فوزي لقجع يُتوَّج بجائزة الثقافة الرياضية العربية لعام 2024    إدعمار يهيئ أعضاء حزبه بتطوان لانخراط قوي في المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية    بين اتهامات بالتضييق النقابي ومبررات تراجع الإنتاج.. نزاع حاد بين شركة "NOVACO FASHION" المملوكة لبرلماني من طنجة وعمالها المطرودين    إضراب عام في القطاعين العام والخاص احتجاجا على الأوضاع الاجتماعية والغلاء    المغرب يتسلم رئاسة التحالف الإفريقي للعلوم والتكنولوجيا لتعزيز التنمية المستدامة    هولندا.. مقتل طفلة طعنًا على يد شاب من اصل مغربي    دراسة: الجمع بين الرياضة والوزن الصحي يمكن من الحد من خطر الإصابة بالسرطان    تعليق الدراسة ببعض مناطق اقليم الحسيمة تقلبات الاحوال الجوية    بعد انضمامه للأهلي.. بنشرقي: اخترت نادي القرن لحصد الألقاب    الاتحاد الأوروبي يحذر من رسوم ترامب.. ستؤدي إلى التضخم وتضر بالاقتصاد العالمي    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    فتح تحقيق جنائي بحقّ زوجة نتانياهو    أخبار الساحة    ولي عهد السعودية يستقبل الرئيس الشرع    أسعار المحروقات تشهد زيادة "طفيفة" للمرّة الثانية توالياً خلال شهر بالمغرب    المغاربة أكثر الجاليات اقتناء للمنازل في إسبانيا    استثمارات كبرى لتعزيز التنمية في الناظور.. البنك الدولي يدعم مشاريع البنية التحتية بقيمة 250 مليون دولار    اقتراب كأس إفريقيا يُسرّع وتيرة الأشغال بملعب طنجة الكبير    مصالح مديرية الضرائب تضع حسابات مقاولات "العجز المزمن" تحت المجهر    طنجة: انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية    نشرة إنذارية (تحديث): تساقطات ثلجية وأمطار قوية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء بعدد من أقاليم المملكة    درك شفشاون يطيح ب"ملثم" سطا على وكالة لتحويل الأموال    بعد أيام من الغموض .. الشرطة البريطانية تفك لغز اختفاء تلميذتين مغربيتين    تحولات "فن الحرب"    الشبكة المغربية لهيآت المتقاعدين تحتج ضد تجاهل الزيادة في المعاشات    من طنجة.. تتويج رشيد البقالي بجائزة عبد الله كنون للفكر والأدب المغربيين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مكتب الصرف: تحويلات مغاربة العالم فاقت 117,7 مليار درهم سنة 2024    وهبي: العدالة الانتقالية تجربة وطنية رائدة أفضت إلى تعزيز المصالحة بين المجتمع المغربي وتاريخه    الزوبير بوحوت يكتب: السياحة في المغرب بين الأرقام القياسية والتحديات الإستراتيجية    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين بتهمة قرصنة المكالمات الهاتفية    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    روبرتاج بالصور.. جبل الشويحات بإقليم شفشاون وجهة سياحة غنية بالمؤهلات تنتظر عطف مسؤولين للتأهيل    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاز حزب العدالة والتنمية فهل سيخسر أمينه العام؟
نشر في هسبريس يوم 27 - 11 - 2011

كشفت النتائج الجزئية غير الرسمية تقدّما لحزب العدالة والتنمية مقارنة مع منافسيه في الانتخابات التشريعية الجارية في 25/11/2011م. وأيّا كانت النتيجة فإن المتوقع من هذا الفوز لا يرقى إلى حالة الاكتساح الذي تحدّث عنه أنصار هذا الحزب، ليس هذه المرّة بسبب التقطيع الانتخابي الحائل حيلولة بنيوية ضدّ بلوغ الأغلبية المطلقة ، بل نظرا لعدم بلوغ عتبة المشاركة المطلقة التي من شأنها أن تكشف عن أنّ حال العدالة والتنمية هو حال غيره من الأحزاب في عجزه عن الاستقطاب؛ لا أدلّ على ذلك من وجود شريحة أغلبية من الإسلاميين لا تنخرط في صفوفه.
ليبق السؤال منصبّا حول ما سيطرح مشكل الظّفر بالتحالفات الضرورية لتشكيل الحكومة. كما يبقى أن السياق الذي جاءت فيه هذه الانتخابات لا يسمح بالكثير من الزّهو. فثمة استحقاقات جديدة تفرض نفسها على المغرب تتطلّب الكثير من الكفاءة والجدية لإخراج البلاد من مشكلاتها والعمل على تنزيل مبادئ الدستور ضمن فعالية جدّية وجديدة للمجلس التشريع المخوّل بالنهوض بهذه المهمّة التنظيمية. الأهم في العملية الانتخابية الأخيرة هو مرورها في وضعية أفضل من سابقاتها. فلقد مرّت في مناخ من الهدوء والمسؤولية بحسب شهادة مراقبين دوليين، وإن تخلّلتها حوادث موضعية وخروقات شخصية مهملة تتعلّق ببعض المرشّحين. هذا فضلا عن تسجيل مشاركة مكثّفة من قبل النّاخبين سجلت حتى الآن نسبة 45 في المائة.
وبذلك يكون المغرب قد تجاوز أزمة العزوف السياسي والانتخابي بفارق كبير بالمقارنة مع انتخابات 2007م. وكان لوجود شريحة من دعاة المقاطعة للانتخابات هي الأخرى معنى في تعزيز التقاليد الدّيمقراطية، لأننا في المغرب لا نتحدّث عن نسبة فوز تقدّر بال 99،99 في المائة، ولا في تقاليد انتخابية بصفر مقاطع. فالدّيمقراطية تأتي بنتائج ملائمة للوضعية الحقيقية لكتلة النّاخبين والظروف الاجتماعية والسياسية كما تحدّدها التعددية السياسية. وبالحديث عن تقدم حزب العدالة والتنمية لا ينبغي قراءته ضمن السياق العام لما يسمى باستحقاقات الربيع العربي. ومع أن مرشحيه ومناضليه لم يفتئوا يرسلوا برسائل تهديد لكيلا يتكرر السيناريو التونسي والمصري، فإنّها لم تكن سوى رسائل ابتزاز أحيانا وشعارات ذات أبعاد انتخابوية محض. ذلك لأن قيادة العدالة والتنمية تدرك قبل غيرها أنّ الخصوصية التي ترفعها دائما كشعار هي حقيقة من كل الجهات ولا تخضع للانتقاء. فالخصوصية هنا أوضح بكثير حيث نشأ حزب العدالة والتنمية بمساعدة من قبل المرحوم عبد الكريم الخطيب وهو صديق الملك الراحل قبل أن يحدث انقلاب على الشروط المتعاقد عليها قبل ولوج حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية. حدث هذا الاستيعاب لشريحة من الحركة الإسلامية وليس كلّها.
وفي تلك الأثناء كانت التجربة التونسية والمصرية أبعد من أن تكون مثالا للمغرب. وكان أبو رقي وبعض الشخصيات المصرية الأخرى من الإخوان المسلمين شاهدة من خلال حضورها اجتماع إدماج حركة التجديد والإصلاح في الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، على هذه التجربة بينما كان يعتبرون لا مجال للمقايسة بين البلدين. فإذا لم تكن مثالا للمغرب يومها فكيف نتحدّث عن سيناريو مثيل لتداعياتها كما في تونس ومصر؟ فلقد شهد بهذه الخصوصية عباس مدني والغنوشي وقبلهما توفيق الشاوي وأبو رقي وسواهما من قيادات الإخوان المسلمين المصريين قبل حدوث الربيع العربي بسنوات عديدة، حينما قدموا إلى المغرب وألقوا فيه خطبا ومحاضرات وقدّموا فيه شهاداتهم.
الأسباب الموضوعية لفوز العدالة والتنمية
في العملية الديمقراطية لا نتحدّث عن فوز مطلق ودائم. فالحياة السياسية في مثل هذه الأوضاع هي دول (يوم لك ويوم عليك). ولا يعني الفوز بأغلبية الأصوات أنّ إرادة الشعب المغربي منعقدة كلّها لهذا الحزب أو ذاك ، إذا ما اعتبرنا أن المسألة هنا تتعلّق بنسبة محدّدة من مجمل عدد الكتلة النّاخبة. وهذا كفيل بأن يقلّل من حماس واندفاع الفائزين باعتبارهم سيظلّون تحت رقابة شديدة للمعارضة إذا ما قادوا الحكومة أو شاركوا فيها. وقد يكون للسياق الذي تشهده المنطقة العربية من تقدّم سياسي للإسلاميين أثر في تقدم العدالة والتنمية المغربي. لكنه ليس هو العامل الوحيد بالضرورة. ونستطيع أن نحصر الأسباب الموضوعية لهذا الفوز في ستة أسباب رئيسية:
1 غياب المنافس
من الطبيعي أن يتصدّر الإسلاميون الحياة السياسية في المغرب ليس اليوم فقط بل كان هذا منتظرا منذ سنوات خلت. وربما كان لانخراط حركة التجديد والإصلاح في اللعبة السياسية دور في تأجيل اكتساح الإسلاميين لأنها في وقتها استغلت عزوف شرائح واسع من إسلاميي المغرب من الانخراط في العملية السياسية. وكان أحرى بجماعة العدل والإحسان التي تمثّل تيّار يفوق من حيث العدد والحضور جمعية التوحيد والإصلاح التي تشكّل الدرع الدعوي لحزب العدالة والتنمية وإن لم يفتئوا طيلة سنوات يعلنون منذ سنوات استقلال الجماعة الدعوية عن أجندة الحزب السياسي؛ أجل ، كانت جماعة العدل والإحسان وحدها الجديرة بمنافسة العدالة والتنمية لولا رفضها الانخراط في العملية السياسية ودعوتها لمقاطعة الانتخابات. كما كان بإمكان الإسلاميين الآخرين أن يحققوا بعض التوازن. ولم يكن حزب النهضة والفضيلة قادرا على تأمين هذا التوازن نظرا لافتقاده الدينامية الضرورية لانطلاقه كحزب ذي مرجعية إسلامية فضلا عن غياب الخبرة الكافية في مجال الحركة الإسلامية. ظلّت العدالة والتنمية وداعمتها الروحية التوحيد والإصلاح وحدهما يملكان احتواء الساحة السياسية إسلاميا في غياب المنافس الإسلامي المفترض. ذلك لأنه في اللحظة التاريخية التي فرضت تقدم الإسلاميين على غيرهم لم يكن بالإمكان إهمال جانب الحركة الإسلامية في تعبيراتها المختلفة. فموقف الأطراف المنافسة للعدالة والتنمية فرضت أن يكون إسلاميو المملكة في سلّة واحدة مما جعل العدالة والتنمية تحصد أصواتهم من باب "الأقربون أولى بالمعروف". ارتكب المنافسون أخطاء كثيرة على مستوى تقدير اللحظة التّاريخية وكذا تناقضات المشهد.
2 تعطف النّاخب
استطاعت العدالة والتنمية أن تفوز بعواطف شريحة واسعة من الناخبين لأسباب تتعلّق بقدرة قيادات الحزب على تقديم أنفسهم كضحية لمؤامرات الأحزاب السياسية وضغط النّظام. وفي الثلاث سنوات الأخيرة استطاع الحزب أن يجعل من منافسه الأصالة والمعاصرة موضوعا لتكريس هذه الصّورة عند الرأي العام المغربي. لم يقدّم قيادات حزب العدالة والتنمية أنفسهم كتجربة خرجت من تحت جبّة الخطيب وهو صديق لثلاثة ملوك، بل عملت على تقديم الأصالة والمعاصرة وحده كحزب لصديق الملك. وقد نجحت العدالة والتنمية في اختيار الخطاب الأقرب إلى الشريحة الأوسع من النّاخبين التي تعاني التهميش، مما يجعلها موضوعيا تنحاز إلى من نجح في إقناعها بمظلوميته.
3 حسن النّية
تعاطى حزب العدالة والتنمية مع الناخبين بخطاب أقرب إلى الدّروشة السياسية، وكانت الشعبوية قد بلغت مداها في هذا الموسم الانتخابي. وقد كان للشعبوية دورا رئيسا في تمرير خطاب العدالة والتنمية أكثر مما اهتم الناخب بمزاعم البرنامج السياسي والانتخابي للحزب. وفي الوقت الذي تراجعت فيه شعبوية الأحزاب السياسية كان الأمين العام لحزب العدالة والتنمية قد قاد حملة انتخابية بشعبوية فاقت نظراءه بامتياز. وفي الوقت الذي كان منافسوه ينتقدون شعبويته تلك ، كان عبد الإله بنكيران يلفت بها الأنظار إلى حزبه وهي عملية إعلامية ناجحة بامتياز. إن التخويف من الإسلاميين لم يعد يؤدّي الغرض. فالولايات المتحدة الأمريكية والناتو بات يتعاونون بالمكشوف معهم في مواقع كثيرة من العالم والمنطقة. لكن في موضوع العدالة والتنمية لم تكن قيادته مخيفة لسبب بسيط، أنها لم تخرج من أتون النّضال المستميت من أجل الديمقراطية والتعددية والحرية وإن انفتحت على هذه المطالب تحت ضغط تحولات الزمان وهواجسه. وفي هذا الإطار كم سيكون ظلما أن يحرم بنكيران من دور في الحكومة وقد كان عرّابا بارعا وخطيبا شعبويا ومبادرا، بينما سيحصد من تلك الامتيازات من ظلّوا يختفون وراء ظهره ولا يملكون مبادرات ولا وضوحا في الخطاب. إذ ذاك سيكون العدالة والتنمية فاز في الانتخابات وخسر الأمين العام للحزب، لا لأنه استهلك رصيده من سمت الاستوزار أثناء إطلاق العنان لفلتات لسانه وشعبويته الطافحة، بل لأنّ العدالة والتنمية تنطوي على رصيد من الانتهازية واهتبال الفرص والتشوّف إلى السّلطة من شأنه أن يضحّي بمن أوصلهم إلى مشارف الحكومة. إن الجمهور النّاخب تعامل مع العدالة والتنمية على خلفية حسن النّية دون أن يعني ذلك معرفته الحقيقية بخلفية نشوء وتطور هذا الجسم السياسي. في تقديري ما يخيف أطراف عديدة ليس هو الأمين العام رغم خرجاته البهلوانية والاستفزازية بل الذي يخيفهم هو من يوجد خلف الأمين العام لا سيما من ذلك الكومبارس الذي يتحيّن باستمرار الفرصة للعب أدوار مهمّة. وكما لا يخفى على من استوعب تناقضات المشهد الإسلامي ، فإن بنكيران يفوز في اللحظات الحرجة لكنها يخسر في اللحظات المريحة.
4 الفضول والاختبار
من عوائد الديمقراطيات جميعها وليس المحاولة المغربية أن النّاخب يملك مفتاح اختبار الوجوه الجديدة. وإذا كان الناخب المغربي يرى نفسه قادرا على تصحيح اختياره عند كل عملية انتخابية، فإن العدالة والتنمية يهمّها أن تعطى فرصة واحدة تضيفها إلى سيرتها السياسية. فلا زال النّاخب المغربي على درجة من الحذر من العملية الانتخابية. كما لا يزال يحتفظ بشيء من الاحتقان تجاه تجارب الأحزاب السياسية التقليدية في مجال التسيير الجماعي والتدبير الحكومي مما يعني أن مظاهر التصويت العقابي حاضرة بقوة في العملية الانتخابية الأخيرة.
5 التوظيف الدّيني للدّين
لا أريد الحديث هنا فقط عن أصل توظيف الدين في السياسة بل عن طريقة توظيف الدين في السياسة. وهذه هي النقطة التكتيكية التي جعلت العدالة والتنمية تتقدّم نظراءها في العملية الانتخابية الأخيرة. ظلّت الأحزاب المنافسة للعدالة والتنمية تتهمها بتوظيف الدين في السياسة. وهي بذلك تحاول إقناع أنفسها لا إقناع الناخب الذي ينتمي إلى محيط سوسيو سياسي لا ينظر إلى علاقة الدين بالسياسة على الأساس الفلسفي الذي تنظر إليه بعض الأطراف. وحينما سعى بعضهم لاستعمال خطاب ديني مختلف ومضاد لخطاب العدالة والتنمية باؤوا بالفشل ، لأنّ الخطاب الدّيني الذي يستطيع أن يكون مقنعا هو الخطاب القائم على حدّ أدنى من المصداقية الدّينية. صحيح أن العدالة والتنمية تعاني رقّة في الدّين وتضخّما في الانتهازية السياسية في نظر نظرائها الإسلاميين، لكنها تبدوا على شيء منه في مواجهتها لمنافسيها الذين استهانوا كثيرا بضرورة أن تكون المواجهة مع العدالة والتنمية مواجهة أيديولوجية لا تعادي الخطاب الدّيني بل تعمل على تطويره والإقناع به. فحزب العدالة والتنمية ظلّ مدركا لأهمية الحفاظ على هيئة دعوية دينية تمنحه المصداقية في حراكه السياسي عند جمهور عريض من المتدينين. وهو الأمر الذي لم يؤخذ بعين الاعتبار عند خصومه الذين فضلوا أن يندبوا حظّهم العاثر ويختاروا الهجاء بدل التعبئة وأخذ الأمور بجدّية. وكان حزب العدالة والتنمية قد مارس تعددية في الخطاب وتفوّق على غيره في الدّفاع عن أفكاره.
6 الدينامية والتشبيب
العامل الذّاتي لتقدم حزب العدالة والتنمية في تقدّمه على منافسيه في الانتخابات الأخيرة هو توفّره على دينامية قوّية تفوق دينامية الأحزاب الأخرى التي تحتاج إلى مراجعات، كما يتوفّر على قدر من التشبيب في مقابل شيخوخة الأحزاب السياسية الأخرى. التشبيب ويضاف إليه الدينامية النسائية التي كسرت النمطية التقليدية للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، شكّلا شرطا لتقدّم الحزب على منافسيه. فالعدالة والتنمية استغلّ الفراغ الإسلامي كما استغل ضعف الأحزاب وشيخوختها وتمنّعها على التشبيب. فلا شكّ من وجود أخطاء كثيرة استفاد منها الحزب المذكور، أخطاء تتعلّق بالدرجة الأولى في سوء تقدير لكثير من القضايا والأبعاد وأخطاء في حساب الواقع والمستقبل والإدمان على النمط التقليدي في تدبير الأحزاب لحملاتها الانتخابية. ربما كان حزب العدالة والتنمية مطالبا بإنجاز مراجعة أيديولوجية وفقهية دقيقة، لكن بات واضحا أيضا أن الأحزاب السياسية المغربية هي الأخرى مدعوّة لإنجاز مراجعات من هذا القبيل؛ ويبدو أن الوقت لم يفتها بعد، بل تستطيع القيام بذلك في إطار المعارضة وليس تحت ضغط التسيير الحكومي.
ما بعد الانتخابات
إذا كان الحزب لم يستطع أن يحقق تقدّمه أيّام حدّدت تغطيته لبعض المناطق في الانتخابات السابقة، فاليوم يجد نفسه في وضع مريح من ناحية حصد الأصوات لكنّ ثمّة ما هو مقلق في الآتي من استحقاقات تشكيل الحكومة واستحقاقات تنزيل مبادئ الدستور المعدّل والإجابة عن انتظارات المجتمع المغربي ليس بالضّرورة في ضوء مزاعم البرنامج السياسي والانتخابي للحزب ذي الطبيعة والأبعاد الانتخابوية، بل في ضوء الملفّات المطروحة في شتّى القطاعات ، وذلك في تحدّي جديد للعدالة والتنمية في استحقاقات ما بعد الانتخابات. ذلك لأن الحزب في إطار التدبير الحكومي سوف يخسر الكثير من امتيازاته السياسية في عهد المعارضة. سوف تتلاشى كل العوامل السابقة التي قادت العدالة والتنمية إلى هذه الحصيلة الانتخابية. لن يستطيع الحزب المذكور أن يستند إلى صورة الضحية التي شكّلت محور خطابه السياسي. كما أنّ عهد التدبير الحكومي يقتضي محاسبة وتقديم معطيات وحصائل و ليس هو عهد المعارضة الذي يقبل بالإنشاء السياسي والشعارات الأيديولوجية. فسيواجه تراجعا في تعاطف الناخبين معه كما سيخضع إلى التجريب في أول تعاطي له مع الملفات المفتوحة والمغلقة كما لن تنفع عملية توظيف الدين في السياسة أو توظيف الدين في الدين. إن أولى تلك التحديات تتعلّق بتشكيل الحكومة. ويمكن هنا أن تحصل بعض المفاجآت نظرا لأنّ التسيير بات هدفا لبعض الأحزاب.
فالعدالة والتنمية ستسعى جهدها لكي تقدم تنازلات كثيرة كالمعتاد في عملية تشكيل الحكومة ، وذلك بسبب نزوع قياداتها الشديد إلى السّلطة. وفي هذا يمكنها أن تتجاوز الكثير من المطبات بخصوص علاقتها مع بعض أحزاب الكتلة مهما بدا من شنآن بينهما في السنوات السابقة. ولكن يظل الخصم الاستراتيجي للعدالة والتنمية هو الأصالة والمعاصرة وإلى حدّ ما مجموعة الثمانية المتحالفين معه. وفي هذا السياق يمكن الحديث عن انتصار حقيقي للأصالة والمعاصرة بخلاف ما تكشف عنه حصيلته الانتخابية. ذلك لأن الأصالة والمعاصرة استطاع أن يملأ الساحة في تكتيك فاجأ الجميع أمام العدالة والتنمية، من خلال إفراغ الساحة من أحزاب اليمين ما عدا الاستقلال، لكي لا تجد العدالة والتنمية حليفا.
وفي منتهى محاولات العدالة والتنمية لإقناع الكتلة بالمشاركة في تشكيل الحكومة ستكون أمام وضعية تفرض عليها ذوبانا موضوعيا في الكتلة ستستفيد منه تلك الأحزاب وتستمدّ منه دينامية جديدة كما استمدت الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية دينامية جديدة بعد انضمام الإسلاميين إليها. وحينها ستخلوا ساحة المعارضة للأصالة والمعاصرة ، وهذا هو الهدف الرئيسي من نشأة الأصالة والمعاصرة فضلا عن أنّ نتيجة مشاركة 45 في المائة من الناخبين في هذه الاستحقاقات هو نتيجة في صالح الأصالة والمعاصرة لأنه تأسّس في الأصل كردّ فعل على المشاركة الهزيلة والعزوف الذي ميّز استحقاقات 2007م. فالأصالة والمعاصرة لم تأتي لتهيمن على الحكومة بل جاءت لتخلق دينامية سياسية وتنافسا حقيقيا ينقذ العملية السياسية من حالة العزوف والركود وقد نجح في هذا. وكان من غير المعقول أن نتحدّث عن خسارة الأصالة والمعاصرة في الوقت الذي نتحدّث فيه عن صديق الملك. فهل صديق الملك كان في حاجة إلى كل هذا الحراك يومها ليكون في الحكومة؟ وربما تكمن خسارة العدالة والتنمية في أنها تقدمت على غيرها في عدد المقاعد لكنها خسرت الكثير من المصداقية التي ليس بوسع بعض الناخبين إدراكها إلا إذا وقفوا على الأداء الحكومي حيث تقود أو تشارك العدالة والتنمية. الامتحان الأعظم للعدالة والتنمية هو في كيفية تدبير الملفات العالقة اليوم، وكيف تجيب على مسألة نسبة النمو وعدد مناصب الشّغل والسياسة الاجتماعية وتدبير صندوق المقاصة والاستثمارات والسياسة الضريبية وعجز الموازنة وملفات أخرى محلّية وخارجية.
ما ينتظر العدالة والتنمية وما ستعدّه لها المعارضة من مساءلات وفخاخ يدعوا إلى الكثير من الجدّية والاستقامة وكبح النزوع إلى التّسلط لقيادات هذا الحزب المشتاق للسلطة والمال والنفوذ بلبوسها الديني. عرس الشعارات ولّى لن يعود وجاء عهد الاستحقاقات ، فهل سيكون حزب العدالة والتنمية قادرا على العبور بالمغرب إلى برّ الأمان ومجاوزة مخاطر السّكتة القلبية، حتى لا يقذف بحذاء؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.