قبل فترة غير بعيدة كنت كتبت مقالاً أتحدث فيه عن الصور النمطية التي تلاحق المغربيات اللواتي يعملن في دول الخليج (تحت عنوان لسن جميعاً نوال) رداً على الزوبعة التي أحدثتها بعض التصريحات الصحفية التي اعتبرتها حينها غير مسؤولة. ورغم اعترافي بأن بعض هذه الصور النمطية المغلوطة تستند إلى واقع مر معيش في الخليج يحرج المغاربة جميعاً، إلا أنني خلصت بأن هذه النماذج التي تشوه سمعة المغاربة رجالاً ونساءً على السواء هي الاستثناء الذي يروج في الإعلام وعلى ألسنة عامة الناس وتبقى القاعدة أو "الأغلبية الصامتة" كما سميتها هي الغالبة على جموع المغاربة الذين ارتضوا البحث عن لقمة عيش كريمة في أرض الخليج بعدما يأسوا من الجلوس على المقاهي أو الاحتجاج أمام البرلمان. واليوم أكتب عن صورة نمطية أخرى لا تقل قتامة وسوداوية بل واحتقاراً تلصق بجميع المغربيات اللواتي شاءت الأقدار أن يعملن في أي دولة من دول الخليج العربي أو المشرق عموماً، ألا وهي أن المغربيات يحترفن ممارسة السحر وأعمال الشعوذة وأنهن يسعين دوماً لإيقاع الرجال في حبائلهن بالاستعانة بقوى خارجية وأعمال خارقة مستعينات ببعض البخور والتمائم. حتى إن المرء لا يستطيع أن يفتح أي موضوع يكون المغاربة طرفاً فيه إلا وأتى ذكر السحر والشعوذة وطرق السيطرة على الرجال وجعلهم كالخاتم في أصابع النساء إذ يفعلون ما يؤمرون. ومرة أخرى تجد هذه الصورة رواجاً كبيراً في الإعلام وعلى ألسنة المشارقة. فقبل أعوام أنتج فيلم كوميدي مصري بعنوان "حبيبي نائماً" مثلت فيه مغربية (يا حسرة) دور مشعوذة تصف ترياقاً سحرياً لجعل شاب وسيم يغرم بفتاة بدينة. ومؤخراً أخذت هذه الصور طابعاً أكثر جدية حيث انتقلت إلى نشرات الأخبار، ومثال على ذلك ما تم بثه في جميع قنوات الإمارات مؤخراً عن القبض عن شبكة مكونة من 4 فتيات يمارسن أعمال السحر والشعوذة على الرجال بهدف أخذ أموالهم والاحتيال عليهم. ورغم تحفظ السلطات الإماراتية مشكورة على عدم ذكر جنسية الفتيات الأربع تصريحاً، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي الخليجية وحتى مساحات التعليق على الفيديوهات والأخبار زخرت بكم من التصريحات يجزم بأن الفتيات مغربيات إلى جانب كم كبير من التعليقات المهينة والعنصرية في حق أخواتنا المغربيات عموماً. المعضلة هنا كما هي مشكلة الصورة النمطية الأولى التي تحصر المرأة المغربية في خانة الفساد والانحلال الأخلاقي أن هناك فعلاً نماذج من فتيات مغربيات يؤمنّ بالسحر والشعوذة ويعتقدن بقوة التمائم والبخور وغير ذلك في جلب الرجال وتطويع كل صعب، غير أن هذه النماذج لا تشكل بحالٍ الغالبية من المغربيات اللواتي يتأذين هن الأخريات من انتشار هذه الصورة عنهن. وليس معنى أن تضل فئة من النساء فتقع في شباك السحر والشعوذة أن كل المغربيات هن ساحرات شمطاوات لا يعرفن معنى للأخلاق أو الدين، فعدا عن كون الأمر غير واقعي فإنه ينطوي على ظلم كبير للفئة الغالبة من المغربيات اللواتي يعملن بشرف وكد بل ويضرب بهن المثل في الاستقامة والأمانة، بل إن منهن واعظات دينيات مهمتهن الأولى تعريف الناس بدينهم وأخلاق الإسلام وتنفيرهم من كل ما يعد شركاً وكفراً بالله. الخطير في الأمر هذه المرة أن هذه الصورة النمطية خرجت من نطاق التندر والأحاديث العارضة لتصبح مسألة جدية تُستنفر من أجلها أجهزة الأمن وتلقى فيها التهم في ساحات القضاء وترسل فيها الحكومة رسائل واضحة لمواطنيها تحذرهم من خطر هؤلاء الفتيات على الأمن الاجتماعي والتماسك الأسري. إن كل المغاربة الأحرار ممن قرأوا وشاهدوا هذا الخبر وتعليقات الزوار على المواقع أحسوا بغصة كبيرة وألم يعتصرهم إذ يتم اختزال صورة المغربيات في هذه النماذج التي لا تشرفهم. ومن هنا كان لا بد من دق ناقوس الخطر، وبات على المغاربة جميعاً حكومة ونخباً ومواطنين خاصة من يعيشون في الخليج تبديد هذه الصور النمطية بالتركيز على النماذج المغربية المشرقة في الخليج - وهي كثيرة - بتسليط الضوء عليها في الإعلام والصحافة وحتى الأعمال الدرامية وإبراز دورها – فمن المحزن أن تكون المرة الوحيدة التي ينجز فيها تقرير تلفزيوني عن مغاربة الإمارات والخليج عموماً عند زيارة الملك فقط. وفي نفس الوقت وجب على المسؤولين المغاربة محاربة تسرب الفئات الضالة عبر توفير الغطاء القانوني والشرعي للعمل في الخليج وتوعية الوافدين من المغاربة بخطورة أي ممارسات خاطئة عليهم وعلى غيرهم من الذين لا يحصدون من أخطاءهم سوى السمعة السيئة والنظرات المتشككة. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد