المصطفى صوليح من أطر اللجنة العربية لحقوق الإنسان : الرسالة ليست موجهة إلى البديل الحضاري وإنما إلى العدالة والتنمية واليسار الموحد والعدل والإحسان "" في بداية تداعيات منع حزب البديل الحضاري الإسلامي حاورنا بهذا الخصوص أحد الحقوقيين المغاربة، المصطفى صوليح ، الذي اعتبر أن يوم أتخاذ قرار منع هذا الحزب بعد اعتقال بعض قاداته على خلفية قضية خلية بليرج كيف تقرؤون، المصطفى صوليح، قدوم السلطة التنفيذية على حل حزب البديل الحضاري؟ أولا، الواقع أن يوم الأربعاء 20 فبراير 2008 سيظل ماثلا في ذاكرة الحياة السياسية في بلادنا، ليس فقط لأنه في هذا اليوم أصدر السيد الوزير الأول، دفعة واحدة ودون أي تنبيه أو تحذير سابقين، مرسوما تم بمقتضاه حل حزب فتي هو حزب البديل الحضاري، وإنما أيضا لأن هذا القرار قد تم إعماله في سياق تضمن تهديدا بحل أحزاب وبعدم السماح بتأسيس أحزاب أخرى وبمعاقبة باقي الجمعيات أو المنظمات أو الأحزاب القائمة كلما أتاحت فضاءاتها لهياكل أخرى، بغرض عقد اجتماعات تنظيمية أو تأسيسية أو إعلامية لا تنال الرضا من قبل وزارة الداخلية، وذلك كما هو الحال بالنسبة للحزب الاشتراكي الموحد في تسامحه مع فعاليات كل من حزب البديل الحضاري وحزب الأمة غير المرخص له . وبالإضافة إلى ذلك، فإن السرعة التي بواسطتها أخرجت وزارة الداخلية المادة 57 من رف قانون الأحزاب مصحوبة بتعليل تهويلي جدا وسلمته للسيد الوزير الأول ليتلوه في صيغة المرسوم إياه، وما تلاه من اتخاذ قرارات أخرى تمثلت في التعجيل بتشميع جميع مقرات الحزب وحجز ممتلكاته وتجميد أرصدته البنكية ربما بناء على المادة السادسة من قانون مكافحة الإرهاب، قد أدت إلى شل حركة أغلب أعضائه، غير المتابعين، ومنعهم من الاتصال ببعضهم والتنسيق بينهم في سبيل اتخاذ ما يجدونه مجديا من الناحية القانونية والطعن القضائي ضد القرار إياه، ومن الناحية الإعلامية في اتجاه إخبار الرأي العام الوطني والدولي بوجهة نظرهم فيه. ثانيا، لا أعتقد أن حزب البديل كان هو في حد ذاته المقصود من قرار تفكيكه، فهو على كل حال حزب فتي، حيث لم يحصل على الترخيص له إلا في سنة 2005، وهو صغير جدا، إذ لا يتوفر إلا على حوالي 28 فرعا ولم يستقطب سوى 0.3 في المائة من مجموع المصوتين في الانتخابات التشريعية ليوم 07 شتنبر 2007، وبالتالي فإن حله مثل الإبقاء عليه لا تأثير مباشر له، لا على الحياة البرلمانية ولا على الحياة الجماعية المحلية أو الجهوية ولا حتى على الحياة الإعلامية، بل إن المقصود هو تهديد أحزاب أخرى بالخضوع لنفس الإجراء، كما هو جاري الآن بشكل رسمي بخصوص الحزب الاشتراكي الموحد وبشكل غير رسمي في شأن حزب العدالة والتنمية، وكما هو جاري أيضا بالنسبة لحزبي الأمة والعدل والإحسان، غير المرخص لهما، في سبيل أن يبادرا اختياريا إلى حل أجهزة هيكليهما. ثالثا، إن الحياة السياسية في بلدنا العزيز لن تستوي أبدا إلا إذا استوت فيه الديمقراطية بما تقتضيه من دستور تعاقدي وغير مطعون فيه من قبل أي من مكونات الإطار الحضاري للمجتمع المغربي، ومن فصل حقيقي وفعلي بين السلط ومن إقرار عملي بسلطة القضاء واستقلالها وعدم التدخل في أحكامها النهائية إلا بما يتوافق مع إعمال صكوك القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومن مشاركة متساوية بين جميع المواطنين في تدبير وتسيير الحياة العامة، ومن مساءلة ومحاسبة لا يفلت منهما أي كان من الناس المنتمين للبلد أو المقيمين فوق ترابه الوطني... إنه لا يتم إلا في البلدان الديمقراطية وحدها حيث سن القوانين وغيرها من التشريعات لكي تحمي المواطنين وتكفل حقوقهم وحرياتهم وليس لكي تحمي مصالح الحكام وهواجسهم ضد المواطنين، وفي هذا السياق لا داعي لمقارنة قانون الأحزاب المغربي بقوانينها في شتى البلدان الديمقراطية ومن بينها كمثال ألمانيا وفرنسا حيث يكون حل حزب ما أصعب بكثير جدا من تأسيسه، وحيث الحرية هي الأصل والقيود استثناء والتعدد يعني الإقرار بالاختلاف وليس بالإجماع، والقضاء هو الجهة ذات الاختصاص في الفصل في المنازعات الناجمة عن ممارسة الأحزاب السياسية لنشاطها ومنها منازعات حلها، إذ يكفي، أيضا، العودة إلى اليمن حيث تنص المادتان 34 و35 من قانون الأحزاب على أنه: ».... لا يجوز حل حزب أو تنظيم سياسي أو وقف نشاطه أو تعطيل قرار من قراراته إلا بموجب حكم قضائي تصدره المحكمة بناء على طلب من رئيس لجنة الأحزاب يوافق عليه أعضاء اللجنة بحل الحزب أو التنظيم، وذلك إذا فقد الحزب أو التنظيم شرطاً من شروط التأسيس المحددة بالقانون، أو إذا ارتكب الحزب أو التنظيم محظورات محددة في القانون«، وإلى موريتانيا حيث الديمقراطية ما تزال فتية لنكتشف أن المادة 26 من الباب الخامس من قانون الأحزاب السياسية المفرد لحل الأحزاب السياسية تنص على أنه يمكن أن يكون مرسوم الحل: »محل طعن أمام المحكمة العليا التي يجب أن تبت في ظرف الشهر التالي لتسلمها عريضة الطعن«. ثم إنه، وباعتبار أن التهديد هو جريمة مهما كانت الجهة التي يصدر عنها، لا توجد أية جهة في البلدان الديمقراطية، إدارية أو قضائية، يمكن أن يخولها القانون حق تهديد أحزاب بالحل، فما بالك إذا كان هذا الفعل سمة غالبة على مسار تاريخ الحياة السياسية في المغرب، فالمرء يمكن أن يؤرخ لأحزابنا، وخاصة منها المنتمية إلى الحركة الوطنية، من خلال التغيير الذي لحق بأسمائها وأسماء جرائدها.... رابعا قياسا على اجتهاداتها الأخيرة في ما يتعلق بحماية البلاد والعباد من تهديدات إرهابية كانت على وشك الوقوع وذلك باتخاذها، خارج نطاق القضاء، لإجراء حل حزب البديل الحضاري الفتي والصغير بناء على مزاعمها بتوفر قرائن تثبت ضلوعه، عبر قيادييه المعتقلين لدى الأجهزة الأمنية المعنية، في هذه التهديدات المدججة بأسلحة لم تظهر أية علامة صدإ على وحداتها رغم أن عملية تسللها إلى داخل البلاد تبتدئ من سنة 1991، ألم يكن جديرا بالسيد وزير الداخلية أن يطبق نفس اجتهاده على الإدارة العامة للأمن الوطني باعتبار ضلوع ضابطين، أحدهما من درجة عميد، أي من كبار أطرها الحاملين يوميا للسلاح، في نفس الشبكة وباعتبار تغطية هذه الإدارة لكافة التراب الوطني وباعتبار التسهيلات التي قد يتيحها غير هذين الضابطين لمثل هذه الشبكات في مجال الوصول إلى المعلومات الأمنية وفي مجال السيطرة على مختلف الأسلحة المتوفرة في المخافر والمخازن ذات الصلة دون الحاجة إلى المخاطرة بجلبها من خارج الحدود الوطنية كما في مجال تدريب الأفراد ذوي الاتجاهات الإرهابية؟ هل الأمر متعلق بحسابات أم أن تداعيات خطورة الوضع هي التي أملت ذلك القرار؟ بالنسبة لخطورة الوضع فلا أحد يقول عكس ذلك . وعلى كل حال فليس بلدنا هو الوحيد الذي تتهدده مخاطر إرهابية، غير أنه وعلى عكس البلدان الديمقراطية التي لا تتخذ من هذه التهديدات ذريعة لإرهاب المواطنين أفرادا ومجموعات وللانقضاض على حقوقهم وحرياتهم المتأصلة فيهم أو للانتقاص منها، بل تراقب عن كثب بواسطة قضائها المستقل ولجان مؤسساتها المنتخبة كفاءة أداء أجهزتها الأمنية لمهامها التي تتقاضى عنها رواتب وتعويضات مستخلصة من ميزانية الدولة وذلك دون تعدي مفرط أو ممنهج على كرامة الناس، إن 95 في المائة من مخاطرنا، دون التذكير بخلاصات التقارير الوطنية الرسمية أو الدولية ذات الصلة، تأتي من استشراء طاعون الفساد بكل أنواعه وأشكاله ومظاهره وإلا كيف أمكن، مثلا، لترسانة من الأسلحة المختلفة الأحجام أن تدخل البلاد وخلال فترات متباعدة من بواباتها الحدودية رغم أنها توصف بالمحروسة؟ كما تأتي من عدم الوفاء بالالتزامات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنمائية والبيئية تجاه مختلف مكونات الإطار الحضاري للمجتمع المغربي، وغياب التفكير الإستراتيجي في تخطيط وبرمجة الأولويات وجدولتها، وتجميد الإصلاحات المؤسساتية واعتبار المطالبة بها مس بالمقدسات، والفشل الذريع والمتواتر في شتى التدخلات وفي مقدمتها التعليم والصحة والتشغيل والإسكان والوساطة بين الدولة وضحاياها والحوار بين ذوي الحاجات عموما وذوي الحاجات الخاصة وبين الهياكل الرسمية أو الشبه رسمية الموضوعة لهذا الغرض... أكيد أننا نحتاج إلى أمن، لكن إلى أمن كفء يقوم بمهامه الموكولة إليه دون تهويل سياسي أو إعلامي وباحترام تام للكرامة البشرية... خاصة وهاهي المخابرات البلجيكية لا تؤكد الرواية المغربية حول الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي قد يكون بلعيرج ارتكبها داخل التراب البلجيكي، وهاهي معلومات أخرى تشير إلى أن الأسلحة التي زعم السيد وزير الداخلية بأن تاريخ إدخالها إلى المغرب في سنة 1992 لتزويد الشبكة الإرهابية المكتشفة في 2008 بها إنما كانت موجهة عبر التراب الوطني المغربي إلى المتطرفين الإسلاميين الجزائريين لتعزيز عتادهم في عمليات القتل آنذاك داخل الجزائر... و أما عن الحسابات، فأكيد أن للدولة المغربية مثلها مثل باقي دول العالم حساباتها الداخلية والخارجية أثناء معالجتها لملف من الملفات بما فيها ملفات الإرهاب، وإلا ما الذي يكون مثلا وراء تصريح مسؤول ليبي، يوم الأحد 24 فبراير 2008، بأن بلده بصدد تفعيل مسطرة لتسريح عشرات (أكثر من 90) من المعتقلين لديها ينتمون إلى الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا؟ وفي ذات السياق، يجدر الانتباه إلى إدعاءات صادرة عن عديد من المراقبين مفادها أنه في غضون الفترة المتزامنة مع اعتقال بلعيرج، بشكل متساوق مع حملة غير مسبوقة ضد حزب الله من أجل تحويل صورته من حزب سياسي وحركة للمقاومة المسلحة الميدانية ضد إسرائيل، باعتبارها محتلة لأشرطة ترابية من لبنان، إلى حزب إرهابي وذلك بموازاة مع التحضير لشن العدوان الأمريكي المرتقب على إيران، كانت كل من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والفرنسية تتحدث ضمن تقارير أمنية عن المغرب باعتباره حلقة أضعف في المغرب الكبير أمام الخطر الشيعي . وغير خاف أن هكذا ادعاءات إذا ما صدقت ستقدم خدمة كبيرة للرئيس بوش في حروبه الاستباقية العالمية وستظهر المغرب، بتفكيكه لشبكة كانت إيران طرفا في تموينها بالأسلحة والمال كانت هي وحزب الله من بين جهات أخرى تمد قيادييها بالاستشارات وتمكن أعضاءها من التداريب على استعمال السلاح، بمثابة البلد الأول الذي أثبت للعالم وبالملموس بأن حزب الله حركة إرهابية وأن إيران دولة إرهابية وأنهما معا يصدران الإرهاب إلى باقي أنحاء العالم . ألا تعتبرون، أنه بمجرد تفعيل " قانون الإرهاب" تلغى جميع الحقوق، وهل تستقيم مثل هذه القوانين مع قواعد وآليات الدولة الديمقراطية، أم أنه باب من أبواب تكريس الاستبداد بدعوى التصدي لخطر الإرهاب؟ لنتذكر في البداية أن السلطة التنفيذية في المغرب قد استعملت مسطرتين مختلفتين تجاه حزبين متقاربين، مسطرة مقاضاة حزب الأمة غير المرخص له في أفق حظره والانتهاء من أمره بشكل نهائي ومسطرة الحل الفوري لحزب البديل الحضاري بواسطة مرسوم موقع من قبل الوزير الأول . بمعنى أن هذه السلطة يمكنها في كل حين أن تجد ضمن الترسانة القانونية العادية (القانون الجنائي ومسطرته، قانون الأحزاب، قانون الصحافة، قانون باقي الحريات العامة، نصوص أخرى خاصة.. ) الموضوعة رهن إشارتها ما تستخرجه من فصول ومواد تخدم تأويلاتها وتعليلاتها للوقائع والأحداث الجارية وطرقها في التصدي إليها، وهي حين تلتجئ إلى قانون مكافحة الإرهاب المجاز من قبل البرلمان فإنما لتعمل بشكل مريح يعفيها من الانضباط حتى لالتزاماتها الوطنية والدولية تجاه القواعد الأساسية المنصوص عليها ضمن وثائق القانون الدولي لحقوق الإنسان . فكيف ذلك؟ إن هذا القانون يخل بجميع مقتضيات وأحكام الصكوك الدولية لحقوق الإنسان التي سبق للدولة المغربية أن صادقت عليها، وذلك لأنه تراجعي، ويفسخ قاعدة أن تكون قرينة البراءة هي الأصل، ويشرع جريمة التجسس بالمطلق على الأفراد والمجموعات من خلال التقاط اتصالاتهم خارج مراقبة القضاء أو البرلمان، ويحفز على التعذيب في مخافر الشرطة، ويجرد المشتبه به من حقه في الحماية أثناء وجوده داخلها ومن حقه في الاتصال المبكر بأفراد أسرته وبمحاميه، ويجيز الضغط عليه من أجل الاعتراف ضد ذاته ويطيل فترات الحراسة النظرية ويجيز إخضاع المقبوض عليهم للاعتقال الاحتياطي ويمس الحق في الحياة، ويجرم الأفراد والمجموعات إلى أن يثبتوا براءتهم، ويعتدي على حرية التفكير والتعبير، ويحرم المقبوض عليهم عموما، وخاصة منهم المقبوض عليهم عن طريق الخطأ، من حقهم في العلاج وفي التعويض والمساءلة . وبالإضافة إلى ذلك يعزز دور النيابة العامة ويضعف مكانة قضاء الحكم، وبالتالي يزيد من هدر معايير المحاكمة العادلة . وهذا كله، ليس من أجل تكريس الاستبداد، كما قد يتبدى الأمر، إذ لا مجال بعد الآن إلا للبناء الديمقراطي، ولكنه اختيار قد تتداخل فيه عدة عوامل منها : العمل بأقل تكلفة عكس ما تتطلبه الكفاءة الأمنية المهنية وبالتالي دون جهد غير عضلي ودون ذكاء؛ إثبات أهمية المخططين والمسؤولين الأمنيين الحاليين وإشاعة مزاعمهم بخصوص حماية السلطات العليا وإبراز ادعاءاتهم في شأن قدرتهم على التدخل في الوقت المناسب لإنقاذ البلاد ومؤسساتها ؛ تهويل نتائج الخرجات الأمنية المضبوطة زمنيا لرهن الانتظارات التنموية الكبرى للبلاد في مختلف المجالات إلى آجال غير مسماة.. ألا تدعو نازلة "حل حزب البديل الحضاري"، بهذه السهولة والطريقة المتسرعة، إلى المطالبة بإعادة النظر في قانون الإرهاب في اتجاه الإلغاء؟ لنستحضر نوازل أخرى متعددة كثيرا ما تتكرر، مثل التنصت والاختطاف والتعذيب وغيرها، وهي نوازل منظور إليها مفردة أو جمعا، تستدعي بلا شك القيام بحملات مكثفة من أجل الإلغاء التام لقانون الإرهاب وأنسنة القانون الجنائي ومسطرته، خاصة وأن عملية إجازة قانون الإرهاب من قبل البرلمان قد تمت في أجواء ترهيبية. لكن لنستحضر أيضا، من جهة، أن إلغاء قانون الإرهاب هو مطلب تستحيل تلبيته سواء على المدى القريب أو البعيد ما دام كل شيء يؤكد على أن الفعاليات السياسية وفي مقدمتها الأحزاب بشقيها الحكومي والمعارض بالإضافة إلى البرلمان والمؤسسات المسماة بالوطنية ذات الصلة بتعزيز حقوق الإنسان في البلاد لن تنخرط في هكذا مطلب. ومن جهة ثانية، إن منهجية سن القانون النابليونية في بلادنا، إحداثا أو تعديلا، هي جد معقدة، بحيث يستدعي الأمر سنوات طويلة، خاصة وأن هذا القانون لم يوضع أصلا ليكون مؤقتا بل أدمج بالتمام والكمال ضمن مدونة القانون الجنائي ليصبح مصيره مرهونا بمصير كل هذه المدونة . ومن جهة ثالثة، إن انخراط المغرب في عولمة ما يسمى بمكافحة الإرهاب يلزمه بجملة من المسؤوليات الداخلية والجهوية والدولية تزيد من لا جدوى المطالبة بالإلغاء . غير أنه، وفي مقابل ذلك، تبقى، مثلا، عملية المطالبة بإخضاع التنصت للإشراف والمراقبة من قبل القضاء أو لجنة برلمانية ممكنة، بالنظر إلى أنها لن تحرج الأحزاب السياسية خاصة وأن مرشحي كل هذه الأحزاب للانتخابات التشريعية الأخيرة قد ذاقوا مرارة نتائج التسيب في هذا التنصت، بحيث أن نسخا من تسجيلات لمكالمات كانت قد أصبحت محط التداول بين الناس حتى في الشارع العام، وأن المطالبة بإلغاء وتجريم كل من الاختطاف والتعذيب وبمعاقبة ممارسي أحدهما أو هما معا وتعويض ضحاياهما لن تحرج هي بدورها أي أحد خاصة وأن الدولة المغربية هي طرف في الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب ووقعت قبل سنة على الاتفاقية الدولية لمنع الاختفاء القسري وحماية الناس منه.. كما أن المطالبة بألا تبقى وزارة الداخلية أو غيرها من الأجهزة الإدارية أو ذات الاختصاص الأمني تجمع بين صفة طرف في القضايا الجارية وصفة حكم فيها، لن تحرج لا الأحزاب السياسية ولا البرلمان ولا المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان . ختاما، وإلى أن تشرع هذه الجهات في القيام بهذه المهمات غير القابلة للتملص منها مدعومة بخبرات الهياكل الحقوقية الوطنية المستقلة وغيرها، جدير بالذكر أن المطالبة في شكلها الاحتجاجي وحده كثيرا ما تسيء للقضايا النبيلة المطروحة، لذلك يكون من الأنجع بذل جهد فكري، تأملي، مقارن، اقتراحي، قابل للتوافق والإنجاز قبل برمجة خطوات وأشكال أية فعالية من فعاليات تلك المطالبة.