قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : المرء عدو ما يجهل ؟ لقد كثر الحديث مؤخرا في وسائل الإعلام عن الخطر الشيعي الذي أصبح يهدد المغرب ، إذ الكل يبدي قلقا و خوفا من التشيع ، و من الإقبال المتزايد على الإلتزام بالمذهب الإثني عشري من قبل بعض المغاربة سواء المقيمين في الخارج ، أو حتى من المقيمين داخل المغرب ، لدرجة أن بعض هؤلاء المهولين لم يتوانى عن إستعداء الدولة لإنزال سيف الملاحقات الأمنية ، و المتابعات القضائية في حق كل من تشيع تحت ذريعة الخروج عن الإجماع و الجماعة ؛ أما البعض فقد إنكب على الإرث التاريخي المشحون بالخلافات و الصراعات بين الشيعة و " السنة " ، و التي أجج نارها مكر الساسة و السياسة بتواطئ كثير من علماء البلاط و " ديدن القراء " ؛ في الوقت الذي لا نكاد نسمع لهؤلاء حسا و لا ركزا حينما يتعلق الأمر بهذا التمسيخ الذي بحق أصبح يستهدف بعمق المغرب ، و ينذر بكارثة لا قدر الله قد لا تبقي و لا تذر ؟ بل و أين هؤلاء من التنصير الذي بدأ يسري داخل كيان هذا البلد المسلم بكل هدوء كسيران السم في الجسم ؟!0 إلا أن هذه الخرجات الإعلامية مع قليل من الملاحظة عن ظرفيتها و زمانيتها نجدها تتناغم و الآلة الدعائية التي تشنها قوى الإستكبار العالمي بزعامة الصهيونية الأمريكية على دولة إيران من خلال تسخين الرأي العالمي بالملف النووي ؛ خاصة و أن دولة إيران تدعي أنها " حامية " و " راعية " للشيعة في العالم ، حتى أصبح هؤلاء أبواقا و رجع صدى لأي تجشئ للآلة الدعائية لقوى الإستكبار ، و التي إستطاعت فعلا إحداث شرخ في الجسم الإسلامي بإحياء التعنصر المذهبي ، و الطائفية البغيضة ، خاصة مع قيام أنظمة عربية موالية لهذه القوى تدعي "حماية السنة " بتبني هذا التعنصر المذهبي و تغذيته " بحراس العقيدة " لشن حرب دعائية بالوكالة على دولة إيران " حامية " الشيعة ، و بالتالي على الشيعة و التشيع ، و إستبدال العداء للكيان الصهيوني الغاصب بدولة إيران 0 وعليه ؛ إن حدة الصراع بين الشيعة و " السنة " رهين بطبيعة العلاقة بين هذه الأنظمة الموالية و على رأسها النظام السعودي ، و دولة إيران ؛ فكلما كان الصراع على أشده بينهما ، و الذي تحركه ، طبعا ، أيادي خفية إلا و ترجم ذلك فورا على أرض الواقع ، على شكل فتاوى و نبش في مزبلة التاريخ ، لإستخراج ما تم إماتته و إقباره و النفخ فيه ، و لهذا فالصراع بين الشيعة و " السنة " في الحقيقة صراع سياسي يلبس ثوب المذهبية و الطائفية ، و أن ما تمثله دولة إيران بالنسبة للشيعة في العالم و ما تقدمه من دعم و محاولة إيجاد موالين يدافعون عن التوجه الإيراني ، يوازي ما تمثله دولة السعودية بالنسبة " للسنة " خاصة التيار السلفي الوهابي ،إذا كانت دولة السعودية أرض الحرمين و مهبط الوحي ، و المسلمون في جميع بقاع العالم يتوجهون إليها خمس مرات قبلة للصلاة ، فهذا لا يعني أنها التطبيق الأنموذجي والأمثل للإسلام ؛ و كذلك الأمر بالنسبة لدولة إيران ، و إن كانت عقيدتها شيعية ، وتحاول تسويق نفسها " بحراسة " الشيعة و التشيع ، فهذا لا يعني أنها التطبيق الأمثل للمذهب الشيعي ، مذهب آل البيت عليهم السلام 0 ولهذا فإن العنوان المشار إليه أعلاه :" نحو تشيع مغربي ؛ أرضية للنقاش " قد يحمل إشكالا معقدا مفاده أن ليس هناك تشيعا واحدا ، و إنما تشيعا متعددا ، و هذا الإشكال إلى حد ما كائن ، و ذلك نتيجة تعدد القراءأت و الإجتهادات و خصوصية كل بلد ، إلا أنه إذا أمعننا النظر ، و رجعنا الى المصادر المؤسسة لمدرسة آل البيت عليهم السلام المتمثلة في وعي وسلوك الأئمة عليهم السلام يجد أن التشيع واحد كما الإسلام واحد ، يروم تحقيق المشروع التوحيدي الذي سعى الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله وسلم و الأئمة سلام الله عليهم بدءأ بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و الذي يسع لعامة المسلمين و غير المسلمين ، أي جعلهم كتلة متساوية في الحقوق و الواجبات ، فالناس ( إما أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق ) ، إلا أن مكر الساسة و السياسة و بتواطئ علماء البلاط أوجد حالة من اللبس و الضبابية ، و أشاع جوا من عدم الثقة و القلق حتى أصبح التشيع ينظر إليه على أساس أنه دخيل و تهمة و زندقة 0 ولهذا فالمتوخى من هذه المقالة ، طرح موضوع الشيعة و التشيع في المغرب للنقاش العام ، و ذلك لما لهذا الموضوع من حساسية سواء من جهة الدولة التي تسعى الى خنق الشعب في إطار فكري واحد و أوحد ، ألا و هو مذهب ( مالك بن أنس ) ، رغم أن فرض المذهب المالكي يتناقض مع موقف (مالك) نفسه ، لما إمتنع على موافقة الخليفة جعفر المنصور على إلزام الناس بتقليد مذهبه ، و فرضه بقوة السلطان ؛ أو من جهة الحركة الإسلامية ، و خاصة التيار السلفي الوهابي ؛ بل وحتى من عامة الناس ، فالتشيع دائما ينظر إليه على أساس أنه إلحاد في الدين و زندقة ، الشيء الذي دفع بكثير ممن إختار التشيع مذهبا للتعبد إلى ممارسة التقية و التستر رغم أن التقية مبدأ إسلامي محض مما زاد في خلق جو من التوتر و الريبة و سوء الفهم ، خاصة و أن أغلب ما كتب عن التشيع و الشيعة من جانب مدرسة ( السنة و الجماعة ) بزعامة التيار السلفي الوهابي كانت كتابات أيديولوجية متشنجة يغلب عليها طابع الإنفعال و الذاتية و الإستعلاء و التجريح ، إن لم نقل الدس و الإفتراء ، حتى أن المطلع على هذه الكتابات إن لم يكن على معرفة مسبقة بالسياق التاريخي لمسار المذاهب و الفرق الإسلامية ، و ملابسات النشأة ، و ما صاحبها من مؤامرة الحكام ، و تواطئ علماء البلاط ، ليحكم على التشيع بالكفر و الزندقة و الإلحاد 0 ولرفع هذا اللبس و إشاعة جو الإطمئنان ، و الأمن لابأس من تقرير أمرين لا بد من الإشارة إليهما قبل كل شيء : 1 لا أعتقد أننا سنختلف ، إذا قلنا لكي نعرف عقائد مذهب ما ، أو تقييمه ، لا بد من الرجوع إلى الكتب المعتبرة عند أهل هذا المذهب ، فلا يعقل الإعتماد على ما يكتب أو يقال خاصة إذا كان من خارج المذهب ، لأن هناك إحتمالات عدة أن يكون ما يكتب أو يقال عن جهل و تطفل ، أو عن حقد و تحامل ، أو خيانة و تحايل ، و بالتالي يكون الهدف مزيدا من الفرقة و تحريف الواقع و التشهير ، كما لا يصح الإعتماد على أقوال واحد من أبناء المذهب ، إذا لم تجتمع كلمة المذهب على الثقة بمعرفته و علمه و موافقته ذلك للعقل و الدين ، كما لا أعتقد أنه يصح الإعتماد على العادات و التقاليد المتبعة عند العوام ، و إعتبارها المقياس ، إذ الكثير من تلك العادات و التقاليد يأباها الذوق قبل العقل و الدين ، و لهذا يجب التأكيد على أن أي موقف سواء من الأحداث ، أو من الأشخاص ، إنما يجب أن ينبع و بشكل دائم من القواعد الشرعية و النصوص القرآنية و النبوية ، و ما خالف القرآن الكريم و السنة المطهرة نضرب به عرض الحائط ، و لو كان صادرا من أية جهة مهما كانت مرتبة أو علم أو وزن أو مكانة هذه الجهة 0 2 إن الإعتقاد و الإيمان من الأمور القلبية التي لا يحكم فيها الإكراه و الإجبار ، وإنما يحكم فيها الإقناع و الإختيار ، بحيث لا يمكن فرض أي عقيدة أو مذهب على الآخرين بالقوة و الإكراه إطلاقا ، و أن محاولة خنق الناس في إطار فكري أو فقهي بعينه يتنافى مع أبسط القيم و المبادئ الإنسانية ؛ لأن حرية الإعتقاد و الإيمان مكفولان في ديننا الإسلامي 0 ومتى إتفقنا على هذين الأمرين و الإقرار بهما نكون قد خطونا الخطوة الأولى ، و الصحيحة نحو وعي التمذهب ، و سلوك الإلتزام الحق بعيدا عن التعنصر و التطرف و الغلو 0 التمذهب : إن أكثر الناس تعصبا لمذهب ما ، أبعدهم عن التدين ، فالشخص المتعصب تنغلق نفسه على ما آمن به ، و بالتالي تكون نفسه مبتعدة عن كل ما لا يعتقده ، فلا يرى الحق إلا معه ، لا مع غيره ، دون أن يفتح عقله و قلبه على الرأي الآخر ، بل يتخذ من رأيه و سيلة للإيقاع بالآخرين ، و بالتالي إلغاؤهم ، لدرجة أنه صار التعنصر لأي شيء هو أشد ألف مرة من الإستعداد للتمسك بالحكم الثابت من الشرع ، دون أي تسائل عما الذي يحمل على الإعتقاد الى حد التسليم بأن المذهب الذي ورث عن الأباء و المجتمع الصغير هو الحق الأوحد و الأمثل ؟ و أنه الصورة الأكثر كمالا للدين الإسلامي الحنيف الذي لا يشاركه مذهب آخر في حظه هذا من الكمال ؟!! فحين أن الإنتماء المذهبي في الإسلام ، هو إنتماء فقهي ، أي ترجيح لمذهب ما من المذاهب الإسلامية ، و الإنتساب إليه في عمل إلتزامي معين عن وعي و قناعة و إختيار ، و ليس عن إجبار و إكراه ؛ و لهذا نجد أن أغلب هؤلاء المتعنصرين للمذهبية ، بهم جهل بالدين ، و هبل في السياسة ، و خبل بالواقع ، و رغم ذلك نصبوا أنفسهم و كلاء رسميون للإسلام 0 الغلو و التطرف : إن الدرجة الرفيعة ، و المكانة العالية ، التي أعطى الإسلام لآل البيت عليهم السلام من خلال الآيات الكريمة ، و الأحاديث النبوية المطهرة ، الواردة في حقهم عليهم السلام على أساس أنهم المطهرين ، و أحد الثقلين ، و أنهم سفن النجاة ، جعل بعضا من محبي و مشايعي آل البيت عليهم السلام يتجاوزون حد الحب و التعظيم و الموالاة ، إلى الغلو فيهم و الخروج عن حد المعقول و الإعتدال ، بل و أضافوا لهم في الدين و الدنيا ما تجاوزوا فيه الحد ، و خرجوا عن القصد ؛ و الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله وسلم قد تنبأ بظهور هؤلاء ، حيث قال : [ يا علي ... و إن أمتي ستفترق فيك ثلاثا ؛ ففرقة شيعتك ، وهم المؤمنون ؛ و فرقة عدوك ، و هم الشاكون ؛ و فرقة تغلو فيك ، و هم الجاحدون ] ، و لهذا نجد أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام نفسه قد تبرأ من هؤلاء الغلاة قائلا : [ اللهم إني بريء من الغلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى ...اللهم أخذلهم أبدا ، و لا تنصر منهم أحدا ] ، و كذلك نجد الإمام الصادق عليه السلام في تحذيره لأصحابه من هؤلاء ، أنه قال : [ إحذروا على شبابكم الغلاة ، لا يفسدونهم ، فإن الغلاة شر خلق الله ] ؛ إلا أنه يجب التنبيه إلى أمر مهم و هو أن لا يدفعنا هذا الى ترك وظيفة شرعية ألا و هي تعظيم مكانة ومنزلة آل البيت عليهم السلام ، أي الوقوف على الحد الفاصل بين الغلو و التعظيم ، كي لا يكون غلو الغلاة ، و تطرفهم في حق الأئمة عليهم السلام ذريعة لعدم ممارسة تلك الوظيفة ، و بالتالي التنقيص من قدسيتهم و طهارتهم و عصمتهم و كراماتهم 0 وللإشارة ، فالشيعة ليس لديهم كتاب يأخذون بكل ما فيه ، و لا يمحصون أقواله ، و له حصانة عن النقاش غير القرآن الكريم ، أو أنه يأتي بعد القرآن الكريم ، بل و علماء الشيعة يحرمون الرجوع الى أي حديث من غير النظر فيه سندا و متنا ، لأن عصمة الأئمة عليهم السلام لا يعني عصمة الرواة و الناقلين 0 الصحابة : العقبة الوحيدة ، و الأساسية التي تحول دون تقارب بين " السنة " و الشيعة ، وتزيد الهوة ، هو الموقف من الصحابة ، وهذه العقبة رغم كبرها و علا تها ، و ذلك لما تراكم حولها وعليها من أزمات و مصائب ، فإنه بالركون الى الحق والبعد عن التعصب ، يمكن تجاوزها ، و تسوية أمرها ، خاصة "سنة" و شيعة الى العروة الوثقى التي تجمعنا ، كتاب الله عزوجل، و ما صح و تواتر من سنة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله وسلم ، فاحترام أصحاب نبينا من إحترامه صلى الله عليه و آله وسلم ، وكذا أزواجه أمهات المؤمنين ، فلا سب ، و لا لعن ، و لا طعن ؛ لأن الأئمة عليهم السلام بدءأ بأمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام ما صح عنهم أنهم سبوا ، أو لعنوا ، أو طعنوا في أحد من الصحابة ، أو من أمهات المؤمنين ، حتى أن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام لم يكفر من خاصموه في معركة الجمل ، و لم يكفر معاوية بن أبي سفيان ، و لم يكفر الخوارج ، و إنما كان موقفه من هؤلاء المخالفين الذين ناصبوه العداء لدرجة أنهم شهروا عليه السيوف ، و ألبوا عليه الجموع ، بل وشنوا عليه حربا دعائية عجيبة تسربت الى كل زوايا المجتمع ، كان موقفا في غاية النبل و الشهامة ، إذ لم يغمض لهم حقا ، و لم يمنعهم فيئهم ، و لم يمنعهم من الصلاة مع الناس ، و لم يمنعهم شهادتهم في الخصام ، بل أن الإمام علي عليه السلام لما سمع بعضا من جيشه في حرب صفين ، يسب أهل الشام قال لهم :[ إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين ، و لكنكم لو وصفتم أعمالهم ، و ذكرتم حالهم ، كان أصوب في القول ، و أبلغ في العذر ، و قلتم مكان سبّكم إياها : اللهم إحقن دماءنا ، و دماءهم ، و أصلح ذات بيننا و بينهم ، و إهدهم عن ضلالهم حتى يعرف الحق من جهله ، و يرعوي عن الغي و العدوان من لهج به ] ، بل وحتى لما سأله أحدهم عن الخوارج ، هل هم كفار ؟ أجاب عليه السلام : [ بل من الكفر فروا ]0 ولهذا يجب أن لا نقف عند ما شحن به غلاة الشيعة القدامى ، و من نهج نهجهم ، من روايات و أحاديث ، تسب بعض الصحابة ، أو تطعن في بعض أمهات المؤمنين ، فهذا مما لا يستقيم مع المنهاج النبوي للأئمة عليهم السلام ؛ و للإشارة فمدرسة ( السنة و الجماعة ) هي الأخرى لم تخلو من غلاة و متطرفين ، فمعاوية بن أبي سفيان سنّ سنة سبّ الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من فوق المنابر و " الأمة " تؤمّ على الدعاء لعقود من السنين ، حتى أبطل تلك البدعة الضالة " عمر بن عبد العزيز "0 إلا أن هذا لا يعني عدم تقييم و نقد جيل الصحابة ، و القول بتفاوت درجاتهم ، فالصحابة فيهم السابق بالخيرات ، و المقتصد ، و الظالم لنفسه ، و هذا التقييم ، و هذا النقد لا يعني بالضرورة قدحا و طعنا في التربية النبوية للصحابة ، أو تنقيصا من المعلم الأول صلى الله عليه وآله وسلم بحيث أنه لم يربي صحابته ، إذ سرعان ما إنقلبوا لما إنتقل الى الرفيق الأعلى ؛ لأن القرآن الكريم ، و السنة المطهرة يشيران إلى هذا الأمر ، أي إنقلاب بعض الصحابة ، و تبديلهم ، و إحداثهم بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم [ .... إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ...] ، و بالتالي فإن محاولة للربط بين تقييم و نقد جيل الصحابة ، و التربية النبوية ، من السكوت أو تبرير ما جرى وحدث ، إنما محاولة تدليس و خطأ منهجي 0 أما نحن لنكون تلاميذ الإمام علي عليه السلام و طلاب مدرسته العظيمة ، فيجب أن تتجسد فينا تلك القيم و المواقف النبيلة ، و الشهمة للإمام علي عليه السلام في تعاملنا و تقييمنا لبعضنا البعض ، نضع اليد على السلبيات ، و لكن في إطار الشرع و العقل ، و نمجد الإيجابيات لكي تنمو هذه القيم الإيجابية في المجتمع ، لكي لا يتساوى المسيء ، و المحسن ، لأن المجتمع الذي يساوي بين المحسن ، و المسيء مجتمع مريض ، و فاسد إختلت فيه الموازين0 الشيعة المغاربة : إن الشيعة في المغرب ليسوا قوما وافدين ، أو طارئين ، كما قد يتوهم البعض ، و إنما هم جزء من المجتمع المغربي الذي يعيشون فيه ، و ينتمون إليه ، مهما قل عددهم أو كثر ؛ فالتشيع أبدا لم يكن إنتماءأ على حساب الأوطان و الشعوب ، و إنما منهاج يتعبد به ، و يتقرب به إلى الله عزوجل ، إسترشادا بفكر آل البيت عليهم السلام ، و أن حبهم لهذا البلد الحبيب لا يشوبه شائبة ، رغم ضيق جبة الدولة ؛ و لهذا فعلى الدولة أن تتجاوز هذا التباين المفتعل بين المسلمين ، و ذلك بإدماج الفئات المذهبية في المجتمع على أساس وطني ، في دولة تكفل لمواطنيها الحقوق الأساسية ، و تفتح المجال حتى يشعر الشيعة في المغرب بالأمن و الأمان و الحرية داخل وطنهم ، و هذا الشعور سوف يقطع الطريق على الخط الإيراني الذي ينطوي على أجندة إيران الدولة ، إذ في ظل هذا الإستقطاب الطائفي الذي يتفاقم كل يوم ، و هذه التجاذبات الإقليمية ، إذا لم تقم الدول العربية بالتعامل مع الشيعة في بلدانها بحكمة ، و دراية ، و تشعرهم بالإنتماء و الحرية و الأمن ، فليس بعيدا أن يلجأ الشيعي لإيران خاصة و أنها تدعي " حماية و رعاية " الشيعة و التشيع في العالم ؛ ولذا فعلى الشيعة في المغرب أن يعلموا أن إيران دولة لها مصالحها القومية ، و أجندتها الإقيمية ، و أن التشيع وعي و سلوك ، قبل أن يكون مذهبا ، و أنه فوق الأوطان و الإنتماأت السياسية ، و التجاذبات المصلحية ، و أن يعلموا أنهم جزء لا يتجزء من أمة الإسلام الكبرى ، و ليسوا بفئة منعزلة عنها ، و أن أي تحرك يجب أن يتم ضمن الصيغ التي تعتمدها شعوبهم في أوطانهم التي ينحدروا منها ، و يعيشون معها و فيها 0 العمالة و التبعية : و كما هو معلوم أن أي نظام ، أو دولة تحاول إيجاد أتباع ، و كسب موالين يدافعون عن شرعيتها ، و مصالحها ، و أهدافها ، و ذلك من خلال شراء الذمم ، أو فتح أبواب الرقي الإجتماعي ، من مناصب و إمتيازات ، و لهذا نجد أن البعض يحاول إلصاق تهمة التبعية ، و العمالة ، و الموالاة للشيعة في الوطن العربي لجهات خارجية و طبعا القصد هنا لدولة إيران بل ، و أن هذه هي الموضة الجديدة ، ولذا كان لزاما فصل الخطاب في هذه التهمة الخطيرة ، و المتهافتة في نفس الآن ، فمن حقنا أن نتساءل عن المقصود بالعمالة والتبعية ، لأن هناك من يخلط الأمور، و يتعمدها من أجل إنزال سيف الملاحقات الأمنية ، و المتابعات القضائية ، في حق كل من إختار التشيع مذهبا للتعبد ؛ فإن كان القصد بهذه التهمة الإرتباط الفقهي بالمراجع ، فأظن أن الأمر قد لا يحتاج حتى للإلتفات ، أحرى مناقشتها ، لأن المرجعية ترتبط بالأعلمية ، و الشخص ، لا بالزمان أو المكان أو الوطن ، و هذا من المتفق عليه حتى عند مدرسة ( السنة و الجماعة ) كإرتباط كثير من السلفيين في المغرب بمراجع وهابية بدولة السعودية ؛ أما إن كان القصد يتعلق بإملاء القرار السياسي من قبل دولة إيران ، فهذا مما لا يقبله عقل يفقه أبسط مبادئ السياسة قبل الختام : وقبل أن نختم هذه المقالة ، لا بأس من طرح نقاط نراها قد تكون عونا ، و وسيلة لتجنب هذا التعنصر المذهبي ، و فسح المجال أمام من إختار التشيع مذهبا للتعبد ، لممارسة معتقده في واضحة النهار ، دون تهويل لفرض مزيد من القيود ، و إلصاق للتهم الرخيصة : 1 من الثوابت التي فوق الإختلاف ، أن الإقرار بالشهادتين ( لاإله إلا الله ، و محمدا رسول الله ) صلى الله عليه وآله وسلم ، و آمن بالإسلام ، و رضي به دينا و دنيا ، فهو مسلم مهما كان مذهبه ، فلا يجوز إتهامه بالكفر ، بمجرد أنه مخالف في المذهب ، أو أي شيء من فروع الفقه ، أو شيء من فروع الإعتقاد التي تعد مسائل إجتهادية ، لأن القول بالكفر أمر شنيع لا يليق إلا لمن بدل و إتخذ غير الإسلام دينا0 2 الكف عن الإسفزاز ، و تحويل الإلتزام المذهبي الى تعنصر للمذهب و تحزب ، و الترفع عن جرح المشاعر و الطعن في مقدسات الفريق الآخر ، فإن هذا الإستفزاز يثير العداء ، و يدفع بالمتعصبين و المتطرفين من كلا الجانبين الى ممارسات جانحة تتناقض و ديننا الإسلامي الحنيف 0 3 إلتماس العذر ، فلا يصح أن يختلف الشيعي مع " السني " ، أن يأتي " السني " و يكفر مثلا الشيعي ، و يبدعه و يضله ، وكذلك الأمر بالنسبة للشيعي في تعامله مع " السني " ، بل يجب أن نتعاون فيما إتفقنا فيه ، لا أن نجعل الإختلاف سببا للإخراج من الملة ، و أيضا النظر الى التنوع المذهبي على أنه إختلاف فكري إجتهادي حول فهم الإسلام 0 4 تقديم المصلحة العليا للإسلام ، على المصلحة المذهبية ، و التقوقع الفئوي ، وفتح قنوات التواصل بين المسلمين ، لأن مصلحة الإسلام ، و هموم المسلمين لا تخص فئة دون الآخر ، أو مذهبا دون الآخر 0 وهذا لن يتأتى إلا من خلال تكسير الحواجز النفسية ، و التي سببها عقلية التعصب و الجمود ، التي تورث الحقد والبغضاء و الضغينة 0 مسك الختام : و خير ما نختم به هذه المقالة ، هو إيراد كلام رفيع لأحد أبرز رواد الحركة الإسلامية في المغرب ، الشيخ : " عبد السلام ياسين " مرشد حركة ( العدل و الإحسان ) نقلا عن كتابه نظرات في الفقه و التاريخ حيث يقول : [... كيف ترى نبّاشي الخلافات سفلة القراء يعيثون فسادا ، و تلزم الحياد ؟ كيف تُفرّق بين شطري الأمة سنة و شيعة ، طائفة ممن لا يعقلون ، و أنت ساكت ؟... هذا وجه أخيك الشيعي .. هذا وجه أخيك المنضم الى جماعة ، غير جماعتك ، و هو ماد يده إليك على إستحياء وحذر ...هل نظرت الى هذه الوجوه من أعالي الأمور ، ودواعي الوحدة و الأخوة ؟ أم نظرت إليها من خلال كتب مليئة بآثار الصراع الماضي حين كان يكال الصاع صاعان ؟ هل شوه تاريخ مضى ، و حرب قائمة ، و خلافات في الوسائل و المنطلقات و الأساليب وجوه إخوتك في عينيك ؟ إمسح عن عينيك غشاوة التقليد ، و عن قلبك إمسح ران الغفلة عن الله رب العالمين ، ومن عقلك إنزع ذهنية التبلد على عادة الكسل ، تبصر وجه أخيك في مرآة المحبة ، وقد مسح عنه تشويهات صنعها وهمك حبه لله و رسوله ، و إيمانه بالله و باليوم الآخر ، و تشبثه بالقرآن ، و دفاعه عن الحوزة ، و سخاؤه بالدماء و الجهد لنصرة دين الله ]0 فهل من معتبر ؟ و هل من متعض ؟ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين