"دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية        واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الطوزي ل«التجديد»:دافعت على حق الإسلاميين في الإدماج السياسي منذ أزيد من عشرين سنة
نشر في الرهان يوم 08 - 12 - 2011

أكد الطوزي أن نتائج اقتراع 25 نونبر وفوز العدالة والتنمية ستعيد الثقة للعمل السياسي وتعيد الاعتبار لهيبة الدولة والمصداقية للمؤسسات وسلطة القانون، واعتبر الطوزي في حوار مع «التجديد» أن فوز الإسلاميين وتجربتهم في قيادة الحكومية ستؤهلهم لإنتاج فكر سياسي حداثي عصري ومغربي، و أشار الطوزي إلى أن العدالة والتنمية، بما أنجره من تحولات فكرية قادر على إنتاج تنظيرات تجيب على التحديات المطروحة اليوم، ولاسيما ما يتعلق بالدولة المدنية بطريقة ديمقراطية وفي إطار احترام للقوانين والمقتضيات الدستورية.
وفي قراءته لنتائج الانتخابات، أكد الطوزي أنها أثبتت تمكن الحزب من تخطئة النظرة التي تجعل نفوذه منحصرا فقط في شمال نهر أم الربيع، وأبانت في المقابل عن تمركز نفوذه الانتخابي أيضا جنوب هذا النهر. وعزا الطوزي سبب فوز العدالة والتنمية لعدة عوامل جعل على رأسها خطابه الانتخابي الذي ركز على قيمة المعقول، مبرزا أنها شكلت القيمة الأساسية المطلوبة من قبل الكتلة الناخبة حسب ما أعلنت عنه نتائج الدراسات التي أجريت حول القيم، ولاحظ الطوزي الاستعمال الكثيف لهذه القيمة من قبل الأمين العام للحزب في خطاباته في كل المهرجانات الخطابية التي تدخل فيها، كما لاحظ أن التقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع الذي ينظر إليه على أساس أنه مصمم ضد الأحزاب القوية، قد قام بدور معكوس، إذ حصل العدالة والتنمية على نسب غير متوقعة من الأصوات في بعض الدوائر بلغت أكثر من 60 في المائة كما في دائرة طنجة وأصيلة وحصد ثلاثة مقاعد وبدأ تنافس في المقعد الرابع.
ونفى الطوزي ما نقل عنه في أحد المواقع الإلكترونية من أنه قال:»إنه مؤلم أن يقبل الملك اقتسام السلطة مع الإسلاميين الذين يعلم الجميع أنه يكرههم» مؤكدا تحريف مضامين كلامه، وأنه دافع على حق الإسلاميين في الإدماج السياسي منذ أزيد من عشرين سنة وأنه يستحيل أن يعبر عن مواقف لا دموقراطية كالتي نسبت له، واضاف الطوزي قائلا: لا أستعمل مثل تلك العبارات، التي تسيء إلي كديمقراطي» وقال إن ما قاله هو أن الملكية ولأول مرة ستكون مضطرة للتعامل مع ما أفرزته نتائج الاقتراع التي لم يكن طرفا في إنتاجها بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر.
❍ اقتراع 25 نونبر كان اقتراعا استثنائيا من حيث الشروط التي مر فيها واستثنائيا من حيث النتائج التي أفرزها، من جهتكم ما هي قراءتكم لنتائج هذا الاقتراع؟.
● اقتراع 25 نونبر هو استثنائي بمقاييس واعتبارات عدة، استثنائي أولا لأنه جاء في ظل الدستور الجديد الذي يحدد علاقات جديدة بين السلط ويعطي صلاحيات جديدة لرئيس الحكومة، ويعطي صلاحيات جديدة للبرلمان، ويقر بطريقة لا غبار عليها أن المرجع الأساسي للسيادة هو صناديق الاقتراع. حيث أصبح مفهوم السيادة في بعده القانوني مرهونا بصناديق الاقتراع. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، هو استثنائي من حيث الإطار القانوني الذي ينظم الانتخابات سواء على مستوى الرفع من تمثيلية المرأة أو تمثيلية الشباب أو التقطيع لانتخابي أو نظام الاقتراع، إذ كان محط نقاش سياسي، بل كان محط تفاوض سياسي حاد أدى إلى إحداث بعض التوازنات وأفضى إلى انخراط كلي للقضاء كفاعل أساسي لتأطير الانتخابات وانخراط كبير للمعاينة والمراقبة الدولية والمحلية بمعايير جديدة، ثم لا ننسى أيضا الحياد إلى حد ما للإدارة، والذي برز من خلال التعامل الإيجابي السريع مع الدفوعات والشكايات. ثم هناك الجانب الثالث من البعد الاستنثنائي في هذه الانتخابات وهو المتعلق بالحملة الانتخابية نفسها، لأنه لأول مرة هناك من يقاطع وأعطيت له الكلمة كي يعبر عن موقفه، وأقصد بذلك حركة 20 فبراير بمكوناتها الأساسية، وكان هناك تعامل جديد إلى حد ما في الحملة الانتخابية، لأن الحملة الانتخابية في التجارب السابقة كانت مطبوعة بالنزعة التقليدية وشخصنة السياسة، في حين أن أهم ملمح لهذه الحملة هو كونها جعلت البرامج الانتخابية موضوعا للدعاية الانتخابية. ومع أن هذه البرامج تتشابه في كثير من المعطيات، ولكن لوحظ وجود متابعة استثنائية من طرف المتابعين والمختصين لهذه البرامج، لأن الأحزاب السياسية في هذه البرامج، على الأقل صارت تحدد الإجراءات والتدابير من خلال أرقام قابلة للقياس والتقويم. هذه الجوانب التي أعطت لهذه الانتخابات بعدها الاستثنائي بالمقارنة مع الانتخابات السابقة، أعادت الثقة في الانتخاب كآلية من آليات الديمقراطية. الجانب الرابع في هذه الجوانب هو النتائج، فقد كان منتظرا أن يفوز حزب العدالة والتنمية، ولكن ليس بهذه النتيجة الكبيرة. فعلى الرغم من أن النظام الانتخابي يسير في اتجاه تقليص حظوظ الأحزاب الكبيرة، لكنه أيضا قد يفضي إلى العكس، فقد أثبتت هذه الانتخابات أن نمط الاقتراع يخدم الأحزاب الكبيرة التي تستطيع أن تحرز على عدد كبير من الأصوات ويضمن لها أكثر من مقعد. فالملاحظ أن ألآليات التي تستعمل في التقطيع بقصد التقليص من حظوظ بعض الأحزاب أدت إلى عكس ذلك وجعلتها تفوز بمقاعد عديدة في الدائرة الواحدة. ، فبعض الدوائر استطاع حزب العدالة والتنمية أن يفوز فيها بثلاث مقاعد كدائرة طنجة أصيلة وينافس في المقعد الرابع من خلال ما تبقى له من الأصوات. فلا يحفى أنه كان مستبعدا جدا أن يحصل أي حزب على 60 في المائة من مقاعد الدائرة بحكم النظام الانتخابي، لكن أثبت حزب العدالة والتنمية في بعض الدوائر أنه بالإمكان حصوله على هذه النسبة. ثانيا، لقد أثبتت نتائج هذه الانتخابات تمكن الحزب من تخطئة النظرة التي تجعل نفوذه منحصرا فقط في شمال نهر أم الربيع، فأبانت هذه النتائج عن تمركز نفوذه الانتخابي أيضا جنوب هذا النهر. ففي نتائج 2007، كانت معظم مقاعد الحزب تنتمي إلى شمال نهر أم الربيع، لكن هذه الانتخابات أثبتت أن للحزب حضور تمثيلية في كل التراب الوطني.
❍ الملاحظ في نتائج انتخابات اقتراع 25 نونبر العدالة والتنمية أول أنه عزز وجوده في المدن بشكل قوي، ثم ثانيا أنه استطاع أن يضمن نجاح كل قياداته البرلمانية السابقة بنسبة 29 من 31 برلماني، ثم ثالثا تمكنه من إحراز تمثيلية شاملة للتراب الوطني. في نظركم إلى ماذا يعود هذا الفوز وما العوامل المفسرة لذلك؟
● أنا أشتغل الآن على هذه النتائج، وسأحاول في دراسة جار إعدادها تفسير كل العوامل التي أدت إلى إفراز هذه الخريطة الانتخابية. لكن الملاحظة الأساسية التي أريد أن اسجلها هنا، أنه وقع تحول دال في السياسة في المغرب، إذ أصبح الناس يصوتون على الحزب وليس على ألأشخاص، بدليل أن بعض الدوائر التي وضع فيها أعيان بقصد الفوز بالانتخابات، لم يقوموا فيها بالدور الذي كانوا يقومون به في السابق، وما أثارني كثيرا، وهو مما يمكن أن نعزز به هذه الملاحظة، هو أن الدوائر التي كان فيها معارضة من داخل الحزب لتزكية أشخاص زكتهم الأمانة العامة ونزلتهم في بعض الدوائر مثل دائرة البرنوصي مثلا حققت لائحة الحزب فيها نجاحا كبيرا من حيث عدد الأصوات وعدد المقاعد. وهذا له دلالته، فهو يعني من جهة أن الحزب يمتلك قوة تنظيمية تمتص هذه الخلافات، ثم يعني ثانيا أن الناخب يصوت لفائدة الحزب وليس للشخص. ومما يعزز أيضا هذه الملاحظة، أن الحزب قدم في بعض الدوائر مرشحين مغمورين من الناحية السياسية ولا يعرفهم أحد، وتمكنوا من الفوز، فالأستاذ خيري مثلا، رغم أنه أستاذ جامعي ومحامي، لكنه لا يحظى على مستوى الشعبية بوزن كبير، ومع ذلك فازت لائحته، لأن الناخب صار يصوت على الحزب ولا يصوت على الشخص. أظن أن الجديد في تفسير نتائج الحزب، هو أنه استطاع أن يخرج عن دائرة الكتلة الناخبة المتدينة أو المتعاطفة أو المنتمية له، وكسب شرائح جديدة من الكتلة الناخبة. فقد كسب الحزب الطبقة المتوسطة، ونال أصواتا كثيرة من الطبقات الكادحة، واستطاع هذه المرة أن يأخذ نصيبه حتى من الطبقات فوق متوسطة من المقاولين والمستثمرين. معنى ذلك أن الحزب استطاع أن يتجاوز زبونه التقليدي المتمثل في الطبقة الوسطى، ويضيف إليه زبائن جديدة من كافة الطبقات. ثم ما يمكن أن نلاحظه أيضا على مستوى العوامل المفسرة لفوز العدالة والتنمية، هو الخطاب الذي استعمله، والذي لم يكن خطابا دينيا، فقد تحاشى إلى حد كبير المفردات الدينية، وعمل على إزاحة الرموز الحركية الدعوية التي يمكن أن تعبر عن التوجه الديني كتوجه أساسي. فمما يلاحظ أن الحزب في الحملة الانتخابية أتقن ما يمكن أن نسميه آلية التخاطب، خاصة وأن الطلب الأساسي كان سهلا ميسورا. صحيح أن الحزب رفع شعار محاربة الفساد والاستبداد وتقاسم بذلك مع 20 فبراير التطلعات والشعارات والعناوين التي رفعتها، لكن ما هو مهم في الخطاب هو أكثر من قضية محاربة الفساد والاستبداد، فما كان عليه طلب كبير من خلال الأبحاث والدراسات التي قمنا بها حول القيم هو "المعقول" وهو مفهوم مركب ليس له مدلول ديني صرف، ولكنه يجمع كل القيم التي تمثل النزاهة والشفافية والاستقامة وغير ذلك مما يقدر المغاربة أنه هو العامل المحدد لتفسير الاختلالات التي يعيشها المغرب. فإذا رجعت إلى البحث الذي أجريناه حول القيم أو "الإسلام اليومي" ستجد أن "المعقول" تصدرت القيم الأساسية التي يطلبها المغاربة في حياتهم. وهو ما استعمله الحزب بكثافة في حملته الانتخابية، وكان جزءا لا يتجزأ من خطاب أمينه العام في كل المهرجانات الخطابية التي تدخل فيها. وبالإضافة إلى قيمة "المعقول" فاللافت في خطاب الحزب هو البعد الوطني والذي بدون شك كان له مردوده الانتخابي. ثم هناك مسألة أخيرة، لا يمكن أيضا أن نتجاهلها، وهو أن هناك جزءا لا يستهان به من الكتلة الناخبة قام بما يسمى بالرهان بالباسكالي، أي أن الناخبين أرادوا أن يجربوا هذا الحزب ويعطوه فرصة ليروا ما يمكن أن يقوم به. والمهم في هذه الانتخابات، أن هناك شريحة من الناخبين لم يكونوا يثقون في العملية الانتخابية، وشاركوا في هذه الانتخابات، ليس لأنهم صاروا واثقين من العملية الانتخابية ومؤدياتها، ولكن لأنهم أرادوا أن يجربوا حزب العدالة والتنمية، ويجربوا من خلاله إمكانية عودة الثقة إلى الحياة السياسية، ويتأكدوا هل هذه الانتخابات هي جزء من مناورة سياسية مبرمجة مثل المناورات السابقة، أي أن الإسلاميين سيكون مثل الاتحاديين ثم الاستقلاليين الذين تم توظيفهم لإضفاء مشروعية على الحياة السياسية لظرفية معينة؟ أم أن الأمر يتعلق فعلا بكون حزب العدالة والتنمية جاء نتيجة عملية ديمقراطية أفرزتها صناديق الاقتراع.
الخلاصة أن المنطق الذي صوت به الناخب لفائدة حزب العدالة والتنمية هو منطق متعدد، وأن الجديد هو أن الحزب خرج من دائرة الكتلة الناخبة المنتمية له أو المتعاطفة معه أو المتدينة بشكل عام، واستطاع أن يستقطب من كل الشرائح ومن كل الطبقات الاجتماعية.
❍ إذا استعرنا مفاهيم علم السياسية في عملية التحليل والمقاربة، ما يعني إليكم فوز حزب العدالة والتنمية، وما الجديد الذي أضيف للمشهد السياسي ولقواعد اللعبة؟ وهل وقعت خلخلة في المشهد السياسي ستسهم في تأسيس وضوح في العمل السياسي وإحداث أقطاب سياسية؟
● دعني أقول لك أولا، أن الإطار الدستوري الجديد هو الذي أحدث خلخلة في المشهد السياسي. فانتصار حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات هو نتيجة مباشرة للإصلاح الدستوري ولقوة الرهانات التي يطرحها، لأن أكبر رهان للإصلاح الدستوري كان هو إعادة الاعتبار للسياسي، والانتخابات جاءت مكملة لهذا الرهان الأساسي. فحينما يتحدث الدستور عن حكومة منبثقة عن صناديق الاقتراع مسؤولة ومحاسبة بطريقة وحيدة أمام البرلمان، فهذا معناه أن الانتخابات هي وسيلة أساسية لتحقيق هذا الرهان. وأستطيع أن أقول بأن الدستور بمواصفاته الجديدة بنى سلطة الأغلبية، لكنه في نفس الوقت بنى وبنفس القوة سلطة المعارضة، فدسترة المعارضة كمكون أساسي في النظام السياسي تجعل مسؤولية التدبير للحكومة ومسؤولة المتابعة للمعارضة أمرا دستوريا. فيما يخص اقتراع 25 نونبر، أظن أنه يشكل بداية الطريق لبناء تكتلات مبنية على تصورات واختيارات سياسية. الجديد اليوم، أن هذه التقاطبات لم تعد بمنية على أساس القرب من المؤسسة الملكية،فمحيط صناعة القرار لم يعد هو الذي يحدد التحالفات والتقاطبات، ولكن الذي يحدد هذه التقاطبات هو التصورات السياسية والمشاريع التي تحملها الأحزاب للمجتمع وأيضا المشاريع التدبيرية.
❍ نقل عنكم في إحدى المواقع الإلكترونية أنكم قلتم أنه من المؤسف من الناحية العاطفية أن يقبل الملك اقتسام السلطة مع الإسلاميين، وعللتم ذلك بكراهية الملك لهم، هل تؤكدون هذا التصريح، وماذا تقصدون به؟
● ما نشر في هذا الموقع لا يمت يأية صلة لما قلته، الذي حدث أن الصحفي الشاب الذي اتصل بي لم يحرر بشكل جيد ما قلته، وحتى أكون واضحا معكم، سأعيد ما قلته مما وقع تحريف مضمونه، كنت بصدد تفسير نتائج اقتراع 25 نونبر الذي أفرز فوز العدالة والتنمية، فقلت إن الملكية ولأول مرة ستكون مضطرة للتعامل مع أفرزته نتائج الاقتراع التي لم يكن طرفا في إنتاجها بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، وهذا يعني أن السلطة التحكيمية هي التي ستبرز، لأنه بمقتضى الدستور الجديد أصبح الملك ملزما بالتعامل مع وضعيات سياسية لم يكن طرفا في إنتاجها. بحيث موقع التحكيمي أصبح هو الموقع الاستراتيجي، والحياد اتجاه الفرقاء السياسيين. فأصبحت المسطرية الديمقراطية هي التي تحدد علاقة الملك بالفرقاء السياسيين وبالسلط جميعها، فهذا هو المنطق الجديد الذي صار يؤطر علاقة الملكية بالأحزاب السياسية بما في ذلك الأحزاب التي تصدرت نتائج الانتخابات. أما مسألة كراهية الملك للإسلاميين فلم أقلها ولا أتبناها ولا أستعمل مطلقا في تحليلاتي مثل هذه المفردات ولا أعيرها أي اهتمام ضمن أدوات التحليل.
❍ هل يمكن أن نفهم من كلامكم أن عهد استعمال المستشارين الملكيين كوسطاء بين الملك وريس الحكومة للتدخل في تشكيل الحكومة قد ولى من غير رجعة؟
● طبعا انتهى. بل أكثر من ذلك، إن الملك لم يكتف بتطبيق الدستور في حرفيته، وإنما طبق التأويل الديمقراطي له وطبق روحه لما عين الأستاذ عبد الإله بنيكران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية رئيسا للحكومة. بل حتى على مستوى الطقوس التي تعتبر مؤسسة، إذ تم تعيين بنكيران بسرعة ومن غير تردد، ولم يحدث لحد الآن أي تدخل في صلاحيات رئيس الحكومة المعين لتشكيل الحكومة. فهو يمارس مشاوراته بكل حرية. فهذه الطقوس مؤسسة، وقد سبق أن تحدثنا عن الجوانب التي جعلت من اقتراع 25 نوبر محطة استثنائية في المغرب، وأضيف هنا أن هذه الانتخابات استثنائية من حيث كونها مؤسسة. لأنها تؤسس على مستوى الطقوس وعلى مستوى القوانين المؤطرة للحياة السياسية والمسار الديمقراطي. أنا أظن أن ما عشناه الأسبوعين ألأخيرين يفيد أن الإرادة السياسية ممثلة سواء في المؤسسة الملكية أو بقية الفرقاء السياسيين، هي إرادة للتأسيس. فالطريقة الحضارية التي تم استقبل بها الملك بنكيران وعينه، والطريقة الحضارية التي يتم بها تدبير المشاروات لتشكيل الحكومة، والطريقة التي عبر بها بعض الأحزاب للمشاركة أو للخروج إلى المعارضة، تشير إلى أننا نمر فعلا بمرحلة تأسيسية للمسار السياسي الحضاري.
❍ في هذا السياق كيف تقرأ موقف الاتحاد الاشتراكي؟هل كان متوقعا؟
● هذا الموقف كان متوقعا، وأظن أن هذا الحزب فهم رسالة الناخب، وهو كونه ليس راضيا عن أداء هذا الحزب. وأن الحزب اليوم أصبح في حاجة إلى إعادة بناء ذاته لاستعادة ناخبيه.
❍ لكن في نظركم هل بالضرورة سيتمكن من بناء حزبه من موقع المعارضة؟
● هذا هو التقدير السياسي الذي انتهى إليه الاتحاديون. هناك في الحقيقة قراءتان، القراءة ألأولى أن الاتحاد كان ينبغي عليه أن يلتحق بالكتلة ويتحالف مع العدالة والتنمية، لكن هناك أيضا قراءة ثانية، فالحكومة أيضا تتطلب وجود معارضة مسؤولة وليس معارضة عبثية من أجل المعارضة. وهنا أستطيع أن أقول أن آفاق التعاون بين الأغلبية الحكومية والمعارضة ستكون ممكنة.
❍ هل تعتقدون أن بإمكان الاتحاد الاشتراكي بعد سنوات طويلة من المشاركة أن يرجع إلى المعارضة من أجل تقوية ذاته الحزبية؟
● هذا ما يقولونه وهذا ما برروا به خروجهم للمعارضة. فهم يعتبرون أن خروجهم للمعارضة هو لأجل بناء الذات وخلق معارضة مسؤولة. وأعتقد أن هذا الموقف يقصد به محاولة استرجاع الزبناء التقليديين لهذا الحزب. فقد استطاع حزب العدالة والتنمية أن يحقق فوزه من خلال انتزاع شرائح كبيرة من لكتلة الناخبة التقليدية لحزب الاتحاد الاشتراكي خاصة في الوسط المتعلم، من الأساتذة والمعلمين وأساتذة التعليم العالي والطلبة. فيمكن أن يكون جزء من الرهنات التي يسعى الاتحاد الاشتراكي إلى تحقيقها هو استعادة هؤلاء الزبناء. السؤال المطروح اليوم، هو على أي أساس ستكون الأقطاب السياسية، هل على أساس سياسي؟ أم إيديولوجي؟ أم تدبيري؟ أظن أننا بصدد التأسيس لهذه المرحلة لأن هذه التقاطبات ستنفع الناخب، لأنه يدرك أن صوته أصبح له قيمة، وأصبح مؤثرا في صناعة فريق متحالف يمكن أن يشكل حكومة تحقق انتظاراته.
❍ كنتم من الدافعين عن قضية إدماج الإسلاميين في الحياة السياسية، اليوم نحن نعيش طورا متقدما في مسار هذا الإدماج، وهو وصول الإسلاميين إلى رأس الحكومة، في نظركم ما ألأثر الذي يمكن أن يكون لوصول الإسلاميين للحكم في تدعيم المسار الديمقراطي بالمغرب؟
● بكل تأكيد وصولهم إلى الحكم سيشكل دعامة أساسية في المسار الديمقراطي. هذا ليس فيه أدنى شك. كنت أدافع عن حق الإسلاميين في الدخول الإسلاميين، ليس فقط العدالة والتنمية، بل أيضا العدل والإحسان إدا قبلوا الإطار القانوني الذي يؤطر الحياة السياسية. أنا من موقعي أؤمن بالديمقراطية كوسيلة من وسائل تدبير الاختلاف الموجود في المجتمع، وهذا هو الربح الذي كسبناه اليوم، لأننا ربحنا وسنربح إعادة الاعتبار للسياسة، وثانيا سنربح إعادة الاعتبار للدولة والمؤسسات وسلطة القانون. وأظن أن أكبر كسب يمكن أن نحققه هو الدور الذي يحدثه الإدماج السياسي للإسلاميين في دفعهم إلى إعادة النظر في التنظير السياسي للدولة المدنية من خلال المرجعية الإسلامية، وهذا تحد مطروح على الحركة الإسلامية، وأظن أن العدالة والتنمية، من خلال منطلقاته واختياراته الفكرية هو أكثر تقدما من تيارات أخرى من الإسلاميين مثل الإخوان المسلمين، ربما لأنه لا يمتح نموذجه من التيارات السلفية، وإنما من التجارب التدبيرية الديمقراطية المتقدمة ومنها النموذج التركي. وأظن أن العدالة والتنمية، بما أنجرته من تحولت فكرية – فيما يسمى بالمراجعات التي دشنها منذ نهاية السبعينيات من نبذ العنف إلى التأسيس للديمقراطية- وبالمنهجية المقاصدية التي يتبناها قادر على إنتاج تنظيرات تجيب على التحديات المطروحة اليوم، ولاسيما ما يتعلق بالدولة المدنية بطريقة ديمقراطية وفي إطار احترام للقوانين والمقتضيات الدستورية. وهذا دور الفقه السياسي. لاشك أم الممارسة السياسية ستطور هذا الفكر، ولكن لا بد أن يكون هناك إنتاج تنظيري مساير، وهو ما ننتظره. وأظن أن التلاقح الموجود بين العدالة والتنمية وبعض التجارب الرائدة مثل النموذج التركي ستعينه في القيام بهذه المهمة. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية السياق التركي المحكوم بالإطار العلماني الذي لا يدفعهم للتفكير في تنظير سياسي لشكل الدولة المدنية من منطلق المرجعية الإسلامية كما هو الشأن بالنسبة إلى العدالة والتنمية المغربي. وأعتقد أن رصيد المراجعات التي أنجزها الحزب وسيرورتها سيمكن الحزب من إنتاج فكر سياسي حداثي متميز لكنه مغربي.
❍ نرجع إلى النقاش التفصيلي، بالنسبة إليكم تشكيل العدالة والتنمية لحكومته ستكون مهمة سهلة أم أن هناك تحديات يمكن أن تصعب هذه المهمة؟
● أظن أن هذه هي المسائل السلبية في الديمقراطية وفي حكومة الائتلاف. لأنها تتطلب المفاوضات. وأظن أن العدالة والتنمية يؤسس لطريقة جديدة في هذه المفاوضات رغم أن ما صاحب هذه العملية من بعض التصريحات قد شوش عليها. أظن أن برنامج العدالة والتنمية هو اليوم مطروح في السوق، فرغم وجود تقاطعات مع برامج الأحزاب ووجود إمكانية كبيرة للتحالف، هناك مبدأ كبير هو الذي سيسهم في بناء هذا التحالف حسب المنهجية الجديدة التي يستعملها حزب العدالة والتنمية وهو ما يسمى ب"المعقول". وهذا ما لمسناه في خطاب العدالة والتنمية الذي قال فيه بأن لا يريد أن يشكل الحكومة بوجوه يكرهها الشعب، وفي هذا ألإطار يمكن أن يجد هذا التحالف عناصر "معقولة" في كل الأحزاب يمكن أن يؤسسوا هذه الحكومة. لا أستطيع أن أحسم هل هذا الأمر سهل أن صعب، لأنه أمر جديد ومؤسس، ومن طبيعة الجديد المؤسس أن يكون صعبا. وأظن أن وضعية الحزب تحتمل قراءتين، فمن جهة هي مريحة لأن نتائج الاقتراع أعطته فوزا واضحا لا غبار عليه، ومن جهة أخرى فهذه الوضعية غير مريحة لأنها تعطيه مسؤولية القيادة والريادة. وهذه المسؤولية لا تتحمل الغموض والمساومات والتوافقات اللزجة.
❍ في نظركم ما هي التحديات المطروحة على حكومة العدالة والتنمية؟
● هي تحديات كبيرة. فأولا نجاح العدالة والتنمية جاء في مرحلة صعبة يمر بها ليس فقط المغرب ولكن أيضا العالم ككل. فهناك أزمة اقتصادية خانقة وما زالت تداعياتها لم تصل بعد إلى المغرب. شركاؤنا الأساسيون في أزمة. وهذه الوضعية تطرح تحديا كبيرا لاستنفار الهمم والتعبئة الشاملة. أما على المستوى الإجرائي، فأظن أن أكبر تحدي مطروح على العدالة والتنمية وهو ما ينتظره المغاربة من إعمال "المعقول" ابتداء من الكتلة الناخبة التي صوتت على الحزب. وأكبر تحدي يواجه العدالة والتنمية اليوم هو التعليم والرفع من إنتاجيته ، والرفع من المردودية اليومية للأستاذ. وعلى مستوى الشارع، التحدي الأكبر المطروح هو إعادة الاعتبار للقانون وإعادة الاعتبار للشارع العام، ومحاربة الفساد، بما أن حزب العدالة والتنمية يمتلك بعدا أخلاقيا كبيرا في خطابه. هناك تطلعات كبيرة للمواطنين من أجل محاربة الفساد. وأعتقد أن بقية ألأمور لا تطرح أي مشكلة، فالعدالة والتنمية يدين المنهج البراغماتي المفصول عن القيم والمبادئ، ولا يطرح تصوره الاقتصادي أي مشكل ما دام لا يحمل أي عداء عقائدي لاقتصاد السوق والنهج الليبرالي، وهذا ما لاحظناه من طمأنة المستثمرين والمقاولين والشركاء. وأظن أن التحدي الأهم هو إعادة الاعتبار للوظائف الأساسية للدولة على مستوى الخدمات العمومية والرفع من مردودية التعليم والصحة.
❍ ماذا عن الشارع وحركة 20 فبراير؟
● أظن أن حركة 20 فبراير كانت حليفا موضوعيا لحزب العدالة والتنمية، فقد ساهمت إلى حد ما في إضعاف بعض الفرقاء السياسيين وبعض الرموز السياسية مثل رموز البام، وحتى القراءة التي قدمتها لتحالف مجموعة الثمانية، هي التي طغت على مستوى الحملة الانتخابية، وهو ما أفاد حزب العدالة والتنمية وأدى لها خدمات. وبالنظر إلى مكونات 20 فبراير، هناك إمكانية لالتحاق النهج الديمقراطي والحزب الاشتراكي الموحد باليسار إذا كان مشروع المعارضة جديا وجذابا، وهناك إمكانية لإدماج العدل الإحسان. فرغم التباعد التاريخي والسياسي بين العدالة والتنمية وحركة عبد السلام ياسين، أظن أن هناك إمكانية لهدنة مرحلية ظرفية بين المكونين في إطار ما أسميه البحث عن المعقول، وذلك لإثبات حسن النوايا. فقيادات العدل الإحسان دائما يظهرون في شكل مسؤول ووطني ويعملون لمصلحة الوطن ويقدمون هذه المصلحة على المصالح الفئوية الضيقة. ولهذا أظن أنه على مستوى لاقتراحية واختراع وسائل جديدة للتدبير هناك خبرة للإخوة في العدل والإحسان يمكن أن تفيد التجربة السياسية المغربية إذا دخلت العدل والإحسان في العملية السياسية.
❍ كيف تنظرون إلى مستقبل المغرب السياسي في ظل هذا التأسيس؟
● أنا جد متفائل، لأننا نؤسس لتقاليد سياسية جديدة، تعيد الثقة للمواطن في العمل السياسي وتعيد الثقة في ورقة الانتخاب باعتبارها إما ورقة مكافأة أو عقاب وهذا هو جوهر العملية الديمقراطية. ومن جانب ثان، فحتى على المستوى القانوني والدستوري، فهناك إطار مؤسس يضمن خلق سلطات وسلطات مضادة، ويحدث بذلك التوازن المطلوب في نظام سياسي.
حاوره بلال التليدي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.