يرتقب أن يعود المغرب بقوة إلى الساحة السياسية الإفريقية، مدعوما بدبلوماسيته الاقتصادية الذي عمل على تقويتها بعدد من الدول الإفريقية في إطار تنفيذه لسياسات تعاون جنوب جنوب، مع العلم أن العديد من هذه المشاريع التي ينفذها المغرب تحظى بتأييد شعبي إفريقي كبير، حيث أصبح ثاني مستثمر في القارة الإفريقية بعد جنوب إفريقيا. وعليه فإن المغرب يجعل من خياراته المستقبلية؛ استرجاع مكانته داخل منظمة الاتحاد الإفريقي بعد رحيل القدافي، الذي تسبب في خروج المغرب من منظمة الوحدة الإفريقي، حين فرض القبول بعضوية جمهورية البوليساريو على الرغم من أنها لا تمتلك مقومات السيادة الوطنية ولا عضوية لها داخل منظمة الأممالمتحدة. إن المغرب وإذ لم يعد يؤمن بسياسة الكرسي الفارغ، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، فإنه يبقي على عودته إلى منظمة الاتحاد الإفريقي مشروطة بسحب عضوية جبهة البوليساريو. ويعول في ذلك على إصلاحاته السياسية ومشاريعه الاستثمارية التي أقامها في العديد من الدول الإفريقية. ومن جهة أخرى، فإن المغرب فضلا على دبلوماسيته الاقتصادية، فإنه على المستوى السياسي له تنسيق قوي مع أصدقاء أوفياء له داخل الاتحاد الإفريقي ولهم حضور إقليمي بارز كالسنيغال، غينيا بيساو، الغابون، النيجر...، إضافة إلى أن حاجة الاتحاد الإفريقي لاسترداد وزنه السياسي المفقود بعد إقبار معمر القدافي أصبحت ضرورة، كما أن ميزانية تسييره في حاجة إلى مساهمة مالية لسداد عجز 40 % منها. ولان المنطقة المغاربية والإفريقية تعيش اليوم تحولات هامة، فإن تلك التحولات كفيلة بأن تغير في المواقف السياسية للعديد من الدول بما ينسجم ومصالحها الاستراتيجية في الجدولة الجديدة للعلاقات الجيوسياسية في المنطقة، ولاسيما بالنسبة للدول الإفريقية التي ظلت خاضعة لنفوذ معمر القدافي داخل منظمة الاتحاد الإفريقي. ولهذه الاعتبارات، فإن المواقف السياسية للعديد من الدول الإفريقية ستكون على موعد لتحولات حاسمة سترسم معالم خريطة سياسية جديدة في العلاقات الدولية الإفريقية، ومنها ما بدا يتبلور من دعوة الدول الإفريقية بمناسبة يوم إفريقيا المنظم بالرباط المغرب للعودة إلى منظمة الاتحاد الإفريقي. وهو ما رد عليه وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني بالقول إن المغرب لا يمكنه أن يقبل٬ تحت أي ظرف من الظروف٬ أن يعامل على قدم المساواة مع دولة وهمية لا وجود لها على الخريطة٬ وغير معترف بها دوليا٬ وليست عضوا في الأممالمتحدة، وهو ما يكشف عن نقلة نوعية ستميز الدبلوماسية المغربية على المستوى الإفريقي مستقبلا. والحق أن العديد من الدول الإفريقية التي كان القذافي يغدق عليهم بالأموال والعطايا والهدايا، بل ونصّب نفسه عليهم ملكً ملوك كامل إفريقيا، فباتت هذه الدول تأتمر بأمره في كل القضايا الدولية، والإقليمية ومنها قضية الصحراء. وأما والآن، فقد جرت الكثير من المياه الراكدة تحت الجسر الإفريقي، فإن إفريقيا اليوم في بحث دائم لاسترجاع سيادتها، وتعويض نفوذ القدافي على قراراتها مما سيشكل هدفا للمغرب فرصة ملائمة لتحسين علاقاته الدبلوماسية مع العديد من الدول الإفريقية، إذ يرتقب أن تعلن بعض الدول لسحب اعترافها بجمهورية البوليساريو في أفق سحب عضويتها من منظمة الاتحاد الإفريقي. كما أن التحديات التي تعيشها إفريقيا صارت تفرض على دولها التفكير بنوع من العقلانية في تدبير المسائل الإقليمية بكثير من الرزانة بعيدا عن أفكار الحزب الوحيد ومفاهيم تقرير المصير التي جعلت إفريقيا تعيش كوابيس لا متناهية من النزاعات المسلحة، بسبب دعم الحركات الانفصالية كجبهة البوليساريو وغيرها من الحركات المسلحة في إفريقيا. محلل سياسي مختص في قضايا الصحراء والشؤون المغاربية [email protected]