عكست الإنتخابات التشريعية التي شهدتها إيطاليا مدى الإنقسام الذي أصبح يعيشه المشهد السياسي، عكس جميع التوقعات و استطلاعات الرأي العام المحلية التي كانت تعطي فوزا سهلا لتحالف وسط اليسار بزعامة الحزب الديمقراطي. وأسفرت النتائج الأولية، شبه النهائية، عن مدى تشتت أصوات أكثر من 40 مليون ناخب إيطالي أدلى بصوته، حيث لم تتعدَّ نسبة التصويت لصالح أحد القطبين الإنتخابيين 30% من الأصوات، وإذا كان التقدم الطفيف لتحالف اليسار قد منح له أغلبية عددية داخل الغرفة الاولى، وفق النظام الإنتخابي المعتمد، فإن فوز تحالف اليمين، بزعامة الوزير الأول السابق برلسكوني، منحه التقدم من حيث عدد المقاعد. ظاهرة هذه الإنتخابات تبقى حركة "5 نجوم" التي يقودها بيبّي غريلُو، أحد الكومديين الإيطاليين المثيرين للجدل، وقد استطاع في أقل من 3 سنوات أن يحصل على حوالي 25% من أصوات الناخبين رغم أنه بنى حملته الإنتخابية على "طرد جميع الساسيين الحاليين وإرسالهم إلى بيوتهم"، وفقا لما جاء ضمن إحدى الشعارات الأساسية للحركة، زيادة على ورفضه لأي دعم مادي من الدولة، مقاطعا لجميع وسائل الإعلام، ومعتمدا أساسا على الإتصال المباشر مع الناخبين عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ويعتبر غريلو من بين الشخصيات الإيطالية المثيرة للجدل حتى قبل دخوله مضمار السياسة، حيث تمنع عروضه الترفيهية من التلفزيون ويصعب على المتتبعين تصنيفه تحت أي تيار سياسي، ففي الوقت الذي كان زعيم الحزب الديمقراطي يتهمه بالفاشية، وبتفضيله حياة البذخ والترف، كان بيرلسكوني يحذر من كون زعيم "5 نجوم" ما هو "إلا أحد فلول الشيوعية و الألوية الحمراء". وكان موقع "سي إن إن"، عشية الإنتخابات الإيطالية، قد اعتبر غريلو بمثابة "المهرج الذي يتحكم في الشهد السياسي الإيطالي"، وهو ما أكدته نتائج الإنتخابات بعد أن استطاع حصد قرابة ال60 مقعدا بالغرفة الثانية، مما يجعله معاملا أساسيا لتشكيل الحكومة. نتائج الإنتخابات الثامنة عشرة في تاريخ الجمهورية الإيطالية تبقي سيناريوهات تشكيل الحكومة مفتوحة على جميع الاحتمالات، بما فيها بروز حكومة إئتلافية مرتقبة منذ بداية الحملة الانتخابية.. إلاّ أن اليقين كان من خلال سيلفيو يرلسكوني الذي أكّد دوره المفصلي في الحياة السياسية رغما عن جميع المحاولات لدفعه خارجها.