إن الفقر والعجز عن كسب وانتاج ما يكفي لاعالة المرء وأسرته، بجانب الحرب والصراع المدني والاضطهاد وغياب الأمن، كلها دوافع شخصية قد تكره كثير من الناس على الهجرة بحثا عن العمل أوالتماسا للجوء والحماية في بلد آخر. وبجانب هذه الأسباب، التي تدفع الناس عن الهجرة مكرهين وغير مختارين، هنالك أسباب مرتبطة بنفس وسيكولوجية الشخص الميالة إلى السفر ارضاء لرغبة أو تحصيلا للعلم أوبحثا عن مغامرة. وتكمن حوافز أخرى في نهج مجموعة من الدول، منها الأوروبية لسياسات جاذبة للمهاجرين، بغية إعادة البناء والإعمار غذاة الحرب العالمية الثانية، أو لتغطية حاجات اقتصادها من الأيدي العاملة، الذي عرف قبل 2008 تاريخ اعلان الأزمة المالية، نموا مبهرا ومتميزا أو من أجل تحقيق توازن في تركيبة هرمها السكاني، الذي أظهرت بحوث خبراء واحصائيات رسمية أنها ستعرف خللا في الفئة الشابة والنشيطة، الأسباب التي شجعت الدول الأوروبية على الهجرة إليها. إلا أن السياسة المستميلة للمهاجرين لم تعرف استقرارا مع تداول برامج سياسية مختلفة على تسيير الشأن العام في أوروبا بين أحزاب اليمين والأحزاب الاشتراكية، فالأولى وخاصة المتطرفة منها تنظر إلى الهجرة كخطر على الأمن والهوية الوطنية، بينما الثانية ترى في تنوع المجتمعات وتعددها غنى وقوة لها. فبدأت منذ السبعيناب، وبعد عقود من الإنفتاح والتسريح بوادر التشدد والاحكام في دخول الاقليم والتراب الأوروبي من الشرق والجنوب، وأطبق وأحكم في سنوات التسعينات. إذ سنت الدول الأوروبية نظام التأشيرات المسبق من أجل السماح بالدخول إلى إقليمها وترابها، فاضمحلت بسبب ذلك إمكانيات وفرص وامكانيات شباب المستعمرات الأوروبية القديمة بافريقيا في الوصول إلى القارة العجوز بالطريق القانوني والعادي. إلا أن تعقيد الاجراءات القانونية وإغلاق الحدود ومراقبتها من البر والجو والبحر، أبعد من أن يشكل عائقا للشباب في تحقيق حلم الهجرة إلى أوروبا، فظهرت محاولات للهجرة والسفر خارج نقط العبور المعتادة: مطارات وموانئ ومراكز الحدود البرية، واتخاذ مسارات سرية ووعرة وباستعمال وسائل خطرة أو عبر معابر معروفة باستعمال هويات مزيفة، وهو الشيء المعبر عنه تارة بالهجرة غير الشرعية وتارة أخرى بغير القانونية وأحيانا أخرى بالسرية أوغير النظامية. إلا أن الدول الأوروبية لم تبق مكتوفة الأيدي أمام التحدي الجديد، الذي أظهره الشباب في تخطي الحواجز المادية والقانونية والتكنولوجية، ولو تضحية بالنفس، فعمدت بدءا إلى توحيد سياساتها في ميدان الهجرة منذ قمة تامبير ولهاي وستوكهولم، حيث جعلت من أولى أولوياتها محاربة الهجرة غير القانونية، فتحولت الحيلولة دون ولوج الشباب الأفريقي لأوروبا إلى قواعد و تدابير تمنعهم وتعاقبهم على مغادرة أوطانهم. وقد بدأ مسلسل ذلك عن طريق ابرام اتفاقات ثنائية مع بلدان المصدر والعبور، تحت اسم التدبير التعاوني في ميدان الهجرة، التي تجعل من التزام دول المصدر المساهمة والمشاركة في مراقبة أفواج الهجرة والقبول بترحيل المهاجرين إليها في مقابل الاستفادة من حصة من الهجرة الشرعية ووعود من أجل الدعم و المساعدة بعناوين متنوعة، حسب كل مرحلة، المساعدة من أجل التنمية أو الشراكة من أجل التنمية، أو في إطار الوضع المتقدم الممنوح لبعض الدول منها المغرب وتونس، حيث لا يتعدى في أحسن الأحوال ما تخصصه الدول الأوروبية لأداء إلتزامها المذكور نصف نقطة من ناتجها الوطني. فنتج عن تلك السياسة وقوع دول الشمال والغرب الافريقي في شراك وشرك وخطيئة اتفاقيات التعاون في ميدان تدبير الهجرة فرضت بموجتها الدول الأوروبية عليها واجب مراقبة حدودها الخارجية ومساعدتها ومشاركتها فيه. وهو ما أثر مباشرة على مسار الهجرة وحقوق المهاجرين، لأن ذلك لم يوقف فعل ورغبة الهجرة لدى الشباب بقدر ما فتح المجال للبحث عن مسارات جديدة في الجنوب كما في الشرق والكل من أجل الوصول، مسارات أكثر بعدا أكثر خطورة وأكثر كلفة انسانيا بالنظر إلى عدد الضحايا الذين يموتون غرقا، والتي تنيف على الأربعين ألفا في كل سنة أو بالنظر إلى أعداد المفقودين المرتفعة بسببها. هذا العدد سجل انخفاضا سنة 2011 فانخفض إلى 1500 شخها لقوا حتفهم في عرض البحر. ومن آثار ذلك أيضا تغيير في ميزة وطبيعة البلدان المصدرة للمهاجرين منها المغرب، الجزائر ، السينغال ، النيجر وموريتانيا، التي تحولت في مرحلة أولى إلى مرحلة للعبور وأخيرا اعتبرت وجهة واستقبال لعديد من المهاجرين، حيث يقدر عددهم في المغرب لأكثر من أربعين ألف شخص، مرابطين في غابات كروتشا قرب مدينة فرخانة المتاخمة لمليلية أو غابة بليونش المحادية لمدينة سبتة، وفي الشرق بمدينة وجدة ذات الحدود مع الجزائر النقطة التي يرحل اليها المهاجرين الأفارقة من قبل السلطات المغربية تنفبدا لأحكام تنعدم فيها وفي الإجراءات التي تسبقها شروط وضمانات المحاكمة العادلة، لنا عودة في مناسبة لاحقة لهذا الموضوع. وكان لسعي الدول الأوروبية لتوحيد سياساتها في ميدان الهجرة، عبر تشريع البرلمان الأوروبي لمذكرات وتوجيهات تلتزم دول الإتحاد بادماج قواعدها في تشريعاتها الوطنية داخل أجل محدد، منها مذكرة الترحيل والعودة، أو من خلال مصادقة مجلس أوروبا لإطار سياسي في ميدان الهجرة، كالميثاق الأوروبي حول الهجرة واللجوء، المصادق عليه خلال رئاسة فرنسا للإتحاد، أو عبر اتفاق متعدد الأطراف، يجمع كافة البلدان الأوروبية كاتفاق دبلن 2004 حول اللجوء، أو عن طريق المفوضية الأوروبية في إطار آلية سياسة أوروبا للجوار وآلية المساعدة الأوروبية وغيرها من القنوات والآليات الأوروبية. أو تنفيذا لخطط وطنية في مجال الأمن وغيرها. وتعتمد الدول الأوروبية على قوتها كمجموعة وكتلة تفاوضية متماسكة، تفرض بمقتضاه على دول شمال وغرب وساحل افريقيا الضعيفة اقتصاديا و المفككة سياسيا، في النهاية القيام بدور الحارس لحدودها والمرتزق المصد لأفواج المهاجرين، الذين اصبحوا هدفا وصيدا للإعتقالات والطرد الجماعي، غالبا خارج أي إطار قانوني أو إداري، ولئن احترم فهو شكلي ومجرد من أية ضمانات تمنحها القواعد القانونية الوطنية والقانون الدولي للهجرة ولحقوق الإنسان. حيث وجد آلاف الأشخاص أنفسهم يتحركون مكرهين بسبب الطرد وسط مناطق محددة، من المغرب إلى الجزائر وموريتانيا. ومن الجزائر إلى مالي والنيجر. ومن موريتانيا في اتجاه السينغال ومالي . ومن ليبيا في اتجاه النيجر ومالي وقد وصل مدى ضغط الدول الأوروبية على دول الجنوب الحارسة في إطار الإتفافيات المشار إليها آنفا وغيرها من المحادثات السياسية حول الهجرة، منها المؤتمرات الوزارية الأوروأفريقية منذ مؤتمر طرابلس والرباط 2006 وباريس 2008، أن فرضت على الدول الأفريقية إجراء تعديلات تشريعية لتجريم الهجرة وتنقل الأشخاص، نضرب مثالا على ذلك تقانوننا الوطني، إذ صادق البرلمان المغربي على قانون دخول وإقامة الأجانب بالمغرب والهجرة غير الشرعية، الذي تضمن المادة 50في نفس سياق التجريم، ضدا على روح المادة 13 من الإتفاق العالمي لحقوق الإنسان، الذي يضمن لكل شخص الحق في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده، ونفس الحق أكد علية العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما أن إذعان دول الجنوب ومساهماتها في سياسة إغلاق الحدود أثر في نفس الوقت على حق التماس الحماية عبر نظام اللجوء في البلدان الأخرى خلاصا وهربا من الإضطهاد، المضمون بمقتضى المادة14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. يبقى أن نشيرإلى أن مجموع القواعد والإجراءات والتدابير المادية والقانونية، من خلال وضع الدول الأوروبية لنموج أوربي موحد وتفرض تنفيذه على الدول الأفريقية لتدبير الهجرات وضبط الحدود، منها المغمرة التي سيقدم عليها الغرب في مالي يهدد بنتائج خطيرة على الإستقرار في المنطقة ككل، كما يشكل خطرا على عادات وتقاليد الإستقبال الأساسية في هذه البلدان من منظور ثقافي واقتصادي أو من منطق أمن المواطنين الأفريقيين في منطقة لا زالت أغلب بؤر التوتر فيها لم تسو بعد. فماهية المكاسب التي بموجبها تحتفل الدول الأوروبية باليوم العامي للمهاجر وهي لم توقع على اتفاقية حقوق العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم 18 دجنبر 1993 وماهو التراكم الذي سجلته الدول النامية الموقعة عليها بما فيها المغرب، الذي مواطنه رئيس لجنة الاتفاقية لصالح هذه الفئة، غير المحاكمات غير العادلة والطرد الجماعي والمطاردات في الغابات والشوارع والتمييز. أملي أن نمتع المهاجرين الأفارقة وغيرهم بقدر من الحقوق التي نطالب بها لمواطنينا بالخارج وأن تحترم حقوقهم وحرياتهم الأساسية لأن الحقوق والحريات للجميع ولا تعترف باللون ولا الحدود. *خبير في القانون الدولي للهجرة [email protected]