تواجه مجموعة من الدّول العربيّة، التي عاشت حروباً أو واجهت كوارث طبيعية "مدمّرة"، تحدّي إعادة الإعمار ورفع الأنقاض الناتجة عن قصف الأبنية والإضرار بالموارد وتلويث آبار المياه وإحراق المحاصيل وتسميم التربة في بؤر الصّراعات المسلحة العربية. وتؤكّد ورقة بحثية حديثة، نشرت بمركز المستقبل للأبحاث والدٍّراسات المتقدّمة، أنّ "الصراعات المسلحة التي شهدتها بعض الدول العربية، خلال العقد الماضي، أدّت إلى تدمير في الحجر، سواء بشكل بالغ أو جزئي، لتحقيق مكاسب عسكرية، وهو ما خلَّف مجموعة من الأنقاض، مشيرة إلى أنّ "هناك عقبات عدة لا تزال تواجه محاولات التعامل مع ركام الأنقاض". ومن بين التّحديات التي تقف عندها الورقة البحثية ما اعتبرته تعثر عمليات إعادة الإعمار، حيث تعد إزالة الأنقاض الخطوة الأولى في عملية إعادة الإعمار للدول المنكوبة بالصراعات المسلحة، الأمر الذي يرتبط بدوره بالحل السياسي. فعلى سبيل المثال، تتعثر المفاوضات القائمة بين الدول الضامنة لمسار الأستانة (روسيا وتركيا وإيران) والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن عملية إعادة الإعمار في سوريا، في ظل الانتقادات التي توجه إلى النظام السوري. يضاف إلى ذلك طول المدة الزمنية التي تستغرقها عملية إعادة الإعمار، والتكلفة المالية التي تخصص لها نظراً لتنامي الخسائر التي تعرضت لها الدول من تلك الصراعات الممتدة. وفي هذا السياق، قدَّر تقرير لجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، تحت عنوان "سوريا: بعد ثماني سنوات من الحرب"، في 24 سبتمبر 2020، خسائر سوريا نتيجة الصراعات المسلحة التي شهدتها بنحو 442 مليار دولار، بعدما كان تقرير سابق في عام 2016 قدَّر تكلفة تلك الصراعات ب260 مليارا. حالات فردية غلبة المبادرات الفردية على التحركات الحكومية: وهو ما ينطبق على بعض حالات بؤر الصراعات، مثلما هو قائم في سوريا. فرغم التوجه الحكومي نحو إصدار تشريعات تتعلق بإزالة الأنقاض، عبر إصدار القانون رقم 3 لعام 2018، الخاص ب"إزالة أنقاض الأبنية المتضررة نتيجة أسباب طبيعية أو غير طبيعية أو لخضوعها للقوانين التي تقضي بهدمها"، فإن تطبيق ما جاء فيه على أرض الواقع لم يبدأ بعد بشكل فعلي. تقييم الأضرار الافتقار إلى خبراء الفرز ولجان التقييم: يعتبر البعض أن الأنقاض تعد ثروة وطنية مهدورة في عدد من دول الإقليم مقارنة بدول العالم المتقدم، لأن هناك إدراكاً لأهمية عملية إعادة تدويرها للاستفادة منها في استخدامات إنشائية مستقبلية، وهو ما يتطلب تشكيل لجان فنية من نقابات المهندسين، مثلاً، للوقوف على تقييم الأضرار وترحيل الأنقاض ونسبتها من إجمالي المباني المدمرة. وفي هذا السياق، يشير البعض إلى أنه غالباً ما يتم اتباع وسائل محددة للتعامل مع هذه الأنقاض في الدول التي تتوافر فيها معامل إعادة التدوير، ولكن يختلف أسلوب التعامل مع الأنقاض طبقاً لنوعها، فعمليات الهدم تنتج عنها مواد يمكن بعد فصلها أو تجميعها تقسيمها إلى مواد وعناصر مقبول استخدامها مباشرة بحالتها (معادن، وحديد، وخشب)، أو مواد يمكن إعادة استخدامها بعد المعالجة مثل (الركام، والحجر، والخشب)، أو مواد لا يمكن استخدامها لأنها ملوثة وضارة بالبيئة والصحة مثل مواد العزل. ذخائر غير متفجرة - صعوبة التمييز بين المُخلَّفات الضارة والمُخلَّفات غير الضارة: من الأهمية بما كان أن يتم فرز المُخلَّفات الضارة "المرئية" مثل الركام والمُخلَّفات الضارة غير المرئية مثل الألغام، التي يتم زرعها من قبل الميلشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية لمنع الاستقرار والأمن في هذه المنطقة، وهو ما تشهده بعض المدن اليمنية، وكذلك الحال في عدد من المحافظات العراقية، إذ قدَّرت السلطات في محافظة كركوك أنه بين عامي 2014 و2017 تراكم ما بين 8 و9 ملايين طن من الحطام خلال الحرب على تنظيم "داعش". ويتمثل التحدي الأكبر في التعامل مع هذه الأنقاض في احتمال وجود ذخائر غير متفجرة مدفونة تحتها. قضية العائدين - عدم عودة النازحين: تعاني بعض المدن المنكوبة بالصراعات المسلحة أو التنظيمات الإرهابية، خاصة في سوريا والعراق، مشكلات عدة، حتى بعد سكوت المدافع، الأمر الذي يحول دون عودة المواطنين النازحين إلى ديارهم، واستقرار العائدين منهم في مناطق جغرافية أكثر أماناً. وتخلص الدّراسة إلى أن مُخلَّفات الأبنية المهدمة (الأنقاض) في بؤر الصراعات المسلحة، بخلاف الأنقاض الناتجة عن عوامل طبيعية مثل الزلازل (على نحو ما شهدته محافظة أزمير بتركيا في 30 أكتوبر الفائت) والانفجارات الأرضية (وهو ما شهدته لبنان في انفجار مرفأ بيروت في 4 غشت الماضي، لدرجة أن محافظ بيروت صرح بأن هذا الانفجار لم تشهده المدينة خلال الحرب الأهلية)، تمثل أحد التحديات التي تواجه الدول في "اليوم التالي" لسكوت المدافع أو حتى كمرحلة انتقال من الدمار إلى الإعمار. فضلاً عن الدول المستقرة نسبياً، التي تراهن على تفعيل هيئة إدارة الكوارث والأزمات للتعامل مع الكوارث الطبيعية التي تقع بشكل مفاجئ. ورغم المساعدات التي تقدمها بعض الجهات المانحة، سواء التابعة للأمم المتحدة أو للحكومات، إلى الدول المأزومة، فهي ليست كافية للتعامل مع هذا الكم من الأنقاض.