موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوريد: حفل الولاء ليس ضاربا في التاريخ والمشكلة تكمن في بعض طقوسه
قال ل« المساء »: هناك طقوس لم يعد معمولا بها والتقاليد يجب أن تكون زينة لا كبحا
نشر في المساء يوم 31 - 08 - 2012

في الجزء الثاني من الحوار المطول، الذي أجرته «المساء» مع حسن أوريد، يتحدث الناطق السابق
باسم القصر الملكي عن البيعة والنقاش الذي أثير حولها، ويقول إن المشكلة لا تكمن في البيعة، بل في طقوس معينة ترافق ما يسمى بحفل الولاء. وتساءل: «هل يمكن أن نوفق بين ما نروم من حداثة وتقاليد؟ مجيبا في الوقت ذاته بنعم، قبل ان يشترط بأن تكون تلك التقاليد زينة، وليست كبحا. وبخصوص الرأي الذي يقول إن الربيع العربي«مجرد طبخة غربية»، أوضح أوريد أن هذه القراءة يمكن نعتها بالكسل الفكري، مضيفا أن «مصدر هذا الحراك هو عودة المكبوت، أو الأسئلة التي ُغيّبت عقب الاستقلالات، وتم تغييبها في نحو من الأنحاء بممالأة الغرب» وبخصوص ما يحدث في المغرب قال أوريد إن “شيئا عميقا أخذ في التبلور في بلادنا وفي محيطنا لن يسلم من ارتدادات، ولكن الاتجاه العميق لا يمكن إلا أن يكون إيجابيا». أما بخصوص تقييمه لأداء حكومة بنكيران فقال إن «الذي يميزها هو السياق التاريخي ولها أدوات لم تحظ بها أي حكومة سابقة. ولكن في نفس الوقت هي تحت المجهر» وبالنسبة إلى موضوع «المورسكيين» فأوضح بأنه لا يطالب باعتذار، ولا بتعويض، ولا بتغيير دستور إسبانيا، وإنما يجدد مطلب رجل فذ اسمه عبد السلام بنونة الذي طالب بأن يعاد مسجد قرطبة إلى ما كان عليه، أي مسجدا تقام فيه الصلاة، ويرفع فيه الآذان، إلى جانب وظيفته الكنسية الحالية.
- ارتفعت أصوات ضد طقوس البيعة باعتبارها طقسا من طقوس أزمنة الظلام والعبودية. ماذا يمكنك قوله بخصوص ذلك؟
تتبعت النقاش بين الفئة، التي يمكن أن تنعت بالمدافعين
les apologistes، وفق الأدبيات الكهنوتية، والمناهضين لتلك الطقوس. من موقع من يريد أن يكون موضوعيا قدر الإمكان، ويسعى إلى أن يفهم قدر الإمكان، لا بد أن أميز بين كثير من الأشياء:
أولا، الحفل الذي تسميه البيعة، هو حفل ولاء، ويمكن تجاوزا أن نقول عنه، وفق الأدبيات الرسمية، إنه تجديد البيعة. ومن هذا المنظور، فزيارة الملك لمنطقة يمكن كذلك أن تعتبر تجديدا للأواصر بين الملك والشعب. لكن لا يمكن بأي حال أن تسمى، وفق الأحكام السلطانية، أو القانون الدستوري من منطلق إسلامي، بيعة. البيعة تتم بعد تولي حاكم ما، مرة واحدة، أو استثناء قيد حياته، بالنسبة إلى ولي العهد كما فعل السلطان أحمد المنصور في نهاية القرن السادس عشر الميلادي في حفل مشهود لابنه الشيخ المامون، أو كما فعل الملك محمد الخامس سنة 1957 لابنه مولاي الحسن، ولا تكون لها قوة إلا بعد وفاة السلطان القائم، ومبايعة من عُهد له بولاية العهد.
بعد 1962 أصبح لدينا دستور ينظم انتقال السلطة ومجلس وصاية إلخ. إذن الدستور هو الذي ينظم انتقال السلطة، ولكن البيعة رغم ذلك لم تصبح صورية. هناك الحالة التي قام بها شيوخ قبائل وادي الذهب سنة 1979 ووقعوا عقد بيعة مسلم للملك المرحوم الحسن الثاني.
والبيعة، وفق ما تواتر في العمل المغربي أو الممارسة، عقد ليس فقط بين موقعي الوثيقة، بل مع من يمثلونهم. وطبيعة العقد أنه جماعي، لا يمكن لشخص وقّّعه أن يتنصل منه. ويمكن في حالات حددها الفقهاء نقض البيعة إذا أخل السلطان بالتزاماته في حفظ الدين والعرض والأرض والنسل، أو إن هو ارتد عن الإسلام، أو أصبح معتوها، أو وقع أسيرا عند العدو.
لنعدْ إلى انتقال السلطة، بعد وفاة المرحوم الحسن الثاني كان الأمر محسوما في دستور 1996، ولكن ارتُئِي بالنظر للعمق التاريخي للملكية أن تتم مراسيم البيعة.وفق الدستور يصبح الملك ملكا بمجرد وفاة الملك، وحسب القاعدة الغربية: مات الملك، عاش الملك. ليس هناك شغور للسلطة، في حين يمكن تصور شغور للسلطة في حالة البيعة ولو بضع ساعات، ثم إن الدستور هو تعبير عن سيادة أمة، في حين أن البيعة هي من شأن من يسمى في الأدبيات القديمة بأهل الحل والعقد. تاريخيا كذلك نعرف بأن البيعة لم تحسم انتقال السلطة، كما حدث عقب وفاة أحمد المنصور وتفرق أبنائه حول من يتول الحكم، أو في ظل الدولة العلوية حيث نازع السلطان هشام أخاه اليزيد الملك، واقتتلا وماتا كليهما، أو بين السلطان عبد العزيز وأخيه مولاي حفيظ، الذي ألب عليه القبائل والعلماء، ولو أن القوة في نهاية المطاف هي التي حسمت الأمر.
إذن الدستور أنجع في تنظيم انتقال السلطة. لكن هناك حالات لا يمكن للدستور أن يحلها. الدستور هو إطار تنظيم مجال السلط في دائرة حيز ترابي محدد، أو ما يسمى دائرة الحدود الحقة. لكن بالنظر إلى تاريخ المغرب، وباعتبار وضع الملك كأمير المؤمنين، يمكن لجماعات، خارج الحيز الترابي للمغرب، أن تعبر عن ولائها لأمير المؤمنين. وهي حالات وقعت وليست مدرسية أو افتراضية. طبعا العلاقة سوف تختلف هنا، لأنها ستكون ذات بعد تاريخي أو روحي، ولكنها لا يمكن أن تكون زمنية، لأن الذين عبروا عن ولائهم هم خارج الحيز الترابي للمملكة.
قد لا يكون هناك تضارب بين ما ينظمة الدستور وما تسعى التقاليد إلى المحافظة عليه، بالنظر إلى المرجعية التاريخية للمؤسسة الملكية. والمشكلة لا تكمن في البيعة، ولا أظن أن هذا هو الذي أثير في النقاش، بل طقوس معينة، ترافق ما يسمى حفل الولاء، وهذه الطقوس تفترض قراءة دقيقة، ثم لأي أن يستنتج الاستنتاج ما يريد:
- الحفل الذي يتم غداة عيد عرش ليس ضاربا في التاريخ، لأن عيد العرش يعود إلى سنة 1934، وأما الحفل الذي يتم بالشكل الذي يتم فيه فيعود إلى مارس 1962، وهو استنساخ للطريقة التي كان يتم بها العيدان، وإلى حد ما، عيد المولد النبوي.
- هناك طقوس لا تزال مستمرة، مثل الستة خيول التي تسبق الملك، ولكن هناك طقوس أخرى لم يعد يعمل بها، مثل أعلام خاصة يؤتى بها من ضريح المولى إدريس الأزهر، وتفتح أمام السلطان، ويقبّلها، وعلم آخر من ضريح سيدي بلعباس السبتي ولي مراكش، ولا يفتح هذا العلم، لأنه علم الجهاد، ولكنه يؤتى به للحفل. ثم يعاد العلمان، الأول إلى ضريح مولاي ادريس الأزهر، والثاني إلى ضريح سيدي بلعباس بعد انتهاء الحفل.
- كانت الموسيقى تصحب خروج الموكب السلطاني، ولم يكن هناك مثلا نفخ في الزمامير من فوق بوابة القصر، كما يفعل الآن.
- كانت الهدية تصحب الحفل، فلم تعد هناك هدية.
- تغير الحفل ما بين السلطان مولاي يوسف والسلطان سيدي محمد بن يوسف، إذ كانت القبائل تأتي على خيولها، وتبقى على صهواتها، وتقدم التحية من خلال انحناءة.
- يفرض قائد الروى على عناصر من قبائل تعتبر متمردة، أو «مغَوْغَة» في المصطلح المخزني، أو «دارت الزازة» كما في التعبير القديم، وهي كلمة أمازيغية، أن تجثو على الأرض، تعبيرا منها عن طلب الصفح أو التوبة. والقبائل المتمردة كانت متمردة في عرف الإدارة الاستعمارية فيما كانت تسميه بالتهدئة. وهي من منظرونا نحن بطلة.
- أهم هذه الطقوس، هو المظل، الذي هو رمز السلطان ومخصوص للملك، ولذلك يقال بالتعبير الجاري «مول المظل» كناية عن السلطان، وهو شبيه بالصولجان بالنسبة إلى الفرس، وعصا الملك بالنسبة إلى ملوك فرنسا le sceptre ولها طقوس خاصة، إذ لا يفتح والسلطان متوجه للصلاة، سواء كانت صلاة الجمعة أو العيدين، أو حين يقصد زيارة ولي من الأولياء، ولا يفتح المظل إلا بعد العودة.
إذن لسنا أمام حالة جامدة، فلسفتها تحيل على ارتباط حلقات تاريخ، وتدل على أن المغرب أمة عريقة، وهذا شيء إيجابي، مع ضرورة معرفة كل أوجه هذا التاريخ ورعايته، بما فيه تراثنا المادي الذي هو عرضة للإهمال، للأسف الشديد.
والسؤال هل يمكن أن نوفق بين ما نروم من حداثة وتقاليد؟ نعم، بشرط أن تكون تلك التقاليد زينة، وليست كبحا. هل يشكك أحد في أن اليابان دولة حديثة؟ نعم حافظت على تقاليدها، وطورتها في آن. هارا كيري كان طقسا سياسيا، ثم أضحى مرتبطا بالشرف، أي شخصيا.
- البعض رأى في «الربيع العربي» مجرد طبخة غربية تم تفجيرها لكنس أنظمة شاخت واستقدام أخرى جديدة توهم بالتغيير، لكنها مخلصة لمن جاء بها؟ كيف ترى هذه القراءة؟
هذه قراءة أنعتها بالكسل الفكري. وتجد رديفا لها في نظرة مشابهة مفادها أن هذه الرجة ستذهب مع من حركها، أي مع باراك أوباما، المسؤول عن هذا الزلزال، وأنه حين سيذهب أوباما، وهم يتمنون أن يتم ذلك قريبا، سوف يتنفسون الصعداء. وهو تمرين يمكن أن ينعت بما يسمى في العلوم النفسية الإقناع الذاتيl'auto suggestion أي حينما يضفي شخص ما على أمانيه ظاهرا من الموضوعية.
الرجة التي حدثت في العالم العربي ليست نتيجة توالد آني
une génération spontanée كما يقال في البيولوجيا، بل نتيجة معطيات موضوعية. من يقرأ رواية «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني يشعر حقا بأن مصر كانت تغلي. عقب الانتخابات التشريعية لديسبمر 2010 في مصر كتبت «لوموند» بأن الوضع في مصر لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه، وأن هناك دينامية مجتمعية، في الوقت الذي حصل الحزب الحاكم على 100 في المائة من الأصوات، والمعارضة صفر في المائة. لكن، مثلما يقول المثل العربي: «الذي لا يبصر من الغربال يكون أعمى». كان هناك عَمىً مستشرٍ. تذكرُ أسي الطاهر أنني قدمت لك كتابي «مرآة الغرب المنكسرة» في نونبر 2010، وكنت كتبته سنة قبل ذلك، وكنت أسمع المسؤولين يرددون أنذاك بأننا في منأى عن الأزمة الاقتصادية..هل القوى الغربية هي التي أملت علي أن أكتب ما كتبت وأقول إننا كنا على مشارف تحول عميق اجتماعيا وسياسيا في الدول المرتبطة بالرأسمال العالمي، وكنت أعني بعض دول العالم العربي.. والذي يمكن أن أقول لك، هو أن هذا الحراك ليس شيئا عابرا، ولن يطفئه عدم تجديد انتخاب أوباما إن لم يتم انتخابه. مصدر هذا الحراك هو ما أسميه : عودة المكبوت، أو الأسئلة التي ُغيّبت عقب الاستقلالات، وتم تغييبها في نحو من الأنحاء بممالأة الغرب، والجديد، وهنا أتفق هو أن الغرب لن يسهم في كبت الأسئلة العالقة، لسبب بسيط هو أن ذلك جزء من مصلحته، ولا عيب أن يجري الغرب وراء مصلحته، العيب كل العيب، هو أن لا نسعى نحن وراء مصلحتنا، أو أن تتولى فئات معينة تدبير أمورنا، ليس وفق مصلحتنا، بل وفق مصلحة فئة قليلة.
- لماذا كان دور المثقف باهتا في هذا الحراك العربي؟ هل معنى هذا أنه انتهى أم انسحب؟
انسحب المثقف في العالم العربي وغير العالم العربي. المثقف هو شخص «ولد الناس»، ومقبول في خطابه وهندامه، قد تكون له شبكة واسعة من العلاقات العامة، يوظفها للحصول على جوائز أو لمآرب أخرى، قد تختلط فيها أعمال الأجهزة.هو ما يسميه سارتر في كتابه «ما الأدب»، بالتضخم الأدبي. النموذج في فرنسا مثلا هو برنارد هنري ليفي، أما النموذج المضاد فهو سارتر.
ما نعيشه هو بتعبير توفيق الحكيم عودة الروح، وعودة الوعي. لسوف ترى، ستعمنا شآبيب ناس الغيوان، وجرأة «أنفاس» وعمق «مسرح الناس»، وإبداعات الكنفاوي المسرحية، طبعا بأشكال أخرى. ستسمع قولا يهزك مثل «ما هموني غير الرجال إيلا ضاعو، الحيوط إيلا رابو كلها يبني دار»، بل بدأنا نسمع قولا مثل ذلك في إبداعات الشباب. ستسمع تحيينا لنداء فرانز فانون: «أيها الرفاق لنبحث عن شيء آخر».
- تجربتك في الحياة والسياسة تجعلنا نستحضر شخصية ابن خلدون حينما ابتعد واكتفى بالمراقبة والكتابة. هل أنت على خطى إعادة نفس التجربة في مغرب القرن الواحد والعشرين؟
ابن خلدون شخصية لا يجود بها الزمان. ومن العبث أن يقارن شخص ما بابن خلدون، لكن شخصية ابن خلدون حاضرة في اهتمامي. فابن خلدون نتاج مسارين: المسار الأول جماعي، وهو بهذا المنحى نتاج لمسار علمي طويل في بلدان، المغرب هو إحدى حلقاته، والذي يتسم بالعقلانية، ويجلّيه أستاذ ابن خلدون، عبدالله الأبلي، وهو من أصول أندلسية من Avila، ثم هو كذلك تعبير عن حاشية السلطان المريني أبي عنان، التي جمعت في زمن واحد ومكان واحد أشخاصا أفذاذا منهم ابن خلدون طبعا، والرحالة ابن بطوطة، والفقيه ابن مرزوق، والعالم ابن الحاج النميري، والكاتب لسان الدين بن الخطيب. أما المسار الثاني، فذاتي، ناتج عن تقلب ابن خلدون في عدة مناصب. بتعبير آخر، لم يكن ابن خلدون
un sociologue en robe de chambre، ولكن شخصا عركته الحياة. تأمل دسائس البلاط، وعاش وسط البدو، ووقف على عوائد الأمازيغ، وزاول الدبلوماسية مع القشتاليين، وحدث أن رسم ما يمكن أن نسميه قطيعة مع هذا المسار، حين رأى أخا يقتل أخاه حبا في السلطة. أظنه في بجاية، إذاك أرسل قولته في سيرته «التعريف»: «وأعرضت عن غواية الرتب، واصطناع الملوك»، واعتزل بقلعة ابن سلامة مع البدو الأعراب، الذين كانت له معهم علاقة جيدة، ليكتب «المقدمة»، التي سالت شآبيبها كما يقول على ذلك النحو العجيب. كانت عصارة تجربة، ولكنها كانت عبارة عن محضر لبنية
Un procès verbal. ومنذ ذلك التاريخ دخلت منطقة المغرب فترة اضطرابات، وأصبحت تتأثر بالأحداث، أكثر مما تؤثر فيها، ونخرتها التطاحنات، وكان هذا الوضع سلبيا على بني الأحمر في غرناطة- وهي القلعة الأخيرة للحضارة الإسلامية بالأندلس- التي انتهى بها حكمهم. بتعبير آخر، انحل العمق الاستراتيجي لحضارة إنسانية عريقة، وهو الوضع الذي لا يزال مستمرا إلى الآن، للأسف الشديد. هذا هو الذي يهمني، ولن تضطلع بلاد المغرب بدور ريادي إن استمرت الفرقة. لن يكون هناك ابن خلدون ولا ابن بطوطة ولا ذلك التألق العمراني الذي لا تزال معالمه قائمة في فاس وتلمسان والقيروان، أي ما يسميه المفكر الجزائري المرحوم مالك بن نبي سيادة الإنسان ما بعد الموحدي. وينبغي تجاوز أعراض هذا الإنسان ما بعد الموحدي الذي ما يزال يملأ الدنيا لغطا، ويفتي وينظر، وفق ما تمليه عليه مصلحته أو مصلحة موظفيه.
- كتبت عن الموريسكيين وأسستم جمعية للدفاع عنهم، بعد مرور زمن طويل على نكبتهم، ما هو المطلوب ممن كان وراء مأساتهم؟ وما هو المطلوب من أحفادهم؟
أنا طارئ على هذا الموضوع، واستفدت من أعمال وأنشطة قام بها رواد، ولست مؤهلا لأن أذهب في هذا الموضوع إلى أبعد مدى، ولكن لدي فكرة بسيطة، أعبر عنها من خلال المنبر، وهي إحقاقا لما تعرض له الموريسكيون، أستأنف من حيث انتهى رجل من رجالاتنا الأفذاذ، عبد السلام بنونة، وهو نفسه يتحدر من هؤلاء المرحّلين، وكان اسم عائلته يكتب على هذا الشكل Ben Una، أحيّن طلبه الذي عبر عنه حين وصل الجمهوريون إلى سدة الحكم في إسبانيا قبل انقلاب فرانكو، ووجد آنذاك آذانا صاغية لدى الجمهوريين، فضلا عن شكيب أرسلان، الذي كان تجند لهذا المسعى. ومطلب عبد السلام بنونة هو أن يعاد مسجد قرطبة إلى ما كان عليه، أي مسجدا تقام فيه الصلاة، ويرفع فيه الآذان، إلى جانب وظيفته الكنسية الحالية، تقرع فيه الأجراس ويقام فيه القداس، ولا يمنع المسلمون من الصلاة فيه، ويتاح لليهود كذلك أن يقيموا صلواتهم به. هذا الذي أريده، بالنسبة إلى مسجد قرطبة وإلى خيرالدة. ولا فضل لي، وإنما ُأحيّن عمل هذه الشخصية الفذة من رجالاتنا التي لا يعرف عنها أبناؤنا شيئا: عبد السلام بنونة. لست أطالب باعتذار، ولا بتعويض، ولا تغيير دستور إسبانيا. وأعتقد بأن التفاف الناس حول هذه الفكرة هو رد الاعتبار لهذا الرجل الذي نعته شارل أندريه جوليان بأب الوطنية في المغرب، وهو إثابة لأرواح المرحَّلين الذين تعرضوا لعملية تطهير عرقي وديني غير مسبوقة، وهو إبراز لنموذج الأندلس في التعايش والقطع نهائيا مع فترة محاكم التفتيش ومخلفاتها.
على المشتغلين داخل المؤسسة الملكية أن ينأوا بأنفسهم عن «التنافس السياسي»
- هل ترى أن وصول الإسلاميين إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع وتقبل الدولة بذلك بداية السنوات الحاسمة في تاريخ المغرب وانتقاله إلى خريطة الديمقراطيات الحديثة؟
أعتقد بأن شيئا عميقا أخذ في التبلور في بلادنا وفي محيطنا. لن يسلم من ارتدادات، ولكن الاتجاه العميق لا يمكن إلا أن يكون إيجابيا.
- بعد مرور زمن في حياة الحكومة كيف تقيم أداءها؟ وهل تلاحظ ما يميزها عن الحكومات السابقة؟
الذي يميزها هو السياق التاريخي.لها أدوات لم تحظ بها أي حكومة سابقة. ولكن في نفس الوقت هي تحت المجهر، وأنا أعمل ببيت ابن رشيق الأندلسي في تقييمي لها :«لا تعذليه فإن اللوم يؤلمه»
ولا شك أنك تعرف عجز هذا البيت والقصيدة بأكملها معروفة في أدبيات الشعر العربي ب «اليتيمة».
- البعض يرى بأن الإسلاميين لا سلطة لهم، وأن الأمور تدار من وراء حجاب من طرف حكومة ظل قوية؟ إلى أي حدد تتفق مع ذلك أو تختلف؟
هناك شيء برز في النقاش في الآونة الأخيرة، ليس قصرا علينا، وهو شيء إيجابي. ظهور مصطلح الدولة العميقة، الذي كنت أشرت إليه وإلى جذوره في مقال ب«لافي إيكو» يوم كنت أكتب في أسبوعية لا في إيكو من منظور الإسلاميين فهو شيء سلبي، أسوة بالوضع السائد في تركيا، أو الإسقاط الذي أجري على حالة مصر. من منظوري، هناك أشياء تتصل بالخيارات الاستراتيجية ينبغي أن تكون في منأى عن التنافس السياسي: وضع الأقليات الدينية، القضايا المرتبطة بالهوية، الوحدة الوطنية والوحدة الترابية، الخيارات الدبلوماسية...، والمؤسسة الملكية هي المؤتمنة، أو ينبغي أن تكون كذلك على هذه القضايا الاستراتيجية. إنما على المشتغلين من داخل المؤسسة أن ينأوا بأنفسهم عن كل تنافس أو توجيه أو تأثير أو توظيف. هم في تدبير قضايا محط إجماع، بها ضمان استمرارية الدولة والأمة.
ثم الشيء الإيجابي كذلك بروز مفهوم الدولة المدنية، وهي تحدد الآن بنقيضها، أي لا دولة دينية، ولا دولة عسكرية، ويمكن أن تعرف غدا بذاتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.