«لا خير في شباب لا لغو فيه»، هكذا تحدث المرحوم عبد الله كنون عن الشباب الذي كان في مرحلة معينة من تاريخ المغرب يطمح بصخب إلى الأفضل، ويعبر عن طموحاته بكل ما يملك من اتقاد وحماس. في هذا السياق، خرج شباب 20 فبراير، ليثبتوا لكل مرتاب بأن أرحام المغربيات مازالت ولاَّدة ولم تصب بالعقم، وأنهم منخرطون في قلب التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم، وأن باستطاعتهم خلق ديناميات ومبادرات ديمقراطية وإنزالها إلى الشارع، وإطلاق نقاش عمومي حول الإشكالات السياسية والاقتصادية الكبرى التي تطرحها العلاقة بين السلطة والشعب.. باختصار أكدوا أنهم مكترثون جدا بالعلاقات المتشابكة التي يطرحه السياسي في علاقته بالاقتصادي والاجتماعي والثقافي. شباب 20 فبراير، كما هو واضح، في بيانهم التأسيسي يطالبون بالتغيير والحرية والديمقراطية، ويقترحون صيغ للخروج من الأزمة، ولهم مطالب ذات سقف مرتفع. فهم يطالبون بدستور جديد، وبإطلاق المعتقلين السياسيين، وينتقدون الحكومة والبرلمان، ويراهنون على «إسقاط رموز الفساد»؛ ولا يكتفون بذلك، بل تمكنوا من إنزال مطالبهم إلى الشارع، فرفعوا اللافتات ونظموا الوقفات والمسيرات.. وعملوا على نقل مطالبهم إلى المدارس والجامعات ودور الشباب ومقرات الأحزاب والنقابات.. لكن الملاحظ، من خلال الندوة التي عقدتها الاتحاد الاشتراكي مع بعض الشباب داخل الحركة يوم الأربعاء 30 مارس 2011، هو أن الاتفاق على البيان التأسيسي لا يعني مطلقا أن هناك اتفاقا حول التدابير السياسية التي بإمكانها تحقيق الديمقراطية كما يتمثلونها، إذ تختلف القراءات باختلاف المرجعية الفكرية والإيديولوجية لكل فاعل. فبينما يذهب الحماس بالبعض إلى الحدود القصوى للإصلاح أو التغيير، يبدي البعض الآخر احترازه من الألغام التي تطرحها قواعد اللعبة السياسية في المغرب، خاصة أن التجربة السياسية والتاريخية في المغرب تبين أن الفاعل الرئيسي، أي صاحب القرار المركزي، يهيمن دستوريا على جميع السلط. وإذا كان شباب الحركة يدركون أن بلادهم تعيش انحصارا سياسيا شأنها في ذلك شأن بقية الدول العربية الأخرى التي تقف على صفيح ساخن، فهم يؤمنون أن «ربيع الاحتجاجات» سيظل مستمرا في المغرب مادامت الشروط الذاتية والموضوعية للاحتجاج مستمرة. وقد أبانوا في الندوة عن شراسة في الخطاب، وأيضا عن حماس في المطالب، وقدموا قراءات مختلفة في ما جاء في خطاب 9 مارس حول الإصلاحات الدستورية، إذ بينما يراها البعض غير كافية ولا تستجيب لتطلعات التغيير، وأنها غير ديمقراطية، رأى البعض أنه ينبغي التعامل معها إيجابيا وتقديم صيغ عملية وديمقراطية لملئها والتحاور مع الأحزاب المعنية لتوضيح وجهة نظر أعضاء الحركة. كما أن هناك من رفضها جملة وتفصيلا واعتبرها بمثابة مصادرة لسيادة الشعب في اختيار الدستور الذي يريده. ويظل التغيير من أجل وضع أفضل، والتوزيع العادل للثروة، و إعادة بناء النسق العام في المغرب هي المحددات الثلاثة لبناء مغرب المستقبل حسب تطلعات شباب الحركة الذين كانوا، فعلا، يتطارحون الأفكار في ما بينهم، خلال الندوة، بكل حرية وإنصات، وبكل جرأة أيضا.. انتقدوا الدستور.. وانتقدوا النظام والأحزاب والنقابات والحكومة والبرلمان.. وانتقدوا أيضا بعضهم البعض.. هذا يتفق، وذاك يختلف. هذا مع الإصلاح وذاك مع التغيير.. «الاتحاد الاشتراكي» تنشر نقاشات الشباب وتطلعاتهم ... سعيد منتسب: أثبتت حركة 20 فبراير أنها أداة فاعلة في الحركة الاحتجاجية التي يعرفها المغرب، وأنها استطاعت فعلا أن تشكل علامة فارقة في تاريخ الاحتجاج في المغرب. فالحركة كما تتبعها الجميع رافقها خطاب ونقاش عمومي تتجاذبه مجموعة من التيارات، أي نزلت إلى الشارع خطابا كان الجميع ينادي بضرورة تنزيله على أرض الواقع، كشكل من أشكال المشاركة السياسية، ألا وهو الخطاب أو النقاش حول الإصلاحات السياسية، وكذلك الإصلاحات المواكبة اقتصاديا واجتماعيا وتربويا، وهذا ما تبين من خلال تلك الشعارات التي كانت ترفع أثناء الوقفات وفي المسيرات الاحتجاجية في كل المدن المغربية. الآن وقد بدأ الحراك فعلا، وصارت الحركة هي رديف الاحتجاج المغربي، لابد من أن نطرح سؤالا مركزيا وهذا السؤال هو، كيف يفكر شباب حركة 20 فبراير في الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ببلادنا؟ ما هي تصوراتهم حول هذه الاصلاحات؟ أحمد المدياني: تحية للإخوة في جريدة «الاتحاد الاشتراكي» لاستضافتها لأشغال هذه الندوة، ولاستضافتها لنا كناشطين داخل حركة 20 فبراير. صراحة، جميل جدا أن تواكب الصحافة الحزبية أو الصحافة المستقلة الفعل الاحتجاجي في المغرب، وكذلك الفعل الاقتراحي الذي تحمله الشعارات التي أنزلتها حركة 20 فبراير إلى الشارع. أعتقد أن الورش الذي نطمح إليه، فعلا، هو ورش للتغيير وليس ورش الإصلاح. أتمنى أن نقوم بالتدقيق في المصطلحات، ذلك أن حركة 20 فبراير عندما تطرح مطالبها فهي لا تلامس مصطلح الإصلاح بل مصطلح التغيير، وليس التغيير المبني على خطابات أو المبني على فتح ورش النقاش فقط، بل التغيير الذي له حمولات، سواء في شقها السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي. أعتقد أنه، فعلا، آن الأوان أن تنتقل حركة 20 فبراير من سؤال الهوية إلى مرحلة أرشفة الاقتراحات التي تقدمت بها، ثم ضخها في كل ما يمكن انه يساهم في تقدم بلادنا على كافة المستويات، السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي. صحيح أن حركة 20 فبراير تمكنت من إنزال النقاش إلى الفضاء العام، واستطاعت أن تخرجه من الصالونات إلى الشارع، حيث أصبحنا نلاحظ، اليوم، أن الجزار والحداد والإسكافي وسائق عربة النقل وبائع النعناع يناقشون تغيير الدستور، ويناقشون الفصل 19، والتدبير المفوض، وأيضا يناقشون قضايا التعليم ومجانية الخدمات الصحية، كما أصبح الجميع يتحدث عن الأمازيغية في الوقت الذي كان الأمر مقتصرا، فقط، بخصوص الثقافة الامازيغية، على بعض التيارات والحركات. وقد استطاعت حركة 20 فبراير أن تجعل من نفسها حركة للتأطير، وشكلا من أشكال ترسيخ السياسية داخل المجتمع المغربي، وهذا ما سيساهم، في المستقبل، في أن المجتمع سيرفض كل أشكال الاستبداد والاستغلال. حمزة محفوظ: أود أن اشير إلى أن الاختلافات بين مكونات حركة 20 فبراير الجامع في ما بينها أرضيتها التأسيسية المحددة في مطالبها الواضحة من المطالبة بملكية برلمانية، إلى دسترة الأمازيغية مرورا باسقاط الحكومة والبرلمان المليئين بالاسباب الباغثة عن القلق، تحرير القضاء الافراج عن جميع المعتقلين السياسيين. إن الجامع بيننا هو حب الوطن، والرغبة في احقاق الحقوق المشروعة للشعب المغربي التي تتضمنها الأرضية التأسيسية لحركة 20 فبراير. سعيد منتسب: عودة للسؤال الذي كنت أود أن يكون محور تدخلات الإخوة في حركة 20 فبراير. فالسؤال هو: كيف يفكر شباب حركة 20 فبراير في الإصلاحات السياسية الآن، أي في خضم هذه الفورة التي يشهدها العالم العربي، وأيضا في سياق ما حمله الخطاب الملكي ليوم 9 مارس من تصورات حول الإصلاح، وفي سياق تشكيل اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، وأيضا الهيئة الوطنية لمواكبة الإصلاحات، وما رافق كل ذلك من حراك حزبي ونقاش عمومي. أنتم داخل الحركة، ما هي مساهماتكم في هذا الورش الكبير، خاصة أن الحركة كان لها الفضل في إعادة فتح النقاش الدستوري، وفي إنزاله إلى الشارع. الآن الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني تناقش الإصلاحات، وهناك من يتحدث عن التعديل، وآخرون عن التغيير.. أنتم كحركة هل تتعاملون مع المطلب الدستوري ككتلة منسجة، أم أن لديكم تصورات مختلفة، خاصة أننا نتحدث الآن عن مكونات الحركة، وهي مكونات ذات مرجعيات فكرية وإيديولوجية متباينة؟ نبيل أصواب: بدوري أشكر جريدة «الاتحاد الاشتراكي» لاستضافتها لنا، وأود القول إن حركة 20 فبراير استطاعت، اليوم، أن توحد بين أقصى اليمين وأقصى اليسار والوسط وأيضا الإسلاميين. وما أريد الاشارة إليه هو أن حركة 20 فبراير تمكنت من إحداث ثورة داخل الاحزاب السياسية، إذ أصبح اليوم الجميع يناقش الاصلاحات الدستورية، والجميع يناقش الملكية البرلمانية، هذا بالإضافة إلى أننا داخل حركة 20 فبراير لم نركز فقط على الشكل الاحتجاجي، بل نظمنا أيضا أنشطة موازية نناقش فيها المسألة الدستورية والاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية عبر ورشات ولجن تشتغل بشكل موازي للحركة. وشخصيا أعتبر أن الخطاب الملكي تمكن، من خلال توقيته، أن يلعب على نفسية الشعب المغربي مما جعل حركة 20 فبراير تتوقف في منتصف الطريق مما فرض عليها مراجعة أوراقها، والاستعداد للمرحلة المقبلة بخطط جديدة. رشيد حبابة: أود في البدء أن أفصل في النقاش. فحركة 20 فبراير تأتي في سياق الثورات العربية، وتطمح، أولا، إلى تحقيق الديمقراطية، ثم في ما بعد إلى تحقيق مطالب أخرى، وهي مطالب اقتصادية واجتماعية وثقافية. كما أن حركة 20 فبراير- إذا أردنا الحديث عن هويتها- هي حركة شعبية احتجاجية تؤرخ لمرحلة جديدة في تاريخ المغرب، لأنها حركة تطمح الى البناء الديمقراطي في المغرب. ليس مفترضا في الحركة أن تشارك في نقاش معين حول الاصلاحات السياسية أو الدستورية، فهي حركة ضغط جماهيرية من أجل تحقيق المطالب. لكن يمكننا كأعضاء داخل الحركة أن نناقش في ما بيننا هوية الاصلاحات وماهو منظورنا اتجاهها. لسنا بديلا عن الأحزاب، ونحن نقول، منذ وقت سابق، إن الاحزاب المتواجدة على الساحة السياسية هي التي يجب ان تلعب دورها في تأطير الجماهير، والمساهمة في بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي الذي كانت تنادي به منذ وقت طويل. إذن، نحن قاطرة للتغيير ولسنا قاطرة للإصلاح. وإذا ما اختارت الأحزاب أن تقوم بالإصلاح فذلك سيبقى اختيارها، لكن نحن نطمح الى تغيير يتجه في أفق بناء المجتمع الديمقراطي. هناك أيضا مسألة تتعلق بالأولويات. فصحيح أن البيان التأسيسي تضمن مجموعة من المطالب، وشخصيا أرى أن المطلب الأول الذي يجب تحقيقه هو مطلب إسقاط الحكومة وحل البرلمان لأنه لا يمكن لأي إصلاحات كيفما كانت أو أي قوانين مواكبة في مجال التشريع والاقتصاد والقضايا الاجتماعية والقضايا الثقافية، القضايا التربوية، أن تكون ذات معنى في ظل وجود الحكومة والبرلمان القائمين. حسام هاب: قبل أن أنطلق في مناقشة الرؤية السياسية لحركة 20 فبراير حول الإصلاحات أو ما جاء في الخطاب الملكي للتاسع من مارس، أود أن أعود نوعا ما إلى التدقيق في بدايات الحركة او الشروط الذاتية والموضوعية لظهورها. من وجهة نظري، ثمة ثلاثة مستويات ساهمت في إنتاج الحركة. أولا، هناك المستوى الاجتماعي. ويمكن، في هذا الاتجاه، التدقيق في البنية الاجتماعية للمجتمع المغربي، ويمكن النظر إليها عبر مستويين، المستوى الأول التفاوت الطبقي الواضح في المغرب أو كما يسميه الاستاذ عبد الرحيم عطري «مابين الفقراء: الفقراء تحت الصفر والفقراء بكرامة»، إذ يحدد الفقراء تحت الصفر بكونهم الكادحين، والفقراء بكرامة بمعنى ما يسمون بالطبقة المتوسطة. هذا هو المستوى الأول المؤطر. أما المستوى الثاني، فهو مستوى المتن أو النسق العام الاجتماعي، وفيه محددان أساسيان. فالآن بالمغرب يعاد إنتاج نفس المتن الذي عاشه المغرب في الفترة الكولونيالية. فإذا كان في الفترة الكولونيالية قد اعتمد على الأعيان أو النخبة المحلية من أجل بسط سلطته على المستوى المحلي فالآن، يعاد نفس الشئ في المغرب في المغرب خلال الفترة الراهنة و لكن بالاعتماد على التيكنوقراط. إذن إذا كنا قد اعتمدنا خلال الفترة الاستعمارية على النخب المحلية فإننا اليوم نعتمد على التيكنوقراط، بمعنى هذين المستويين المشكلين للنسق الاجتماعي تظهر لي انها محددة للكيفية التي بدأت بها حركة 20 فبراير خاصة على مستوى التشكلات الاجتماعية لهؤلاء الشباب أو لهذه القوى الجماهيرية التي خرجت في يوم 20 فبراير وفي ما بعد. كما أنه بالنسبة لي بدو لي أن المستوى الثاني مرتبط بالسياق العام لما يجري في العالم العربي الآن ، ويمكن أن ندقق هذا اكثر بوصفها موجه للدمقرطة، وأعتبر انها أول موجة دمقرطة بهذا الحجم في العالم العربي، ولم يكن من الممكن للمغرب ان يظل خارج أو بمنآي عن رياح التغيير هاته التي هبت على العالم العربي بحكم أننا لا نشكل استثناءا على المستوى العربي، بل لنا تقاطعات وقواسم مشتركة مع مجموعة من الدول العربية، سواء على مستوى الواقع الاقتصادي و الاجتماعي، أو على مستوى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. ولربما الاستثناء الوحيد هو طبيعة النظام المغربي، أي نظام المخزن. ويبدو لي أيضا أن المستوى الثالث المؤطر لبداية تشكل حركة 20 فبراير هو الحراك السياسي والاجتماعي في المغرب. فعلى المستوى السياسي نعيش أزمة وانحصارا سياسيا منذ سنة 2002، أي منذ الخروج عن المنهجية الديمقراطية وتشكيل حكومة ادريس جطو، وفشل ونهاية تجربة حكومة التناوب التوافقي. فمنذ تلك الفترة نعيش انحصارا سياسيا بالإضافة إلى أزمة سياسية خانقة كان يعيشها المغرب. ف«ربيع الاحتجاجات» يوجد بالمغرب منذ حكومة التناوب، إذ أصبحنا نرى احتجاجات دائمة أمام البرلمان، حركة المعطلين، الحركات الاجتماعية، احتجاجات سيدي ايفني، مؤخرا إقليم ايزيك، بمعنى أن كان ثمة حراك سياسي واجتماعي حاضرا، غير أن الكل كان ينتظر انتاج الشروط الذاتية والموضوعية لإبراز حركة احتجاجية لكن بأشكال إبداعية جديدة. إن حركة 20 فبراير لم تكن وليدة 20 فبراير، بل هي وليدة النضالات التي خاضتها مجموعة من القوى السياسية، منذ سنوات الرصاص إلى الآن، بمعنى أنه في سياق هذا التراكم النضالي تم خلق حركة 20 فبراير، كما أن مطالبها هي المطالب نفسها التي كانت ترفعها مجموعة من الأحزاب ذات التوجه التقدمي. إذن ماهو الجديد الذي أتت به حركة 20 فبراير؟ لقد تمكنت الحركة من انزال النقاش حول الاصلاحات السياسية والدستورية من جدران مقرات الأحزاب الى الفضاء العمومي، وهذا هو الجديد والجميل، لأن النقاش حول الدستور، وحول طبيعة النظام، وحول الحكومة والبرلمان اصبح موضوع نقاش وسط الأسر والعائلات، داخل المقاهي والبيوت. إذ تمكنت الحركة من أن تجعل المطلب السياسي والإصلاح الدستوري والاقتصادي والاجتماعي مطلبا شعبيا وجماهيريا. هناك مسألة أخرى أيضا، هو أنه إذا ما لاحظنا المستويات الثلاث لعمل حركة 20 فبراير، فلها ثلاث مستويات اساسية وطرحت حولها ثلاث أسئلة. أولا، التغيير من أجل وضع أفضل، وهذا هو المستوى المؤطر لحركة 20 فبراير، المستوى الثاني هو الدعوة للتوزيع العادل للثروة، وإن لاحظنا أيضا أن المطلب السياسي والمطلب الاقتصادي والاجتماعي تؤطره رغبة التوزيع العادل للثروة، السؤال الثالث والأساسي هو إعادة بناء النسق العام في المغرب بمعنى إعادة بناء النسق العام في المغرب الاجتماعي وحتى السياسي، وحركة 20 فبراير اعطت الأولوية للسياسي والدستوري أكثر من الاقتصادي والاجتماعي. فإذا ما أمعنا النظر في موجة التغيير في تونس أو مصر كانت مطالبها في مرحلة أولى مطالب اقتصادية واجتماعية بالأساس أما حركة 20 فبراير فقد أعطت الأولوية للسياسي والدستوري لماذا؟ لأنه لا يمكن تحقيق إصلاح اجتماعي واقتصادي حقيقي في ظل غياب جو ديمقراطي يسمح بإنضاج هذا الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي داخل المغرب. مسألة أخيرة إن محطتي 20 فبراير و20 مارس كانتا محطتين ناجحتين. غير أن السؤال الذي يطرح الآن على حركة 20 فبراير «هو ماذا بعد 20 مارس؟» ما الذي يجب أن تقوم به حركة 20 فبراير؟. أولا على حركة 20 فبراير أن تقوم بنقذ ذاتي، بدءا من انطلاق تجربتها إلى الآن، نقذ ذاتي لعملها وطريقة اشتغالها وحتى أفقها وتطوراتها السياسية، خاصة ما بعد الخطاب الملكي. هذا من جهة، من جهة ثانية يجب إعادة قراءة الخطاب الملكي. صحيح ان الخطاب الملكي يتضمن عددا من الايجابيات ولكنه لا يحقق جميع مطالب حركة 20 فبراير، لأن السقف المحدد في أرضية التأسيسية هو الملكية البرلمانية. كما نريد إصلاحا اقتصاديا واجتماعيا، وهذا أمر أساسي كون هذا ما يهم المواطن المغربي، وايضا هناك ما هو جوهري هو كيف نجعل من حركة 20 فبراير قوة اقتراحية وضاغطة في الآن ذاته. ولهذا من المهام المنوطة بحركة 20 فبراير، هو كيف يمكنها أن تقوم بعمل وضع تصور، سواء تعلق الامر بالتعديلات الدستورية المطروحة الآن أو حتى طبيعة النظام الذي يجب ان تراعي فيه حركة 20 فبراير طبيعة النظام المغربي، لأنه لا بديل عن ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم، أي حكومة تنفيذية تقوم بتسيير أمور البلاد، مع احتفاظ الملك بصلاحيات الحقل الديني لأنها مسألة عادية، إذ نجد أن ملكة التاج البريطاني اليزابيث هي رئيسة الكنسية الانجليكانية. أما على مستوى المؤسسة البرلمانية فيجب إعادة هيكلة البرلمان حتى يكون نابعا من الإرادة الشعبية اثناء التصويت، بمعنى حكومة منتخبة، من اغلبية حصلت على أكبر عدد من الأصوات. سعيد منتسب: أكيد ان حركة 20 فبراير ما يزال ينتظرها الكثير، إذ ما زالت المعركة طويلة. الأخ حسام قدم قراءة سوسيولجية لطبيعة حركة 20 فبراير، غير أننا نجتمع الآن لمعرفة التصورات السياسية لشباب حركة 20 فبراير و تفكيرهم في ما بعد الخطاب الملكي. أكيد أن مجموعة من الأحزاب قدمت مذكراتها حول الإصلاحات التي ربما ستحقق التغيير، إذن هل اطلع شباب حركة 20 فبراير على مذكرات الاحزاب السياسية، حزب التقدم والاشتراكي، حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حزب الاستقلال، حزب العدالة والتنمية؟ هل حاول شباب حركة 20 فبراير ان يقدموا قراءة لهذه المذكرات؟ هل قاموا برصد مكامن الاتفاق والاختلاف؟ ماهي نقط الاختلاف و الاتفاق ما بين شباب حركة 20 فبراير والاحزاب السياسية؟ أحمد المدياني: أود أن أوضح أمرا لابد أن نتفق حوله، حتى لا نتمادى في الكذب على المغاربة. وكما سبق وأن قلت إن الجرم الذي ارتكبناه في حق الشعب المغربي كأحزاب سياسية لا يجب أن يتكرر. إن الأحزاب السياسية في مرحلة معينة، رهنت نفسها بالنقاش السياسي والصراع حول تغيير أو إصلاح الدستور أو إسقاط النظام، وتناست تأطير الشعب والنزول إلى الشارع والنضال رفقة الشعب على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. نحن لسنا «خبزاويين»، غير أننا نقول إننا مع مطالب اجتماعية وثقافية ذات غلاف سياسي يكون المدخل إليها هو ذلك التعاقد الاجتماعي أو التعاقد المدني أو المجتمعي. فمهما اختفلت التسميات، ينبغي أن نقدم إشارات بشأن الجانب الاقتصادي والجانب الثقافي والاجتماعي. صحيح أنه لاينبغي أن نبخس الأحزاب حقها. فالحركة ليس من حقها أن تقصي مبادرات الأحزاب السياسية والقوى التقدمية والحركات الحقوقية ... والسياسية التي ساهمت في بناء هذا البلد، وقدمت له الشيء الكثير لتحقيق بعض المطالب. غير أننا نقول إن الحركة تنتظر اشارات. ولابد أن أن ننتظر إلى حدود شهر يونيو المقبل، لنقول مرحبا بالشجاعة السياسية التي نتحدث عنها. نحن نعيش فسادا سياسيا رموزه واضحة للعيان. لدينا أحزاب تشكلت في «طنجرة الضغط» بسرعة فائقة. لدينا أشخاص ينتجون قرارات خارج المؤسسات، والتي تتبنى الوصاية في حق أبناء الشعب المغربي. فلا يعقل، مثلا، أن نتحدث عن مجلس حكومي في ظل وجود مجلس وزراء. ولا يعقل أن نتحدث عن وزراء في ظل وجود كتاب الدولة، أنو عن العمدة في ظل وجود الوالي والعامل، أو عن رئيس المقاطعة في ظل وجود قائد مقاطعة والشيخ والمقدم. إننا كشباب نريد إشارات، من قبيل الإفصاح عن رموز الفساد وأسمائها على المستوى المركزي والعمل على إسقاطها، وفي تلك اللحظة فأنا سأتفق معك. فحينما رفعت حركة 20 فبراير شعار «لا للجمع بين السلطة والثروة» لم يكن ذلك عبثا. كان شعارا نابعا من كون الناس يعون ويفهمون ما يقولون، ويعلمون أن المستويات السياسية والاقتصادية يتحكم فيها بعض الأشخاص بشكل متداخل. فهناك من الأشخاص من يتمتع بالسلطة وفي الآن ذاته يتوفر على اللوحات الاشهارية في المغرب بأكمله ويكتريها بأبخس الاثمنة، والأكثر من ذلك لم يؤد مستحقاته. يجب الإفصاح بشكل واضح عن رموز الفساد الاقتصادي. إننا نطالب بتكافؤ الفرص ما بين الطالب الذي يبحث عن الشغل والذي يطمح إلى الاستقرار اجتماعيا واقتصاديا والبورجوازي الذي نود أيضا أن يكون على قدم المساواة مع الجميع في طلبات العروض والفائز بها ستكون من نتوفر فيه الشروط دفتر التحملات، ويساهم في تقدم المغرب ودعم الاستثمار فيه. أما بخصوص الفساد الاجتماعي، فأود الاشارة إلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أصبحت معروفة لدى عامة الناس . فهي مجرد مسكن، وتم إحداثها في لحظة، لأن الدعم المالي كان متوفرا في البنك الدولي، وقد عمد إدريس جطو إلى جلب ذلك الدعم المالي، وكي يتم القوم أن أعلى سلطة في البلاد هي التي تبنى المشروع فقد تم إحداث جمعية لتبني مشروع المباراة الوطنية للتنمية البشرية.. إن هذه المبادرة الوطنية في شقها الاجتماعي خلفت مآسي، فهناك أشخاص بنوا امبراطوريات مالية واقتصادية واجتماعية في عدد من المناطق بالمغرب. كما أن المبادرة حولت الناس في بعض المناطق، خاصة خارج المدار الحضري، إلى عبيد تحت سلط وسطوة مجموعة من الأشخاص. على الأقل، كان يجب تفعيل خلاصات تقرير المجلس الأعلى للحسابات وإحالة الملفات على القضاء، وأيضا تطبيق خلاصات المجلس الوطني لمحاربة الرشوة، ومراجعة الحد الأدنى للأجور، وتعميم مجانية التعليم، والولوج إلى الخدمات الصحية، وإطلاق سراح المعقتلين السياسيين، وتشغيل المعطلين. نقول كفى من لغة الوعود. نحن في حاجة إلى اشارات واجراءات ملمومسة بلغة واضحة، وآنذاك ستعمل حركة 20 فبراير على تدارس المداخل السياسية لأجل تحصين كل المكتسبات. هدى الساحلي: اذا ما كانت هناك، اليوم، إرادة حقيقية لإنجاز دستور جديد، فلا يكفي وضع فصول ضمن وثيقة معينة وانتهى الأمر. ومعنى هذا أنه يجب ان ننجز الدستور والقوانين المصاحبة له لأجرأته، وذلك لأجل تفادي التأويلات لفصول الدستور والالتفاف حول مضامينه لمصلحة سياسية معينة. بعد 9مارس، وضعت الحركة سقفا لمطالبها، ألا وهو الملكية البرلمانية التي تعني في جوهرها السلطة للشعب، أي هو الذي سيسود ويحكم، ويختار من يمثله ويتعاقد معه ويحاسبه. واليوم اذا تأملنا في كيفية تعامل بعض الأحزاب مع الإصلاحات، نلاحظ أن حزبا معينا يقول إنه يجب المحافظة على إمارة المؤمنين، والثاني يقول يجب أن يحافظ الملك على سلطة إعلان حالة الطوارئ في حالة الاستثناء والحرب، وحزب آخر يقول شيئا آخر.. وهكذا دواليك. معنى هذا أن المذكرات الحزبية ستقودنا الى الفصل 19 دون تغيير شيء منه. لقد استفادت الأحزاب من حركة 20 فبراير، وانخرطت في النقاش حول الإصلاحات، وقدمت مذكرات حول تعديل الدستور، لكن المقترحات أنتجت نفس الدستور السابق. وهذا معناه أن الأحزاب لا تستمع لصوت الناس. لذلك يجب على هذه الاحزاب أن تبحث، أولا، على مكامن صفعها، وأن تعالج نفسها وتقدم نقدا ذاتيا حول ما قدمته، وهل تمثل الشعب أم تمثل أحدا آخر؟ المسألة الأخرى، أن على هاته الأحزاب وكذلك الأمر نفسه بالنسبة لكل التنظيمات التي تقول إنها تتمتع بالقوة وأن لها مكانا ضمن هذا الحراك، أن تنزل الى الشارع وتفتح نقاشا مع المواطنين وحركة 20 فبراير. حينها يمكنها أن تقول إنها تقدم مذكرة مطلبية بناء على مسلسل النقاش الذي فتحته مع كل الفاعلين. مسألة أخرى متعلقة بالخطاب الملكي في علاقته بالأحزاب لانها هي التي تقدم مذكرات مطلبية وتوصيات وتقدم رؤيتها للتعديل الدستوري المطلوب، فليس مفترضا في الأحزاب أن يبادر الملك بأن وضع النقط التي يجب أن تنهمك على اقتراح صيغ تعديلها. إذ أنها جربت ذلك في مرحلة سابقة وتعرف ان لا سبيل للتملق لأي كان، ان السبيل الوحيد هو سلطة الشعب و الناس البسطاء وصناديق الاقتراع. حمزة محفوظ: هناك أمر وجب أن نذكر به منذ البدء، هو أننا لا نعتبر أحدا ناطقا رسميا باسم الحركة، وأن ما يعبر عن ذلك هي آراء شخصية، وكل واحد منا يتحمل مسؤوليته بشأن مواقفه. إن الحركة بالضبط هي البلاغات التي تصدر عنها، إن المشترك مابين الحركة هي بياناتها. صحيح أن هناك حراكا في المغرب، وخاصة في محطات 20 فبراير، 9 مارس، و12 مارس و 20 مارس. ووجب ان نضع كل هذه التواريخ بعين الاعتبار. إن محطة 20 فبراير أنزلت النقاش الي الشارع، وكانت محطة 9 مارس بمثابة إجابة تضمنت إشارات إيجابية، ولكنها تبقى مائعة. بينما شكلت محطة 13 مارس نكسة، وكانت مؤلمة لأناس يطالبون بالديمقراطية ويواجهون بكلام نابي. إننا نحن اليوم لنا الفاعلين في حركة 20 فبراير، بل مجرد فاعلين في الحركة. إن الذي يغامر بمصير المغرب، ليس هو من يطالب بالديمقراطية، بل الذي كسر عظام المتظاهرين في 13 مارس، والذي يصر على إدخال البلاد نحو مصير مجهول، وعلى عدم فهم خطاب الشعب. أما بخصوص الأحزاب السياسية، فتاريخيا حدث أن الاحزاب السياسية تعرضت لقمع من أعلى سلطة في البلاد. فالأحزاب كانت تطالب بإحقاق حقوقها، والآخر يطالب بحماية سلطة ومكتسباته. لقد كان من المفروض على هذه الأحزاب أن تكون سباقة لفتح نقاش وتدخل التنافسية السياسية، وليس العكس أن تعمل على الالتحاق بالملك وتوجيهاته بعد إلقائه الخطاب. هدى الساحلي: أزكي ما جاء على لسان حمزة في ما يتعلق بالأفكار التي نتداولها، فهي ليست بالضرورة أفكار حركة 20 فبراير، لأن ما يعبر عن الحركة هو ما يتم التعبير عنه وفق بنياتها وندواتها الصحفية وقراراتها الصادرة عن جموعها العامة. في ما يخص الحركة، فاليوم وفي اللحظة ذاتها نعرف انها رفعت شعارات ومطالب كبيرة كعناوين تحتاج إلى أجرأة في مرحلة ثانية. أما على مستوى المكتسبات الآنية، فاذا كانت حركة 20 فبراير قد حققت شيئا ما، فهو ان الجميع أصبح يناقش، وهذا مكسب كبير حققته الحركة. بينما المسألة الثانية هي تقعيد النقاش، أي الخروج بالنقاش السياسي من الصالونات إلى المواطن البسيط. اليوم أصبح خطاب الملك يناقش، وأصبحنا نلاحظ طفرة نوعية من مبيعات الكتب التي تعالج القضايا الدستورية، وهذا من شأنه أن يقدم نظرة حول ما حققته الحركة. بالنسبة للمطالب، فهي ماتزال قائمة، ولا يجب أن تسحب. كما أن الاحتجاج في الشارع مازال قائما مادامت المطالب لم تتحقق الى الآن. إن المطالب دائما في تجدد ارتباطا بالزمن والظروف. أما خطاب 9 مارس، فلا اعتقد بأنه إيجابي. لماذا؟ ليس فقط من حيث المضمون، ولكن وفق الظرفية التي جاء فيها. ذلك أن المطلوب من هذا الخطاب أن يأتي بأكثر من تلك النقط السبعة التي تضمنها. كما أن مطلب الحركة هو تغيير شامل للدستور وكل القوانين المصاحبة له. رشيد حبابة: الكل يطالب بالديمقراطية. لكن هناك أنواع من الديمقراطيات، وعلى الأقل يمكن أن نميز بين 3 أنواع. هناك الديمقراطية التمثيلية التي يضطلع بها البرلمان والحكومة، إذ ليس مفترضا في الملك أن يقوم بتعيين شخص ما، وهذا نلاحظه في المغرب، ويمكن أن نستدل على ذلك بنموذج تعيين المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري والمجلس الأعلى للتعليم.. إلخ. هناك النوع الثاني هو الديمقراطية التوزيعية، والتي تمارسها النقابات، إذ من المفروض في النقابات السهر على التوزيع العادل للثروات. والنوع الثالث هي الديمقراطية التشاركية، والتي تمارس داخل مؤسسات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية، وهي التي تحاول إشراك الجميع في اتخاذ القرارات. الجديد الذي أتت به حركة 20 فبراير هو أنها أشركت الجميع في النقاش حول النظام الذي نريده لهذا البلد، وكذلك حول الاصلاحات السياسية والدستورية التي نريدها. بالنسبة للأحزاب، يجب على هذه الأخيرةأن تمارس دورها كاملا، والدور المنوط بها هو أنها ممثلة للشعب في البرلمان، وهي التي تشكل الأغلبية لهذه الحكومة التي تجسد لنا السلطة التنفيذية، وليس من المفترض من الأحزاب أن تلعب دوراً آخر غير هذا، ولكن ما شاهدناه على طول 50 سنة الماضية، هو أن الأحزاب، أو على الأقل بعضها، لم تكن تمارس دورها. فالملاحظ، مثلا، أنه بعد 1996 كانت هناك محاولة كي تلعب الهيئة التنفيذية دورها، لكنها اصطدمت بجيوب المقاومة. وهنا أود الإشارة، شخصياً، إلى أنه ليست لي بخصوص الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مؤاخذات كبيرة. فلا يهمني أن يكون داخل الحكومة أو خارجها، ولا يهمني أن يكون في البرلمان أو خارج البرلمان، وما أعيبه عن الاتحاد هو إسقاط الملك محمد السادس لحكومة التناوب.. فبعد هذه المرحلة (1996) أصحبنا نشاهد التبخيس للعمل السياسي والحزبي الذي لم تعد له قيمة، حيث رفض الشباب الانخراط داخل هذه الأحزاب، كونها بالنسبة إليه، سواء كانت داخل الحكومة أو خارجها، فهي لا تمارس دورها. اليوم من المفترض في الأحزاب السياسية الديمقراطية أن تعيد العمل الحزبي قيمته الحقيقية، وهذه مرحلة وتمفصل في التاريخ السياسي المغربي. وأنا هنا أخاطب الاتحاد الاشتراكي، ولا أخاطب الاستقلال أو التقدم والاشتراكية، لأنهم واضحين في توجهها في مذكراتهم التي تقدموا بها. النقطة الثالثة يتضح من خلال الحديث عن الارتقاء بالقضاء الى سلطة مستقلة لا يعني تحول القضاء الى سلطة، إذ لا توجد ضمانات دستورية أو سياسية بشأنها أساساً، أي مبدأ فصل السلط، حيث أن الملك سيظل هو رئيس المجلس الأعلى للقضاء. رابعاً، ويتعلق الأمر هنا بالبرلمان، وهنا يتضح أن شرط بزوغ البرلمان من انتخابات نزيهة وحرة ليس هو التنصيص الواضح على اختصاصاته عوضاً عن مهام التمثيل بصلاحيات أخرى، ومنها اختصاصات التشريع بدلا من الجهاز التنفيذي الذي سيظل، في غياب التأكيد على ذلك، يقاسم البرلمان في تلك الصلاحيات. أما بخصوص إلغاء مجلس المستشارين فلم يتم الإشارة إلي ذلك في خطاب 9 مارس. حسام هاب: في التاريخ السياسي للإنسانية، هناك ثلاثة أنظمة، هناك نظام يعتمد على الحكم الإلهي أو باسم قوى خارقة، هناك المسألة الثانية وهي الأنظمة الشمولية التي تتحول إلى أنظمة ديكتاتورية، والنظام الثالث هو النظام الديمقراطي، إن الإنسانية اختارت فيما بعد الحرب العالمية الثانية، الانخراط في الديمقراطية، والأنظمة الديمقراطية هي الأخرى عبارة عن عدد من الأشكال، وليس المفروض فيها أن تُستنتج، فهناك في الأنظمة الديمقراطية جمهوريات وملكيات. بالنسبة للجمهوريات هناك أيضاً نوع من التفصيل، فهناك الرئاسية والبرلمانية. فبالنسبة للرئاسية، فكل السلط تتركز في يد رئيس الدولة. أما بالنسبة للبرلمانية، فالعكس هو القائم ذلك أن البرلمان هو الذي تتركز بين يده أغلب السلط، إذ بالإضافة إلى التشريع له حق العفو الشامل، إعلان الحرب، ويترأس في نص الدول الحقل الديني. أما بالنسبة للملكيات، هناك الملكيات المطلقة، وهناك الملكيات البرلمانية، وهذا هو معروف لدى فقهاء الدستور. فالمغرب منذ تحريره سنة 1956 وهو يعيش الملكية المطلقة الى حدود الآن، وبالرغم من الخطاب الملكي فنحن مازلنا نعيش ملكية مطلقة. أما الجانب المتعلق بالملكية البرلمانية، فمحددها الوحيد هو أن الملك لا يُشرع. وهناك مسألة أخرى متعلقة بالصلاحيات. بالنسبة إلى الخطاب الملكي للتاسع من مارس، ليس من المفروض في حركة 20 فبراير أن نقدم بشأن مضامينه إجابات، وهنا يأتي دور الحكماء الذي ينبغي لهم أن يقدموا لنا المبادىء العامة للدستور الذي نستحق كمواطنين كاملي المواطنة. أولا، إن الشعب هو المصدر الوحيد للسيادة، وهذه السيادة يعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع، ومن يشرف عن صناديق الاقتراع هيئات مستقلة وليس وزارة الداخلية. المسألة الثانية أن هذا الدستور يجب أن تكون فيه كل المؤسسات والسلط خاضعة للدستور، فلا يمكن أن يكون البرلمان والحكومة خاضعين للدستور، والقضاء ومؤسسات أخرى يتم خلقها خارجه. المسألة الثالثة هو أنه ينبغي لنا أن نتمتع بدولة مدنية ديمقراطية، وهو نموذج الدولة الذي نطمح إليه. المسألة الرابعة هي ضرورة احترام مبدأ فصل السلط. إذ لا يمكن أن يردد الخطاب أمامنا عدداً من الإجراءات، و لا نلمس فيها فصل للسلط ولا استقلال للسلطة التنفيذية، ذلك أن الملك سيظل يشرع من خارج البرلمان، وأن الملك سيظل يترأس المجلس الأعلى للقضاء. إذن، اللهم أن نلتزم بدستور 1996 ونحن واثقون أنه ليس ثمة فصلا للسلط. المسألة الخامسة، حول طبيعة الحكومة التي نريد. أنا أعتقد شخصياً أن المغرب عاش تجربة وزيرين أولين فقط، رئيس الوزراء عبد الله ابراهيم والوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي. اليوم من المفترض أن يتوفر المغرب على حكومة برئاسة الوزير الأول، ولا حاجة لنا بشيء اسمه مجلس الوزراء. يجب أن نتوفر على حكومة واحدة، ورئيس حكومة واحد. هناك أيضا مسألة القداسة،إذ من المفترض أن نرفع القداسة عن الدستور، فأنا مع سحب فصل «إمارة المؤمنين». وأخيراً مسألة الأمازيغية، التي يجب أن تكون لغة رسمية للبلاد، وإذا لم يتم التنصيص عليها، سنعيش دائماً صراعاً مع المكون الأمازيغي ودسترها ستخلق نوعا من الارتياح لدى التيار الأمازيغي. نبيل أصواب: أذكر بأننا لسنا ممثلين لحركة 20 فبراير، بل فقط مكونات في هذه الحركة، وأود أن أطرح سؤال: هل الخطاب الملكي أتى بإصلاحات جذرية أم أنه لم يقدم سوى إصلاحات دستورية سطحية حول إجراءات سياسية بعيدة كل البعد عن تطلعات حركة 20 فبراير. من هنا يمكننا التفصيل في الخطاب الملكي والطريقة التي تعامل بها مع مطالب 20 فبراير. أولا، قد تم القفز على المطلب الأول الذي هو التأسيس وهيكلة اللجنة التأسيسية لإعادة صياغة الدستور، حيث تم تعيين لجنة استشارية لصياغة الدستور بشكلها القديم، كما كان في الدستور الممنوح. كما طلب من الأحزاب والنقابات ومن جمعيات حقوقية، في مرحلة ثانية، أن تقدم تعديلاتها في ما يتعلق بالدستور. لقد نص الخطاب الملكي على أن اللغة الأمازيغية مكون من مكونات الثقافة المغربية، ولم ينص على دسترتها كلغة رسمية للبلاد بجوار اللغة العربية، وهو مطلب ثقافي رفعته حركة 20 فبراير منادية بضرورة الإقرار به دستورياً، إذن فالخطاب لا يحمل أي تلميح لهذه المسألة، وهو ما يعني غياب أي تجاوب مع هذا المطلب الشعبي، وأن الأمر سيظل مقتصر على أن المغرب بلد عربي أمازيغي كحد أدنى، والاعتراف بالأمازيغية كلغة وطنية كحد أقصى. أماالنقطة الثانية، فبعد الحديث عن دولة الحق والقانون، تم هتك حق الشعب المغربي في أن يكون مصدر التشريع للنص الدستوري الذي يضمن الحقوق ويحدد الطابع الديمقراطي للمؤسسات ويفصل بينها ويميز بين اختصاصاتها أمام توسيع الحريات الفردية والجماعية، وهذا لا يعني ضمان تلك الحريات كاملة محددة بمنطوق النص الدستوري، بقدر ما يعني توسيع هامش التمتع بها فقط. هذا الهامش، في رأيي، قابل للتوسيع والتضييق وليس اعترافاً والتزاماً نهائيا وثابتاً ومدستراً، في حين أن الحديث عن تعديل المنظومة حقوق الإنسان لا تستجيب لشرط إقرار سمو المواثيق الدولية والعهود على القوانين الوطنية، ومطابقة هذه الأخيرة لمضمون تلك المواثيق. حسام هاب: قبل أن أدلي برأيي حول الاصلاحات الدستورية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في النقاش حول ما جاء في خطاب الملك، أود العودة إلى نقطتين أساسيتين، النقطة الأولى تتعلق بالأحزاب السياسية، صحيح أن الحقل الحزبي الآن مريض، ومرضة بنيوي وهناك أطراف تتحمل المسؤولية، وإن كان الجزء الأكبر تتحمله الأحزاب السياسية، كمسألة تجديد النخب، ومشكل عدم القدرة على التعاطي مع المطالب الجماهير. صحيح أن الاحزاب تعاني من مشاكل داخلية، مثل الصراعات والانشقاقات، لكن هنا أطراف أخرى تتحمل المسؤولية أيضا، والطرف الأساسي هو النظام بطبيعة الحال، الذي ساهم بفعل الآليات المستعملة في تبخيس العمل السياسي. إن النظام يبخس العمل السياسي، ويبخس عمل الاحزاب والصحافة المستقلة. هكذا، لم تعد الأحزاب قادرة على التأطير، ولا على انتاج خطاب سياسي، وهذا يبرز بشكل كبير أثناء الانتخابات، وحتى على مستوى تشكيل الحكومة. لذلك من المهام المطروحة حاليا على الأحزاب أن تجد أجوبة عن كيفية القيام بثورات داخل تنظيماتها، وهذا هو الأمر الأساسي. كيف بإمكان الأحزاب أن تنتج جيلا جديدا يمكن أن يقود قافلة التغيير؟ إن مغرب 2011 في حاجة إلى عقد اجتماعي جديد. لقد انتهت تجربة حكومة التناوب التوافقي بفشلها الذريع. إذ كنا نطمح سنة 1996 إلى خلق عقد اجتماعي جديد بين المؤسسة الملكية والشعب، لكن الظروف لم تساعد على تحقق هذه التجربة. الآن، نحن في حاجة إلى عقد اجتماعي جديد، لكن ما هي شروط هذا العقد؟ يظهر لي أن المذكرات التي طرحتها الأحزاب والنقابات وهيئات المجتمع المدني، لا يمكننا التعامل معها بشكل عدمي أو أن نرفضها. علينا أن نطلع عليها ونحاول أن نفهم ما تريد أن نصل إليه، وهذا هو الأساسي. علينا التعامل مع مكونات حاضرة في المجتمع، ونحاول تحليل مضامين هذه المذكرات، فكما فعلنا لتحليل وتفكيك الخطاب الملكي، علينا أن نحلل ونفكك مذكرات الأحزاب. ويبدو لي أنه على مستوى الإصلاحات، هناك مستويان لتحقيق الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي، فمن الضروري وجود مناخ ديمقراطي، بمعنى أن الأولوية للجانب الاجتماعي. غير أن الاصلاح السياسي والدستوري يجب أن يناقش، أي ملكية نريد في مغرب 2011؟ ملكية برلمانية؟ بأي صيغة وبأتي خصوصيات؟ هل ستكون بخصوصيات مغربية، أم نموذج الملكيات البرلمانية في أوربا؟ نعرف أنه إذا ما أردنا أن نحدد تشكل البرلمانية بشكل كبير فهو كالتالي: ملكية برلمانية، الملك فيها يسود ولا يحكم. هذا الاتفاق العام، ولكن ما هي حدود صلاحية الملك في إطار هذه الملكية البرلمانية، لأنه لا يمكن أن تلغي كل صلاحيات الملك، في بريطانيا يجتمع رئيس الوزراء البريطاني كل يوم سبت مع ملكة بريطانيا لإخبارها بما يجري وتقدم رأيها في القضايا. لهذا لا يمكن إلغاء صلاحيات ودور الملك بشكل نهائي. إن الملك يجب أن يبتعد عن الفعل السياسي، وتدبير الشأن العام بيد رئيس الوزراء، هو الذي له الحق في التدبير السياسي الكامل في إطار حكومة منتخبة ديمقراطياً. ثانيا صلاحيات رئيس الوزراء، فلرئيس الوزراء الحق في تعيين السفراء و المسؤولين السامين... والملك يبقى كرمز له سلطة رمزية، كما أنه بخصوص إمارة المؤمنين ليس لي مشكل أن يحتفظ الملك بها أم لا، وكل المشكل هو كيف يستخدم الملك إمارة المؤمنين، لأنه في تجارب إمارة المؤمنين تدخل الملك باسم إمارة المؤمنين أثناء انسحاب أعضاء من حزب الاتحاد الاشتراكي من مجلس النواب واستعملها باعتبارها خروجا عن الجماعة الاسلامية. إذن يجب البحث في كيفية توظيف الملك لإمارة المؤمنين، وأرى أن تمنح له كسلطة رمزية فالملكة اليزابيث هي رئيسة الكنيسة الانجليكانية. لكن الفعل السياسي يبقى بيد رئيس الوزراء، فهو الذي يملك حق تدبير الشأن السياسي بالصلاحيات التي حددها له الدستور. ثم على مستوى حقوق الانسان، يجب دسترة توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، وهي توصيات أساسية أهملها النظام منذ نهاية عمل هيئة الانصاف والمصالحة رغم أنها طرحت أسئلة وإشكالات واقتراحات إيجابية. ثم على مستوى المؤسسة البرلمانية يجب ان يكون للمؤسسة البرلمانية وظيفة تشريعية كاملة لا تحتاج فيها القوانين لموافقة الملك، وهذا أمر يجعلنا أمام سؤال «أي مؤسسة برلمانية نريد؟». النموذج المغربي الحالي نموذج مرفوض، لأن المؤسسة البرلمانية تضم مجموعة من المفسدين والذين استعملوا المال الحرام للوصول الى قبة البرلمان، وهذا أيضا يضعنا أمام سؤال دور المجلس المستشارين. ذلك أننا ننتج مؤسسات تثقل كاهل الدولة على مستوى الميزانية، وهذا ما ينطبق على المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي له دور استشاري فقط. على مستوى السلطة القضائية، يجب على جميع الاحكام أن تصدر باسم الدولة المغربية، وعلى النظام ان يرفع يده من القضاء، لأن مؤطر العلاقة هو التداخل مابين النظام والقضاء، ذلك أن الحاكم هو القاضي الاول، والقاضي المشرع، وهذا ليس إطارا لبناء دولة حديثة. يجب أن ندقق في طريقة هذا الاصلاح والاصلاحات الاخرى، كما ينبغي تعطي الأولوية للاصلاح الاقتصادي والاجتماعي، أي بحث امكانية تقديم صيغ لحكامات جيدة، وأيضا تديبر عدد من المرافق مثل ضرورة التدقيق في ميزانية الجيش والمخابرات، هذا بالإضافة إلى ضرورة تصريح المسؤولين بالممتلكات والتأكيد على الفصل ما بين الفعل السياسي و الاقتصادي والقطع مع اقتصاد الريع، وخلاصة نريد حاكما فوق الجميع يحظى باحترام الجميع، إن الشعب يريد التغيير و يمكن للمغرب بمبادراته هاته ان يفرز استثناءا ديمقراطيا في المغرب المغربي، بإحداث تغيير وتحول ديمقراطي دون إراقة دماء .