عندما خرج الآلاف إلى الشوارع في السنة الماضية- ولا زالت المئات تخرج حاليا-، تطالب بالديمقراطية وبتحسين ظروف العيش، كان أقل ما يتمنونه هو أن تفرز لنا النخبة الحاكمة رئيس حكومة قوي له من الصلاحيات ما لمثيله في الدول التي تحترم نفسها، حيث يمكن للشعب محاسبة هذا الرئيس على ما قدم دون أن يبرر بعض اختياراته بأنه لم يكن يتوفر على السلطة المطلوبة.. بعد أن صوتت الملايين على الدستور، بقيت فئات كثيرة تحتج في الشارع على الدستور، فيما احترمت فئة أخرى هذا الاختيار، وقللت من خروجها، ثم بعد أن صوت قرابة 3 ملايين مغربي على حزب المصباح، احترمت مرة أخرى هذه الفئة هذا الاختيار، وتمنت شأنها شأن جميع من شارك في الانتخابات، أن يقوم رئيس الحكومة بالدور المنوط به من خلال الدستور، وأن يعمل من أجل الصالح العام في صلاحياته المحددة وأن يترك المؤسسة الملكية تعمل هي الأخرى في صلاحياتها.. غير أنه كان لبنكيران رأي آخر، فالرجل الذي كان ضد الملكية البرلمانية، رأى أن الصلاحيات التي قدمها له الدستور كثيرة عليه، وأن ظهره ضعيف ولا يستطيع تحملها، فأبى إلا أن يحسس المؤسسة الملكية أنه صغير جدا بدونها، وأن صلاحياته لا تساوي شيئا بعيدا عنها، وأن حكومته ليس لها من وزن إلا أمام توجيهات الملك، فاختلط الحابل بالنابل عل بنكيران، واعتقد أن الملك هو الذي اختاره ليكون رئيسا، وليست تلك الأصوات الصادقة التي لم يحترمها أبدا.. لولا حركة 20 فبراير، ما كان حزب المصباح ليحلم بمكانته الحالية، وعوض أن يشكر هذه الحركة، راح يشرف على محاكمة النشطاء وتلفيق التهم لهم، وعندما أقول الحزب، فأنا أحمله جميع المسؤولية عن الأمر وليس أشباحا أخرى في الدولة، لأن المغاربة لا يعرفون شيئا اسمه العفاريت والأشباح، بل يعرفون وزيرا للداخلية اسمه العنصر من المفروض أن يمتثل لبنكيران إن كان الدستور قد أزاح ما يسمى بوزارات السيادة، ويعرفون وزيرا للعدل اسمه الرميد كان يزمجر في المحاكم ذات يوم دفاعا عن الحق فصار يزمجر في البرلمان دفاعا عن اختيارات بنكيران.. تحضرني حكاية المهندس سنمار، الذي بنى قصر الخوزق لملك الحيرة النعمان، ولما انتهى من بناء هذه التحفة المعماري، قتله الملك كي لا يبنى قصرا مماثلا في المستقبل، وهو تقريبا ما يحاول بنيكران فعله، فبعد أن استفاد من نشطاء الحركة الذين كانوا يحملون لافتات تنادي برحيل حزب التراكتور و بمحاكمة ناهبي المال العام، وهو ما كان يقول بنكيران أنه أتى لأجله، قرر هذا الأخير الإجهاز على هؤلاء الشباب لكي لا يعود شخص ما للاحتجاج، ولكي لا يعود الحراك الاجتماعي الذي قد يجلب رئيس حكومة حقيقي يفهم جيدا معنى أن تكون على رأس حكومة ما.. فلو كان لبنيكران ذرة من الشجاعة، لاعتذر لهؤلاء الذين وصفهم ذات يوم ب"الطبالة والغياطة" قبل أن يطلق عليكم هذه القوات المخزنية التي لا تحقق ذاتها سوى بتحطيم العظام، ولطالب من وزيره إجراء تحقيق نزيه وشفاف في هذه المحاكمات المتتالية لشباب كان على المغرب أن يفتخر بهم، ولو أراد الاعتذار حقا، لاعتذر للمغاربة وهو الذي يعفو أمام أنظار العالم على الفاسدين وناهبي المال العام، بعدما كان يعربد في المهرجانات الخطابية بأن حزبه يتبنى شعار محاربة الفساد. لكن الخطأ ليس خطأ بنكيران بالتأكيد، فقد كان معروفا أن الرجل أتى للحكومة كي يشكر الملك وهو الذي رفض الخروج في مظاهرات 20 فبراير لأنه يخاف على الملكية، والخطأ بالتأكيد لا يتحمله من صوت على الرجل من أبناء هذا الشعب الغير المنتمين لأنهم كانوا ينتظرون من الرجل أشياء كثيرة، ولكن الخطأ بالتأكيد يتحمله أعضاء البيجيدي الذي زكوا اختيارات أمينهم العام، ووضعوه على رأس حزبهم، بل وجعلوا مؤتمرهم الأخير أشبه بفيلم ميلودرامي جلبوا من أجله وجوها عربية وحتى صهيونية لكي تشهد على مسرحية تافهة كان يعرفون مسبقا أن بنكيران سيكون بطلها الرئيسي.. بنكيران يسيء أولا إلى الملك، لأنه يظهره دائما بمنطق المتحكم في الأشياء في حين أن الدستور ورغم سلبياته يعطي لبنكيران بعض الصلاحيات التي قد يمارسها دون العودة للقصر، ويسيء ثانيا إلى حزبه الذي تمرغت سمعته في الحضيض وهو الذي لم تتجاوز مدته في الحكم 7 أشهر، ويسيء ثالثا إلى الشعب المغربي بقراراته الغريبة وخرجاته الإعلامية المكرسة لخطابته العقيمة.. فلما لا تعتذر أيضا لهذا الشعب يا بنكيران؟ http://www.facebook.com/azzam.page [email protected]