في كل المراحل الانتقالية التي يتطلبها مسار الإصلاح والتغيير، لاسيما إذا كانت إرادة معاكسة الإصلاح قد راكمت تجربة طويلة في تحصين المواقع وتشبيك الاصطفافات الخادمة، تشتد التقاطبات حول ملفات وقضايا بعينها، وتكون الخيارات مفتوحة على ثلاث اتجاهات: تقوية إرادة الإصلاح مهما كانت الكلفة، أو تأجيل بعض الخطوات لمراحل قادمة، أو ترجيح اعتبار الموازنات لتحقيق بعض التقدم في مسار الإصلاح. في مثل هذه المراحل الانتقالية، يتطلب من الحكومة، أن تتسلح بجملة من المؤيدات التي تقوي إصرارها على استكمال الخطوات الإصلاحية التي شرعت فيها، والاستفادة من كل الأدوات التي تتيحها ساحة التدافع من أجل منع إرادة معاكسة التغيير من أن تنال من المشروع الإصلاحي الذي تحمله. تحتاج الحكومة في هذه المرحلة الانتقالية إلى أن تجعل من الإرادة الملكية سندها في تقوية أي مشروع إصلاحي خاصة وأنها قد وضعت كل ثقلها في دعم مسار الإصلاح متفاعلة بذلك مع تطلعات الربيع العربي الديمقراطي. كما تحتاج إلى أن تستعين بالإرادة الشعبية التي منحتها الثقة، معبرة بذلك عن رغبتها في التغيير، واستعدادها للانخراط فيه، وجاهزيتها للإسناد المجتمعي لجهود الإصلاح. ومما يسند إرادتها في التغيير أيضا، ويمدها بأسباب القوة في مواجهة أي إرادة تعاكسه، الإجماع الوطني حول ضرورة التنزيل الديمقراطي للدستور الذي أناط المسؤولية بالحكومة وربطها بالمحاسبة، وأتاح لها فرصة تغيير السياسات العمومية التي ترقى بالعمل الحكومي إلى تحقيق الديمقراطية والحكامة الجيدة والتنمية. هذه المؤيدات الثلاث، تحتاج الحكومة إلى أن تجعلها داعمة لتجربتها في الإصلاح، مسندة لها في كل مراحل التدافع مهما كانت أشكاله وصيغه. لا ينبغي أن ننسى أن المرحلة التي يعيشها المشهد السياسي المغربي هي مرحلة انتقالية بكل المقاييس، مما يعني أن عملية التدافع نفسها ستبقى محكومة بهذا السقف الانتقالي، وأن ما تم كسبه في مرحلة من المراحل لا يعني بالضرورة انتهاء مسار التدافع، وأن ما لم يتم بلوغه لا يعني أيضا استحالة بلوغه في المراحل القادمة. ما هو مهم هو أن تتغير سمات المرحلة بكل عناوينها، وأن يتم الانخراط في سمات أخرى عنوانها تقدم مسار الإصلاح، وبداية تراجع إرادة معاكسة التغيير. المغاربة اليوم لا ينتظرون من الحكومة أن تنجز كل شيء دفعة واحدة، فهم يدركون أن هذا الأمر ليس سهلا وأن إرادة معاكسة التغيير راكمت ما يكفي من التجارب لتحمي مواقعها، لكنهم في الوقت ذاته يريدون معاينة تبلور ملموس في مسار الإصلاح. إن المسار والأسلوب الذي انتهجته وزارة الاتصال برهانها أولا وأخيرا على تغيير السياسات، والتفاعل الإيجابي مع كل المكونات، واعتماد المقاربة التشاركية، رغم ما لقيه من إرادة لمقاومة التغيير، يؤشر على نجاحه كخيار إصلاحي في إدارة التقاطبات، والمضي بالإصلاح إلى مداه، ويثبت قوة وفاعلية خيار المشاركة السياسية في تحقيق الإصلاح وإحداث التحول الديمقراطي. أملنا أن يتم إدراك طبيعة المرحلة، بكل تفاصيلها وحيثياتها، وأن تستثمر الحكومة ما تملك من مؤيدات لإنجاز الإصلاح، وأن تستثمر هذه اللحظة لإزالة سنوات من الخلط والالتباس بتجسيد التلاحم الحقيقي بين الإرادة الملكية الداعمة للإصلاح، وبين الإرادة الشعبية التي ترى أن الإصلاح والقطع مع جيوب مقاومة التغيير هو السبيل لدعم الاستقرار وتحقيق والديمقراطية والتنمية في المغرب الجديد.