بينما كنت أتصفح بعض الجرائد على شبكة الانترنت، يوم الخميس المنصرم، أدهشتني تعليقات بعض المغاربة الذين عبروا عن امتعاضهم من أن رئيس الحكومة الاسبانية حثَّ المملكة المتحدة على فتح حوار بشأن مسألة جبل طارق، في الوقت الذي لا زالت فيه اسبانيا تحتل مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين؛ حيث إنه خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي، دعا ماريانو راخوي، رئيس وزراء إسبانيا، السلطات البريطانية للتفاوض على الوضع المستقبلي لجبل طارق. ليس من الغريب أن نرى المغاربة يعبرون عن إحباطهم لرؤية اسبانيا تطبق سياسة الكيل بمكيالين، سيما أنها تدعو لإنهاء الاستعمار في جبل طارق، في الوقت الذي تتمسك بسيادتها في سبتة ومليلة والجزر الصغيرة المجاورة لهما. كمغاربة لدينا كل الحق، بل ومن واجبنا العمل على استرجاع سيادة بلادنا على سبتة ومليلية، كما لإسبانيا كل الحق في المطالبة باسترجاع سيادتها على المستعمرة البريطانية. غير أنه، وحتى نتمكن من الدفاع عن مواقفنا وقضيتنا بشكل فعال وإيجابي، ينبغي علينا أن نكون مسلحين بمعرفة عميقة ودقيقة بخبايا وحيثيات الموضوع. الموقف الإسباني أقوى وفي هذا الصدد، يجب علينا ألا ننسى أنه من الناحية القانونية، فالموقف الإسباني بشأن موضوع جبل طارق أقوى من الموقف المغربي بشأن سبتة ومليلية، إذ يعتبر جبل طارق "إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي" من قبل الأممالمتحدة، وبالتالي فإن يخضع لإنهاء الاستعمار، في حين لا تعتبر سبتة ومليلية أقاليم غير متمتعة بالحكم الذاتي، وبالتالي فهي غير موجودة في قائمة الأممالمتحدة المعنية بالأراضي غير المتمتعة بالحكم الذاتي. وليست هذه هي المرة الأولى التي تحث فيها الحكومة الاسبانية نظيرتها البريطانية على فتح حوار حول هذا النزاع الترابي، إذ أن وزارة الخارجية الإسبانية دأبت على مطالبة نظيرتها البريطانية بإعادة النظر في معاهدة أوترخت لعام 1813، والتي بموجبها تنازلت إسبانيا عن سيادتها في جبل طارق، وإنهاء التواجد البريطاني هناك. ولكن على عكس حكومة رئيس الوزراء السابق، رودريغيز ثاباتيرو، فإن رئيس الوزراء الحالي، ماريانو راخوي يعتزم فتح حوار مع المملكة المتحدة من دون إشراك سكان الصخرة في هذه المحادثات. ولكي نعرف لماذا لم يتم تضمين مدينتي سبتة ومليلية في قائمة الأممالمتحدة للأراضي غير المتمتعة بالحكم الذاتي، يجب الرجوع إلى بدايات ستينيات القرن الماضي، وتحديداً إلى ما يسمى ب "اتفاق باراخاس". ففي 6 يوليو 1963، التقى المغفور له الحسن الثاني مع نظيره الإسباني فرانسيسكو فرانكو في مطار باراخاس بالعاصمة الإسبانية مدريد لمعالجة النزاعات الترابية القائمة بين البلدين، ويطلق على الاتفاق الذي تمخض عن هذا الاجتماع "اتفاق باراخاس". وبموجب هذا الاتفاق، وافق المغرب على فصل قضية سبتة ومليلية عن القضايا الترابية الأخرى المتنازع عليها بين البلدين في لجنة الأممالمتحدة الخاصة المعنية بإنهاء الاستعمار، والمعروفة باسم اللجنة 4. وقد أدى استغلال هذه الاستراتيجية بذكاء من قبل القادة الإسبانيين، بالإضافة إلى عدم وجود إرادة قوية من المغرب لإدراج هذا النزاع في أجندة الأممالمتحدة في وقت كانت فيه مسألة جبل طارق محط نقاش في اللجنة الرابعة، إلى حرمان المغرب من فرصة تاريخية لتسجيل سبتة ومليلية على نفس لائحة جبل طارق، وهي لائحة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، والتي كان على القوى الاستعمارية أن تقوم بإنهاء تواجدها الاستعماري فيها. وبالإضافة إلى ذلك، فقد امتنع المغرب منذ ذلك الحين عن إثارة هذا النزاع مع الجارة الشمالية حتى عام 1974. سوء تقدير؟ وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنه في بداية الستينات وطوال السبعينات، كل جهود الدبلوماسية المغربية كانت تركز على استعادة الأراضي المغربية الجنوبية، بما في ذلك سيدي إفني، التي أعيدت إلى سيادة المغرب بموجب اتفاقية فاس المؤرخة في 4 يناير 1969 والصحراء المغربية، التي تم استرجاعها بعد المسيرة الخضراء والاتفاق الثلاثي الموقع بين المغرب وموريتانيا وإسبانيا يوم 14 نوفمبر من نفس السنة. وبذلك استفادت إسبانيا من سوء تقدير الدبلوماسية المغربية، ونجحت بذلك في الحيلولة دون تضمين سبتة ومليلية في جدول أعمال اللجنة الرابعة للأمم المتحدة. ففي الوقت الحاضر، بينما تتم مناقشة مسألة جبل طارق خلال مداولات اللجنة الرابعة التي تعقد في شهر أكتوبر من كل عام، تبقى سبتة ومليلية قضية ثنائية بحثة بين المغرب وإسبانيا. ومع ذلك، فقد عمل المغرب على استغلال ورقة التشابه بين قضيتي سبتة ومليلية وجبل طارق، إذ منذ منتصف الثمانينيات ما فتئت الدبلوماسية المغربية تؤكد على أنه ليس بإمكان إسبانيا أن تعمل على استرجاع سيادتها على جبل طارق، في الوقت الذي ترفض الحق المشروع للمغرب في استعادة سيادته على مدينتي سبتة ومليلية. وفي عام 1987، بعد لقاء أجراه الملك الراحل الحسن الثاني مع وزير الداخلية الإسباني José Barrionuevo، سلم هذا الأخير رسالة موجهة إلى العاهل الإسباني خوان كارلوس الإسبانية. وفي الرسالة، اقترح فيها الحسن الثاني على نظيره الإسباني إنشاء خلية تفكير لمعالجة الوضع المستقبلي لسبتة ومليلية. غير أن الحكومة الإسبانية لم تتوان في رفض الاقتراح المغربي. ففي 24 يناير 1987، أصدرت الحكومة الإسبانية بيانا أكدت فيه أن "سبتة ومليلية مدينتان إسبانيتان، وستظلان كذلك، وأنه ليس هناك أي مبرر لإنشاء خلية تفكير من هذا النوع". ومنذ ذلك اليوم، وعلى الرغم من المحاولات المغربية لمطالبة السلطات الإسبانية بفتح حوار حول مستقبل المدينتين المحتلتين، دأبت مدريد على رفض المطالب المغربية معتبرة أنه ليس لها أي سند قانوني. بل الأكثر من ذلك أن السلطات الإسبانية تستمر في نفي وجود أي نزاع بين البلدين حول المدينتين. حجج المغرب لكن على الرغم من رفض السلطات الإسبانية التشكيك في إسبانية سبتة ومليلية وفتح حوار مع الرباط، وقبول فكرة وجود تشابه بينهما وجبل طارق، فللمغرب الكثير من الحجج لتقوية موقفه وإظهار أن أي حل لقضية جبل طارق يفضي حتماً إلى حل للنزاع الترابي حول سبتة ومليلية. ومن بين الحجج التي يمكن من خلالها للمغرب إثبات التشابه بين قضية سبتة ومليلية وجبل طارق هناك: حقيقة أن المدينتين المغربيتين على غرار جبل طارق كانتا في المقام الأول قواعد عسكرية وسجون مفتوحة، والمعاهدات غير العادلة التي فرضتها سلطات الاحتلال في كلتا الحالتين، وغياب تعلق قوى الاحتلال (إسبانيا وبريطانيا) لمدة طويلة بمستعمراتها. فوفقاً للدبلوماسيين الاسبانيين السابقين، ماكسيمو كاجال وألفونسو دي لا سيرنا، فإن المعاهدات التي تعتمد عليها السلطات الإسبانية لتبرير سيادتها على سبتة ومليلية ليسا لها أية قيمة قانونية أو أخلاقية، إذ وقعت تحت الإكراه وفي وقت كان المغرب في موقف ضعف. وبالإضافة إلى ذلك، ففي كلتا الحالتين (سبتة ومليلة وجبل طارق)، فإن المستعمرات توجد في الحدود الطبيعية لدولة أجنبية. وبالتالي، فهي تشكل عائقا أمام الوحدة الترابية للبلد التي تقع فيها، ناهيك عن أن الأقاليم الثلاثة تعتمد اقتصاديا على المناطق المتاخمة لها. وعلاوة على ذلك، يرى العديدون أنه لا يمكن لإسبانيا الاستمرار في تطبيق سياسة الكيل بمكيالين، إذ بغض النظر عن الوضع القانوني لسبتة ومليلية وجبل طارق، فمن غير المقبول سياسياً ولا أخلاقياً أن تطالب إسبانيا باسترجاع سيادتها على جبل طارق، في الوقت التي تستمر في احتلال المدينتين المغربيتين والجزر المجاورة لها. • مستشار سياسي في إحدى البعثات المعتمدة لدى الأممالمتحدة • خبير في العلاقات بين المغرب واسبانيا وقضايا الصحراء • رئيس تحرير موقع http://www.moroccoworldnews.com