ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البشير المتاقي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش ل«التجديد» : منطق التدرج أثمر كل استراتيجيات العدالة والتنمية للوصول إلى الحكومة
نشر في التجديد يوم 12 - 12 - 2011

يرى الأستاذ البشير المتاقي أن تجربة الاندماج السياسي لحزب العدالة والتنمية دفعته إلى ترشيد رؤيته السياسية ومراجعتها وبناء استراتيجية قائمة على التدرج والمرحلية في المشاركة وذلك من المساندة النقدية إلى المعارضة ثم المشاركة على رأس التدبير الحكومي، واعتبر أن أهم تحدي يواجه حزب العدالة والتنمية هو تنزيل مقتضيات برنامجه الانتخابي والاستجابة للتطلعات التي رفها الشارع المغربي، ويعتبر أن كل المؤشرات تدفع إلى الاعتقاد بأن حزب العدالة والتنمية قادر على تطوير تجربته في المشاركة والإجابة على التحديات التي يطرحها موقعه في قيادة الحكومة.
❍ تابعتم في أطروحتكم للدكتوراه تجربة المشاركة السياسية لحركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية ورصدتم مساراتها منذ التأصيل لها، في نظركم ما هي الملامح العامة التي تطبع هذه المشاركة؟
● أولا لابد من الإشارة إلى أن تجربة الإدماج السياسي والسلس للإسلاميين المغاربة أحد الميزات المهمة بالنسبة للمملكة المغربية، وإحدى الخصوصيات التي انفردت بها بلادنا من بين دول المغرب العربي وذلك بعدما فشلت في كيفية التعاطي مع حركات الإسلام السياسي، ولعل هذا راجع في جزء منه إلى الخصوصية المغربية القائمة على إمارة المؤمنين، وما تحمله من دلالات في إطار سيرورة تاريخية وعريقة.
ومن جهة أخرى إلى طبيعة هذا المكون السياسي أي تيار خط المشاركة من داخل الحركة الإسلامية، والتي دافعت عن تبني خيار العمل السياسي السلمي بعدما تم القطع مع فكر الشبيبة الإسلامية والأدبيات المشرقية، ومرورا بنبذ العنف والسرية في العمل، ثم فتح الحوار مع السلطة ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، خاصة من خلال ما سمي بجامعة الصحوة الإسلامية، والتي كانت ملتقى لبعض قيادات الإسلام السياسي المعتدل كراشد الغنوشي والمحفوظ نحناح... وغيرهما.
بناءا على هذه المعطيات كانت فلسفة الاعتدال والتدرج أحد الملامح أو الميزات التي طبعت مشاركة حركة التوحيد والإصلاح من خلال قناة حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية(حزب العدالة والتنمية حاليا)، بعد إقدامها على اجتهادات تأصيلية تناولت مواضيع حساسة ومهمة لها ارتباط بعمق ومحك المشاركة السياسية كمسألة الدستور الديمقراطية التعددية السياسية ... إلخ.
ولعل هذه الإستراتيجية القائمة على منطق التدرج هي التي ساعدت في جانب كبير على إنضاج ثمار المشاركة لتيار خط المشاركة، وساهمت كذلك في تبوأ حزب العدالة والتنمية المكانة التي يحتلها الآن في المشهد السياسي المغربي.
❍ عرفت مشاركة الإسلاميين في العملية السياسية مسارات متعددة ابتداء من الإدماج السياسي في انتخابات 1997 ومرروا بالانسياب في النسق السياسي مع انتخابات 2002 إلى دخول تجربة المشاركة في سياق التدافع بين إستراتيجية تقوية الموقع استعداد لحكم وإستراتيجية التحجيم والإضعاف وذلك ما بين 2007 و 2009 لتدخل مسارا آخر عنوانه صعود الإسلاميين وتدبير الحكم، في نظركم كيف تفسرون تحول مسار المشاركة وما الإستراتيجية والتكتكيات التي اعتمدتها الحركة الإسلامية في مراكمة مكتسبا المشاركة وتحويلها إلى رصيد داعم لقوة الإسلاميين كحزب قادر على تدبير الشأن العام؟
● أود الإشارة هنا إلى نقطة مهمة طبعت الدخول الرسمي لإسلاميي المشاركة السياسية معترك العمل السياسي، فبعد رفض الترخيص لحزب التجديد الوطني الذي تقدمت به قيادة الإصلاح والتجديد سنة 1992 كانت هناك محاولات عديدة، انتهت بالولوج من خلال قناة حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، بزعامة الراحل الدكتور الخطيب والذي قبل الانضمام بشروط ثلاثة حددها في الإسلام، القبول بنظام الملكية الدستورية ونبذ العنف، وهذه النقط تعتبر من الأدبيات المتضمنة في ميثاق الحركة، مما دشن عهدا جديدا في حياته السياسية ليتم إعادة هيكلة الحزب من جديد بعد المؤتمر الاستثنائي في 1996، ليفرز أمانة عامة بقيادة الدكتور الخطيب وستة أعضاء آخرين هم بنعبد الله الوكوتي ومحمد خليدي(قدماء الحزب)، عبد الله باها، عبد الإله بن كيران، الحسن الداودي وسعد الدين العثماني(أعضاء الحركة). مما سيفسح المجال لتوسيع نشاط الإسلاميين بعد ما كان مقتصرا على الجامعة وبعض الأوساط المحدودة إلى إمكانية الممارسة السياسية الواضحة بما فيها المشاركة في الانتخابات البرلمانية.
وهذا ما تأتى من خلال انتخابات نونبر 1997 بعد إقرار دستور 1996، والتمهيد للتناوب آنذاك، ولقد أفرزت هذه الانتخابات التشريعية فوز تسعة(9) أعضاء من الإسلاميين خاصة بالمدن الكبرى الدار البيضاء(5 مقاعد) طنجة(مقعد واحد) تطوان(مقعد واحد) أكادير(مقعد واحد) فاس(مقعد واحد) وحصلوا على مجموعة 264 324 من الأصوات أي ما يعادل ثلث أصوات الاتحاد الاشتراكي.
وتقدمهم على غيرهم ممن قدموا نفس العدد أو أكثر من المترشحين، وكل هذه المؤشرات شجعت إسلاميي العدالة والتنمية، وفي إطار فلسفة التدرج والاعتدال كإستراتيجية وقاعدة صلبة على تطوير مهاراتهم السياسية واكتساب صفة التميز، واستثمار ذلك ما أمكن في استمالة الناخبين، ليرفع الحزب عدد مقاعده إلى 42 مقعدا سنة 2002 ثم إلى 46 نائب برلماني مع انتخابات 2007.
وكل هذه النتائج جاءت كما قلت تتويجا لمسار تعبوي، ومن خلال إستراتيجية الانفتاح والتوصل مع الأطراف السياسية وتأكيد الولاء للثوابت الوطنية، عكسها برنامج الحزب والذي لم يتكلم عن اقتصاد إسلامي نموذجي، كما لم يطرح تطبيق الشريعة الإسلامية، بل كسائر الأحزاب الوطنية نلمس شبه التكرار ونفس التداول في الطروحات.
ومن خلال برغماتية واضحة عمل كذلك على الاستعمال الدلالي لبعض المفاهيم بشكل نفعي مثل مفهوم "المساندة النقدية" وليس المساندة المطلقة، هذه المساندة كانت من أجل إرساء جو الثقة من طرف إسلاميي المشاركة وعدم التعارض مع إرادة المرحوم الملك الحسن الثاني، الذي وعد بدعم تجربة التناوب التوافقي. وبانتقال الحزب إلى المعارضة سيبين عن نوع من الاحترافية السياسية طورت إمكانات الممارسة البرلمانية لنخبة العدالة والتنمية من خلال الحضور الدائم والفعال عكسها حصيلة الأشغال السنوية التي تظهر مدى إلتزام برلمانيي الحزب بقواعد الممارسة التشريعية. وفي إطار الحضور المنتظم ضمن دوائرهم الانتخابية بل اعتماد سياسة القرب، وأدل على ذلك ما أسماه الحزب" بقافلة المصباح"، وغيرها من الأدوات التواصلية والانتخابية جعلته ضمن الأحزاب الأولى المتصدرة لنتائج الانتخابات، ثم الاكتساح الذي حققه الحزب مع انتخابات 25 نونبر 2011، التي ستفتح الباب حول انتقال الحزب من الممارسة البرلمانية إلى موقع التدبير الحكومي المرتقب.
❍ يرى كثير من المحللين السياسيين أن الحركة الإسلامية استثمرت موقعها في المعارضة في تطوير تجربتها في المشاركة السياسية، إلى أي حد يمكن تفسير نجاح الإسلاميين بهذا الموقف؟
● كما أشرت سابقا فإن إسلاميي تيار المشاركة استثمروا في كل ما تبين لهم أنه سوف يقوي مكانتهم في محيط المؤسسات الرسمية، وبهذا فإن متتبع السلوك السياسي سيلاحظ هناك عديد الروافد التي تطعم تقدمه وتطوره في زمن لا أقول قصير، ولكن إذا أعملنا عنصر مقارنة ببعض الأحزاب الوطنية التي راكمت من التجربة والخبرة سوف يتبين لنا أن هذا التيار تفوق إلى حد كبير.
وهذا راجع بالأساس الأول إلى القاعدة الجماهيرية الصلبة التي يتميز بها حزب العدالة والتنمية، وكقوة انتخابية في درجة أولى أغلب مكوناتها من فئة رجال التعليم، وهذا له دلالة. حيث يطرح لنا هذا المعطى علاقة حركة التوحيد والإصلاح بالحزب كداعم وشريك أساسي في العملية السياسية، حيث عملية التقدم للانتخابات محكومة من طرف القيادة، وبالتالي الحرص على تقديم(نخبة سياسية) "متميزة أو متدينة" بغض النظر عن عنصر الكفاءة أو التجربة كما هو عند بعض الأحزاب الأخرى، ثم منع الترشح من أي شخص تبت تورطه في إحدى القضايا المالية أو "الأخلاقية" وغيرها.
كل هذه العوامل ساهمت في بسط وتوسيع دائرة مؤيدي هذا الحزب، أما بالنسبة للمعارضة فالحزب لم يستثمر في موقع المعارضة المؤسساتية وفق "الطقوس" التي أشرنا إليها سابقا كالانضباط والمواظبة وحضور الجلسات كتكتل لفريقه البرلماني وتقديم عدد كبير من الأسئلة. بل وظف علاقته مع حركة التوحيد والإصلاح لممارسة معارضة شعبية احتجاجية في محاولة لبناء نفوذ استراتيجي سياسي، من خلال التعبئة وحشد الجماهير لتقوية نفوذه ومسيرة البيضاء دلالة قوية على هذا.
وبالإضافة إلى عنصر المعارضة كأحد الميكانيزمات المساهمة في تقدم العدالة والتنمية، اعتقد أن بعض المتغيرات الأخرى ساهمت بشكل كبير في تموقع العدالة والتنمية في الصدارة أولها نجاحه في استثمار وتوظيف الصراع مع حزب الأصالة والمعاصرة كحزب اعتبره في أغلب خطاباته جاء ليحد من نفوذ العدالة والتنمية، وهذا ما وسع من قاعدة مؤيديه، بالإضافة إلى المعطى الخارجي المتمثل في موجات التغير التي تعرفها بعض البلدان العربية في إطار ما يسمى بالربيع العربي. وما رافق ذلك من حراك داخلي ساهمت فيه حركة 20 فبراير، والتي رفعت شعارات خدمت وساهمت في فوز حزب العدالة والتنمية بشكل أساسي كذلك.
❍ في الوقت الذي ترى فيه بعض الحركات الإسلامية أن تجربة المشاركة السياسية تضعف رصيدها وتجعلها فاعلا ضعيفا مهجنا داخل النسق السياسي، إلى اي حد تصدق هذه المقولة على تجربة المشاركة السياسية للإسلاميين وكيف استطاع الإسلاميون بتجربتهم أن يثبتوا عكس هذه المقولة؟
يحيلنا هذا السؤال على طرح تساؤل إشكالي هو كيف تبلور خيار المشاركة السياسية لدى هذا التيار دون غيره من التيارات التي تتقاسم معه نفس المرجعية؟
● وعموما فخيار المشاركة السياسية عرف خلافا سياسيا وإيديولوجيا بين تيارات الحركة الإسلامية. يتعلق بجدواها وشروطها، وكذلك جدالا فقهيا بين الإسلاميين حول مدى شرعية العمل السياسي.
وإدراكا من حركة التوحيد والإصلاح أهمية العمل السياسي جاء الاقتناع بالمشاركة السياسية، والعمل في ظل الشرعية القانونية، بناءا على عدة اعتبارات واجتهادات تأصيلية من جانب قيادة تيار خط المشاركة لا يتسع المجال للتفصيل فيه.
ومن منطلق هذه العملية تمكن إسلاميو المشاركة من خلق مكانة متميزة وسط الحقل السياسي رغم حداثة هذا الانخراط لأن المشاركة وسعت دائرة خطاب هذا التيار من داخل المؤسسات الدستورية، وتقريبه إلى أكبر قاعدة جماهيرية ممكنة، وهذا ما ركزت عليه قيادة الحركة الإسلامية منذ بداية تبنى خيار المشاركة، والدفاع عنه في مرحلة زمنية كانت شروطها غير واضحة لدى باقي العناصر الإسلامية الأخرى.
إذا فتجربة المشاركة بالنسبة للإسلاميين المغاربة تمثل نموذجا لانخراط وإدماج التيارات المعتدلة من حركات الإسلام السياسي، وتشجيعها على مراجعة مواقفها.
❍ في نظركم وبعد وصول الإسلاميين إلى الحكم، وبالمقارنة مع تجارب أخرى، هل سيتوقف سقف مطالب المشاركة السياسية، أم أنه سيرتاد آفاق أخرى كما في التجربة التركية، وإلى أي حد يمكن أن تنجح تجربة المشاركة السياسية للإسلاميين في هذه المحطة في إحداث تغييرات عميقة في بنية الدولة لجهة تثبيت الخيار الإصلاحي ومقاومة الفساد والاستبداد.
● عموما يمكن تلخيص هذا السؤال في ما مدى التزام تيار خط المشاركة بالديمقراطية كقيمة سياسية على مستوى الممارسة.
أما مقارنته مع حزب العدالة والتنمية التركي، فاعتقد أن هناك فرقا بين "التجربتين" وإن تم اقتسام التسمية،
إلا أن تجربة تركيا تشكل نموذجا لافتا في مسألة التدبير الحكومي. ونجاح حزب العدالة والتنمية المغربي في هذا المستوى رهين بتلبية الوعود الانتخابية للحزب، وكذا التنزيل العملي لبرنامجه الانتخابي في إطار التحولات المهمة التي تعرفها المملكة المغربية، عكستها معطيات الإصلاح الدستوري من خلال وثيقة دستورية أعطت صلاحيات مهمة للجهاز التنفيذي وكضمانات قانونية.
فحزب العدالة والتنمية أمام محك صعب وحقيقي، نجاحه رهين أولا بناء تحالف قوي ومنسجم ذو أغلبية مريحة وعلى قاعدة اتفاقية برنامجية مشتركة لأنه سيقود حكومة سياسية مسؤولة تمارس صلاحياتها الدستورية أمام معارضة برلمانية لها من الخبرة والتجربة ما يجعلها قوية.
ثانيا تقديم حل للاكراهات السوسيواقتصادية والانتظارات الكبرى للشارع المغربي من هذه الحكومة الأولى في ظل التجربة الدستورية لسنة 2011، خاصة وأن الحزب قدم برنامجا طموحا وشاملا لأهم القضايا الاجتماعية، وما سيشكل تحديا للحزب الذي وعد بتحقيق نسبة نمو 7% في أفق ما بعد سنة 2013، والقضاء على اقتصاد الريع، والرفع من القدرة الشرائية والرفع من الحد الأدنى للأجور... إلخ.وجلها مطالب جاءت على لسان الحركات الاحتجاجية، عنوانها البارز مقاومة الفساد والاستبداد وظفت كبند عريض في حملة الحزب الانتخابية.
❍ أمام التحديات التي تواجه الإسلاميين في تسييرهم للحكم، هل تعتقد أن الإمكانات التي يتوفر عليها الإسلاميون في ظل الشروط التي تطبع ممارسة الحكم في المغرب وفي المناخ الإقليمي والدولي، هل تعتقد أن هذا سيكون في مصلحة الإسلاميين لتطوير تجربة المشاركة والدفع بها إلى تحقيق مكتسبات جديدة؟
● كما سبق أن قلت فإن الإسلاميين الفائزين في انتخابات 25 نونبر سيواجهون امتحان تجربة التدبير الحكومي، بعدما ألفوا كرسي المعارضة، وإتقان فن المراقبة من داخل المؤسسة التشريعية، في ظل ظروف وشروط مختلفة عن السابق، عنوانها البارز هو الحراك الشعبي العربي العام.لكن تجدر الإشارة إلى أن فوز الإسلاميين أولا من خلال انتخابات أجمع الكل على نزاهتها. هذه الأخيرة التي تم وضعها كإحدى الضمانات التي قدمها جلالة الملك منذ مدة في إطار مسلسل الإصلاح الذي تعرفه المملكة، ولعل هذا ما سيساعد الحكومة المقبلة التي تتوفر على خارطة طريق واضحة ذات أولويات. فنجاحها مرهون بالإجابة على متطلبات المعيش اليومي للمواطن المغربي وتفعيل المشاريع والأوراش التي تحقق العدالة الاجتماعية، وتدعيم مسلسل إصلاح القضاء، والتعليم، وقطاع الصحة... إلخ.فحزب العدالة والتنمية عليه أن يقدم إلى جانب شركائه نخبة سياسية، كفأة قادرة على التدبير الحكومي الجيد، أمام كل المتغيرات والانتظارات الآنية والمستعجلة.
أما بخصوص المعطى الدولي، فالمغرب بشهادة الجميع قدم النموذج من خلال مسلسل الإصلاح الذي باشره منذ سنوات. شكل دخول الإسلاميين وانتقالهم من صف المعارضة إلى الحكم إحدى تجلياته، ولعل القوى الغربية استوعبت إلى حد كبير طبيعة التعامل مع الإسلاميين المعتدلين الذين وصلوا إلى الحكومة من خلال النموذج التركي الذي تبنى أسلوبا أكثر انفتاحا على الحداثة دون غيره ممن سبقوه.
إذن فكل المؤشرات تدل على أن حزب العدالة والتنمية بإمكانه تطوير تجربة مشاركته السياسية، ففوزه الكاسح أعاد سيناريو تأثيث المشهد الحزبي من جديد وبناء تقاطبات جديدة محافظون يساريون ليبراليون مما سيسهل فهم هذا المشهد أكثر وقراءة لغته ومدى انسجامها في بعدها المؤسساتي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.