في سياق الحديث عن اللقاح الصيني المضاد لكوفيد 19 الذي سيتم تطعيم المغاربة به في غضون الشهر المقبل حسب تصريحات المسؤولين ببلادنا، انطلقت لدى كثير من المواطنين والمواطنات موجة من عبارات "الخوف" و"التخويف" و"التحفظ" و"التحذير" من هذا اللقاح بدعوى أنه يحمل علامة "Made In China"، ولأن هذه العلامة ترتبط في ذهن وتجربة المواطن المغربي البسيط ب"الرخا" و"ضعف الجودة" و"سرعة التلف"، فلذلك فهو يحكم جزافا على كل ما يأتي من بلاد يأجوج ومأجوج على أنه سيء ورديء بل وأحيانا خطير، ولذلك طبيعي جدا أن يكون خائفا والأمر هنا يتعلق بصحته، خاصة في ظل الأخبار السيارة التي تصدر ممن يسمون أنفسهم ب"متخصصين" وحتى من المتطفلين الذين يُفتون بغير علم في أشياء جد دقيقة تحتاج إلى تجارب في مختبرات متطورة ورائدة في الصناعة الدوائية والأبحاث الفيروسية! وإذا حاولنا البحث عن أسباب هذا الخوف والتندر من "مصنوعات الشينوا" لدى المغاربة، نجد أن السبب الرئيس في ذلك يرجع إلى "تجار الخردة" ببلادنا اللاهثين وراء الربح السريع، فهم الذين سوقوا صورة نمطية عن الصناعة الصينية حينما قاموا بإغراق الأسواق المغربية-منذ أواخر تسعينات القرن الماضي ومطلع الألفية الثالثة، وما يزالون يفعلون إلى يومنا هذا-بمصنوعات ضعيفة الجودة أو حتى رديئة بحكم أنها تحقق لهم أرباحا سوريالية تزيد أحيانا عن 300 في المائة، خاصة إذا تعلق الأمر بمصنوعات تحت الطلب وفق المواصفات التي تستهوي غالبية المستهلكين المغاربة "الرّخْص" و"المنظر" و"الإتقان" و"الدّْوام"! إلا أنه ومع مرور الزمن اكتشف المستهلك المغربي أن منتجات عشرة دراهم وعشرين درهما أو حتى خمسين درهما "المزوقة من برّا" لا تدوم طويلا وإنما هي من نوعية "Jetable"، ولذلك تكونت لديه قناعة عامة مفادها أن "سلعة الشينوا خايبة وماشي دوريجين"، وقياسا عليه فحتى "لقاحهم سيكون سيئا وخطيرا"! إلا أن الواقع الاقتصادي العالمي يؤكد أن الصناعة الصينية، خاصة في مجالات التكنولوجيا الدقيقة (النانو) والقطارات فائقة السرعة والسيارات التقليدية والذكية وهندسة الطرق والقناطر... رائدة ومتقدمة جدا حتى على منافسيها الأوروبيين والأمريكيين واليابانيين؛ إلا أن الصين وبحكم أنها تنهج سياسة "بقعة الزيت" في مجال التجارة والتسويق، فإنها تعمل على صناعة كل الماركات العالمية وتُعّد منها آلاف الموديلات بجودة متفاوتة تتراوح بين الرديء والمتوسط والممتاز مراعاة للقدرة الشرائية لمواطنيها وأيضا لزبنائها في الخارج، فهي تعمل وفق مقولة "نصنع لك ما تريد بحسب ما لديك من أموال"، والدليل على ذلك أن المنتجات الصناعية للتنين الصيني غزت كل الأسواق التجارية العالمية، بما فيها أسواق الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدةالأمريكية، بل إن أكبر شريك تجاري للصين هو الولاياتالمتحدة ذاتها، ولكن أكيد أن المنتجات التي توّجه لتلك الأسواق تكون بمواصفات عالية الجودة. أما في مجال الصناعة الدوائية، فقد اكتشف العالم-بما فيه بلدان أوروبا وأمريكا-مع أزمة كورونا أن الصين تصنع أكثر من 80% من المواد الأساسية المستخدمة في صناعة المستحضرات الصيدلانية، كما تنتج حوالي 97% من المواد الخام والمواد الكيميائية اللازمة لإنتاج المضادات الحيوية ((Les Antibiotiques، التي يتم استهلاكها بشكل كبير في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حتى إن المستشار الاقتصادي السابق للبيت الأبيض غاري كوهين قال يوما: "إذا كنت صينياً وتريد تدميرنا، فتوقف ببساطة عن إرسال المضادات الحيوية إلينا"، وهذا اعتراف صريح بالتفوق الصيني في مجال الصناعة الدوائية وسيطرته على السوق العالمية في هذا المجال. كما أن الصين تعد المورد العالمي المهيمن على قطاع المعدات الطبية من أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي، وملابس الأطباء الجراحين، والمعدات التي تقيس مستويات الأكسجين والسكر بالدم وغيرها. هذا فضلا عن ريادة بلاد التنين في الصناعة البيولوجية والبكترولوجية من خلال مختبرها في ووهان الذي يعد أول مختبر صيني لتلبية معايير السلامة الأحيائية-4 (BSL4) الذي بدأ نشاطه عام 2017 لإجراء أبحاث علمية حول المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة، أو فيروس سارس، والأمراض الناشئة الأخرى. كما أنه المختبر الوحيد الذي يستطيع التعامل بأمان مع أخطر مسببات الأمراض في العالم التي تشكل تهديدا كبيرا لانتقال العدوى. فكيف إذن أمام هذه المعطيات يحق لمن ليسوا بارعين إلا في "الشفويلوجيا"، وليس لهم أدنى إلمام لا بالتكنولوجيا ولا بالبيولوجيا، أن يصدروا أحكاما جزافية وخرافية في حق لقاح أثبتت التجارب السريرية حول العالم فعاليته ودون مضاعفات سلبية على ما يقرب من مليون متطوع! إنهم لا يفعلون ذلك عن علم، ولكن بسبب انطباعاتهم النمطية حول علامة "Made in China"!