بعيدا عما اعتبرته إحدى الأسبوعيات اختيارا " ثوريا " وجب على مؤرخ المملكة السابق دفع ثمنه، انطلق حسن أوريد مع جريدة " المساء " من نفس ما انتهى إليه خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب حول المسألة التعليمية، في اتساق لا يخرج عن عبق وروح الربيع العربي وزخم ثورة المغرب الهادئة، بتعبير إكرام عبدي في جريدة أخبار اليوم ل 30 غشت 2012. ويظهر أن أستاذ العلوم السياسية وصديق الملك في الدراسة قد صالح النظام على الإصلاح، منذ قرر صنع " توليفة حداثية، غير ادعائية أو حزبية، ولا كهنوتية وأيضا متصالحة مع تدين المغاربة وجذورهم الأمازيغية والعربية "، فأبقي صلة وصل مع الإسلاميين الذين مدحوا كتابه: مرآة الغرب المنسكرة، ودافع عن الفرنسية في دفاتر التحملات بما يضمن توازن الانفتاح والإصلاح، في لحظة تاريخية عنوانها عودة الروح أو الوعي في ربيع إقليمي وشرق أوسطي مشهود. من جهة، رفض أوريد المثقف " المولوي " أو " الملكي " فئة " الكهنوتيين " قبل الانتقاد الجارف للسفير السوري في مجلس الأمن لحفل الولاء، حين اعتبر مدير مركز طارق بن زياد الحفل غير ضارب في التاريخ، ودعا إلى معالجة المشكلة الكامنة في بعض طقوسه، خصوصا وأن الانتقادات لم تمس بند البيعة أو مشروعيتها. ومعلوم أن المريني الذي عوض أوريد في منصب مؤرخ المملكة هو المدافع عن " تقليدانية مفلسة " تضر بانسجام العرش مع لحظته المعاصرة. ومن جهة أخرى، يعمل أوريد بقوة على أن ينأى الهمة المستشار الملكي عن " التنافس السياسي "، لأن استمرار أي علاقة بين الهمة والحزب الذي أسسه خطر حادق على المؤسسة الملكية، خصوصا في تمثلها لوثيقة الأول من يوليوز، وما تبعها من تداعيات وصول بن كيران لرئاسة الحكومة وتراجع شعبية واعتدال حركة 20 فبراير، وتقدم الأفكار بشكل متطرف، بما يقابل ترسيخ طقوس تقليدانية ومطالب جذرية على الهامش، وأي تحول جديد سيكون عميقا، لأن التبلور الحالي قد يكون بالضرورة له ارتدادات تميز السياق القادم. عدم انتقاد الحكومة الحالية التي يقودها بن كيران من طرف من وصفه طلحة جبريل في " الشرق الأوسط " بالمفكر، ورفض لومها على قول الشاعر ابن رشيق الأندلسي، فإن اللوم يؤلمه، يكشف سر تقدم رئيس الحكومة باعتذار إلى الملك ومحيطه في وقت سابق من هذا الصيف، لأن القصر لا يمثله وجه واحد، ولا يحتكره أحد من البطانة. وفي توازنات المرحلة ما يفيد نقد " البام " في مرحلة ما قبل البكوري، لأن قدرة الدولة ليست أكثر من منع مستشاري الملك ومحيطه من " التنافس السياسي "، لأن التاريخ يفرض على العرش: قتل ما تبقى من أبرتهايد عمل عليه ليوطي، وكرسته دولة الاستقلال وفي الإصلاحات الحالية لا يمكن للملك أن يكون مدبرا للأغنياء وكفيلا بالفقراء، بقدر ما يكون استقلال القضاء والتوزيع العادل للثروة عمادين لمجتمع مواطن من فرد مواطن ودولة مواطنة. تصفية " تركة " الهمة في المجتمع الحزبي، لموت مقولة " حزب الدولة " ونهاية الحزب " الملكي "، وعدم نقل هذه التركة البامية إلى القصر، لأن دعوى التحديث التي بشر بها الهمة خرست مع فئة الكهنوتيين. وقدرة النظام على تحرير نفسه من فئتي الكهنوتيين والمحافظين الجدد سبيل ناصح لتمكين الشرعية من الاستمرار، في حالة طبيعية وتطبيعية مع تقدم المجتمع الحر والواعي لاستقراره ومصيره. ومن هذا المنطلق لابد من تجاوز تمثل الهمة " لروبير منطاني " وتمثل الدولة لليوطي، لانطلاق إرادة إصلاحية مغربية لا تعيد إنتاج أي انشطار اجتماعي أو سياسي، كما لا تضع الدولة رهانا لروبوات أو تكنوقراط لا يبدع الأفكار. دعم حسن أوريد للديمقراطية والسيادة الشعبية التي تفرزها صناديق الاقتراع دون تدخل إداري قد يضع الجميع أمام مسؤولياته، لأن رفض تقسيم آخر للأدوار بين أصدقاء الملك تؤول فيه العملية التربوية أو التعليمية لحسن أوريد، خليفة لمزيان بلفقيه، ومواصلة العملية السياسية لعلي الهمة لتسطير البديل من الآن لحكومة بن كيران، هو بالتأكيد جزء من أمن اللعبة، و" ضمانة فاعله " لسيادة الشعب، لأن الاختيار للشارع ويأتي تركيز الخطاب الملكي الأخير على التربية، والتربية " العلمية " إلى جانب التربية على حقوق الإنسان والمواطنة والمساواة يقدم إجابة فيما يخص تنميتنا البشرية. الملك يجب أن يتجاوز تقسيم الأدوار بين حلفاءه، نحو تحكيم صاف وعادل لما تفرزه إرادة الشعب كما حدث أخيرا بأسلوب مرتجل وتحت ضغوط الربيع العربي، ليكون ثابتا من ثوابت إدارة المرحلة، فالخروج من حالة الاستثناء المستمرة نحو مرحلة التطبيع الكامل مع إرادة الشعب وصناديق الاقتراع ضرورة حياة لنظام ملكي يريد أن يتقدم ويستمر، بعيدا عن التاكتيك الذي أتخم به الهمة آلة الحكم، والتصاقا بالساعة الاستراتيجية للذات والواقع والعالم، لأن السياسة ليست سلعة أو عملية تجارية، كما أرادها المتلاعبون، ونفس الأمر مع التعليم، ومع باقي مقدرات الأمة، حيث لا يمكن الانطلاق إلا من صياغة جديدة لكل القضايا والسياسات، من أجل تمكيننا من اللحظة، لقد أخطأنا اللحظة اليابانية مع الحسن الأول واللحظة الكورية الجنوبية وإسبانيا معا مع الحسن الثاني، وربما نخطئ لحظة الربيع العربي في مرحلتنا هذه، لتحسين قيادتنا وبناء شعب يختار من يحكمه ويحاسبه، تماما كما ربط دستور الفاتح من يوليوز بين المسؤولية والمحاسبة. خصوصا وأن الاقتصاد هو الفريضة الغائبة في إدارة بن كيران للوضع، ولا يمكن أن نتقدم دون انتقاد دقيق للسياسات المتبعة، وابتكار توليفات أخرى لا تقبل الريع والرشوة وما تبقى من أمراض. لن ينفذ أي كيان سياسي إلى النجاح دون " برنامج اقتصادي " قوي وفعال، أما المعركة التي تخاف من " أسلمة التعليم " لإدارة الحكومة نصف الملتحية للمغرب، فيؤكد على تخلفنا لأن " المدرسة " واقع انتقذه القصر مع مزيان بلفقيه وانتقدته الأحزاب ... والأصل أن يخوض الجميع النهضة، ولا تكون لناس دون ناس، أو طرف دون آخر، والطموح الجماعي أصل جزء من الحل. وعلى ذكر الاقتصاد، المبتلى بالقرارات " الفوقية والمصلحية "، نجد أن تمرير القرار الاقتصادي ضد مراكز النفوذ ولوبيات الريع والصفقات رهان المستقبل والجزء الصلب في معادلته. وضرب " النظرة الكهنوتية " أو تجاوزها لا يجب أن يكون في بعض الميادين دون أخرى، و في بعض طقوس الملك وحسب، لأن حفل الولاء وغيره ثقافة، ويجب أن نتحرر من ثقافة موجودة نحو أخرى بديلة دون مسح أو نسيان للجذور والهوية. قيادة ثورة الملك والشعب من خلال التعليم بداية يابانية، والقدرة على أن نجمع معاصرتنا وأصالتنا لن تكون دون " هوى شرقي " يقول أحد كتابهم. والعلامة الفارقة، أن نبحث عن حل آخر وليس عن شئ آخر بالضرورة كما يقول فرانز فانون لسبب بسيط واستراتيجي: هل نريد جميعا أن ننتقل إلى ملكية ثانية، أم لا ؟ كيف يمكن لمجلس الأمن الذي انتقد فيه السفير الأسدي والدموي تقاليد مغربية متجاوزة، أن يؤكد على ديمقراطية مملكة تريد أن تتبنى أعلى درجات الإدارة اللاتركزية واللاممركزة ؟ مواجهة الذات واحترام الإرادة الشعبية عصمة من الانزلاق إلى أتون جديدة، ترغب في تكرار الأمس في منظار الغد رغم انفتاح أجيال النيت وثورة الشبيبات في ربيع خلط الدم بالقدر لسقاية التغيير. الاستماع الجيد للتاريخ ولساعة العصر أمر واحد، لكن دفاعنا على الماضي في رث ثيابه جهل لا يبارزه إلا تكبرنا على اللحظة، وأي تحليل موضوعي يرفض الجمود وإعادة إنتاجه له قاسم واحد يؤكد استنساخ استنتاجاتنا. لم يطلب أوريد سوى تجاوز انكسار المرآة، والاتجاه العميق إلى زمننا بما يفرضه من قوانين للرقي، لأن حالة الانتقاء والاصطفاء الداروينية واقعة لا محالة، وأي تفكير في مسح سنة " التدافع " لا يفيد الاستقرار في كل تجلياته، ونحن نعيش أقصى درجات تناقضنا: حفل الولاء في أكثر صوره " التقليدانية " في ظل دستور متقدم حسب أغلب الملاحظين والمتابعين. والأزمة بالأساس فكرية بكل مقاييس لتحولنا المتردد، والراغب سدى في كسب الأصالة بأعتى تجلياتها والمعاصرة بأسمى قيمها، دون أن يقر ثم يتجاوز التناقض التي تفرضه المصلحة على الحاكم. الدعوة إلى العمل بالتقاليد المخزنية كجمالية فقط، هو إجابة موضوعية، قادرة على توليفة ترفض " الكبح " كما قال أوريد، وهذا التفسير قد ينقذ المشهد الملكي، لأن هناك أطرافا تسعى إلى إدارة " صدام " كبير في ظل حكومة بن كيران، واجهه رئيس الحكومة بتقديم اعتذار على ما بدر منه للجالس على العرش، لكن المسار يتطور نحو المزيد من العتاقة لنفض الحداثيين الأمل في حكومة الإسلاميين. وفي ظل هذه الترددات والارتدادات يقرأ الجميع في الأفق سؤال عودة المكبوت مع عودة الروح أو عودة الوعي، وفي كل الاتجاهات لا نكاد نجد إلا مثقفا أمنيا مثله علي الهمة لسنوات، وربما مثقف مولوي كحسن أوريد سار في ظل المرحلة السابقة قبل أن يستشعر التطورات ويقرر أن يخدم العرش في مستقبله. وفي كل الأحوال، نجد أن أفق الاستقرار الذي يمثله التحول النهائي إلى احترام الإرادة الشعبية من خلال صناديق الاقتراع، الحرة وغير المتحكم فيها، ورفض تورط المستشارين الملكيين في التنافس السياسي، هو الشئ الرئيس لبناء تقاليد جديدة تخدم الأصالة والمعاصرة في آن واحد.