات سرية تجريها الجزائر مع شخصيات مقربة من حركة أنصار الدين لعزل إقليم أزواد عن تنظيم القاعدة ؟و هل هي بداية فقدان الجزائر للأدرع الفعالة في تيسير و تدبير سياساتها الخفية في المنطقة؟ و كيف ستبرر مستقبلا التعاون الكبير مع البوليساريو خصوصا عندما يؤكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإسباني خوسيه مانويل غارسيا مارغايوبأن "الأزمة في مالي زعزعت استقرار المنطقة بكاملها٬ مما تسبب في تفاقم الوضع الأمني في مخيمات تندوف" ؟.في نظرنا اعتماد مقاربة براغماتية وشجاعة لإعطاء دينامية جديدة للعلاقات داخل مجال اتحاد المغرب العربي المعطل خصوصا بين الجارين المغرب و الجزائر يبدأ من الابتعاد عن اللعب غير المباشر في الحدائق الخلفية التي تنسف كل المبادرات الحكيمة في الانتقال إلى نموذج تعاوني متقدم و النظر بعين مستقبلية إلى مبادرة الحكم الذاتي كحل أمثل و اعتبارها اختيار استراتيجي لابد من الاهتمام به و حاضن أساسي للنوايا الحسنة من الطبيعي تبنيه.