إيطاليا تعيش أزمة سياسية إلى ما لانهاية بفارق ثلاثة أصوات استطاع رئيس الوزراء الإيطالي "سيلفيو بيرلسكوني"أن يتجنب سقوط حكومته على إثر تصويت البرلمان الإيطالي صبيحة يوم الثلاثاء على ملتمس سحب الثقة الذي رفعته بعض الفرق السياسية البعض منها كان يشكل الأغلبية إلى الأمس القريب. وبالرغم أن الحكومة الإيطالية الحالية ،وهي الرابعة من نوعها التي يترأسها "بيرلسكوني" منذ دخوله عالم السياسة سنة 1994 ، كانت تتوفر على أغلبية مريحة لم يستطع أي تحالف انتخابي من قبل الحصول عليها فقد وصل فارق عدد المقاعد في مجلس الشيوخ 140 مقعدا في حين فازت حالف "بيرلسكوني " الذي يضم حزبه "شعب الحرية" وحزب "رابطة الشمال" بفارق 97 مقعدا بالغرفة الأولى للبرلمان. إلا أنه منذ الأسابيع الأولى من تشكيل الحكومة يوم 28 أبريل 2008 بدأت أزمة سياسية تبدو في الأفق نتيجة الصراعات بين قطبي حزب"شعب الحرية" بين "بيرلسكوني" و"جان فرانكو فيني"GIANFRANCO FINI رئيس البرلمان. كان "بيرلسكوني" يعتقد أن الدور الدستوري المنوط برئيس البرلمان قد يحد من مناوشات وطموحات حليفه ومنافسه الوحيد على زعامة حزب "شعب الحرية" خصوصا بعد أن عزله عن جميع معاونيه السابقين وتقريبهم أكثر منه بتقلدهم مسؤوليات حكومية ورسمية مختلفة، إلا ان سرعان ما تنبه "فيني" رئيس البرلمان إلى مخطط "بيرلسكوني" خصوصا بعدما بدا تهميش رئيس البرلمان في القضايا الأساسية واضحا واقتصار "بيرلسكوني" في مشاوراته مع حليفه من خارج الحزب "امبيرتو بوسي" زعيم حزب "رابطة الشمال"، وقد تولد عن هذا النزاع الحزبي الداخلي مجموعة من الاصطدامات السياسية تجلت خصوصا في عدم مسايرة رئيس البرلمان الأجندة الحكومية في الكثير من القضايا وهو ما دعا ب"بيرلسكوني" أن يطالبه بتقديم استقالته إن هو أراد الإنشغال بالقضايا السياسية للحكومة. وقد صاحب انزعاج "بيرلسكوني" من حليفه "فيني" حملة إعلامية ضخمة ضد هذا الأخير قادتها وسائل إعلام أغلبها في ملكية الوزير الاول طيلة فصل الصيف الأخير، محاولة تشويه سمعة رئيس البرلمان وذلك بإلقاء الضوء على بعض القضايا العقارية التي قد يكون "فيني" أو بعض أقاربه تورطوا فيها بطرق قانونية. وبالمقابل فإن هذه الحملة قد تكون ساعدت على إعلان رئيس البرلمان على تأسيس حركة "المستقبل ،الحرية والتجديد" بمعية نواب برلمانيين من حزب "شعب الحرية" والذين طالبوا باستقالة "بيرلسكوني" ورفع ملتمس رفع الثقة عن الحكومة مع بعض الفرق السياسية من المعارضة. وطيلة الفترة التي سبقت التصويت على ملتمس الثقة ،والتي قاربت الشهر وهو الخطأ الذي قد تكون ارتكبته المعارضة، بحيث استغل"بيرلسكوني" هذه المدة للقيام بحملة واسعة أطلقت عليها وسائل الإعلام "كالتشو ميركاتو" (نسبة إلى التنقلات داخل فرق كرة القدم) بين النواب سواء بين أعضاء الحركة التي أسسها رئيس البرلمان حيث استقطب بعظهم من جديد داخل حزبه كما حدث مع النائبة "سعاد سباعي" من أصل مغربي التي أبدت في البداية وفائها لرئيس البرلمان بحكم أنه هو من رشحها داخل لوائح حزب "شعب الحرية" إلا انها سرعان ما أعلنت انسحابها من حركة "فيني" والعودة إلى حزب "بيرلسكوني" متهمة رئيس البرلمان بإهانتها وعدم احترامها. وكذا بين أعضاء الفرق السياسية الأخرى وهو ما حدى بزعيم حزب" إيطاليا القيم" والقاضي الشهير "أنطونيو دي بييترو" ANTONIO DI PIETROإلى المطالبة بتدخل النيابة العامة لفتح تحقيق في الموضوع متهما "بيرلسكوني" الذي استطاع أن يستقطب نائبين من فريقه بشراء الأصوات. وفي خطابه يوم الاثنين توقع "بيرلسكوني" نتيجة التصويت مشيرا إلى الصعوبة التي ستواجهه في الأيام القادمة ففي وجود ثلاثة أصوات فقط كفارق للأغلبية لا يمكن للحكومة أن تقوم بمهامها وهو ما يعني أن البلاد مقبلة على مرحلة أخرى من اللاستقرار السياسي الذي يميز إيطاليا من دونها من الدول الغربية. فالحكومة الحالية تحمل الرقم 58 في تاريخ إيطاليا الحديث الذي بدأ مع قيام الجمهورية سنة 1946 وهو ما يعني أن معدل عمر الحكومة بإيطاليا لا يتجاوز 13 شهرا،بل أن إحدى الحكومات دامت 12 يوما إلا أنه بالمقابل نجد ان الدورات التشريعية لا يتجاوز عددها 16 دورة تشريعية وهو ما قد يفسر الاستقرار السياسي الذي حافظت عليه إيطاليا رغم تغيير الحكومات المستمر فالآلة التشريعية تبقى قائمة حتى في غياب الحكومة وهو ما قد يفسر تحفظ العديد من القوى السياسية في المطالبة بانتخابات مسبقة. ويكاد يجمع المهتمون أن كل ما يحدث حاليا في الساحة السياسية الإيطالية يدل على المكانة التي أصبح يحتلها "بيرلسكوني" في إيطاليا بحيث أمام ما يجري يصعب الحديث عن انهزامه أو حتى تراجعه فأمام كل الضربات الداخلية التي يوجهها إليه أقرب حلفائه وأمام الفضائح التي يتورط فيها بين الفينة والأخرى فإنه يزداد قوة وزعامة لدى الإيطاليين.