اعتبرت الباحثة المغربية هند عروب أن الدستور الجديد لم يمنح للمغاربة مفهوم "المواطنة الحقة" فلا طبيعة الدستور ولا مضامينه تتماشى وروح المواطنة " أنا أرى أن المغاربة لا زالوا رعايا وكي يبلغوا مرتبة المواطنة هم بحاجة إلى مسار من الوعي التاريخي" تؤكد هند عروب في حوار خاص مع هسبريس. وحملت عروب المسؤولية للنظام السياسي القائم لأن " له الرغبة في أن يستمر و تستمر مصالحه، ويبقى على الإنسان المغربي رعية... ثم إن بنية إمارة المؤمنين لا تتوافق بالمطلق مع فكرة المواطنة، لأن أمير المؤمنين فوق المحاسبة، وفكرة المواطنة تكرس مبدأ المحاسبة والمساءلة". وعن الحراك الشعبي المتمثل في حركة 20 فبراير، قالت عروب إن هذا الحراك سرع بقرار التعديل الدستوري ، أي أنه كان وراء خطاب 9 مارس 2011 حول مسألة الإصلاحات الدستورية، لكن المنتوج طبعا لا يلائم ولا يساوق مسألة مطالب الحركة العشرينية. حيث ذهبت الباحثة في العلوم السياسية إلى أن حركة 20 فبراير ثم "استغلالها"، وعليها أن "تعيد قراءة أوراقها، وأن تفكر علميا واستراتيجيا في ما تريده في المرحلة المقبلة". وحول ما إذا كان النظام السياسي قد نجح في تخطي غضب الشارع، أجابت صاحبة "مركز هيباتيا الاسكندرية للتفكير والدراسات" بالقول: "المخزن لم يتخط بعد غضب الشارع.. ما زالت هناك أخطار اجتماعية، لأن الوضع غير مستقر" مردفة في ذات الحوار مع هسبريس بالقول: "من يعتقد أن المرحلة الحالية هي استقرار سياسي فإما أنه أبله أو لا يجيد قراءة الأوضاع. المخزن لم يفلت من غضب الشارع، فالمخزن كما هي عادته يلعب بأوراق ويحاول أن يثبت المرحلة الحالية ليدرس ماذا سيفعل في المرحلة المقبلة". وعن الحكومة الحالية بقيادة حزب العدالة والتنمية، اعتبرت عروب أن حزب المصباح كان ورقة موظفة لصالح "المخزن" بعدما تم "استهلاك" جميع الأحزاب، ومع ذلك "ما زالت هناك أخطار اجتماعية واقتصادية تحذق بالسياق المغربي الحالي، وورقة العدالة والتنمية التي تم توظيفها ها هي الآن تحترق" تورد عروب. نرحب بك دكتورة هند عروب في حوار جديد مع هسبريس شكرا.. ما يزيد عن سنتين أجرينا معك حوارا في هسبريس، وقلت بأن "المغاربة رعايا وليسوا مواطنين"، والآن بعد الدستور الجديد ل2011 وانتخابات 25 نونبر والتي أفرزت حكومة جديدة وشظايا الربيع العربي التي أصابت المغرب في نسخة 20 فبراير، هل أصبح المغاربة مواطنين ولم يعودوا رعايا برأيك؟ التحول من وضعية الرعية إلى وضعية المواطنة لا تتم بطريقة أوتوماتيكية، ولا تحصل لأن شخصا قرر أن يغير الدستور أو أن يعدل منه، وبالتالي تصبح المواطنة وكأنها نتيجة منطقية لقرار فوقي. المواطنة هي مسار مُكتسب يبلغه الفرد حين يبلغ مرحلة وعي معين، وعي سياسي واجتماعي، و حين يحقق وعيه بذاته أصلا: من هو، من يكون، ما هو دوره الاجتماعي، ما هي صلته بمن يحكمه، ما هو دوره كمحكوم. فحين يبلغ المحكوم هذه المستويات من الوعي بدءا من وعيه بذاته و حقوقه وواجباته إلى وعيه بحقه في اختيار من يحكمه و مساءلته و محاسبته، هنا يصير مواطنا. فالمواطنة مسار تاريخي ودينامي تتفاعل فيه عدة معطيات، ليست بالمطلق مسألة تمنح أو تهدى لأنه تقرر أن يُعدل الدستور، إذن أصبحنا مواطنين، ثم حتى هذا الدستور الذي تسأل أنت عنه هل منح المواطنة؟ فلا طبيعته و لا مضامينه تتماشى ومنطق المواطنة. أنا أرى أن المغاربة لا زالوا رعايا وكي يبلغوا مرتبة المواطنة هم بحاجة إلى مسار من الوعي التاريخي.. من يتحمل المسؤولية برأيك، هل السلطة السياسية أم الأحزاب السياسية أم أن المجتمع في حاجة إلى ثقافة المواطنة، أم ماذا؟ كل هذه العناصر مجتمعة، فلا يوجد مسؤول واحد، وإن كانت المسؤولية الكبرى يتحملها النظام السياسي لأن له الرغبة في أن يستمر و تستمر مصالحه، ويبقى على الإنسان المغربي رعية. فإذا عدنا مثلا إلى الدستور ففي فصله الجديد 41 ما زال يؤكد صراحة على مسألة إمارة المؤمنين، ثم إن بنية إمارة المؤمنين لا تتوافق بالمطلق مع فكرة المواطنة، لأن أمير المؤمنين فوق المحاسبة، وفكرة المواطنة تكرس مبدأ المحاسبة والمساءلة، مساءلة المحكوم لحاكمه. و الدستور يجب أن يكون تعاقديا بين الشعب ومن يحكمه، أي أن يكون الشعب نفسه مصدرا للسلطة. و ما زال الشعب المغربي في حاجة إلى أن يعزز ثقافته السياسية و المواطنة، وهنا طبعا تتحمل المسؤولية التنظيمات السياسية التي لا تقوم بلعب دور تثقيفي، ولا تمتلك آليات التواصل مع الشعب.فالأحزاب السياسية لا تتذكر المواطن إلا في فترات الانتخابات، هناك أيضا دور التنظيمات المدنية التي يجب أن تلعب دورا موازيا ولا أقول بديلا للأحزاب في عملية التثقيف السياسي و التثقيف على سلوك المواطنة، لهذا ينبغي تطوير آلياته وبرامجه وأن يهتم بما هو ثقافي في العمق، وهنا أقصد ثقافة المواطنة، ثقافة حقوق الإنسان، لنساعد الناس على أن يعوا ذواتهم كأفراد ضمن مجموعة مواطنة وليس رأسا ضمن قطيع، فالمواطن لا ينتظر تنزيلا من فوق، المواطن مبادر، المواطن له رأي ودور وموقف، المواطن له الحق في المحاسبة والمساءلة، والدستور الحالي مازال يؤكد على مؤسسة أمير المؤمنين، يبرز أن المخزن وعى المتغيرات المحلية والاقليمية في حدود كسب الوقت ليخمن في حلول أخرى تجنبه رياح الانتفاضات العربية، بينما المتغيرات الحالية باتت تحتم تغيير قواعد اللعبة بأسرها. هناك من يرد عليك بأن الدستور كان تعاقديا وثم إحداث لجنة استشارية، فبالرغم من كونها معينة، فهي استمعت للأحزاب وللمجتمع المدني من التنظيمات الشبابية والطلابية والنسائية والإعلامية... فالدستور كان تعاقديا مع جماعات وتنظيمات وهيئات..؟! لا ، الدستور لم يكن تعاقديا. هناك هيئات من المجتمع المدني رفضت أن تتداول مع هذه اللجنة لأنها معينة من الفوق، من قبل السلطة، والسلطة لا يمكن أن تكون حكما وخصما وطرفا في ذات الآن. اللجنة كان يجب أن تكون لجنة تأسيسية منتخبة من قبل الشعب، وليست معينة، إذن ما يبنى على باطل فهو باطل أصلا.أما مسألة الاستماع إلى كل الحركات وهيئات مدنية وسياسية وطلابية وشبابية... هذا لا يمنع أن هناك هيئات لم تجلس مع هذه اللجنة، لنظرا لطبيعتها ولكونها معينة، ثم إن الشخص المعين هو ممتن دائما لمن عينه، حتى وإن استمع لك وعبرت عن رأي ما، ففيما بعد، أي في المطبخ الداخلي، تحدث أشياء ليست لها صلة بالاستشارة، فهذه الاستشارة هي مسرحية أكثر منها استشارة فعلية، فالاستشارة و الاقتراح لا قوة و لا سلطة لهما أما منطق و إرادة المحزن. و لو أردنا أن ننصت حقا، و نؤسس دستورا تعاقديا، فلماذا لم نؤسس– في هذه الحالة-للجنة ينتخبها الشعب إضافة إلى هذه "القوى" المدنية والسياسية. محمد الطوزي وهو أحد أعضاء اللجنة المشرفة على دستور 2011، قال بأن الدستور الذي صادقت عليه اللجنة ليس هو الدستور الذي صدر في الجريدة الرسمية، إلى الآن فالأحزاب والهيئات الحقوقية لم تطالب بالتحقيق بما صرح به الطوزي.. ولن تطالب حاليا.. المسألة تتطلب جرأة سياسية وتتطلب أيضا جرأة أخلاقية وجرأة معنوية، لأنه ببساطة حين يخطب الملك بصفته أميرا للمؤمنين ويقول أناأوافق على هذا الدستور ويتم التصويت بنعم بنسبة ساحقة ومطلقة، بعدها لن تتجرأ الأحزاب أن تطالب بالتحقيق خصوصا الأحزاب المشاركة في اللعبة التي تقبل بمظلة هذا الدستور وبمظلة الحاكم. هل يعني أن التغييرات التي كانت بضغط من الشارع بمساهمة 20 فبراير لا تتفقين معها؟ أتفق معها، حصل هناك ضغط، والحراك الذي حدث سرع بقرار لتعديل الدستور... أقصد النتائج.. لكن النتيجة والمضمون ليست له علاقة بمضمون الحركية. الحراك والاحتجاج التي أتت به حركة 20 فبراير ثم التغيرات الإقليمية كالربيع العربي، سرع بقرار التعديل الدستوري ، أي أنه كان وراء خطاب 9 مارس 2011 حول مسألة الإصلاحات الدستورية، لكن المنتوج طبعا لا يلائم ولا يساوق مسألة مطالب الحركة العشرينية. إذن حركة 20 فبراير لم تستفد ؟! إذا أردنا الحديث عن حركة ثم استغلالها في هذا السياق، فهي طبعا حركة 20 فبراير، حركة 20 فبراير أعتقد يجب أن تعيد قراءة أوراقها، أن تفكر علميا واستراتيجيا في ما تريده في المرحلة المقبلة.لقد تم استغلال الحركة لأنه تم الركوب على الاحتجاجات الشعبية، على دينامية الشباب، سواء من قبل بعض الهيئات السياسية أو من قبل المخزن. فالمستفيد الأكبر إلى الآن هو النظام السياسي، وتحديدا المخزن، حيث تم القفز على الأحداث والرد السريع لتجنب أي تطورات يمكن أن تحدث عن هذا الحراك الشبابي الذي باستطاعته أن يجلبعددا كبيرا من الشعب ويتحول الحراك العشريني إلى حراك شعبي. كان من الممكن أن تحدث الأشياء كما في تونس ومصر. لكن طبيعة المخزن، وهنا يجب ألا ننسى، أن طبيعته تاريخيا اختزان الطريق والاستباقية، لكن حين تحدث أشياء غيرمتوقعةفالمخزن يسعى إلى أن يقفز حول هذه الأحداث. هذا ما حدث في خطاب الإصلاحات الدستورية، وبالتالي انقسم الشارع، وانقسمت كذلك الجماهير La masse. إذ باتت ترى فئة بأن الملك قدم خطابا حول الإصلاحات الدستورية وبالتالي أعلن الرغبة في الإصلاح وفي التعاطي والإنصات إلى الشباب، وطبعا الكل سيقول لك هناك إصلاحات دستورية ويجب أن ننتظر، وبناء عليه تم ربح ثلاثة أشهر ما بين شهر مارس وشهر يوليوز تاريخ الاستفتاء، ثم بعد تاريخ الاستفتاء هناك انتخابات تشريعية حدثت في شهر نونبر، ليجد الحراك العشريني نفسه محاصرا بهذه المرحلة الانتظارية التي استغلها المخزن حيث استشعر نبض الشارع وما يريده، وما هي الورقة السياسية التي يمكن استغلالها مستقبلا لضمان على الأقل سنة أو سنتين من أجل تثبيت هذا الحراك الشعبي، وطبعا كانت الورقة السياسية هي حزب العدالة والتنمية، وبعد استهلاك بقية الأحزاب، لم يكن ممكنا أن يعود الاستقلال إلى الحكومة، ولم يعد ممكنا أيضا أن يعود الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة، وطبعا الأصالة والمعاصرة لا يمكن، والأحزاب ذات الطبيعة اليمينية لم يكن ممكن استخدامها. إذن بقي الحزب الذي أبدى دائما رغبته في ولوج منابر السلطة و لم يلجها من قبل، لذا فالحسابات المخزنية استخدمت ورقة العدالة والتنمية لأنه يروج لخطاب أخلاقي ومحاربة الفساد، والشيء الآخر أن طبيعة الشعب المغربي مؤمن، إذ يرى في هؤلاء الناس تمثيلية الخطاب الديني. إذن كانت كل الأوراق رابحة لصالح المخزن، و بدأت حركة 20 فبراير في التقلص، وحين أطلع حول النعوت التي يوصفون بها بأنهم مجونيون وبأنهم حركة خارجة عن السياق وتريد أن تخلق البلبلة ومعظم عناصرها فاسدون وشباب ساذج لا يعرف ماذا يفعل... . إن المرحلة الحالية تتطلب من حركة 20 فبراير إعادة صياغة أوراقها وتحتاج إلى تأطير فكري وإلى استراتيجية عملية لتحارب أيضا المراحل المقبلة،لأن المخزن "ما تيتفلاش" حين يتعلق الأمر بضمان استمراريته وضمان مصالحه، فالمخزن تاريخيا أبان عن أنه لا يضيع الفرص، لكن هذا لا يعني أنه ربح المرحلة وربح السياق، ما زالت هناك أخطار اجتماعية واقتصادية تحذق بالسياق المغربي الحالي، وورقة العدالة والتنمية التي تم توظيفها ها هي الآن تحترق، أضف إلى ذلك نسبة الفقر المتفشي ونسبة العطالة المتفشية، يكفي أن تكون لديك كثافة سكانية شابة عاطلة عن العمل، إذن أنت تهيئ لقنبلة موقوتة... هناك من يرى أن الحراك الشعبي المنظم انتهى مع حركة 20 فبراير، وأن "المخزن" استطاع أن يتخطى غضب الشارع.. كما أن أحد الوزراء الحاليين في الحكومة صرح بأن المغرب أصبح يعود إلى ما كان عليه في عام 2009.. المخزن لم يتخط بعد غضب الشارع كما أسلفت في جوابي السالف، ما زالت هناك أخطار اجتماعية، لأن الوضع غير مستقر، من يعتقد أن المرحلة الحالية هي استقرار سياسي فإما أنه أبله أو لا يجيد قراءة الأوضاع.المخزن لم يفلت من غضب الشارع، فالمخزن كما هي عادته يلعب بأوراق ويحاول أن يثبت المرحلة الحالية ليدرس ماذا سيفعل في المرحلة المقبلة، بمعنى أن الحراك الاجتماعي لم يسكن، وما زالت كل المقومات التي تشعل هذا الحراك قائمة على مستوى الوضع الاقتصادي والاجتماعي ثم السياسي، حين يتبين للشعب بأنه حتى العدالة والتنمية غير قادر على محاربة الفساد ولا على أن يحقق أجندة وانتظارات الشعب، و الانتظارات الشعبية تتمثل في الشغل والخبز والسكن والأمن الاجتماعي والغذائي والأمن السياسي، لكن المخزن إلى الآن لم يع كل هذه الأمور، وكل ما يقوم به حاليا هو لصالحه، أي ،أن يحقق أمنه وأن يضمن استقراره.. طيب. هناك من يتحدث عن التنزيل الديمقراطي للدستور؟ من يقف أمام هذا التنزيل هل المربع الملكي كما نتابع في بعض التصريحات الصحفية، أم أن الحكومة عاجزة على إغضاب المربع الملك إلى درجة أن رئيس الحكومة رد على أحد أعضاء حزبه، البرلماني عبد العزيز أفتاتي، بأنه يشوش على الحزب؟ وهل ترين أن العدالة والتنمية لا يزال يحتفظ برجل في المعارضة حتى يحافظ على شعبيته كما يتهمه خصومه؟ طيب، بعد الاستفتاء الدستوري لا بد أن يدخل هذا الدستور حيز التطبيق، وبالتالي من يملك سلطة القرار السياسي بمعنى من يحدد زمنية التنزيل الديمقراطي، وهذه الكلمة أضعها بين قوسين، للنص الدستوري، لا أعتقد أنه قرار بنكيران أو حكومة بنكيران، لأنه إلى الآن كل ما أفلح فيه بنكيران هو اعتذاراته للملك.كان يتحدث خطاباته أثناء الحملة الانتخابية عن محاربة الفساد،و ها هو اليوم يقول عفا الله عما سلف، و شخص بهذا المنطق لا يمكن أن يكون خلف مسألة التنزيل الدستوري الذي هو جزء من مرحلة يدخل فيها العنصر الفاعل أي الملك ومحيطه، بمعنى أنه تُعطى الإشارات، وهذه الإشارات يتم التقاطها وعلى أساسها يتم العمل. أما مسألة كل الأسماء مثل أفتاتي وغيره،فليسوا هم صناع اللعبة السياسية، هم مجرد أدواتها. أنا لا أشكك في نوايا الأشخاص، عندما يعبر عضو من العدالة والتنمية عن رأيه، ومن حقه أن يختلف مع رئيس حزبه، ومن حقه أيضا أن يعبر عن رأي مخالف لما تقوم به حاليا الحكومة التي يمثلها حزبه، العدالة والتنمية، أما حين يلجأ بنكيران إلى إخراس هذه الأصوات، فهي مسألة تذكرنا بأن كل شاة ينبغي أن تظل ضمن القطيع.لكن إلى أي حد أن هؤلاء الأشخاص الذين ينتقدون من داخل حزب العدالة والتنمية هم صادقون في نواياهم، أم هي فقط خرجات إعلامية أم مزايدات سياسية؟ لا أحب أن أتحدث في مثل هذه الأشياء ( أي فلان قال لعلان لأنهم مجرد أدوات للعبة السياسية)، ولا أود أيضا أن أشكك في نوايا الناس، لكن في نفس الآن و في نظري لو كنت أنتمي إلى هذا الحزب لكنت عبرت عن رأي وموقف يخالف السياق العام لهذا الحزب.. عرفت الفترة الأخيرة ولأول مرة نقاشا ساخنا حول البيعة وطقوس البيعة والولاء بالمغرب ذهبت لحد تنظيم وقفة للولاء للحرية والكرامة بالرباط تمَّ قمعها ثم وقفة أخرى بباريس،علما أن البيعة من أصول شرعية الحكم في المغرب، ما هي قراءتك لهذه الأحداث والتحولات، وأنت دكتورة هند سبق أن ناقشت الموضوع في أطروحتك الجامعية؟ طبعا، حاليا بعد أن تكسر جدار الخوف، أعتقد أن المرحلة الآنية تستوجب أن نضع كل النقاشات من هذه العينة فوق الطاولة، وأن نكتب فوق السطور ما نفكر فيه. شخصيا كنت من الذين كتبوا حول هذه المسألة، وكتاباتي منشورة ومعروفة وهي تتحدث بشكل صريح وواضح عن طقوس البيعة والولاء، وأعتبرها طقوسا قروسطية ولا يمكن أن تنسجم مع روح الديمقراطية، ولا يمكن أن تنسجم مع روح المواطنة، ولا يمكن أن تنسجم مع السياقات الحالية، لأنها طقوس بطبيعتها عبودية ترتبط بمسألة الركوع وبمسألة أن نستظل بظل الله في الأرض. و كل طقس في مسألة البيعة هو يُدرس، من مسألة المظلة إلى اللباس إلى الخيل المستخدم، ومسألة العبيد، من يردد العبارات المستخدمة، كيفية اصطفاف من يعتبرون نواب الأمة، كل هذه الطقوس في نظري لا صلة لها بروح الحداثة، وإن كان دستور 2011 يدعي الديمقراطية ويدعي الحداثة فهو دستور متناقض لأنه يبقي على إمارة المؤمنين، ويبقي على دستور البيعة والولاء، وأيضا يبقي على مسألة أن كل ما يلفظه الملك فهو غير قابل للنقاش، بينما نحن في مرحلة كل شيء قابل للنقاش، وكل شيء ينبغي أن يطرح فوق الطاولة.. حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة الحالية رفع في حملته الانتخابية شعار "محاربة الفساد والاستبداد" الآن رئيس الحكومة يتحدث عن "العفاريت والتماسيح" ويقول "عفا الله عما سلف" ... كيف ترين الموضوع؟ (تضحك)...بطبيعة الحال هو منطق مختل إذا كنا نريد أن نؤسس لمرحلة انتقالية وأن نؤسس لمرحلة جديدة، لا يوجد عفا الله عما سلف فيما يتعلق بالفساد، لأنها أموال الشعب، ولأنها مصالح عامة، بالنسبة لي، ومرة أخرى، روح المواطنة وروح الديمقراطية التي تحدثنا عنها في البداية تفترض مسألة المساءلة والمحاسبة، لا توجد أشياء من قبيلإن الماضي فات ويجب أن يُقبر، لا .. يجب أن يصير من سمحوا لأنفسهم أن يفسدوا عبرة للآخرين، يجب أن يكون هناك درس سياسي عقابي. وهذا المنطق هو من تناقضات دستور 2011 وتناقضات خطاب المرحلة الذي يتحدث عن دولة الحق والقانون وعن سيادة القانون.فمن خصائص مبدأ سيادة القانون المساءلة والمحاسبة، لا يوجد عفا الله عما سلف، ثم إن هذه العبارة، أقصد عفا الله عما سلف، لا تمثل إلا صاحبها، بمعنى هل استفتى بنكيران الشعب؟ هل سئل الشعب سؤالا: هل تتطلب المرحلة أن نعفو؟ .. أعتقد أن هناك بعض الأخلاق من قبيل العفو عند المقدرة، لا ينبغي أن ندخلها في هذه السياقات وفي هذه الأمور، لأننا بحاجة إلى أن نؤسس لمرحلة جديدة يكون فيها كما يقولون هم في خطاباتهم: الحلال بين والحرام بين. لنعد إلى كتابك الأخير الصادر باللغة الفرنسية حول "المقدس والاعتقال السياسي"، وعلاقة بموضوع المحاكمات من أجل المس بالمقدس الواردة في كتابك، من في نظرك المسؤول؟ الجهاز الأمني أم الجهاز القضائي، أم السلطة السياسية؟ كل هذه العناصر مسؤولة والإعلام أيضا مسؤول لأنه لا يسلط الضوء على هذه القضايا، وحتى بعض الهيئات الحقوقية التي لا تسلط الضوء على مثل هذه القضايا هي مسؤولة، لأن هناك هيئات حقوقية قليلة تسلط الضوء على مثل هذه القضايا. والحقيقة ان كل من يعتبرنفسه فاعلا في هذه البلاد فهومسؤول. ومسألة الاعتقال باسم المقدس مرتبطة بطبيعة وبنية النظام في حد ذاته، وبالتالي كل ما يتبع لهذا النظام يصبح مسؤولا، بمعنى أن السلطة السياسية مسؤولة، والجهاز الأمني مسؤول، والنظام القضائي مسؤول،فجهاز العدالة هو جهاز غير مستقل. مرة أخرى أعود إلى متناقضات الدستور، وهي أنه لا يوجد فصل بين السلطات، إذ حين نتحدث عن إمارة المؤمنين نتحدث عن سلطة تنفيذية وتشريعية وقضائية بين يدي الحاكم، وفي ذات الآن نتحدث عن سلطة قضائية مستقلة. إن الواقع يثبت لنا أن هذا الكاريكاتير الخطابي غير فاعل، وأن جهاز العدالة هو جهاز غير مستقل.ففيكتابي الأخير رصدت الحالات التي تم فيها الاعتقال باسم المقدس قبل دستور 2011 وبعد دستور 2011، لنجد أنفسنا أمام محاكمات سياسية نظرا لطريقة الحكم والكيفية التي تمت بها المحاكمات.وكثيرون حوكموا دون دفاع.لقد تناولت فترة الاعتقالات التي عرفتها العشرية الأولى من حكم محمد السادس، و يكفي الاطلاع على هذه الحالات، و على محاضر الضابطة القضائيةوعلى الأحكام وصيغة المحاكمات، ليثبت لنا أنها محاكمات سياسية، وأمنية أكثر منها محاكمات تصرف فيها النظام القضائي بشكل مستقل.. على ذكرك للحركات الحقوقية، وأنت لك تجربة في هذا الشأن، ما هو تقييمك لأداء الحركة الحقوقية بالمغرب من حيث الإنتاج كما و كيفا؟ والقدرة على التأثير في القرار؟ و التفاعل مع الضحايا؟ و هل من مؤاخذات؟ فيما يتعلق بالحركة الحقوقية والحركة المدنية فهي مجموعة حركات، ونحن لا نتحدث هنا عن حركة متجانسة أو حركة ذات مرجعية واهداف موحدة، نتحدث عن خط حقوقي ما زال يؤمن بخط المقاومة وما زال يؤمن بخط النار والضغط وتسليط الضوء على الخروقات والانتهاكات من قبل الدولة، وهناك أيضا هيئات حقوقية للأسف تداهن السلطة، نتذكر مسألة سيدي إفني وأحداث عدة من قبيل مسألة الاعتقال باسم المقدس،..الخ، لنتبين أننا لسنا أمام حركة حقوقية موحدة رغم وجود الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان. الحركة الحقوقية تحتاج إلى التضامن و التماسك و إلىتطوير آلياتها، و تطوير استراتيجيتها، وحتى تفكيرها، وتحتاج إلى مقاربة ميدانية و علمية بيحقلية. أن يتعامل معها الباحثون وتتعامل مع البحث العلمي، وتحتاج أيضا أن تتواصل أكثر وتخلق قنوات تواصلية مع الجماهير. لأننا أحيانا نجد أنفسناضمن حركات مغلقة نمارس خطابات ذات طبيعة نخبوية نحن نستوعبه، لكن أين الجماهير من هذه الخطابات؟ إذا كانت الحركة الحقوقية بالمغرب تعتبر نفسها مدافعا عن الحق الجماهيري فيجب أن تتواصل أكثر مع هذه الفئات، أن تستشعر نبض هذه الفئات، وأن تحس بمشاكل هذه الفئات، وأن تبسط أيضا خطابها لتتفاعل مع هذه الفئات، وفي ذات الآن أن تتفاعل مع الأكاديميين الذين هم أيضا يمدون ايديهم لهذه الحركة ليطورا من سياقات العمل خاصة الآليات والاستراتيجيات وطريقة التفكير وطبيعة المشاريع. ألا تظل حركة رد فعلية، أي حين يقرر المخزن كذا أو حين يقوم المخزن بكذا، يكون الرد ببيان أو بوقفة احتجاجية مثلا. نريد أن تبلغ الحركة الحقوقية مبلغ المبادرة والفعل، أي أن تكون فاعلة وتجعل المخزن يقوم برد الفعل.. إلى ألان ما يزال هناك تدبدب يسم الحركة الحقوقية بالمغرب. وهذه الوضعية ينبغي أن نتفهما أيضا لأنه يجب أن نستوعب سياق هذه الحركة الحقوقية وكيف نشأت وكيف تطورت ومن هم الفاعلون الحاليون ...الخ. وكل هذه الأسئلة يجب أن تدخل في اعتبارات سؤالك لنرد عليها. طيب. من سنة 2010 إلى سنة 2011 تراجع ترتيب المغرب في سلم التنمية البشرية من 114 إلى 130 وفي سلم الديمقراطية من 116 إلى 119 و في سلم حرية الصحافة من 135 إلى 138 ... تماما... من المسؤول؟ النظام الحاكم..الهيئات السياسية، الشعب يجب أن يسائل. ولا يجب أن ننخرط مع بنكيران في مقولته عفا الله عما سلف، لأنه أولئك الذين قاموا بما سلف مسؤولون على هذه النتائج.وأيضا لا توجد إرادة سياسية حقيقية تبحث عن الصالح العام وتبحث عن تطوير هذه الوضعية المزية. فالمخزن ومحيطه يبحث عن استمراريته ومصالحه بأي شكل من الأشكال، وهذه الأرقام والمراتب، ونضيف إلى هذه المراتب مراتب الجامعات المغربية- أي العلم-، تبين أنه من ناحية لا توجد إرادة سياسية، وتبين من ناحية أخرى، أن كل الخطوات المتخذة باسم الديمقراطية والإصلاح هي خطوات تأخذنا إلى الوراء، لأنها لا تروم لا الإصلاح ولا التغيير. وإن كنت أقول،و كما أكتب دائما،إن ما يحتاجه المغرب هو تغيير جذري ولا نحتاج فقط الإصلاح. لقد بلغنا مرحلة لم تعد تفيد فيها المسكنات.. نحتاج إلى تغيير جذري ينطلق من الفكر.. ماذا تقصدين بالتغيير الجذري، تغيير البنية الفكرية أم تغيير الشخوص؟ حين تتغير البنية الفكرية، والبنية الثقافية، يتغير معها بشكل منطقي الشخوص... فالشخوص فيما بعد لن يتواءموا مع هذه البنية ولن يجدوا لأنفسهم فيها مكانا.. في أطروحتك الجامعية ناقشت الحركات الإسلامية من موقع مفهوم "الشريعة الإسلامية" وكذا مفهوم " الدولة الإسلامية" فالحركات الإسلامية والتي وصلت إلى موقع الحكم لم تعد تتحدث عن مفهوم "الدولة الإسلامية" ولا نجد في أدبياتها الحالية حديثا عن تطلعاتها لتطبيق الشريعة الإسلامية، برأيك فهل هذا يعتبر "تقية" من قبل هذه الحركات، أم أن الربيع العربي أحدث رجة في البنية الفكرية للحركات الإسلامية وأصبحت تنادي بالدولة المدنية؟ طيب، هم أيضا ليسوا أغبياء أن يتحدثوا عن دولة دينية ودولة إسلامية في مرحلة كهذه المرحلة التي ما زالت متخبطة، و هم أيضا ما زالوا لم يستقروا على كراسيهمز لقد استنبطوا نبض الشارع، و يعرفون أنهم كي يستمروا في الحكم هناك أيضا فاعلين محليين و دوليينن أي ضغوطات داخلية ودولية، حتى لا تتأسس هذه الدولة الدينية حاليا. ولكن ما يحدث في المرحلة الآنية لا يجب أن نقيس عليه ما سيحدث مستقبلا، لأننا لا زلنا في مرحلة الرجة، والذين بلغوا السلطة حاليا من الإسلاميين يدركون أنهم لم يتمكنوا من دواليب السلطة بشكل مطلق وإذا أرادوا أن يواصلوا الطريق فلا مجال لخطاب ديني متشدد خاصة في ظل مجتمعات هي إسلامية ومؤمنة بطبيعتها، فعلام نزايد إذن؟ على مسألة من هو مؤمن أكثر من الآخر؟ وأنا شخصيا أعتبر من يستغل الدين من أجل السياسة لا يحترم هذا الدين. وإن تحدثنا عن إسلاميي المغرب الذين هم في السلطة أي حزب العدالة والتنمية هم أيضا قبل ظهورهم، كنا نصفهم في أبحاثنا ب"إسلاميي القصر" " إسلاميي البرلمان" إسلاميي المخزن" وهم لم يبدوا يوما خلافا يذكر مع النظام الملكي، كنا نشهد تعارضات وتلاسنات بين العدالة والتنمية وبعض الأحزاب كالأصالة والمعاصرة، أي بين أشخاص يمثلون لعبا سياسيا على مستوى أدنى، أماالخط الأحمر فلا يصله أي كان... حتى العدل والإحسان تحدثت عن الدولة المدنية في عز انخراطها في الحراك الشبابي ل20 فبراير، حيث نشر مقال في افتتاحية الموقع الرسمي للجماعة يتحدث عن الدولة المدنية... لقد بات هناك وعي لدى الإسلاميين – خاصة الذين يصنفون أنفسهم بالمعتدلين- أنه لا مجال لخطاب ديني متشدد، و قد صاروا يتحدثون صراحة عن الدولة المدنية في الندوات وعلى مواقعهم. هل يمكننا أن نستشرف ظهور ما يسمى ما بعد- الإسلاموية Post islamisme مع وصول حركات الإسلام السياسي للحكم، أي تصبح الحركات الإسلامية حزبا كباقي الأحزاب الموجودة حاليا؟ محتمل، كل شيء محتمل في مجال السياسي، وكل شيء محتمل في السياسة لأن السياسة هي لعبة في حد ذاتها. والذين يوظفون الدين في هذه اللعبة هم ليسوا مؤمنين حقا بتطبيق مبادئه في المجال العام بقدرما يوظفونه ورقة رابحة من أجل مكاسب سياسية، وأي لعبة سياسية إلا ولها نهاية سواء اليوم أوغدا، لأنه لا دوام مع السياسة فهي تتحرك وتشهد ديناميات متنوعة، ولاعبوها متجددون ولا شيء أبدي في اللعبة السياسة. بمعنى أن سؤال العلمانية نفسه سيعاد فيه السؤال خلال المرحلة المقبلة.. طبعا، فحين نتحدث عن مسألة فصل الدين عن الدولة في المجال السياسي، وأنا شخصيا من دعاة مقولة فصل الدولة عن الدين، لأن الأنظمة السياسية والأجهزة الحاكمة هي من تتمحك بالأديان لتستغلها كلعبة وكورقة رابحة من أجل أغراض سياسية، و لشرعنة فراراتها و وجودها و سلطتها. وحين نتحدث عن الفصل بين هذين العنصرين على المستوى السياسي العام معناه أننا نريد أن نترك الدين في أمان، إننا لا نتحدث عن فصل الدين عن المجتمع ولا فصله عن قلوب الناس وعن معتقداتهم بل أن يظل الدين عقيدة سارية في المجتمع، لكن المجال السياسي يحتاج إلى تدابير من نوع آخر، تدابير عقلانية ولا يحتاج إلى ازدواجية الخطاب، فتارة يقحم الدين في بعض المجالات و القرارات كمدونة الأسرة أو حين نتحدث عن إمارة المؤمنين أو الحكم، وفي مجالات أخرى لا نجد للدين وجودا، وهذه من ازدواجية الخطاب لدى النظام السياسي مرة أخرى، لدى نفضل أن تنفصل الدولة عن الدين وأن تتركه عقيدة يؤمن بها الناس إن أرادوا، ومرة أخرى أكرر أننا حين نتحدث عن فصل الدولة عن الدين لا نتحدث عن فصل الإيمان عن المجتمع..