عَمَد وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني، بحر الأسبوع المنصرم، على إلقاء كلمة خلال مؤتمر المانحين لفائدة مالي المنعقد بمقر الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس ابابا، بعد أن أعطيت ضمانات للمغرب بعدم حضور ممثلي جبهة البوليساريو الانفصالية وتّأَكُّد الوفد المغربي من عدم حضورهم الفعلي، حسب ما أفادت به مصادر مطلعة من وزارة الخارجية والتعاون لهسبريس. ليكون خطابه بذلك أول مشاركة لوزير مغربي من داخل مقر الاتحاد الإفريقي منذ 29 سنة، تاريخ انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية سابقا؛ وطبعا دون أن يشارك بأشغال القمة العشرين التي جمعت رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي، المنعقدة تحت شعار "الوحدة الإفريقية والنهضة الأفريقية". المغرب الذي انسحب من منظمة الوحدة الإفريقية في شتنبر 1984 احتجاجا على قبول المنظمة لعضوية "الجمهورية الصحراوية"، لتظل عضوية المغرب بعدها مُعلقة في المنظمة، ثم في خَلَفِها الاتحاد الأفريقي الذي تأسس في يوليوز 2001 والذي يضم حاليا 54 دولة. منذ ذلك الحين ربط المغرب عودته إلى الاتحاد الأفريقي بتعديل بُند أساسي حول شروط العضوية في الاتحاد، وهو ذات التعديل الذي سيؤدي إلى تعليق عضوية البوليساريو في الاتحاد، ويفتح الطريق أمام عودة المغرب... المغرب وتعزيز تواجُدِه بالقارة السَّمراء وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدكتور سعد الدين العثماني، كان حريصا طيلة فترة تواجُده بالعاصمة الإثيوبية يومي 27 و 28 يناير 2013، على مُلاقاة العديد من الرؤساء الأفارقة، ليلتقي كلا من الرئيس السنغالي ماكي سال، والرئيس البينيني طوماس بوني يايي، ورئيسة المالاوي جويس باندا، والرئيس التونسي المنصف المرزوقي، الذين تطرقوا، حسب مصادر مقربة من وزارة الشؤون الخارجية والتعاون لملف الصحراء المغربية، مُجدِّدين دَعمَهم للمواقف المغربية في إطار قرارات الأممالمتحدة. علاوة على ذلك، شملت زيارة الدكتور سعد الدين العثماني للقارة السمراء مباحثات مع 7 من نظراءه الأفارقة على هامش أشغال القمة 20 للاتحاد الإفريقي، تباحث خلالها مع كل من وزير خارجية مالي تييمان كوليبالي، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون والدبلوماسية للطوغو اليوط اوهين، وكاتب الدولة للشؤون الخارجية بجمهورية الرأس الأخضر خوسي لويس روشا، ووزير الدولة وزير الشؤون الخارجية للنيجر محمد بازوم، ووزير الشؤون الخارجية الليبيري أوغستين كبيه نكافيا، ووزير خارجية كينيا موساس ويتانجولا، وكذا وزير الشؤون الخارجية للسيشل جون بول آدم. مباحثات تطرَّقت إلى محاور متعلقة بسبل تعزيز التعاون في مختلف المجالات، فضلا عن الأزمة في مالي وآخر التطورات في منطقة الساحل. المغرب وسياسة الكرسي الفارغ من جانبه، قال الدكتور إدريس لكريني، مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات، إن سياسة المقعد الفارغ لا تخدم الدولة المنسحبة في شيء، مؤكدا على أن عودة المغرب إلى الإتحاد الإفريقي ستجعل المغرب قادرا على الدفاع عن تصوُّراته حول ملف الصحراء وتمرير الخطاب المغربي بطريقة قوية ومباشرة ودون وسائط، فضلا عن المساهمة في بلورة الترتيبات الاقتصادية والأمنية في المنطقة، معتبرا أن العديد من الدول الإفريقية أضحت مقتنعة بأن عودة المغرب إلى مقعده بالاتحاد سيعطي دفعة قوية لهذا الأخير نظرا لموقع المغرب وتمكنه من العودة إلى الساحة الدولية والإفريقية بصورة وازنة؛ فضلا على الإصلاحات السياسية والدستورية التي باشرها؛ ولعلاقاته المتينة مع القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدةالأمريكية والإتحاد الأوروبي.. التي تدعم بدورها هذه العودة. وأكد لكريني في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، على أن الانضمام لوحده ليس كافيا ليحقق المغرب أهدافه ومصالحه الحيوية وعلى رأسها قضية الصحراء، موصيا بأهمية تحرّك الدبلوماسية الرسمية المغربية بفعالية ونجاعة إلى جانب تحريك الدبلوماسية الموازية التي يفترض أن تقودها فعاليات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والأحزاب والنخب السياسية المغربية.. مع السير باتجاه تشبيك العلاقات مع مختلف دول القارة اقتصاديا، لأن لغة المصالح تظلّ هي المتحكمة في سلوكات ومواقف الدول. المغرب يُثْبت نفسه على الساحة الإفريقية وأشار لكريني إلى أن تجميد المغرب لعضويته في منظمة الوحدة الإفريقية في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي إثر اعتراف المنظمة بجبهة البوليساريو كانت له مبرِّراته في سياق إقليمي وتاريخي مختلف، موضحا أن تزايد اعتراف عدد من الدول الإفريقية بالجبهة؛ نبَّه المغرب في بدايات تسعينيات القرن الماضي إلى أن علاقاته الاقتصادية متوجهة بالكامل تجاه الدول الأوروبية التي راهن عليها المغرب في نصرة قضاياه، ليَعمَد بعدها إلى الانفتاح على البلدان الإفريقية من خلال إعادة انتشار التمثيليات الدبلوماسية في إفريقيا وتوسيعها لتطال دولا جديدة؛ وإعمال مبادرات تضامنية مرتبطة بإلغاء ديون بعض الدول الفقيرة في هذه القارة وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع عدد من الدول الإفريقية؛ حيث تطوّر حجم المعاملات الاقتصادية بين الجانبين من حوالي نصف مليار دولار منتصف ثمانينات القرن المنصرم إلى 3 مليارات دولار سنة 2007. وزاد الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن المغرب سعى إلى دعم حوار جنوب - جنوب حيث أسهم في تدبير عدد من الأزمات والنزاعات الإفريقية في إطار مبادرات دبلوماسية فردية أو ضمن جهود دولية تقودها الأممالمتحدة عبر المساهمة في قوات الأممالمتحدة لحفظ السلام، علاوة على الدينامية التي عرفتها الدبلوماسية المغربية في الآونة الأخيرة إقليميا ودوليا؛ إذ برز ذلك من خلال مبادرات المغرب بعد تطور الأحداث في كل من ليبيا وسوريا ومالي.. وهو ما يؤشر إلى وجود تغيّرات في هذه الدبلوماسية التي تحكّمت في توجهاتها وأولوياتها قضية الصحراء لسنوات. وأضاف المتحدث في ختام تصريحه لهسبريس، أن كل هذه المعطيات تبرز أن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي باتت وشيكة؛ وبخاصة إذا تمكن هذا الأخير من تعديل ميثاق يحصر فيه العضوية على الأطراف التي تتوافر لها المقومات القانونية والسيادية للدولة، مُشيداً بمُبادرة المغرب المتمثِّلة في طرح مشروع الحكم الذاتي، الذي يشكل صورة من صور تقرير المصير لارتكازه على التفاوض ومشاركة الساكنة في تدبير شؤونهم من خلال مؤسسات محلية مستقلة وذات صلاحيات كبرى؛ مؤكدا على ضرورة تقديم المغرب لمقترحه بنفسه أمام الدول الإفريقية؛ خصوصا وأن هذا المشروع لقي استحسانا من قبل الساكنة وأسهم في عودة عدد من قيادات البوليساريو للمغرب؛ كما لقي استحسانا من قبل مجلس الأمن وعدد من القوى الدولية.