-إسماعيل العلوي: مبادرة شباب 20 فبراير الماضي استطاعت فك العقدة التي كانت تهيمن على الحقل السياسي -فتح الله ولعلو: الإصلاح الدستوري يروم خلق منظومة دستورية جديدة وإقامة ملكية برلمانية وبناء الدولة الديمقراطية -المصلوحي: ضرورة مواكبة الإصلاح الدستوري بإصلاح سياسي عميق يرتكزعلى تأهيل الأحزاب السياسية باعتبارها هيئات وسيطة بينما أكد محمد نبيل بنعبد الله، أنه على القوى الديمقراطية وكل الفاعلين في الحقل السياسي والمجتمع المدني الخوض في نقاش حيوي يعطي للوثيقة الدستورية مضامين ملموسة يأمل أن يكون حولها توافق عريض، لاحظ اسماعيل العلوي وجود تشابه في المقترحات التي تقدمت بها الأحزاب الديمقراطية والتقدمية بشأن مراجعة الدستور، ووصف فتح الله ولعلو هذا التلاقي ب «الأمر الطبيعي» المرتبط بالتراكمات التي عرفها هذا النقاش منذ عقود، في الوقت الذي يرى عبد الرحيم المصلوحي أن الخيار البرلماني أساسي في مسلسل الانتقال الديمقراطي بالمغرب، نافيا الحديث عن الاستثناء المغربي فيما يعيشه العالم العربي. وقال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، في افتتاح «منتديات ربيع الديمقراطية» التي أطلقها الحزب بتنظيم مشترك مع جريدتي «البيان» و»بيان اليوم « أول أمس بالرباط، إن النقاش المفتوح الذي يدشنه الحزب مع الفعاليات السياسية والمدنية والأكاديمية، يهدف تفسير مختلف المقترحات حول الإصلاح الدستوري وجعلها شأنا متداولا بين مختلف القوى الأساسية في المجتمع. واعتبر رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، إسماعيل العلوي، أن مبادرة الشباب المغربي الذي خرج إلى الشارع في 20 فبراير الماضي للمطالبة بالإصلاحات السياسية والدستورية كان لها الأثر الإيجابي حيث فكت العقدة التي كانت تهيمن على الحقل السياسي. وقال إسماعيل العلوي في مداخلته في فعاليات اللقاء الأول لمنتديات ربيع الديمقراطية التي ستلتئم كل يوم ثلاثاء بالرباط أو الدارالبيضاء، إن ما قام به هؤلاء الشباب هو جميل يجب أن نعترف لهم به»، مشيرا إلى أنه بعد هذا الحراك جاء الخطاب الملكي ل 9 مارس الذي وضع الملامح المباشرة التي جعلت كل الفاعلين يخوضون في نقاش المراجعة الدستورية بهدف دمقرطة الحقل السياسي وتوسيع مجال الحريات وكذا توسيع حقل الديمقراطية التمثيلية، مؤكدا على أن مطلب الحرية والديمقراطية مطلب كوني لا يقتصر على شعب دون سواه. وأكد العلوي على ضرورة إدراك ما حصل في الماضي لمعرفة ما يقع في الحاضر، مبرزا أن الإرادة في الإصلاح والاندراج في الحداثة ومسايرة العصر كانت راسخة لدى الشعب المغربي منذ بداية الاستقلال وبالتالي فمطلب الإصلاح الدستوري يندرج في سياق تاريخي حافل بالتراكمات، وعرج المتحدث في مداخلته على مجموعة من المحطات التاريخية التي تؤسس لهذا التراكم مشيرا إلى أنه بعد مرحلة المسلسل الديمقراطي الذي انطلق مع بداية السبعينيات انتهى مع مطلع تسعينيات القرن الماضي خاصة مع دستور سنة 1996 الذي سمح للمغرب بالدخول في مرحلة ما أطلق عليه حزب التقدم والاشتراكية مرحلة الحل الوسط التاريخي بين المؤسسة الملكية والقوى الوطنية والديمقراطية، وأن هذا التحول تزامن مع بداية عهد الملك محمد السادس حيث عرف هذا التحول توسيع مجال الحريات بالإضافة إلى مجموعة من المكاسب على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وبرز مطلب دستور جديد لعهد جديد، لكن يضيف إسماعيل العلوي أن المغرب سيدخل في مرحلة من التراجع والعودة إلى السلطوية ابتداء من سنة 2007 حيث لوحظ يقول المتحدث «العديد من الاختلالات والانحراف السلطوي الذي لا يمكن المجادلة فيه» تحت مصوغات محاربة الإرهاب التي توجت بإقرار قانون مكافحة الإرهاب الذي اعتبره قانونا قاتلا للحريات. وأفاد إسماعيل العلوي إن ورش الإصلاح الدستوري الذي ينخرط فيه حزب التقدم والاشتراكية يرتكز على مطلب توسيع حقل الديمقراطية التمثيلية من خلال الديمقراطية التفويضية التي تتم عبر الانتخابات الجماعية والبرلمانية وإعمال قاعدة المساءلة لجميع المسؤولين دون استثناء وفي مختلف المستويات وهو ما يتعين معه تغيير البنى التقليدية التي ظلت سائدة لعقود من الزمن. ولاحظ رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية وجود تشابه في المقترحات التي تقدمت بها الأحزاب الديمقراطية والتقدمية بشأن مراجعة الدستور، ووصف هذا التلاقي بين مقترحات هذه الأحزاب ب «الأمر الهام»، مبرزا أن مذكرة حزب التقدم والاشتراكية أكدت في ديباجة الدستور على دولة الحق والقانون واحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، كما أكدت على نظام الغرفتين مع إعطاء الأولوية للغرفة الأولى وتوسيع سلطة هذه الغرفة في مجال القانون بما يسمح بإمكانية تحويل نمط الدولة إلى نمط برلماني حيث تصبح السيادة للشعب عبر البرلمان الكفيل بمساءلة الحكومة المنبثقة عنه برئاسة وزير أول له حق تعيين الوزراء باتصال مع رئيس الدولة(الملك)، كما يقترح حزب التقدم والاشتراكية دسترة مجلس الحكومة وتوسيع صلاحياته في اتخاذ القرارات، وانتظام اجتماعات المجلس الوزاري الذي يزكي مقترحات المجلس الحكومي. وحسب إسماعيل العلوي، فإن مذكرة حزب التقدم والاشتراكية بخصوص المؤسسة الملكية تضمنت أن الملك له السلطة باعتباره أميرا للمؤمنين ورئيسا للدولة وممثلا أسمى لها ورمزا لوحدتها، يضمن استمرار الدولة والمؤسسات، واستقلال البلاد وحوزة التراب الوطني في حدوده الحقة، ويحرص على احترام المعاهدات، وصيانة حقوق الأفراد والجماعات والأقليات، ويضطلع بمهام التوجيه والتحكيم، ويسهر على الاختيارات الكبرى للبلاد. وشدد على ضرورة إعمال المساواة بين الفاعلين في الحقل الاقتصادي والقضاء على اقتصاد الريع، ارتباط بما تضمنته المذكرة من مقترحات ذات الصلة بالحقوق الاقتصادية. مبرزا أن هناك مدخلين رئيسيين إضافيين للإصلاح الدستوري، الأول وهو أساسي وحاسم، يتمثل في ضرورة الارتقاء بروح المواطنة حتى لا تبقى الحكامة عرجاء، وهذا يقتضي التخلي عن الفساد وسوء التدبير من طرف كل من يسهر على تدبير الشأن العام، والثاني الذي لا يقل عنه أهمية يتعلق برص الصف الديمقراطي التقدمي من أجل دعم وتقوية الإصلاح. من جانبه اعتبر الكاتب الأول بالنيابة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فتح الله ولعو، أن وجود نقط الالتقاء في مقترحات الأحزاب الديمقراطية أمر طبعي، ومرتبط بالتراكمات التي عرفها هذا النقاش منذ عقود. وذكر ولعلو بعودة النقاش السياسي الذي عرف تراجعا في السنوات الأخيرة، رغم أن المغرب عرف تطورا لا بأس به في المجال الاقتصادي والاجتماعي، لكنه ظل متأخرا من الناحية السياسية، مبرزا إيجابية هذه المرحلة التي أعادت الاعتبار للسياسية وللأحزاب السياسية. وأوضح ولعلو أن الاقتراحات التي تقدم بها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في شأن الإصلاح الدستوري تروم خلق منظومة دستورية جديدة وإقامة ملكية برلمانية وبناء الدولة الديمقراطية. وقال «إن من شأن هذا الإصلاح الذي ننشده جميعا أن يدفع إلى بروز ثقافة جديدة: ثقافة المواطنة وثقافة الحكامة الديمقراطية» موضحا أن الإصلاح الدستوري والسياسي في هذه المرحلة يعطي للبلاد نفسا جديدا لجيل جديد من الإصلاحات الذي سيعيد المصداقية للمؤسسات المنتخبة وللحكومة التي فقدت الكثير من مصداقيتها في علاقتها مع المواطن. واعتبر الكاتب الأول بالنيابة للاتحاد الاشتراكي أن ما يحدث الآن هو ناتج عن تداخل مسارين، الأول دام أزيد من 50 سنة، والثاني بدأ منذ حوالي ثلاثة أشهر. وأشار إلى أن المسار الأول الذي انطلق منذ بداية الاستقلال كان يرتكز على ماهية الدولة المراد بناؤها قبل أن تحدث القطيعة مع نهاية الستينات وبداية سبعينيات القرن الماضي، وهو ما أدى، بحسبه، إلى «تأخر البلاد في كثير من الأشياء، وأدى أيضا إلى تغليب ثقافة القمع على ثقافة الحوار والديمقراطية. ومع منتصف السبعينات ساهمت قضية الصحراء المغربية في طرح المطلب الديمقراطي» وهو ما حدا بالمؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى إضافة الخيار الديمقراطي إلى خياري التحرير والاشتراكية. وخلال هذه الفترة يضيف، دخلت القوى الديمقراطية والتقدمية إلى المؤسسات المنتخبة رغم ما عرفته من تزوير وخلق لأحزاب إدارية وهو ما خلق نوعا من الضبابية في النضال الديمقراطي. وذكر فتح الله ولعو أن ميلاد الكتلة الديمقراطية أعطى نفسا جديدا للنقاش السياسي الذي هم الإصلاح الدستوري والسياسي والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين، مشيرا إلى أن هذه المرحلة ساهمت في بناء هذه التراكمات التي أدت إلى مجيء حكومة التناوب التوافقي التي شرعت في أجرأة العديد من الإصلاحات التي كانت لها أهميتها سواء في مجال حقوق المرأة أو الأمازيغية، بالإضافة إلى المجالات الأخرى المرتبطة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية، إلى أن حصل ما وصفه بالتراجع عن المنهجية الديمقراطية سنة 2002 وأنه منذ ذلك الوقت دخل المغرب في مرحلة التراجع في الحقل السياسي. وقبل أن يعرض الملامح التي تميز المسار الثاني الذي انطلق مع صحوة العالم العربي، ذكر فتح الله ولعلو بالمذكرة التي بعث بها حزبه إلى الملك حول الإصلاح الدستوري سنة 2008. مفيدا أن ما يحدث في الوطن العربي هو مرتبط بواقع ديمغرافي حيث أن 50% من ساكنة الوطن العربي هي أقل من 30 سنة، و35% تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 35 سنة، مشيرا إلى أن هذا الجيل من الشباب نما في ظل وعي بالتناقضات التي تعرفها هذه البلدان خاصة تونس ومصر حيث سيطرة الاستبداد السياسي والاقتصادي وتفاقم الفوارق الاجتماعية وفي المقابل يعيش العالم في ظل تطور تكنولوجي مضطرد. وأفاد ولعلو أن الرهان الآن في الدول التي عرفت هذا الحراك السياسي والاجتماعي هو خلق الوسائط الأساسية من أجل ضمان التطور الديمقراطي والسياسي، حيث العمل الآن في كل من تونس ومصر يقوم على تأسيس الأحزاب السياسية، لكن المغرب يتوفر على هذه الوسائط وأن المطلوب هو إعادة الاعتبار للأحزاب السياسية وللعمل السياسي مبرزا أن المغرب انخرط في هذه الدينامية من منطق الإصلاح وليس من منطق التغيير نتيجة التراكمات التي تحققت على مدى سنوات. وحول مقترحات حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بخصوص مشروع الإصلاح الدستوري، قال ولعلو إن الإصلاح الدستوري يجب أن يرتبط بإصلاحات سياسية، مشيرا إلى أن الخطوط العريضة للمذكرة التي قدمها الحزب إلى اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، تؤكد على ضرورة التنصيص على سمو الدستور، مبرزا أن المؤسسات الدستورية تمارس وظائفها احتراما لمقتضياته، وانطلاقا من مبدأ فصل السلط وربط السلطة بالمسؤولية. وبخصوص المؤسسة الملكية، أكد الحزب، أن «الملك هو الضامن لاستقلال البلاد، ووحدتها الترابية ولاحترام الاتفاقيات والعهود الدولية، وهو يجسد وحدة واستمرارية الأمة ومؤسساتها»، معتبرا أن الملك يمارس بصفته أميرا للمؤمنين الإشراف على تدبير وتنظيم الحقل الديني ويضمن صيانة حقوق المواطنين والجماعات والهيئات في ممارسة شؤونها الدينية. مشددا على أن الوزير الأول يجب أن يصبح هو المسؤول الأول أمام الشعب وأمام البرلمان. وبخصوص البرلمان قال ولعلو إن مطالب مذكرة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تتضمن التنصيص على أن مجلس النواب هو الذي يجب أن يعكس إرادة الشعب، ويتوجب عليه أن يلعب الدور الرئيسي في التشريع. ولم تدع مذكرة الحزب إلى إلغاء الغرفة الثانية بالبرلمان، بل طالبت بالإبقاء عليها، لتعكس تمثيلية النخب المحلية والجهوية، على أن يخصص لها نصف الوقت الممنوح للغرفة الأولى في مجال مناقشة المشاريع. وخلص الكاتب الأول بالنيابة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى أن الدستور في آخر المطاف أداة لترسيخ العدالة والمساواة والمصلحة العامة، في إطار فصل حقيقي للسلط. مستطردا أن الدستور يتضمن نص وقراءة النص وتطبيقه، معتبرا أن الرهان الأساسي في مغرب اليوم هو النجاح في كل هذه الجوانب الثلاثة. وأشار إلى أن القراءة الجيدة للنص الدستوري وتطبيقه الجيد يقتضي بالضرورة مصاحبته بإصلاح سياسي شامل وحقيقي، سواء على مستوى التشريعات القانونية أو على مستوى قانون الأحزاب السياسية، وأيضا على مستوى إصلاح مدونة الانتخابات، من أجل محاربة الفساد وتخليق الحياة العامة، واحترام الأحزاب السياسية. وفي نظر الكاتب الأول بالنيابة للاتحاد الاشتراكي، فإن الحزب السياسي هو الذي يحمل مشروعا مجتمعيا، على أساس التعاقد مع المواطنين، وهو ما يعني التغلب على ما أسماه «ثقافة الانتهازية» لصالح «ثقافة المشروع». وهذا يتطلب بالطبع تأهيل الحياة السياسية، وإعادة الاعتبار لها. وبالتالي تقوية موقع الأحزاب السياسية، باعتبارها تشكل الوساطة الأساسية من أجل ضمان التطور الديمقراطي والسياسي. ودعا ولعلو إلى خلق جدلية جديدة بين الأجيال الشبابية التي تحتاج للمصاحبة والمواكبة، وبين الأجيال التي راكمت النضال الديمقراطي، بمعنى خلق التقارب بين طموحات الشباب والأجيال الصاعدة ونتائج التراكمات الديمقراطية بالمغرب، انطلاقا من أن الإطار العام للإصلاح الدستوري بالمغرب يحدده مساران يهمان تراكمات النضال الديمقراطي في تاريخ المغرب، والصحوة التي يشهدها العالم العربي اليوم والداعية إلى الإصلاح. ووصف فتح الله ولعلو حركة الشباب بأنها «تعكس جانبا مشرقا» لا بد من التصفيق له، وتستدعي مصاحبة هؤلاء الشباب في تطورهم إلى مرحلة النضج، وتشجيعهم. واعتبر الباحث الجامعي والكاتب العام للجمعية المغربية للعلوم السياسية، عبد الرحيم المصلوحي، أن مثل هذا النقاش كان سيكون مجديا لو انطلق قبل تقديم الأحزاب السياسية لمذكراتها إلى اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور، غير أنه التمس عذرا للأحزاب وألقى اللوم على اللجنة التي لم تمنحها ما يكفي من الوقت لذلك. وصنف المصلوحي ما يعيشه المغرب في الوقت الراهن على غرار العديد من دول منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط ضمن ما يصطلح عليه لدى خبراء الانتقال الديمقراطي ب «الموجة الرابعة»، ومع ذلك يقول إن الأمر يقتضي مراجعة أطروحات هؤلاء الخبراء من ناحية التنميط. فإذا كان خبراء الانتقال الديمقراطي يضعان معيارين أساسيين لكل انتقال ديمقراطي، يتعلق الأول بالجاهزية الثقافية للمجتمع، والثاني بالجاهزية السياسية للنخب، فإن حركة 20 فبراير، بحسبه، دحضت الحجة الأولى، بينما كرس الخطاب الملكي ليوم 9 مارس الجاهزية السياسية للنخب. وقال المصلوحي إنه بالرغم من أن الخطاب الملكي لم ينطق صراحة ب «الملكية البرلمانية» ولكن نلمس فيه التوجه إلى الخيار البرلماني الذي يعد ضروريا وأساسيا في مسلسل الانتقال الديمقراطي، مشيرا إلى أن هذا الخيار لا يدعو إلى فصل السلط، بل إلى تداخلها. وعاتب المصلوحي النخب المغربية على أنها لم تتبع أجندة الانتقال الديمقراطي في مراحلها كما هي متعارف عليها، القائمة أولا على مرحلة الانفتاح الاقتصادي والسياسي، ثم مرحلة التأسيس من خلال تبني دستور جديد، وتنظيم انتخابات تقطع مع سابقاتها، ثم أخيرا مرحلة التثبيت، وشدد على أن أجندة الانتقال لم تحترم هذا الترتيب، ذلك ما جعل التكلفة الزمنية للانتقال الديمقراطي في المغرب تكون باهظة وضيعت عليه حوالي عقد ونصف من الزمن في مسار بنائه الديمقراطي على خلاف ما عرفته إسبانيا مثلا. ونفى الكاتب العام للجمعية المغربية للعلوم السياسية أن يشكل المغرب استثناء فيما يعرفه العالم العربي من أحداث، وقال إن الحديث عن الاستثناء المغربي سيكون من باب الضحك على الذقون، بينما يمكن الحديث في هذا الإطار عن الخصوصية المغربية، التي تميزت بتنظيم مسيرات سلمية لم تشهد تدخلا عنيفا، على عكس ما تعرفه بلدان المنطقة. وأبرز عبد الرحيم المصلوحي أن الخطاب الملكي لتاسع مارس الماضي بكونه فتح مسلسل الانتقال الحقيقي إلى الديمقراطية، إلا أنه لم يضع سقفا للإصلاح، بل اكتفى بتحديد المحاور الأساسية للمراجعة الدستورية، في الوقت الذي وضعت فيه الأحزاب السياسية نفسها سقفا لهذا الإصلاح. غير أنه يمكن تلمس الأعذار وظروف التخفيف لها. وشدد على أن الفرصة أصبحت سانحة لتعميق الخيار الديمقراطي بالمغرب الذي يعتبر ثابتا من الثوابت الوطنية، كما ورد في الخطاب الملكي الأخير. ودعا إلى التفصيل أكثر في الوثيقة الدستورية المقبلة وعدم الاكتفاء بالتنصيص على المباديء، لقطع الطريق أمام ما أسماه «سلطة التأويل والتفسير». ويرى الباحث في العلوم السياسية ضرورة الإبقاء على الغرفة الثانية في البرلمان، شريطة أن تنبثق نخبها عن طريق الاقتراع العام المباشر، وأن لا تنافس الغرفة الأولى في صلاحيات التشريع والمراقبة. وقال المصلوحي إن الفصل 19 من الدستور، باعتباره أثار كثيرا من الجدل الفقهي والسياسي، فإن هذا الفصل في نظره لا يمنح للملك صلاحيات واسعة، وأن دساتر دول عريقة في الديمقراطية تتضمن ما يضاهي ما هو منصوص عليه في هذا الفصل. وشدد على ضرورة أن يواكب الإصلاح الدستوري إصلاح سياسي عميق يرتكز على تأهيل الأحزاب السياسية باعتبارها هيئات وسيطة، وضرورة ملحة في أي انتقال ديمقراطي، لأن الديمقراطية بدون هذه الهيئات الوسيطة تعتبر ديمقراطية غير حقيقية. وخلص المصلوحي إلى القول بأن مسلسل تبخيس العمل السياسي والحزبي بالمغرب انطلق منذ سنة 2002، وهو الذي قاد المغرب لأن يعرف عزوفا عن الانتخابات وعن العمل السياسي ككل وانتشارا كبيرا لانعدام الثقة في المؤسسات.