ليس من الضروري التذكير بأن الإسلام دين واحد كما بلغه سيدنا محمد(ص) وتوارثته أمته بمصادره القرآنية والسنية وبعباداته وأصوله،لكن وحدة الإسلام لم تمنع ببروز التمثلات الثقافية التي اكتستها هوية المتدينين بهذا الإسلام ، على طول التاريخ والجغرافيا الطبيعية والبشرية التي اعتقدت به، الأمر الذي أعطانا تعددية مدرسية، فبرزت لنا المدرسة الأندلسية إلى جانب المدرسة المغربية بإسلامها حسبما قدمته لنا المصادر المغربية الأندلسية من تميزات جغرافية وتاريخية وإثنية ولسانية وأدبية وفقهية، طبعت ذلك الإنتاج الثقافي والمعرفي والفكري بطابعه المتميز من داخل التراث الإسلامي العالمي . كما طبع وما يزال المعرفة الإسلامية المغربية بطابع هويتها الخاصة، وفق عمل أهل المغرب، وحسب الخصوصية الجهوية التي زادت تلك التعددية الوطنية غنى وازدهارا من داخل الإسلام المغربي نفسه، وهذا ما لا يمكن لأي دارس إنكاره مهما كانت إيديولوجيته أو قوميته أو منهجيته ، لكن الظاهر أن هناك مستجدا جديرا بالمناقشة والمساءلة، وهو ما أسماه الطرح الإسباني مؤخرا في ما أسماه " الميثاق الاجتماعي من أجل الحرية والمساواة" ب "إسلام إسباني " في مليلية التي نعتبرها نحن المغاربة أراض مغربية محتلة، من أجل قطع كل صلة –خاصة الدينية- تجمع بين المغاربة الساكنين بمليلية مع بلدهم الأصلي-المملكة المغربية- وقد جاءت هذه الخطة بناء على التقرير الذي أعده " مركز الاستخبارات العسكرية الإسبانية " المعروف اختصارا ب( س ن ي) وتم تسريبه عبر جريدة "إلباييس" المقربة من الحكومة الاشتراكية، ومفاده بأن المسلمين سيشكلون الأغلبية السكانية في سبتة ومليلية في أفق2015 وقد اعتبرت مصالح المخابرات الإسبانية أن هذا التغيير الديمغرافي سيؤثر على السيادة الإسبانية للثغرين وسيشكل تهديدا حقيقيا لمستقبل المدينتين، وإذا كنا نعتبر بأن المسلمين الساكنين فيها مغاربة أمازيغيون أبا عن جد بالتاريخ والجغرافيا والقبائل واللسان والحضارة ، ولا أحد ينكر ذلك، فإن الاستعمار الإسباني يحاول عبثا أن يخلق لها تاريخا محدودا يبتدئ باستعماره لها، ويتظاهر بالجنسية الإسبانية وبجيشه وبرايته وإداراته وشرطته وغيرها من الرموز الإسبانية التي يحاول من خلالها أن يمنح لها هوية جديدة ومصطنعة، كما يحاول الرهان على بعض المخادعات، مثل أن يعزز الأمازيغية على حساب اللغة العربية للرهان على الحكم الذاتي في الريف، كما قررت ترسيم الدارجة كلغة ثانية بعد اللغة الإسبانية في المدينتين المغربيتين المحتلتين، في الوقت نفسه الذي تعمل فيه على تعزيز النفوذ الأصولي في المدينتين من خلال دعم جماعة " العدل والإحسان" في شخص " فؤاد بنجلون" وغيره،(في ظل قبول حكومة راخوي بجماعة العدل والإحسان على رأس الفيدرالية الإسبانية للهيئات الدينية الإسلامية نظرا للحضور الجماعة المتزايد بمورسيا) ولو أنها عجزت في أن تفرض الاعتقاد الأصولي بصورة مطلقة على مسلمي مليلية وسبتة والجزر المحتلة، ولعل هذه النقطة بالخصوص هي التي أدخلت الاستعمار الإسباني نفسه في أزمة على الرغم من أنه يتظاهر بأنه يمسك بكل شيء، أو توحي له نفسيته المتضخمة بأنه يسيطر على كل شيء، كما هو الشعور الأصولي نفسه المنتفخ بجنون العظمة، ولعله لم يكن من المفاجئ أن يلتقي السبب في اشتراك بين الشعورين الإسباني والأصولي المتضخم والمعبر في الآن نفسه عن عدائيته للإسلام المغربي بكامل جذوره وهويته التاريخية والحضارية، فالسبب العقائدي الحضاري المغربي المتأصل والمضاد للأصولية وللاستعمار هو الذي يعبر عنه الارتباط الشعبي التاريخي بحصانة "إمارة المؤمنين" بكل ما تحمله هذه الحصانة من هوية وطنية ومواطنة وثقافة وفكر تحرر واستقلالية وتاريخية وخصوصية جغرافية وانفتاح وحوارية وتعددية وديمقراطية، فقد استطاع بحق العمق الحضاري لإمارة المؤمنين أن يهزم منطق ومنهج الاستقواء العسكرتاري والاعلامي والاقتصادي الذي كانت إسبانيا تعتقد بأنها يمكنها أن تسيطر من خلاله على كل شيء من خلال سيطرتها الميدانية على أرض الواقع، فتفرض بذلك ما تسميه" سياسة الأمر الواقع" المفروض قسرا، والعمل في الآن نفسه بالتغاضي على كل ما يفضح ويعري تناقضات هذه الصورة، ولذلك عملت وحاولت أن تستند على طرح ما أسمته ب "الميثاق الاجتماعي" على اعتبار أن " مليلية مدينة التواصل الثقافي"، وهو ما اعتبرته " عنوانا لهويتها وغير قابل للتفاوض." واعتبار هذا الأمر التزاما أولا منبثق رسميا من المجلس وموجه إلى سكان مليلية والعالم بأسره. ولعل المثير في هذا الالتزام الأول هو جمعه بين صيغتين متناقضتين: الأولى تقضي بالتعلق بتوصيات اليونسكو في تدبير التنوع والتواصل الثقافي، لكنه في الآن نفسه ليس قابلا للتفاوض، مع العلم أن الدولة الإسبانية المستعمرة موقعة ومصادقة على هذه الاتفاقيات التي هي بدورها تتعارض مع توصيات أخرى تقضي برفض الإلزام والإجبار والاستعمار، ويدلي في العنصر نفسه بأن مفهوم التواصل الثقافي هو أنها" لن تقوم بتبني التعبيرات الثقافية المضادة لحقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية للتعايش، وعلى وجه الخصوص تلك التي تسيء إلى كرامة الأشخاص" مما يجعل هذه المواثيق الدولية مجرد شعارات لا بد لها أن تخضع في مسالكها الدستورية للدستور الإسباني، وهو ما ينص عليه أول بند في "الإلتزام الثاني" من " الميثاق الاجتماعي" هذه الازدواجية في التظاهر بمنح الحرية الدينية لسكان المدينة ثم تقييدها بسيادة قواعد معينة تعود للدستور المستعمر، وهو ما تسميه في البند (ج) من "الالتزام الثاني" بقولها :" وفقا للدستور والقوانين الجاري بها العمل..."، وهذا التناقض يبدو صارخا وصريحا أكثر بين مضامين البنود (أ) و (ب) و(ت) و(ث) و (ج) و (ح). من عناصر الميثاق، تلك التناقضات التي لو تفرغ لها الدارس وتوسع في فضائحها وكوارثها، فحتما ستكون لطولها وعرضها مضمونا لأطروحة كاملة، إلى أن نصل من التأكيد على ما أسمته " الحرية الدينية" و " التواصل الثقافي"، " وفقا للمواثيق الدولية، وسيادة السلطة العلمانية المانعة لأي معتقد ديني من أن يكتسب صفة تشريعية"، وهو ما ورد حرفيا ونقلناه بجمله وعباراته إلى أن تصل إلى الحديث عما أسمته في "الالتزام الثالث" ب " إسلام إسباني يدبر بمنهجية ديمقراطية"، ولا شك أن لغة هذا الالتزام لا تخلو بدورها من تناقض صارخ بين ما تنحوه من إلباس الاعتقاد الإسلامي صفة معينة وهي " إسبانية" بصيغة إجبارية، وهو ما يسقط عنها ما تحدثت عنه قبل قليل من " حرية عقائدية وتواصل ثقافي" وللخروج من هذا المأزق يتحدث لسان الميثاق عن "التدبير بمنهجية ديمقراطية" ، وبعد الإدلاء في " الالتزام الثاني" عن عدم جواز اكتساب أي معتقد ديني صفة تشريعية" نجد نقضا سريعا لهذا الالتزام حينما يتحدث البند الأول وبلغة إلزامية وآمرة بعيدا عما أسمته ب " التدبير بمنهجية ديمقراطية"، أو حتى السماح عما أسمته ب " حرية العقيدة" أو " التواصل الثقافي"، وذلك عبر " إلزام مسلمي مليلية بضرورة إبرام زواجهم الديني تحت مظلة التشريع الإسباني" الأمر الذي يدخل بنا إلى جوهر الأزمة التي يتبين من خلالها أن إسبانيا تحاول أن تجيب به عن أزمة حاصرتها إستراتيجيا، فإذا بها تزيد وضعها اختناقا وتأزيما، محاولة من ورائها مطاردة الإسلام المغربي الذي عرى وأسقط منح الصفة الإسبانية للمناطق المغربية المحتلة، وتمسكها في الآن نفسه بالسلطة العلمانية وبالحرية الدينية، لكنه تبين لإسبانيا كمستعمرة أن الإسلام المغربي الذي يدين به ويمارسه أهل مليلية المسلمون، يجمع بين رمزية أمير المؤمنين باعتباره ممثلا أعلى للدولة المغربية، وهذا ما يتعرض الآن لعملية هجومية شرسة، ولمؤامرة سطو أصولية يقودها حزب بنكيران لقرصنة هذا الحقل الديني من يدي ملك البلاد، لكن الهوية المغربية لاعتقاد مسلمي مليلية لا تختزله الدولة المغربية فحسب، إذ يمكن إسقاطه باستبدال الدولة الإسبانية، لنتحدث عن " إسلام إسباني" كما فعلت لغة " الميثاق الاجتماعي " السالفة الذكر، فالمغربة هنا هوية عقائدية متكاملة وشاملة يمكن ملامستها من خلال السلوك الاجتهادي الفقهي لعمل أهل المغرب ، وخاصة الريفي منه ، أي المتعلق بأهل الريف جهويا، وهذا ما يترجمه الإسلام المغربي في تفاصيله، كما تعبر عنه الصيغة الجامعة في إمارة المؤمنين في عنوانها الجامع المانع،أي الجامع لكل مكوناتها ، والمانع لغير عناصرها من ولوجها واختراقها، حتى وإن كانت إدارته مستعمرة من لدن إسبانيا، وهو ما أزم الدولة الإسبانية ودفعها إلى طرح هذه اللخبطة التي سمتها "إسلام إسباني" على أرض مغربية، وهنا يتولد سؤال استغرابي أكبر مفاده : ماذا عسى إسبانيا أن تقدم لاعتقاد مسلمي مليلية فيما تسميه هي ب " إسلام إسباني"؟؟ فهل يمكن للغة الإسبانية أو تعليمها أو جيشها وإعلامها الذي يقف هنا موقف المستعمر لشعب وجغرافية وتاريخ مغربي أن يمنح هوية إسبانية مصطنعة لإسلام سكان مليلية؟ مع العلم أن السلطات الإسبانية المستعمرة هنا سرعان ما تسقط في التناقض الصارخ في هذه النقطة بالذات حينما تفرض الزواج على مسلمي مليلية فيما بينهم و أن يتم تحت ظل القانون الإسباني، مع أنها تؤكد في الآن نفسه على سيادة السلطة العلمانية، وعلى الحرية الدينية، وعلى أن لا يكتسب أي معتقد ديني صفة تشريعية". ولعل ما يزيد السلطات الإسبانية تأزما وتأزيما في هذه النقطة إلى درجة لن تخرج منها هو تحديدها الجواب عن سؤال مركزي مفاده: هل يعتبر الزواج عند المسلمين عامة وعند المغاربة خاصة وعند مسلمي مليلية منهم بصورة أخص مسألة عقائدية تعبدية؟ أم أنه مسألة مدنية يؤطرها التشريع القانوني فحسب؟ أم هما معا إلى درجة لا يمكن فيها الفصل في المسألة بين الحاجة التعبدية والمدنية التي تحتاج إلى تشريع قانوني في مسألة الزواج؟ ولا نظن أن المشرع الاستعماري الإسباني يمكنه الإجابة بسهولة عن هذه الاستفسارات حتى يمكنه من خلالها الخروج بزبدة للقول وخلاصته ، ولو أن نظرة خاطفة لمفهوم الزواج القرآني سيقرأ فيه قوله تعالى: " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن" أي أن الزواج بالمفهوم القرآني ليس مجرد فعل للإجابة عن حاجة غريزية جنسية أو عاطفية فحسب أو اجتماعية، وربما يكون عدم الفهم الإسباني لهذه النقاط هو الذي أسقطهم في هذه الورطة المأزومة، والتي جعلتهم يتذاكون في استشعار الخطر من خلال مسألة الزواج فقط تجاه السكان المغاربة الأصليين للمناطق المحتلة، وهو ما عبر عنه الميثاق المزعوم بالقول حرفيا: "...إن عدم تطبيق القانون المدني في مليلية يدفع المواطنين الإسبان إلى نسج علاقات مدنية وإدارية مع المغرب البلد الذي يتبجح علانية بالإقرار بأن مسلمي مليلية هم مغاربة....، وهو ما منح المغرب حججا مجانية تعزز مطالبته باستعادة مليلية، وهذا خطأ كبير من وجهة نظر سياسية." فمن خلال هذه العبارة الإسبانية إذن نكتشف بأن السلطات الإسبانية تسقط في الجريمة الأصولية نفسها، والتي تتحرك بها في الحقل الديني، من أجل مكاسب سياسوية لا ديمقراطية ولا شرعية، رغم أنها- السلطات الإسبانية- تدعي نهج وسيادة السلطةالعلمانية، لمجرد أن الزواج في شكله الطبيعي- الجامع بين استكمال التدين والتمدن- لمسلمي مليلية يمنح المغرب كمملكة حججا على مغربية مدينة مليلية وأهلها وسكانها تجاه الاستعمار الإسباني استراتيجيا، والذي يريد أن يبدل ويزيف هوية بأكملها بناء على دواعي زائفة وفارغة المحتوى، إلى درجة يعلن فيها عبر ميثاقه هذا أنه مع سيادة سلطته العلمانية وحريته الدينية عن تأطير الأئمة المسلمين لمجرد أن تأطيرهم يتم تحت إشراف وزارة الأوقاف المغربية،هكذا تصبح الدولة الإسبانية في لحظة وتحت إكراه استعماري إلى" دولة دينية تؤطر الأئمة"، وربما تتناسى السلطات الاستعمارية في هذا الصدد بأنه لا تملك أي شيء تقدمه في "تأطيرها للقيمين الدينيين المسلمين في مليلية، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تدمير الإسلام المغربي، وقرصنة مهام وزارة الأوقاف المغربية في تأطيرها للقيمين الدينيين، وفي ظل هذه القرصنة الدينية تعمل السلطات الإسبانية على تسليم الشأن الديني الإسلامي لمسلمي مليلية لمليشيات التهريب الديني المشرقية الأصولية الوهابية المتطرفة، ولذلك أشرنا في البداية إلى أن السلطات الإسبانية في ممارستها لهذه اللخبطة والتأزيم الذي تمارسه تسقط من حيث تشعر أو لا تشعر في تهريب واستيطان التطرف الأصولي واستنباته، وإن كانت تحاول أن تخفي ذلك بعناوين ولوحات هلامية وهمية رومانسية من قبيل " الإسبان الإسباني" لتمنحه شرعية و"لافتة مدنية" لتبرئته وإخراجه من الصفة الحربية التي يتحرك بها ضد القيم الكونية وضد المواطنة الحقة، وهي بذلك تلعب دور الراعي الذي يمنح محفزات ومحميات مشجعة لحركات التطرف الأصولي المتأسلمة التي هي ضد إسبانيا وضد المغرب وضد الإنسانية جمعاء الراغبة بالعيش في وئام وسلام ومحبة وحوار للحضارات، وهذا هو جوهر الإشكال الذي ما فتئنا نعيشه تجاه الحركات المتأسلمة عامة ، ومنها حركة وحزب بنكيران نفسه بخاصة، والتي تمارس ذلك بأذرع متعددة فيها ما يتخذ عناوين المجتمع المدني، ومنها ما يتخذ عناوين دعوية- وكأننا في مجتمعات جاهلية حسب الإصطلاح القطبي- ومنها ما يتحرك في ميادين الرياضة والجامعات والمجالس العلمية وحقول الأوقاف ومؤسساتها والشؤون الإسلامية، وذلك عملا على تهديم الهوية الدينية والمدنية والحضارية للإسلام المغربي الذي ما فتئ يشكل حماية طبيعية للجغرافيا البشرية والوطنية والتاريخية والتراثية بكافة كنوزها الظاهرة والباطنة الشعبية والمؤسساتية، وهو ما تمارسه المجالس العلمية بشكل دقيق في كل من وجدة وبركان والناظور والحسيمة على سبيل المثال لا الحصر، وهنا تلتقي بدقة مقاصد مشروع التهريب الديني الرامية إلى اغتيال إمارة المؤمنين كقيمة حضارية للإسلام المغربي، مع مشروع الإستعمار الإسباني الرامي إلى تصفية إمارة المؤمنين لأنها ترى فيها صمام أمان لوحدة البلاد جغرافيا وسياسيا وحضاريا وهوية، وهذا ما ينسف المرامي الاستعمارية في استحواذ وسلخ المدن المغربية والجزر المحتلة، خاصة وأن إسبانيا لا تملك شيئا تقدمه لمسلمي سبتة ومليلية وهي تتحدث وتروج ل "إسلام إسباني " بدون خجل ولا أن يرف لها جفن، وبهذا تريد قطع شرايين الإسلام المغربي من المناطق المحتلة لتسلمه لقوى التهريب الديني التي يسرها ذلك لأنه يتم بعناوين مزورة أبرزها عنوان " الإسلام الإسباني"، وبمشروع أصولي عالمي، لا يؤمن بالهوية المغربية المتميزة، ولا بأثرها على السلوك الفكري والثقافي والسياسي للمغاربة في كل مناطقهم المحررة منها والمستعمرة، وما يؤكد على أن هناك اتفاقا استراتيجيا بين السلطات الإسبانية الاستعمارية، وبين الجماعات الأصولية في ظل مصالح مشتركة ومتبادلة بينهما، هو أن الجماعات الأصولية التي تتحرك في ظل مشروع " التهريب الديني" لها مقاصد دينية تقضي بتغيير ومسخ الهوية الوطنية على مستوى تدين الناس بصفة عامة، وفي علاقة هذه الهوية بإمارة المؤمنين بصفة خاصة، بشرط أن تقدم هذه الحركات الأصولية ولاءها للسلطات الإسبانية والتي ليس لها أية شرعية ولا مشروعية دينية، كما هو الشأن لإمارة المؤمنين، بل ليس لها –إسبانيا- حتى مشروعية مدنية، ما دامت مستعمرة ومستوطنة، حتى وإن تحدثت زورا وتزويرا عن "إسلام إسباني"، ذلك أن مشروعها استيطاني واستعماري واستحواذي، فضلا عما ذكرناه سالفا من أنها لا تملك أي شيء تقدمه في هذا المجال في ظل حديثها عن "سيادة السلطة العلمانية"، وحديثها عن " الحرية الدينية"، ولذلك نجدها تتحدث في " العنصر الثاني" من " الالتزام الثالث" مما أسمته ب " الميثاق الاجتماعي" عن"إعداد أطر مؤهلة منتدبة من طرف الجمعيات الدينية..." ويتوسع هذا الفعل أكثر ضمن البند(ب) من "العنصر الثالث" من " الالتزام الثالث" السالف الذكر في حديثه عن القيمين الدينيين بمليلية بالقول:" يجب على السلطات العمومية بتعاون مع الجمعيات والهيئات المسلمة المعترف بها"، وبهذا يتم التبادل البراغماتي استراتيجيا بين السلطات الإسبانية وجمعيات الالتقاط الأصولي حول مشروع التهريب الديني المستهدف لهوية الإسلام المغربي، شريطة أن تقدم هذه الجمعيات والشخصيات المتأسلمة البيعة للسلطات الإسبانية المستعمرة، وتفكها وتفصلها عن إمارة المؤمنين، ولها في ذلك الحرية في ممارسة كامل تهريبها.ذلك أن السلطات الإسبانية مهما حاولت التستر خلف شعارات " الحرية والديمقراطية والحكم الذاتي والعلمانية والتواصل الثقافي والتعددية والمواثيق الدولية الحقوقية والثقافية" إلا أن مخالبها الاستعمارية تظل بارزة ومخلفات جروحها ظاهرة، حتى وإن أشارت إلى مسائل لا تتعلق بالتدين من قبيل الهوية واللغة الأمازيغية لمسلمي مليلية، ففي "الالتزام السادس" من الميثاق نجده يتحدث على وجوب احترام التعددية الثقافية واللغوية والإعداد والتنفيذ البعدي ل " الخطة المندمجة لحماية الثقافة واللغة الأمازيغية." لكنها تضعه أسفل إلزامية الأهداف الاستعمارية على المستوى اللغوي، ولذلك فإنها تقيده بالقيد المصنف في (ت) من "الإلتزام السادس" نفسه بالقول:" لا يجب في أية حال من الأحوال أن تنفذ الخطة على حساب اللغة الرسمية الإسبانية، أو على حساب وجوب وضرورة تعلمها " ولعل هذه الشروط والمسبقة والتقييدات الملزمة تعري زيف وكذب ما سلف من عبارات" الحرية والتواصل" الممنوحة للسكان الأصليين، وأنها لا تعدو عن كونها ماكياج سياسوي سرعان ما يسقط ويزول حينما يصطدم بالمرامي الاستعمارية، التي تكتسب صفات وصيغ إلزامية وقسرية تفترس وتنهش كل خيار أو اختيار تحرري اعترضها، وهذا نفسه ما يذكرنا باستعمالات مفهوم " الحرية والديمقراطية" لدى القوى والأحزاب الأصولية التي تستعملها بدورها كواجهات واستعمالات لا تؤمن بعمقها لدى الطرح الأصولي العالمي، ويكمن التشابه بين الأطروحتين الأصولية والاستعمارية أنها تسمح لك بممارسة الحرية من داخل الاستعمار والأصولية لا من خارجها، وإذا كان هنا رهان السلطات الاستعمارية الإسبانية على حركات التهريب الديني قويا مادامت هي لا تملك شيئا تقدمه فيما أسمته " إسلاما إسبانيا"،فإن رهاننا نحن المغاربة وكافة القوى التحررية قويا أيضا على القوى التي تمثل الإسلام المغربي من زوايا وطرق صوفية وجمعيات مدنية ديمقراطية حداثية ومحافظة مستقلة في صيانة وحفظ الإسلام المغربي والهوية الأمازيغية الوطنية برعاية إمارة المؤمنين. " ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" صدق الله العظيم.