سيسجل التاريخ أن حزبا إسلاميا يحمل تسمية "حزب العدالة والتنمية" في بلاد المغرب الأقصى، وخلال أوائل العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين، اقترف خطأ وذنبا كبيرا في "حق القومية والأمة العربية والإسلامية"، خصوصا أن السياق والظرف كانا لفائدة "صحوة الأمة" وانقضاضها على الحكم، بعد ما قبل بالمصادقة على دستور يقر بترسيم لغة "غريبة" اسمها اللغة الأمازيغية، وبالإقرار بتعدد مكونات الثقافة والهوية في هذه البلاد التي تحد خريطة العالم الإسلامي على ضفاف المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط من الجهتين الغربية والشمالية على بعد بعض الكيلومترات من بلاد الإفرنج. سيسجل التاريخ أن حزب العدالة والتنمية في المغرب هو الذي أشرف، مرغما أو عن طيب خاطر، على سن قانون تنظيمي يقر بالمساواة كاملة بين اللغتين العربية والأمازيغية وبين الثقافتين العربية والأمازيغية في الحياة السياسية والإدارية وفي مجالات الحياة العامة الوطنية في هذه البلاد. وفي ذلك "إثم كبير ومشاركة علنية في التشريع والتنفيذ لمخطط صهيوني ضد وحدة الأمة"، يا أمة ضحكت من جهلها الأمم! سيسجل التاريخ أن هذا الحزب الذي طالما عارض وعادى أي إقرار بالتعدد اللغوي والثقافي والهوياتي بالمغرب، وهو حزب العدالة والتنمية الذي سبق أن احتقر أمينه العام أبجدية تفيناغ عندما وصفها قدحا "بالشنوية" في عز حملته الانتخابية، وهي التي يزعم أنصار هذه اللغة والثقافة بأنها أبجدية لغتهم التاريخية، أن هذه الحكومة هي التي وضعت وبدأت في تنفيذ القانون التنظيمي الذي بمقتضاه يتم تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في مختلف مجالات الحياة العامة والمؤسسات العمومية بما في ذلك منظومة التربية والتكوين، وذلك باعتماد مبدأ الإلزامية والتعميم في التعليم، والمعيرة والتوحيد التدريجي للفروع اللسانية والكتابة بحرف تفيناغ العريق. سيسجل التاريخ أن وزراء وحكومة حزب العدالة والتنمية الذي طالما روج لمشروع التعريب الشامل للحياة العامة، ووعد مناضليه ومنتخبيه وناخبيه المغبونين، سرا وعلنا، بتوحيد وتأحيد لغة وثقافة وهوية الأمة ومنظومتها القيمية، واستمالة أصواتهم بعد أن شحنهم بأفكار وردود وجدانية عمياء، هو الحزب الذي، وفي عز ولايته الحكومية وبعد أن تقرر ترسيم اللغة الأمازيغية وتعدد الهوية الوطنية، تم سن قوانين تفعيل رسمية هذه اللغة والثقافة في جل مناحي الحياة العامة المغربية. سيسجل التاريخ أن وزراء من حزب العدالة والتنمية الإسلامي وفي قطاعات هامة بما في ذلك وزارة الدولة، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، ووزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني التي للأسف الشديد يقدم من يتولاها باعتبارهم أمازيغ الحزب ، هم من تم في ولايتهم الحكومية تصحيح مقولة "عروبة المغرب" وتغيير الخيارات الإيديولوجية للدولة والشروع في التفعيل القانوني للطابع التعددي للوضع اللغوي والثقافي في هذه البلاد البعيدة. سيسجل التاريخ أنه في مرحلة هذه الحكومة تقرر قانونيا حق الأطفال المغاربة في تعلم لغة أجدادهم وبأبجديتها العريقة تفيناغ، وصاروا يكتبون ويعبرون ويبدعون بها، وأن الطلبة في الكليات بالمغرب ينجزون بحوثهم حول اللغة والثقافة الأمازيغية وباللغة الأمازيغية المعيارية، وأن الإدارات والمؤسسات العمومية صارت تخاطب المواطنين بلغتهم الأمازيغية وتراسلهم بها، كما بدأ التقاضي في محاكم هذه الدولة بلغة تسمى "البربرية" فيما يسميها بعض أهلها بالأمازيغية. سيسجل التاريخ أن الحزب الحاكم ووزراؤه قاموا بكل هذا، ورغم أنفهم وبعد مقاومتهم الإيديولوجية الضعيفة، بدأت اللغة والثقافة والهوية الأمازيغية تستعيد حضورها وحيويتها ووهجها في "بلاد البربر" بعد أن ضن الأشقاء رحيلها إلى الأبد، "ويا ل الكارثة"، ويا ل المعجزة والنعمة! بدل أن يكون كل هذا مبعث فخر تاريخي واعتزاز سياسي بالنسبة لحكومة حزب العدالة والتنمية ووزرائه المستلبين، صار مثار مزايدة إيديولوجية ودوغمائية مثيرة للشفقة والسخرية، ويا للأسف الشديد!