أسقطت صومعة صغيرة ظهرت في إطار ملصق الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية بطنجة ثلاث نواب برلمانيين دفعة واحدة، ونفس الشيء حصل مع أحد البرلمانيين بمراكش من نفس الحزب، مما يستدعي تتبع الرموز الدينية واحدا واحدا، لأنها ستكون مستقبلا محور الصراع بين المعارضة والأغلبية بغض النظر عن الخلفيات السياسية لمثل هذه الأحكام. تجدر الإشارة إلى أن المحكمة الدستورية، بعد تدارسها للعديد من الطعون الانتخابية، كان هذا الطعن المثير للجدل المقدم من حزب الأصالة والمعاصرة ضد حزب العدالة والتنمية، هو أول طعن تقبله المحكمة التي يعتبر حكمها نهائيا غير قابل للمراجعة. كما تجدر الإشارة إلى أن جل المراقبين يؤكدون على أن حزب العدالة والتنمية هو الوحيد الذي ينظم حملات انتخابية نظيفة خالية من استعمال المال الحرام أو استغلال أدوات السلطة. في انتظار أن يحدد المشرع المغربي الرموز الدينية المحظورة في الحملات الانتخابية، قمنا باجتهاد متواضع للتعريف ببعض هذه الرموز التي تؤثث الفضاء العام المغربي وتسكن المخيال الشعبي، حيث يتقاطع النص الديني بالخرافة والعادات والتقاليد الموروثة لينتج العديد من الرموز الدينية ذات الجاذبية الشعبية. وقد قسمنا هذه الرموز إلى قسمين : قسم منها متفق على أنه يمثل رموزا دينية لا خلاف حولها، وقسم آخر خاضع للاجتهاد، ومن باب الاحتياط يجب الابتعاد عنه إلى أن يحدد المشرع المغربي بنص قانوني هذه الرموز التي قد تسقط في يوم من الأيام حكومة بكاملها. الرموز المتفق عليها : المصحف الشريف باعتباره المرجع الأعلى للدين الإسلامي. آية من القرآن ولو كانت البسملة التي يضعها البعض في إطار الملصق الانتخابي دون احترام لقدسيتها بسبب تعريضها للدوس بالأقدام. أحد كتب السنة، كالبخاري ومسلم وموطأ الإمام مالك، لأنها المرجع الثاني للدين الإسلامي بعد القرآن. حديث نبوي صحيح، خصوصا إذا علمنا أن السلفيين سيلجون مستقبلا المعترك السياسي. الكعبة باعتبارها قبلة المسلمين قاطبة، خصوصا إذا صادفت الحملة الانتخابية شهر ذي الحجة أو شهر شعبان، لأنها قد توحي للناخبين بأن الحزب المعني بهكذا رمز سينظم لهم عمرة في رمضان أو حجا بالمجان أو بأثمنة مناسبة. مقام إبراهيم أو الملتزم أو عرفات أو غيرها من الأماكن المقدسة التي يؤدي فيها الحاج مناسكه. قبة الصخرة والمسجد الأقصى مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، خصوصا إذا صادفت الحملة الانتخابية شهر رجب لأن فيه كانت حادثة الإسراء على قول. الروضة الشريفة والمسجد النبوي ثاني أعظم مسجد بعد المسجد الحرام. صورة مسجد أو صومعة أو محراب أو ضريح أو سجّادة. الشهادتان : لا إله إلا الله محمد رسول الله. السبحة ، خصوصا إذا وضعها في عنقه أحد المرشحين لاستمالة أصوات الطرقيين، والدرقاوييين منهم على وجه الأخص. إسم إحدى الطرق الصوفية أو صورة شيخها بغرض استقطاب أصوات مريديها. رموز مختلف حولها : الهلال الذي لا يتذكره المغاربة إلا في آخر يوم من شعبان أو آخر يوم من رمضان، ويتناقلون فيما بينهم أن هلال هذا العام قد ظهر كبيرا في حجمه مما يدل على أننا أكلنا "رأس الشهر". زلافة بجانبها التمر والشباكية، لأنها تحيل في المخيال الشعبي على ساعة الإفطار في رمضان، وقد توهم الناخبين على أن الحزب المستعمل لهذه الرموز ينظم إفطارات جماعية في رمضان بالمجان. الكبش، خصوصا إذا صادفت الحملة الانتخابية شهر ذي الحجة، لأنه يحيل على نسيكة العيد ويوهم الناخبين أن الحزب المستعمل لهذا الرمز يوزع الأكباش بالمجان. عود الأراك (السواك) من أجل استمالة أصوات السلفيين. امرأة منقبة، لأن النقاب رمز ديني عند شريحة واسعة من أفراد المجتمع. لحية طويلة لأنها تحيل على المشيخة في الدين، فعلى المرشحين أن يشذبوا لحاهم قبل أخذ صور الحملة الانتخابية، وإنما صنفنا هذا الرمز في خانة المختلف فيه لأن الشيوعيين يطلقون أيضا لحاهم تأسيا بماركس وتشيغيفارا وكاسترو. حكمة دينية أو حديث ضعيف أو موضوع. الخميسة أو عين أو صفيحة الفرس أوالشبة والحرمل والبخور، وكل ما يحيل على دفع العين واستجلاب الحظ، لأن هذه رموز دينية في المخيال الشعبي، يمكن للمرشح أن يستقطب من خلالها العديد من الأصوات، خصوصا الأشخاص الذين يخشون الجن والشياطين ويتوهمون الإصابة بالحسد أوالعين أوسوء الحظ، فإذا رأوا في الحملة الانتخابية لحزب ما هذه الرموز بادروا بالتصويت عليه مخافة أن تصيبهم مصيبة إن هم صوتوا على خصومه؛ وإنما أدرجنا هذه الرموز في خانة المختلف فيه لأن السلفيين لا يسلمون بأن هذه رموز دينية، وإنما هي رموز خرافية، فإذا ما وجد أحدهم في المحكمة الدستورية فقد يعترض على إدراجها في خانة الرموز الدينية آلات تستعمل خصيصا في الموسيقى الروحية، لا أذكر أسماءها، ولكنها معروفة عند بعض الفرق الصوفية، وإنما أدرجناها في خانة المختلف فيه لأن السلفيين يصنفونها باعتبارها مزامير الشيطان ليس إلا. صورة طفل بلباس أبيض وأجنحة بيضاء، لأنها تحيل في المخيال الإنساني على صورة الملائكة التي هي من الغيب، لا يعرف صورتها الحقيقية إلا الله وبعض الأنبياء عليهم السلام، وإنما ركب لهم الناس هذه الصورة فضولا، للإشارة إلى براءتهم من المعاصي والذنوب، واستعمال هذا الرمز الديني في الحملة الانتخابية قد يستميل العديد من أصوات الجهال ذوو النيات الطيبة . والحاصل أن المرشح عليه أن يتجنب كل ما من شأنه أن يحيل على بعض تلك الرموز في حملته الانتخابية، والأفضل له أن يضع إزارا أبيضا خلف صورته وفي الإطار يضع رمز الحزب الذي ينتمي إليه واسمه فقط، وربما لن ينجو من الطعون، لأن الإزار الأبيض هو الآخر يحيل على الطريقة التيجانية التي يجتمع مريدوها بعد عصر كل جمعة في الزاوية، ويتحلقون حول إزار أبيض يزعمون أن روح شيخهم وروح النبي صلى الله عليه وسله تلتقيان فوقه (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا). *عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية