المغاربة و التعدد المذهبي !! حين يكتشف المغاربة أنهم كانوا شيعة وخوارج قبل أن يصبحوا مالكيين !! عندما كنت أبحث عن جريدة يومية خصصت ملفها الأسبوعي لمقاربة موضوع "التشيع" في المجتمع المغربي، يومي السبت و الأحد 1-2 مارس2008، والذي وجدته عند بقال "ملتحي" يبدو لأول وهلة أنه ينتمي إلى تيارمن تيارات السلفية الجهادية المنتشرة في المغرب بكثرة. ولحسن الحظ عثرت على النسخة الوحيدة المتبقية، وفي اللحظة التي سلم لي إياها، علق على العنوان البارز على الصفحة الأولى، وبعدئذ دخلت معه في فدلكة قصيرة حول الشيعة، حيث اكتشفت لديه إرادة قوية وشراهة متناهية في الحديث عن هذا الموضوع، وسألته عن موقفه حول موضوع الشيعة، وأجاب في رمشة عين على "أن عقيدتهم فاسدة"، واسترسل البقال في هجومه على الشيعة وذكر بعض مواقفهم "غير الايجابية" حول الصحابة وعرج بسرعة على مساوئهم وعلى اختلافاتهم مع السنة ، وأدهشني ما يخرج من فوه صاحبنا، وأنا أتأمل في سوداوية وظلامية لحيته الطويلة، وعندما أبديت اختلافي معه، وبدأت اشرح له بعض الأمور التاريخية ومدى ارتكاز الدين الإسلامي على الاختلاف،،، أوقفني بسرعة، وقال لي ربما أنت معجب ومنجذب بحماسة الشيعة، وذلك ما جعلك تقتني الجريدة و تدافع عنهم، وأكدت له عكس ذلك وصارحته على أني متحمس ومنجذب فعلا، لكن، نحو المعرفة والاطلاع وليس شيء آخر دون ذلك، وقبل أن انصرف سألته إن كان له مستوى دراسي، سيما وان الرجل يناقش و يستعمل مفاهيم ثقيلة جدا، وصرح لي على أن مستواه الدراسي لم يتجاوز الابتدائي. وبمجرد ما ودعت الرجل، تناسلت و تبادرت إلى ذهني العديد من الأسئلة حول الأسباب التي جعلت محاوري يشن حربا كلامية على الشيعة، وهو لا يدري أية معلومة عن تاريخ الإسلام، ولا يعرف إلا ما يهمه وفق مذهبه وإيديولوجيته الضيقة، انه وأمثاله يمتلكون بنية ذهنية منغلقة، إلى حد انه يصعب على الآخر الذي يختلف معه في الرأي إبداء مواقفه. وان كان الصراع التاريخي بين السنة و الشيعة معقد ومتشابك، وهو تاريخ السيف و الدماء و الحروب بامتياز، فإن الاختلاف وحرية الاعتقاد أمور أقرها الإسلام، بل صادق عليها الرسول حينما دخل إلى المدينة لأول مرة وجعلها أساس دعوته. لن ندخل في نقاش نظري حول مبدأ الاختلاف في الدين الإسلامي خاصة في مصادره الأساسية الكتاب و السنة، مادام باب التأويل مفتوحا على مصراعيه، كل واحد يفهم الأمور حسب أهدافه و خلفيته، وما يكرس الأزمة و يعمق حدتها، هو انغلاق باب الاجتهاد الذي قفل منذ قرون. الأمر الذي جعل التراث الإسلامي يعاني الركود و الجمود والسكون. لكن ما نود الإشارة إليه في هذا الإطار هو الاختلاف المذهبي في المغرب، وهو نقاش ساهمت الأحداث التي هيمنت على المشهدين السياسي والإعلامي في الأسابيع القليلة الماضية في إثارته من جديد، وأصبح الحديث عن حضور المذهب الشيعي في المغرب، وتناسلت أرقام، ونسب لتقييم التواجد نسبة المغاربة الشيعة سواء في داخل البلاد أو في أوساط المهاجرين في أوروبا بالأساس. وهذا ما وضع فكرة وحدة المذهب المالكي عند المغاربة في الميزان، خاصة وأن الشيعة معروفون بالتقية في الأوساط التي يشكلون فيها الأقلية، فبغض النظر عن وجودهم أو عدمه فان المشكل يكمن في طبيعة التعامل مع هذا الاختلاف في بيئة كالتي يعيش المجتمع المغربي في ظلها، وهل توجد قدرة و استعداد لدى جميع مكونات هذا المجتمع في تدبير هذا الاختلاف؟ إن المتتبع للتحولات التي يشهدها المجتمع المغربي على غرار باقي البلدان التي تنتمي إلى العالم الإسلامي، يقف بدون عناء على التقلص الكبير الذي تتعرض له مساحة التسامح في كنف هذه المجتمعات المسلمة، وانتشار خطابات تكفر الآخر و تعتبر كل من لا ينتمي إلى منظومتها مارق ومارد ولقيط، فالتطرف سواء كان سنيا أو شيعيا، قد انتعش وتغلغل في مناخ سياسي عام، يتميز في كل البلدان الإسلامية، بفعل فساد الأنظمة أولا، وضعفها في إيجاد حلول ناجعة و معقولة ثانيا لمشاكل اجتماعية اقتصادية، لمجتمعات شهدت نموا ديموغرافيا متسارعا، أدى إلى اتساع موقع الشباب في هرمها السكاني. ومن الطبيعي جدا أن يبحث المرء عن خلاص، وليس بالضرورة أن يكون على شكل مادي ملموس، بقد رما يمكن أن يكون حلا نفسيا أو معنويا، على الأقل أن يضفي نوعا من الارتياح و الاطمئنان اللذان تحتاج إليهما كل نفس ضائقة و متأزمة. وفي هذا السياق تدخل على الخط كل الخطابات الدينية التي ترفع شعار التغيير والمواجهة عن طريق الجهاد، وما يساعد هذه التيارات في تقوية عضلاتها،ويكون لها وبسرعة كبيرة إشعاعا دوليا، هو التواجد الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، والتدخل الامركي في العراق، الذي أنعش بشكل ملفت للانتباه الحركات الدينية المسلحة و شرعن فعلها الجهادي. وراحت هذه التيارات تستقطب أفواجا هائلة من المتعاطفين من مختلف بقاع المعمور، الذين يتحولون مباشرة إلى جنود ومجاهدين. لكن في ظل هذه الجبهة المقاومة لأمريكا و إسرائيل، هناك تسابق حاد وقوي، بين القطب الشيعي الذي يمثله بالأساس "حزب الله" ودولة إيران طبعا، و القطب السني في شخص القاعدة، فهذا التسابق يلقي بضلاله في جميع مناطق العالم التي يتواجد فيها المسلمون، وقد ساهمت "انتصارات" زعيم حزب الله "حسن نصر الله"، وخطاباته المجيشة للعواطف التي تنقلها الفضائيات العربية بالصوت والصورة، في استمالة الآلاف من الناس في جميع البلدان، وخلق حزب الله وزعيمه شهرة واسعة لدى الجماهير. وما تقوم به القاعدة في العالم، خاصة في "بلاد الكفر" من أشكال العنف و الدمار. فهذان التنظيمان المسلحان، لا يوجهان سهامهما فقط نحو أمريكا و اسرايل فحسب، فأعينهم مركزة كذلك على البلدان الإسلامية أكثر من موقع آخر، وبالتالي فهي تسعى إلى خلق شبكات موازية لها في جل المناطق الإستراتيجية في العالم استعدادا إما للإمامة أو الخلافة. ومن بينها فعلا، منطقة المغرب الكبير، فهذه المنطقة التي استقبلت الإسلام بطرق عنيفة بواسطة السيف والحرب، حيث شهدت أطول مدة استغرقتها ما يسمى"بالفتوحات الإسلامية" في تاريخها، تدري جيدا (المنطقة) مدى شدة وقع وعمق جرح الحروب الدينية، لذلك كرست مدة طويلة لإيجاد صيغة لتوحيد المذهب، بعد ما نزحت الدولة الفاطمية إلى مصر، وعملية التوحيد هذه لم تكن سهلة، فالدولة المرابطية المعروفة بحرارة إيمانها، قد قتلت وشطبت على الخريطة ملامح الديانة البورغواطية، ودفعت الخوارج نحو الثخوم البعيدة. لكن آثار تلك المذاهب لازال مستمرا، وواضحا في أشكال تدين المغاربة، وفي تصرفاتهم اليومية العادية. فحتى عندما استقر الفاطميون الشيعة في مصر الذين انطلقوا من المغرب، انتقموا منه، وأرسلوا إليه القبائل البدوية التي، سارعت إليه بالخراب و الانهيار والانحطاط. فقد كان المغرب الكبير على امتداد تاريخه الطويل وعاءا يستقبل جميع الأفكار و التيارات و المذاهب بفعل الدينامية الفكرية و الثقافية التي عرفتها المنطقة باحتكاكها مع المشرق و الاندلس و إفريقيا جنوب الصحراء، كما أن المنطقة أنتجت نخبا إسلامية ذات وزن ثقيل أبدعت و ابتكرت فكرا عقلانيا و نسبيا مازال يفرض نفسه في وقتنا الراهن،(ابن رشد الجد، و الحفيد مثلا). وأمام هذه المشاهد الإعلامية المتكررة بشكل يومي و التي تنقل الحروب و أشكال المقاومة المختلفة في العراق و فلسطين ولبنان، فمن المستحيل أن لا يكون لما تتناقله هذه الفضائيات العربية، من انجازات حزب الله، تصريحات أحمدي نجاد، و"جهاد" القاعدة، ، تداعيات وإفرازات، على المجتمع المغربي. فكل حركة سيكون لها متعاطفين ومتحمسين، وكل زعيم سيخلق لنفسه معجبين وأتباع. فالسؤال المطروح، هو كيف يستطيع المغاربة تدبير اختلافهم المذهبي – الديني؟ في بلد يبتعد عن إسرائيل و عن الشرق الأوسط، بآلاف الكيلومترات،باعتبارها منطقة مركز و محور الصراع السني- الشيعي. فالواضح أن أغلب المغاربة وحتى المتعلمين منهم يعانون من نقص حاد و فظيع، في خبايا الصراع المذهبي وحقيقته في تاريخ الإسلام، فالتعليم ووسائل الإعلام تتجاهلان بصفة قطعية هذه القضايا، فمعرفة الشئ و الاطلاع عليه، أفضل من جهله وتجاهله، ويصبح اكتشافه يوما إما طابوها محرما، أو محبوبا، وفي غالب الأحيان يحصل الثاني. فصحيح، أن الإنسان المغربي البسيط لا يبالي كثيرا بهذه الاختلافات المذهبية الموجودة في الإسلام، وان كانت الدولة و أجهزتها يراقبون المد الشيعي في المغرب بدقة متناهية، لأسباب سياسية معروفة، فإن تيارات ما يسمى "بأهل السنة و ا لجماعة" التي تتلقى في جلسات الوعظ و الإرشاد، جرعات إيديولوجية لإنتاج عقليات دوغمائية، مؤسسة على حقد الآخر، المتموقع خارج - منظومة الجماعة، يبدو أنها غير مستعدة لقبول بالتعدد المذهبي. والحاصل، أن التطرف الديني بكل أنواعه، المعلن و المضمر، ينتشر و يمتد في المجتمع المغربي، مستفيدا من الانفجار الحاصل في تكنولوجية الاتصال السمعي البصري، وانفجار الأزمات الحادة الاقتصادية و الاجتماعية، وتفشي ظاهرة النفاق السياسي لدى الحكام و المسئولين. فعلى المغاربة أن يدركوا أنهم كانوا شيعة و خوارج، بل أبدعوا في ديانة- برغواطة- في ظل الدين الإسلامي، وارتدوا لمرات عديدة، لسبب وحيد وبسيط، لأنهم يمقتون العنف و والتطرف الديني وما يواكبه من حروب واقتتال. وبعد حصيلة و إفرازات لقرون من الزمن، استقر المغاربة على دين إسلامي بسيط و ممزوج بكل الألوان، فاستمر العرف و انتعشت البركة، وكثرت الزيارة للأولياء و المزارات، في أجواء من السلم الذي و الإيمان بروح الاختلاف، إلى أن طلعت على المغرب و المغاربة من الشرق في القرن التاسع عشر أفكار الوهابية و تبعتها السلفية في العشرين، وهل من مزيد؟؟؟. ربما يندهش المرء اليوم عندما يسمع أن أغلبية المغاربة إلى القرن التاسع عشر لا يقومون بصيام شهر رمضان، ولكن لا أحد يستطيع أن يشك في إسلامهم، و الدفاع عنه، فأمور كثيرة كانت تمارسها القبائل المغربية بالرغم من أنها لا تتماشى مع الإسلام بل يعارضها، ولكنها تتزعم عمليات الجهاد ضد الاحتلال المسيحي للشواطئ المغربية، وتضحي برجالها ونسائها، في وقت يكتفي فيه العلماء و رجال الدين – الفقهاء- بكتابة السجوع و أبواب حول فريضة الجهاد، في مجتمع يعيش في أمية و جهل ليس لهما مثيل. يتحمل المثقف المغربي – المتنور- اليوم مسؤولية كبيرة في ما وصل إليه الفكر المنفتح و النسبي من درجات متدنية في هذا البلد، في وقت تنتشر فيه الكتب الدينية - ذات خطاب متطرف وحماسي- الرخيصة في كل مكان، تنعدم الكتب الرزينة التي تدعو إلى الفكر الحر و السجال الفكري و فق مقاربات وتحليلات تنهل من مختلف العلوم الإنسانية و الفلسفية و العقلية. يا لها من مصيبة أصابت مجتمعاتنا المتخلفة، ففي الوقت الذي تستثمر فيها وسائل الإعلام و الاتصال الحديثة في أوروبا و أمريكا، لنشر الأفكار العقلية المتنورة لمواكبة التطور التكنولوجي العالمي السريع وفتح نقاشات عقلانية حول ما يعرفه هذا الأخير من تحولات، راح البعض يستعملها في نشر فتاوى و فكر القرن الأول الهجري، باعتباره فكرا صالحا لكل زمان و مكان. ""